صنعاء 19C امطار خفيفة

توزيع الأدوار داخل اليمن بين السعودية والإمارات..!!

كلما تعقّد المشهد اليمني، وكلما انسد أفق الحل، تعود إلى التداول سردية جاهزة ومغرية لليمنيين الذين يختلقون الفتاوى والحكايات والتراشقات الحادة فيما بينهم حول الخلاف السعودي الإماراتي كسردية لاتُطرح فقط بوصفها تفسير لما يجري على الأرض، بل يُبنى عليها اصطفاف سياسي وإعلامي كامل، ويجري التعامل معها كحقيقة صلبة تبرئ الداخل اليمني من فشله، وتُحمِّل الخارج صراع وهمي أكثر مما يحتمل..

هذه الرواية أو السردية المختلقة بحرفية استخبارية عالية، تُغفل حقيقة أعمق وأكثر إزعاج؛ وهي أن إدارة الملف اليمني لم تكن يوما ساحة تنازع نفوذ بين حلفاء، بقدر ماكانت ساحة إدارة مصالح طويلة الأمد تقودها المملكة العربية السعودية بوصفها مركز الثقل الحقيقي، فالخلاف اليمني السعودي، تاريخيا، أقدم بكثير من حرب 2015، وأعمق من شخصيات أو مراحل سياسية بعينها، خلاف تحكمه اعتبارات الجغرافيا، والحدود، والهاجس الأمني المزمن، ونظرة ثابتة إلى اليمن بوصفه مجال لايجوز أن ينهض خارج معادلات الضبط والسيطرة..
ومن هذا المنطلق، فإن ماجرى بعد 2015 لم يكن قطيعة مع الماضي، بل استثمار سعودي ذكي في لحظة نادرة أُتيحت للمملكة على طبق من ذهب..
لقد سلّم الرئيس عبدربه منصور هادي، بغباء أو بسوء تقدير، وربما بيع من لايملك لمن لايستحق؛ مفاتيح القرار السيادي اليمني بالكامل، حيث منح الرياض تفويض غير مسبوق في التاريخ الحديث لإدارة دولة بكل تعقيداتها السياسية والعسكرية والاجتماعية، ومن السذاجة السياسية الاعتقاد بأن دولة بحجم السعودية، وبخبرتها الطويلة مع اليمن، كانت ستتعامل مع هذه اللحظة كفرصة عابرة، أو كتكليف مؤقت بلا أثمان استراتيجية..
من هنا، يصبح الحديث عن خلاف سعودي إماراتي أقرب إلى تسطيح وتبسيط مُخل جدا، فالمملكة لم تكن يوما في موقع المتفرج على مايجري في اليمن، ولا في موقع الشريك المتضرر من تحركات حلفائه كما يظن البعض، بل ظلت ولاتزال صاحبة القرار الأعلى، التي تسمح لغيرها بهوامش حركة محسوبة، وتغض الطرف عن اجتهادات تكتيكية هنا وهناك، طالما أنها لاتمس جوهر الهدف؛ يمن مُدار ومسيطر عليه، لايمن ناهض ومستقل..
أما مايُفسره البعض كتباين أو خلاف في الرؤى داخل التحالف، فهو في حقيقته توزيع أدوار مدروس، تُدار فيه الملفات الشائكة عبر أدوات متعددة، بينما تحافظ الرياض على موقعها كمرجعية سياسية وواجهة شرعية أمام المجتمع الدولي..
هذا الترتيب قد يُنتج تجاوزات، وقد يخلق قوى محلية متحمسة لتنفيذ أجندتها الخاصة، لكنها تحت الكنترول السعودي ولايمكن السماح لها بأن تخرج عن إطار السيطرة العامة، ولايمكن ان يتحول الخلاف على الارض إلى مسار منفلت أو صراع إرادات بين الحلفاء..
الأهم من ذلك أن السعودية، بحكم تجربتها التاريخية، لن تغادر اليمن تحت أي ضغط يمكن ان يمارس عليها، ولا تحت رغبة حلفائها من اليمنيين، أو المجاملة السياسية لحلفائها الاقليميين، بل وفق منطق الضمانات، فهي لن تترك الساحة إلا بعد أن تتأكد أن اليمن، بصيغته السياسية والعسكرية، لن يعود مصدر تهديد لها ولأمنها القومي، ولن يمتلك القدرة على النهوض خارج المعادلة المرسومة له في إطار امن المنطقة، وهذا ليس حكم أخلاقي، بل قراءة واقعية لسلوك الدول حين تتعامل مع محيطها الحيوي..
إن الإصرار على تصديق سردية الخلاف السعودي الإماراتي لايعكس عمق في التحليل والسياسة، بقدر مايعكس حاجة نفسية وسياسية لدى بعض الفاعلين اليمنيين للبحث عن شماعة خارجية، فالمشهد بكل قسوته، يُدار من مركز قرار واضح المعالم، يمسك بالقيادة ويتحكم بالسقف، ويعيد ضبط الهوامش عند اللزوم، ومايبدو اختلافا حادا في الوسائل، مجرد تنوع وظيفي داخل استراتيجية واحدة، عنوانها الأبرز: إدارة الأزمة لا إنهاءها جذريا، وإدارة اليمن لاتمكينه، وضمان بقائه تحت السيطرة والوصاية، وفي دائرة الارتهان والتبعية، عبر قوى سياسية يمنية؛ تخلت عن دورها التاريخي وقبلت أن تكون مجرد تفاصيل في مشهد يكتبه الآخرون..

الكلمات الدلالية