صنعاء 19C امطار خفيفة

دمغ صنعاء بالهوية الواحدة

ينطلق مقال صديقنا عبدالقوي غالب في النداء من صراع “هويّاتي” مكاني ومذهبي: صنعاء – تعز؛ بالرغم من تأكيده في المقال أنه صراع خصوم لا صراع هويات.

فتبدو صنعاء، في هذا الطرح التعميمي، وكأنها "تاريخياً" و"دائماً" لا تستقبل الضيوف الفكريين والسياسيين المختلفين “غير قادرة” و”لا تقبل”! مع أنها أسست أول قسم للفلسفة في اليمن في جامعتها.

ثم يتحدث عن “عقل الزيدية”، الذي يصبح فيه البردوني ممثّلاً لـ”عقل ثقافة الذات الزيدية للمدينة” أو “سفيراً” لها، فقط لأنه ينتمي إلى المكان “المذهبي” نفسه. ويكشف ذلك عن نقص في الاطلاع على سيرة البردوني، وعلى طبيعة “إمامة البطنين” التي يُنظر إليها وكأنها ملاصقة لصنعاء بشكل أبدي. والحال أن هناك أعلاماً كباراً من الزيدية وقفوا ضد إمامة البطنين، مثل الإمام عزالدين بن الحسين (ت 900هـ) وآخرين وصولاً إلى من أيدوا ثورتي 1948 و1962، فضلاً عن تطور شكل التمذهب نفسه. كما يغفل المقال فرقاً فكرية مهمة نشأت في صنعاء وصعدة.
وإذا كان عبدالقوي (الذي أسعدتني رؤية صورته ومعرفة أنه بخير بعد سنوات الغياب) يقول إن الفلسفة “تساعدنا على الريبة من أيّة حقيقة”، فقد وجدتُ رده على الصديق علي سالم المعبقي يصبّ في خانة التأكيد على خطاب سياسي مذهبي مناطقي: زيود – شوافع، وصنعاء – تعز، أكثر مما هو قراءة متفحّصة لأحوال أمكنة ظلت دائماً مفتوحة للجميع، ومتشابهة في معظم الأحوال، وإن أغلقتها سلطات سياسية عابرة.
كما أن الأطروحات التي تتجه في إلى هذا المنحى تغفل الكثير من التحولات الديموغرافية والثقافية للمدينتين صنعاء وتعز؛ ومن ذلك حال الحياة الثقافية وأمكنة ازدهارها وتراجعها، كعدد المكتبات والنشاط الفكري (جدل وكتابات وندوات.. إلى آخره.)، ومن هذه التحولات حال السكان في تغيراتهم، إذ من الصعب اعتبار مدينة معبرة عن "هوية" سكان "أصليين" أو "هوية" مذهبية ما.
فهل يمكن الإحابة على أسئلة من نوع: كم عدد سكان صنعاء حالياً وفي العقود الماضية؟ وهل هم من عائلات صنعائية/زيدية قديمة، أم ينتمون إلى مختلف مناطق اليمن؟ ثم، من هذا المنطلق يمكن أن تسأل، على سبيل المثال، عن عدد المقيمين فيها من المنحدرين من محافظات مثل تعز وإب والحديدة وعدن؟
وهل هناك معلومات عن عدد أبناء القبائل المجاورة المقيمين فيها مقارنة بسكان صنعاء القدامى وسكان المناطق الأخرى؟
وماذا عن عدد القائمين على الهيكل الإداري في صنعاء، عاصمة كل اليمنيين، ومن أي المناطق ينحدرون؟
وما المعلومات المتوفرة حول تاريخ صنعاء والتعدد الديني والمذهبي فيها في مختلف العصور؟
ما بدا لي، أخيراً، أن المنطلقات ابتعدت كثيراً عن الاشتغال الفلسفي وتحولت إلى محاكاة لخطاب استهلاكي عماده النعرات المذهبية والمناطقية، من خلال ذكر أحداث أو إيراد حجج بدت لهذا الخطاب وكأنها دليل على امكانية دمغ المكان بصفة هوياتية مذهبية.

الكلمات الدلالية