اليمن على حافة مفترقين: دولة تتكوّن وسلطة تبحث عن خريطة
صورة انشأت بالذكاء الإصطناعي
في كل الأزمات الكبرى، لا تكون المشكلة الحقيقية في لحظة الانفجار، بل في السنوات التي سبقتها من التراكم الصامت للأخطاء والفرص الضائعة. ما يجري اليوم في حضرموت والمهرة ليس مجرد تطوّر عسكري، بل هو علامة على صراع أعمق حول سؤال بسيط وخطير: من يدير الدولة؟ ومن يملك شرعية القوة؟
الرئيس رشاد العليمي، منذ تولّيه قيادة مجلس القيادة الرئاسي، اختار طريقًا مختلفًا عن الطريق السهل. الطريق السهل كان يمكن أن يكون الصدام المباشر، والاستدعاء السريع للقوة، وتحويل الخلافات داخل المعسكر الواحد إلى مواجهات مفتوحة؛ لكنه اختار الرهان الأصعب المتمثّل في تفكيك الأزمات بدلًا من تفجيرها.
في عالم ما بعد "غزة"، وما بعد اشتعال البحر الأحمر، لم يعد اليمن ساحة داخلية فقط، بل بات عقدة في شبكة أمنية إقليمية شديدة التعقيد. وأي خطأ في حضرموت، أو أي رصاصة طائشة في المهرة، لا يُقرأ محليًا فقط، بل يُقرأ في الرياض وأبوظبي وطهران وواشنطن.
وأي قائد يمتلك الحد الأدنى من المسؤولية، عليه أن يدرك هذه الحقيقة جيدًا: إن أي تمدّد غير منضبط داخل معسكر الشرعية لا يضعف الخصوم فقط، بل يضعف فكرة الدولة نفسها.
من هنا، في رأيي، كان موقف رئيس الدولة واضحًا ومتّسقًا مع خطابه العام على مدى أربع سنوات: لا وحدة بالقوة، ولا انفصال بالقوة، ولا دولة تُبنى من فوهة بندقية موجّهة إلى الداخل.
لقد عرض الرئيس مرارًا إعادة تموضع القوات في حضرموت، وتمكين أبنائها من إدارة شؤونهم الأمنية والعسكرية ضمن مؤسسات الدولة لا خارجها. وهذا ليس ضعفًا، بل هو جوهر الدولة الحديثة: أن تكون القوة خاضعة للنظام، لا أن يكون النظام خاضعًا للقوة.
حتى في أسوأ السيناريوهات، وحتى لو أقدمت بعض الأطراف على إعلان واقع سياسي جديد بالقوة، فإن التجربة العالمية تقول إن الدول لا تولد من البيانات، بل من القدرة على تقديم الخدمات، والأمن، والخبز، والرواتب. والسلطات التي تتوسع بالسلاح فقط غالبًا ما ترث عبء الناس قبل أن ترث شرعيتهم.
وأعتقد أن هذا النهج لا يراهن على الصدام، بل على الزمن السياسي، زمن الاقتصاد، زمن الشرعية الدولية، وزمن المجتمع الذي تعب من الحرب.
والخلاصة التي تبدو قاسية لكنها واقعية: لن يستقر اليمن، شمالًا أو جنوبًا، إلا عندما يسقط الانقلاب الحوثي بوصفه جذر الأزمة، لا مجرد أحد أعراضها.