صنعاء 19C امطار خفيفة

عبدالباري.. وضاح.. يتناقشان.. يختلفان!!

عبدالباري.. وضاح.. يتناقشان.. يختلفان!!

كان ذلك المساء طريًّا، كنا نجلس على كومة من زلط وتراب.

احترقت الشركة اليمنية للطباعة والنشر، وبكينا يومها عليها، من عند أصغر مواطن إلى إبراهيم الحمدي… كانت "الثورة" الصحيفة تُطبع هناك.

 
على جانب من كومة "الزلط" الخشن، جلس عباس غالب رحمه الله ينتظر ما سيقوله عبدالباري… كانت ثمة قصيرة يراجعها لعباس.
أبدى له ملاحظاته، وراجعها عباس، ودفع بها إلى الأستاذ الزرقة، الذي كان في ديمة صغيرة في ساحة الشئون العامة والتوجيه المعنوي يومها…
ذلك المساء عرفت عبدالباري لأول مرة، ومن لحظتها وأنا أشرب من نهرٍ ومن بحره، فأنا أسميه دائمًا "بحر تهامة"، ويتفق سامي غالب معي في هذا…
تدور الأيام، يكبر وضاح، وأنا قريبٌ بعيد.
ذلك النهار، مررتُ لعبدالباري إلى البيت لنذهب إلى النقابة معًا، كان يومها نقيبًا، وأنا عضو هيئة إدارية قبل أن تُسمى أمانة عامة…
دلف إلى الأمام، ووضاح إلى الكرسي الخلفي، ألقى عبدالباري التحية سريعًا وواصل الكلام، يبدو أنهما بدآ حديثًا ما في البيت…
تحركتُ بالسيارة وظللتُ أُنصت، كان نقاشًا محتدمًا حول موضوع "السلفية الثقافية" إذا ذاكرتي لا تزال حيّة…
دار نقاش عميق طوال الطريق، يتفقان هنا، يختلفان هناك، وأنا مندهش، إذ لم أتعوّد ونتعود على أن يختلف الوالد والولد، وتربينا على الطاعة حتى الغلط! ربما قلت أحدث نفسي فيما بعد:
عبدالباري ووضاح يكرّران النعمان، الأستاذ والابن، عن غيرهما لم أسمع ولم أشاهد…
طوال النقاش، وقد تعمّدتُ أن أطيل الطريق، لم أسمع صوت أحدهما يرتفع، بل ظل على نفس الوتيرة التي بدأ بها…
من خلال معرفتي الوثيقة، التي كبرت يومًا بعد يوم، أدركت أن عبدالباري، حتى إذا اختلف معك في النقاش حول موضوع ما، أقصى درجات الغضب أنه يبتسم، وعليك أن تفهم! وإن لم تفهم، فتصدر الأحكام جزافًا…
يومها، والأيام التي تلت إلى اللحظة، أيقنت أن وضاح كاسمه، واضحٌ كضوء القمر، بأدبٍ معهود وفهمٍ لا يُبارى…
تخيّلوا والدًا وولدًا يخوضان في مواضيع خلافية، ولا يُفسد اختلافهما للطاعة قضية، ولا للود الإنساني قضية…
وضاح وعبدالباري يتعايشان ببُعدٍ إنساني غني بالقيم، ولنَتخيّل أن وضاح يراجع ويصحح ويقرأ كل ما يكتبه عبدالباري، وهو مختلف مع معظمه، لكنه يقول رأيه بعد أن يُنشر الكلام كأي قارئ… ووضاح كل يوم يمتلئ من لآلئ الكلمات والحروف…
أوقفتُ السيارة على اتفاق بأن يتابعا النقاش في وقت لاحق…
دخلنا إلى اجتماعنا في النقابة، وظللنا نصرخ حتى منتصف الليل…
أيقنتُ الآن أن غير ذلك الحوار، وحوارات ونقاشات أخرى، لا تقول إن ديمقراطية في هذه البلاد قد مرّت!! كانت مجرد خدعة، حيث ظللنا سنوات نمشي أمام العربة لنكتشف أننا كنا نقودها بدلًا عن الخيول…

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً