اراضي حضرموت السكنية والاستثمارية ما ذهب منها وما تبقى!!

اراضي حضرموت السكنية والاستثمارية ما ذهب منها وما تبقى!!

- المكلا - فؤاد راشد
قضايا الأراضي في حضرموت ملف لا ينتهي مذ فتحت أوراقه قبل نحو 16 عاماً، وما زال هذا الملف ساخناً يسيل له لعاب الطامعين، ويحرق قلوب المستحقين رغم ان الأراضي في هذه المحافظة الشاسعة (التي عليها العين) قد وزعت على الأفراد والمستثمرين والمستعمرين والنافذين، الذين أخذوا الكثير بالرضا والعصا، ولم يبق شيئ أو بالكاد القليل في حوزة الاستاذ عبدالقادر علي هلال، محافظة المحافظة، وربما يدري بعض المهندسين الخبثاء عن شيء من الأراضي التي لم تصرف بعد، وقاموا بتسويرها من باب إبعاد العين عنها!
وحكاية الأراضي، وصرف الاراضي، والاتجار بالأراضي، بدأ في العام 1990م عقب إعلان الوحدة اليمنية حيث رأت الدولة مواطنيها في الجنوب اليمني محرومين من بناءمساكن لهم، ومحشورين في أحياء سكنية محدودة بينما الأراضي البيضاء تحيط بهم من كل جانب، وكان ان ارتفع صوت ملاك المساكن الذين أممت بيوتهم، ومنحت للسكن لغيرهم بغير حق، مطالبين بإعادة أملاكهم، والغاء قانون التأميم سيء الصيت الذي لم يؤمم بيوت الناس وقوارب صيدهم باسم الاستثمار، وبعض هذه الاراضي لا تتجاوز مساحتها 10*10 أمتار وصنفت هذه الاراضي استثماراً من منطلق ان هؤلاء المحظوظين بهذه الاراضي سيقومون -ولله درهم- بتعبيد هذه المنطقة الرملية على ساحل خلف، وسيتحملون نفقات تخدميها بحيث تتحول هذه المنطقة إلى مدينة حديثة تسر الناظرين وهي تعرف بالرديئة رقم (1).
وحينما بدأت تنتعش البلاد، ويدخل في الخط جمهور سمامرة بيع الاراضي والاتجار بها، وحينما بدأ يعود بعض المغتربين من الخارج لا سيما الميسورين منهم بحساب التعسينيات، وطلبوا الحصول على الأرض عالجاهز دلف سوق الارض في بورصة البيع والشراء فبرق الدولار الامريكي، ولم يلمع الريال اليماني، فازداد صرف الارض اتساعاً في المساحة خاصة في اراضي الاستثمار، وفي معظم محافظات الجنوب، وتطورت عقلية الاشتراكية العلمية.
مكتب الزراعة هو الآخر تدخل في صرف الارض فيما يصرف بالأرض الزراعية، فاجتثت مساحات من الارض، واعتبرها اراضي ذات تربة زراعية وقام بالصرف فيها.
الشركات النفطية الوطنية قامت أيضاً بمنح تراخيص استثمار لمشاريع محطات تعبئة وقود فاقتصت اراضي لذلك وقامت بالصرف فيها.
مكاتب النفط والمساحات الجيولوجية اختصوا بصرف أراضٍ لما يعرف بمشاريع كسارات وما إلى ذلك.
الجميع يصرف، والجميع يأخذ، والجميع يبيع، وهناك من يشتري، ومع ذلك فالذي تم التصرف به في صرف اخذ طابعاً عشوائياً للأرض خلال اربع سنوات من عمر الوحدة لا يساوي نقطة في بحر ما صرف وبصورة تجاوزت العشوائية مابعد حرب 94م حتى يمكنني ان اقول ان الارض اضحت مشاعاً للقوي الذي يستطيع ان يأخذ ما يريد ويزيد إذا هناك من يسنده فتزداد القوة منعة.
في حضرموت غيرت المخططات السكينة لتتسع المساحات وابعاد الاراضي، وازيح من هذه المخططات مساحات المساجد ورياض الاطفال والمدارس وحتى مساحات المقابر، وظل الصرف مستمراً فيما اتيح من اراض جديدة في مخططات قديمة إلى جانب استحداث مخططات جديدة، والأمر كذلك في الاستثمار وفي الزراعة (..الخ حتى تم القضاء، والحمد لله من قبل ومن بعد ولا راد لقضائه، على كل مساحات الاراضي التي يمكن ان يحلم بها مواطن ليبني له مسكناً في حضرموت.. وأقصد بالاراضي التي صرفت وتوزعت على من هب ودب، ولم يبق شيئ منها في حضرموت أعني تلك الاراضي المحيطة بالمدن والتي ربطت بعضها ببعض، أما الارض في حضرموت فهي فسيحة، ومترامية الاطراف، وتستوعب سكان إحدى الدول الافريقية واثنتين وثلاث، لا سيما تلك الاراضي الصحراوية الممتدة حتى مأرب وحتىالحدود السعودية، لكن من الذي يطلب أن يسكن هناك، أو حتى يبسط على الارض بغرض البيع!
