صنعاء 19C امطار خفيفة

السعودية: من حماية الشرعية إلى إدارة الانفصال

إذا ما أقدمت السعودية على قصف قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، فإنها تكون بذلك قد أدّت دورها الأخير، أخلاقيًا وقانونيًا وتاريخيًا، لتقول للعالم إنها حاولت، حتى اللحظة الأخيرة، حماية الشرعية اليمنية، ومن خلالها الوحدة اليمنية، والالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة. وهي تدرك، في الوقت نفسه، أن القصف الجوي لن يغيّر شيئًا في واقع بالغ التعقيد، كما تعلم جيدًا أن فرض الوحدة بالقوة بات أمرًا مستبعدًا، ولا يحظى بقبول إقليمي أو دولي.

وفي جوهر الأمر، تمارس السعودية ما يمكن تسميته بسياسة «الخروج الآمن»، إذ تمهّد تدريجيًا لمسار الانفصال، انطلاقًا من إدراك تاريخي متراكم لديها بأن القوى المحتكرة للسلطة في شمال اليمن (الهضبة) ليست محل ثقة، ولا يمكن أن تشكّل حليفًا دائمًا ومستقرًا. ومن هذا المنطلق، ترى أن وجود دولتين في اليمن قد يكون الصيغة الأكثر ضمانًا لاستقرار حدودها الجنوبية، ولا سيما في ظل الشراكة الاستراتيجية مع الإمارات.
ذلك أن تغيير شرعية الدول والخرائط الجغرافية لا يتم فقط عبر القرارات السياسية والدبلوماسية، أو من خلال الفاعلين المحليين المعنيين، بل يتطلّب إجراءات عملية على الأرض تُنتج واقعًا جديدًا، تُبنى عليه مسؤولية قانونية وقرارات أممية لاحقة. ومن بين هذه الإجراءات، خوض مواجهة عسكرية لفترة محدودة، ثم الانتقال إلى خطوات لاحقة تُبنى على نتائجها، وفي مقدمتها الدفع نحو قرارات أممية تتعامل مع هذا الواقع المستجد، بما في ذلك فتح الباب أمام حق تقرير المصير.
وعلى هذا الأساس، تكون السعودية قد وجدت مخرجها القانوني والأخلاقي للتخفّف من عبء تحمّل مسؤولية دعم «الشرعية اليمنية»، والانتقال إلى مرحلة الترتيبات العملية للانفصال. ويأتي ذلك في سياق تحالف سعودي–إماراتي يصعب تصدّعه بسبب الملف اليمني، نظرًا لتشابك المصالح الاستراتيجية بين الطرفين.
وفي هذا الإطار، يمكن فهم اختيار رشاد العليمي في مرحلة ما بعد هادي بوصفه شخصية شمالية تفتقر إلى أي مركز قوة حقيقية، باستثناء الدعم السعودي، إلى جانب احتضان الأحزاب اليمنية في فنادق الرياض، والدعم والرعاية المقدّمين لطارق صالح وقواته في المخا. فجميع هذه الأطراف تدرك طبيعة المرحلة، وتمارس أدوارًا مرسومة بعناية لمساعدة السعودية في خروجها الآمن. بل يمكن القول إن هناك توافقًا ضمنيًا، غير معلن ولا قابل للإعلان، بين هذه القوى على القبول بواقع جديد يفضي، في نهاية المطاف، إلى قيام دولتين: واحدة في الشمال، وأخرى في الجنوب.

الكلمات الدلالية