مفاجأة: أقدم توراة يمنية مؤكدة بالكربون المشع تُعرض للبيع في نيويورك!
أهم من التوراة التي هُربت من صنعاء في مارس 2016م، كُتبت أواخر حكم الدولة الرسولية.
بعد ما يقارب عشرة أعوام من تهريب سِفر توراة قديم مع حاخام ريدة من صنعاء إلى تل أبيب، تعرض دار سوذبيز في نيويورك في 17 ديسمبر 2025م، واحدة من أندر لفائف التوراة اليمنية المعروفة حتى اليوم، وهي مخطوطة تاريخية تعود أقدم رقوقها إلى الفترة ما بين 1425 و1450م، أواخر حكم الدولة الرسولية. وباستثناء هذه النسخة لا يوجد حتى الآن توراة يمنية كاملة مؤكدة تعود لما قبل القرن الرابع عشر.
تم فحص التوراة بالكربون المشع لتحديد عمرها، مما منحها توثيقًا دقيقًا. وهي أقدم من كل نُسخ التوراة الكاملة الموجودة حاليًا، بما فيها التوراة اليمنية في المكتبة البريطانية.
تتكون اللفيفة "من 76 رقًّا جلديًا مكتوبًا بالعبرية بخط يمني مربع متميز، وتضم 227 عمودًا نُسخت بخط دقيق ومحكم على مدى أجيال من النسَّاخ. تعد هذه اللفيفة سجلًا بصريًا لتطور الكتابة اليمنية بالخط العبري عبر ثلاثة أطوار متعاقبة"، إذ تحمل بين طياتها المرحلة القديمة التي يظهر فيها حرف الشين والقاف بأشكالهما المبكرة النادرة، والمرحلة المتوسطة التي بدأت فيها الحروف بالتغير والتطور، ومرحلة الرقوق الحديثة التي أضيفت خلال حملات الترميم المتتابعة.
ومن أبرز السمات الفريدة لهذه اللفيفة وضع نقطة حبر تحت الكلمة الواقعة في منتصف كل آية، وهو تقليد لا يُعرف إلا في اليمن، ويهدف إلى إرشاد القارئ أثناء التلاوة. وبحسب موقع المزاد "لا يُعرف عالميًا سوى ثلاث لفائف فقط" تحتفظ بهذه السمة النادرة، إحداها هذه القطعة الاستثنائية. "كما نُسّقت آيات نشيد البحر (خروج 15) ونشيد موسى (تثنية 32) بأسلوب هندسي يشبه الطوب المتراص، وهو أسلوب جمالي فريد اشتهر به النسّاخ اليمنيون".
توراة أخرى من القرن السادس عشر مؤكدة بالكربون!
وكانت نسخة المزاد للعام 2024م عرضت لفافة توراة يمنية فريدة أخرى تعود إلى القرن السادس عشر في الحقبة العثمانية في اليمن، وهي واحدة من أقدم النسخ اليمنية الكاملة المعروفة اليوم، وتم توثيق عمرها عبر فحص الكربون المشع، وبحسب المزاد فإنها "تجمع بين الدقة النصية الصارمة التي اشتهرت بها اليمن، وبين التقاليد التي اعتمدها ابن ميمون ومصحف حلب، ورغم احترام اليهود لابن ميمون حول العالم، إلا أن له مكانة خاصة بين يهود اليمن الذين التزموا بأحكامه الهلاخية (المذهب، الشريعة) بصرامة فائقة". وبحسب المزاد "تضم اللفافة تسعة رقوق حديثة الاستبدال تغطي المقاطع التالية: تكوين 1:1-4:26 (الرق 1)، وخروج 3:8-9:34 (الرقان 17-18)، وخروج 39:2 -لاويين 2:6 (الرق 28)، وعدد 20:14-25:15 (الرقان 43-44)، وتثنية 29:15-34:12 (الرقوق 57-59). كما تحتوي اللفافة على ثلاثة رقوق أخرى يُرجَّح أنها استبدالات مبكرة، وهي الرقوق 27 و31 و32".
اليمن والولايات المتحدة
للأسف تعرض المزادات نسخ التوراة اليمنية رغم وجود اتفاق يمني أمريكي يمنع دخول آثار اليمن والمخطوطات القادمة من اليمن، مستفيدين من ثغرات قانونية في الاتفاق الثقافي بين اليمن والولايات المتحدة. فالاتفاق يمنع تهريب وبيع الآثار والمخطوطات المملوكة للدولة اليمنية فقط، ويشترط أن تكون القطعة مدرجة رسميًا ضمن قوائم التراث المحمي، وأن يثبت أنها خرجت من اليمن بطريقة غير مشروعة. لكن لفائف التوراة تصنف قانونيًا في الولايات على أنها ممتلكات دينية خاصة لجماعة يهود اليمن، وليست تراثًا وطنيًا مملوكًا للدولة، ما يعني أنها لا تدخل تلقائيًا تحت مظلة الحظر. "لأن القانون الأمريكي يعتمد على عبء الإثبات. أي أن اليمن يجب أن يقدم اعتراضًا رسميًا، وأن يثبت أن خروج اللفيفة كان غير قانوني، وأنها جزء من ممتلكات الدولة. وحتى اليوم، لا توجد مطالبة رسمية ولا دليل موثق بأن التوراة خرجت بعد تطبيق الاتفاق الثنائي. لذلك، تتعامل المزادات الأمريكية مع اللفيفة كملكية خاصة قابلة للبيع، لا كقطعة أثرية محمية".
وهذا يكشف فجوة كبيرة في آليات حماية التراث اليمني، ويطرح سؤالًا مهمًا: من يدافع عن ذاكرة اليمن المكتوبة إذا لم تقم الدولة بذلك؟