المعلّم... من الطباشير إلى الأثر
قد لا يتذكّر أحد الطباشير، لكنها كانت الأداة التي كتب بها المعلّم أول حرفٍ في عقولنا. لا أحد يحتفظ بنسخة من كتاب الصف الأول، لكنه يحتفظ في قلبه بابتسامة معلّم، أو كلمة تشجيع، أو موقف طيب لا يُنسى.
المعلّم لا يعمل في مصنعٍ للعلامات، بل في حقلٍ لزراعة الإنسان. كل كلمة يقولها، كل نظرة، كل تصرّف، قد تصنع فرقًا في حياة طفل، أو تُشعل حلمًا ظلّ نائمًا في أعماقه. من قِيم الإنصاف والصدق، إلى احترام الآخر وخدمة المجتمع، يبدأ الأثر الحقيقي للمعلّم.
في مجتمع مثل اليمن، حيث تتزاحم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، يكثر الحديث عن الإعمار والبنى التحتية، لكننا نغفل عن أن البنية التحتية الأهم لأي وطن تبدأ من الإنسان. والمعلّم هو المهندس الأول الذي يرسم خطوط هذه الهوية الوطنية والاخلاقية، من خلال ما يزرعه في طلابه من وعي وسلوك.
ورغم صعوبة الظروف -من تدني الرواتب، وازدحام الفصول، ونقص الوسائل التعليمية- فإن كثيرًا من المعلّمين في اليمن يواصلون رسالتهم بصبر نادر، وبإيمان عميق بأن ما يفعلونه اليوم سيؤتي ثماره يومًا ما.
بناء المجتمعات يبدأ من بناء الفرد... من الحصة الأولى، من يد المعلم التي تزرع القيم، من الكلمة الطيبة، من المثال الحيّ الذي يقدّمه المعلم في كل يوم. المعلم الذي يرى وظيفته رسالة، لا مجرد وظيفة، هو الذي يزرع البذرة التي تثمر بعد سنين في صورة طبيب نزيه، أو قاضٍ عادل، أو محامي يدافع عن المظلوم، أو عامل يؤدي عمله بإخلاص.
الأثر لا يُقاس باللحظة، بل بما يبقى منها. والمعلّم يترك أثرًا لا تراه العين مباشرة، لكنه يعيش في الضمائر والسلوك، في القرارات التي يتخذها الطالب بعد أن يغادر الصف، وفي الطريقة التي يرى بها الحياة.
إذا أردنا أن نُحدث تغييرًا حقيقيًا في مستقبل اليمن، فعلينا أن نبدأ من حيث يبدأ الأثر: من الفصل الدراسي، من المعلّم الذي يحمل طباشيره كمن يحمل شعلة نور، لا تنطفئ رغم العتمة.