صنعاء 19C امطار خفيفة

المعلم... صانع الإنسان لا ناقل المعرفة

في زمنٍ تتكاثر فيه الأزمات وتضيق فيه مساحات الأمل، يظل المعلم -في صمته وعطائه اليومي- أحد أركان المجتمع التي لا تنهار، بل تتماسك لتبني من تحت الركام جيلًا قادرًا على النهوض.

ليس المعلم في جوهر رسالته مَن يُلقّن معلومات أو يكرّر مناهج قديمة، بل هو صانع الإنسان. هو الزارع الأول الذي يضع في عقول الناشئة بذور المعرفة، وفي قلوبهم جذور القيم، وفي أرواحهم شرارة الخدمة.

في واقع مثل الواقع اليمني، حيث الحرب وضياع الفرص وتشرذم الهويات، تصبح مهمة المعلم أكثر من تعليم القراءة والكتابة. إنه مُربٍّ يُعيد تشكيل ما تكسره الحياة. يُعلّم الطفل ألا يُخاصم المختلف، وألا يحتقر الجاهل، وألا يعتدي لمجرد أنه أقوى.
المعلم، في أفضل حالاته، لا يكتفي بتخريج حافظين للمعلومة، بل يخرّج أشخاصًا يطرحون الأسئلة، يبحثون عن المعنى، ويسعون لبناء وطنهم بأنفسهم، لا انتظارًا لعصا سحرية تأتي من الخارج.
وفي كثير من المدارس الحكومية في اليمن، حيث الجدران متشققة والسبورات باهتة، وحيث قد لا يتلقى المعلم راتبه لأشهر، تبقى شعلة التعليم مضاءة. وهذا بحد ذاته معجزة صغيرة تُصنع كل يوم، بعيدًا عن عدسات الكاميرات وتصريحات السياسيين.
لقد آن الأوان أن نعيد تعريف التعليم. أن نراه بوصفه عملية تربوية شاملة، لا مجرد صناعة شهادات ورقية، بل بناءٌ للإنسان من الداخل. وأن نُعيد للمعلم مكانته ليس كمجرّد موظف، بل كقائد أخلاقي وفكري في مجتمعه.
نحتاج إلى تعليم لا يربّي الحفظ، بل يشجع على التفكير. لا يفرض الإجابة، بل يعلّم طرح الأسئلة. تعليم يُنمّي في الطفل شعورًا بالمسؤولية تجاه محيطه، ويمنحه الثقة بأن له دورًا في تحسين واقعه، مهما كان صغيرًا.
فالمعلم الحقيقي لا يرى الطالب صفحة بيضاء يملؤها، بل كائنًا حيًا يمكن أن ينمو ويزدهر، إذا وُضعت له التربة الصحيحة، والماء الكافي، والضوء المناسب.
فالمعلم لا يعلّم ليعيش فقط، بل يعيش ليترك أثرًا، ليبني وطنًا، ويغرس ضوءًا في دروب الآخرين.

الكلمات الدلالية