ما زالت الاراضي في حضرموت في مختلف مدنها محطة فتنة أراد لها السابقون واللاحقون ان تكون كذلك، وما زالت هذه الفتنة تتجدد كلما انتفت بحد ما سبقها، وما زلنا نسمع عن اقتتال هنا وقتال هناك بسبب قطعة ارض طالت مساحتها أم قصرت فيما لا يزيد مساحة قبر هذا القاتل أو ذلك المقتول عن ربع مساحة هذه الارض التي يتم التقاتل عليها.
نزاع الاراض، وأعود لأقول، في حضرموت ينطلق الآن من موقع غير موقع الاستحواذ على الارض البيضاء، وتملكها لأن في الواقع لم يعد للاراضي البيضاء (أراضي الدولة) وجودالنزاع الآن يعرف بالصرف المزدوج الذي عزف عليه عدد من المهندسين فمنحوا بالجملة من الناس وثائق رسمية لارضية واحدة وهات يا نزاع وهات يا قتال.
المحاكم في كل من حضرموت تنظر في نزاعات المواطنين حول هذه الارض أو تلك.. مراكز الأمن تنظر هي الأخرى في نزاعات الاراضي، والنيابات القضائية هي الأخرى كذلك تتدخل وتفعل في بعض قضايا نزاعات الاراضي. والكل مشغول في حضرموت بالاراضي من قضاء المحاكم إلى اعضاء النيابة إلى قادة الامن إلى المحامين إلى مالكي الارض إلى السماسرة إلى الطامعين والطامحين لهم جراً.
البديهي ان مثل هذه النزاعات محلها ومكانها المحاكم، ولايتعدى دور النيابة او الأمن التدخل لمنع اي نزاع قد يؤدي إلى الاقتتال وسفك الدماء، والمحكمة هي من تملك الفصل النهائى في حسم هذه النزاعات، ولا شك أن النيابة، وهي سلطة قضائية، أقدر من مراكز الامن في اتخاذ بعض القرارات التي يمكن للمحاكم أن تعول عليها، وتكون هذه القرارات بمثابة أحكام أولية في مثل هذه النزاعات وفقاً لما يحمله اطراف النزاع من وثائق وبصائر رسمية.
واقع الحال أن النيابات القضائية في حضرموت لا تنظر أصلاً في نزاعات الاراضي، وتحيلها مباشرة إلى المحاكم إلا هذا النزاع الذي بين يدي، وظل لمدة ستة أشهر في اضابير النيابة ليفصل فيه رئيس نيابة استئناف حضرموت الساحل خلافاً للحيثيات ووثائق المتنازعين. واتبعوني حتى أوضح لكم الحكاية.
المواطن عبدالحق صالح بن عبدالحق اشتري بفلوسه أرضاً واقعة بمنطقة فوة أبن سينا، ولم تمنحه الدول شيئاً والارض صادرة بوثيقة رسمية من مصلحة اراضي وعقارات الدولة، وفوجئ بأشخاص يعتدون على أرضه مدعين ملكيتهم لها بحسب عقد زراعي صادر من تعاونية فوة.
قام المواطن عبدالحق، وهو أمر طبيعي، بإبلاغ أمن مديرية المكلا بهذا الاعتداء فأحال الأمن القضية إلى نيابة مديرية المكلا، وباطلاع النيابة على ما يملكه الطرفان قامت بمخاطبة صاحبة الشأن وهي مصلحة اراضي وعقارات الدولة بفحص وثائق المتنازعين والإفادة.
المصلحة أرسلت خطاباً رسمياً أوضحت فيه صحة وثيقة المواطن عبدالحق، وأنها صادرة من قبلها وهي المسؤولة عن صرف وتوزيع الارض، وانكرت وثائق الآخرين.. ما الذي يستوجب على النيابة فعله في هذه الحالة!؟
رئيس نيابة الاستئناف لم يمهل نيابة المكلا ان تفعل او تعمل شيئاً، واحيل الموضوع اليه ليقوم بإرسال وثائق المتنازعين إلى المختبر الجنائي بصنعاء ويرمي بخطاب مصلحة أراضي وعقارات الدولة جانباً.. ولِمَ المختبر الجنائي بصنعاء، وعلى ماذا يمكن لخبراء المختبر في صنعاء ان يقارنوا ويخلصوا إلى نتيجة؟!
نعم تقرير المختبر الجنائي بصنعاء أكد صحة العقد الزراعي الذي طعن في صحته عبدالحق، ولكن على أي اسس أو مقارنات تم التأكد؟! ولماذا لم يأخذ بكلام مدير تعاونية فوة الذي أدلى بها لنيابة مديرية المكلا والذي أفاد فيها بتعويض كافة المستحقين العاملين بالتعاوني?!
هذه واحدة من المنازعات العديدة والكثيرة التي تحفل بها المحافظة المنغمسة في دوامة مشاكل الاراض وبلاويها!!