صنعاء 19C امطار خفيفة

الفِعْل وَرَدّ الفِعْل

الفِعَل وَرَدّ الفعل أو الأخطاء المتبادلة كما يُسمْيِّهَا المُفَكِّر الشيوعي زَكِّي مُراد هِي سَرديِّة العلاقات العربية، سواء بين الأنظمة القومية والمحافظة، أو بين الأنظمة القومية، أو بينها وبين التيارات السياسية، والصراعات بين الأنظمة الحاكمة والأحزاب السياسية، وصراعات الأحزاب والتيارات السياسية فيما بينها؛ وكُلها خلافات تبدأ ولا تنتهي، وتلبس لباس الأيديولوجيا، وتتظاهر بتغيي المصالح الوطنية والقومية والأممية، بينما المصالح الأنانية الضيقة وجذور ما قبل الوطنية هي الأساس.

صراعات الستينات وما بعدها في المنطقة العربية، وخاصة بين الأنظمة ذات الأهداف المشتركة، وبين الأحزاب القومية والماركسية، كان لها الأثر الكبير في سقوط هذه الأنظمة، وتراجع الأحزاب السياسية القومية واليسارية، وَدَفعَ الشعب الفلسطيني أفدحَ الأثمان جَرَّاء صراعات أنظمة الحكم العربية وخلافات الأحزاب السياسية المختلفة  لعلاقتها بهذه القضية التي اعتبرتها «القَضِيِّة المَركَزِيَّة والأولى»، كَمَا كَانَ لِلصِّرَاع العربي- الإيراني أثرهُ أيضًا.

كانت الثورة الإيرانية نَصرًا للقضايا العربية، وللقضية الفلسطينية خَاصَّةً، وأصبحت السفارة الإسرائيلية مَقَرًّا لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكن الثورة ارتكبت أخطاء قاتلة تشارك فيها المنتصرون لـ «ولاية الفقيه» على حساب «وِلاية الأمَّة»، والأنظمة العربية المُسْتَبِدَّة.

الثورة الإيرانية - AFP

المفكر القومي والصحفي الكبير محمد حسنين هيكل تَنبَّهَ بَاكرًا لأهمية الثورة الإيرانية، وَحَذَّرَ مِنْ الأخطار والمُؤَامَرات المتوقعة في كتابه «مدافع آية الله»، كَمَا حَذَّرَ من أخطاء قَادة «فتح»، وكان شديد الانتقاد لتحوُّل الصراع من صراع عربي- إسرائيلي إلى صراع عربي- فارسي، وتشاركت الآيات الشيطانية والأنظمة العربية التابعة والفاسدة والمستبدة  في حرب مُدبَّرَة بين أمتين جارتين متآخيتين.

محمد حسنين هيكل

في الثورة الإيرانية انتصرت ولاية الفقيه على ولاية الأمة، وَتَولَّت الرَّجعيَّات العربية وصدام حسين شَنَّ الحرب على إيران بدعم أمريكي وأوروبي.

حَلَّ الصراع العربي- الإيراني مَحَلَّ الصراع العربي- الإسرائيلي، وَتَغوَّلتْ إيران والسعودية  في نشر الطائفية، وتقوية الصراع الشيعي- السني، ولم يكن الصراع الزائف بَعِيدًا عن تخطيط الأمريكان وحلفائهم، وكانت نتائجه كارثية.

طَغَى خِطاب الصِّرَاع السُّنِّي- الشِّيعِي داخل البلدان العربية، وَتَولَّتْ الأنظمة الرجعية والأحزاب السياسية كَبْرَ هذا الخطاب، وَحَلَّتْ العِرقيَّة والقبلية والجهوية مَحَلَّ القومية العربية كأيديولوجيا، وأداة حرب، ونظام حكم.

أمَّا اليمن ومآسيها صراعات وتقاتل أبنائها فممتد يتناسل ويتواصل من قديم، وتمتد أيدى  الاستعمار إليه عبر أزمنة متطاولة. ومأساته الحالية بدأت بانقلاب 21 سبتمبر 2014 بتحالف الرئيس علي عبد الله صالح وأنصار الله بِدعمٍ إيراني، ثُمَّ تفاقمت بالتحالف الذي قادته السعودية والإمارات مَدعَومًا بالقُوَى الغربية: أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا.

تقاسمت السعودية والإمارات ميدان المعركة وجغرافيتها. وفي حين تولت السعودية شمال اليمن، رَمَتْ الإمارات بثقلها في الجنوب، وتحول الحراك السلمي، إلى الانتقالي الانفصالي، وأنشأت الإمارات الأحزمة الأمنية والنخب السياسية في مُدُن الجنوب.

تَخَلَّصَ الجنوب من اجتياح جيش صالح وأنصار الله له بِدعمٍ مِنْ الإمارات، وانكسر العدوان السعودي على اليمن، ولم تكن الحرب التي امتدت لعشرة أعوام بَعيدةً عن «الرُّبَاعيَّة الدولية».

الاعتقاد بأنَّ الحرب يمنية يمنية بشكلٍ خالص خاطئ، كما أنَّ الاعتقاد بأنَّ السعودية والإمارات تخوضان الحرب دون موافقة وتخطيط ودعم ومشاركة بريطانيا وأمريكا وفرنسا وحتى إسرائيل- خَاطئ أيضًا.

قادة الحروب اليمنية انفصاليون بامتياز، والذين يريدون توحيد اليمن عبر الحروب لا يَقِلُّون عنهم انفصالية.

جَرَى مِدادٌ كثير في الحديث عن اجتياح الانتقالي لحضرموت، والتحليلات بشأن هذه القضية، وجرى مِدَادَ ومقالات أكثر حَولَ الخلاف الإماراتي- السعودي، وَمَساعِي كِلا الدولتين لَدَى عيدروس لإيجاد حَلٍّ لها، وجرى تحريك الشارع في عدن وحضرموت لهذا الأمر.

وفي الحقيقة، فَمَا جرى ليس سوى لعبة سيئة؛ للتغطية على إبادة غزة وتصفية القضية الفلسطينية، وهو نفس الهدف الذي تجري بسببه حرب الإبادة في السودان، واحتلال الجنوب السوري واللبناني؛ وفرض «الإبراهيمية» على الأمَّة العربية يَصُبُّ في نفس الاتجاه.

مَا يجري غايته الرجوع بالأمة إلى مكوناتها الأولى وِفْق نظرية وخرائط الصهيوني المتعصب برنارد لويس، وخلق شرق أوسط جديد على يدي دُعَاِته: ترامب، ونتنياهو.

إنَّ قادة الأمة العربية أتباع لأمريكا تعمل على تجييرهم لإسرائيل، وهناك بعض الممانعين يجري تطويعهم، أمَّا قادة المليشيات فَدُمَى صَغِيرَة.

اليمن في الوضع الراهن -شأن شقيقاتها العربية- تُفرَض عليها الصِّرَاعَات بأدوات محلية؛ خِدمةً لقوى ضالعة تقامر بتصفية القضية الفلسطينية، وتفكيك الوطن العربي، وَتَسَيُّد إسرائيل، وما يجري في البلدان العربية، ومنها اليمن، هو التهيئة لتدمير الأمة كلها وتمزيقها.

للجنوب اليمني قَضيِّة عَادِلة لا يُعبِّر عنها قَادة مليشيات الحرب، ولا دعوات الانفصال، ولا المتهافتون على التطبيع، أو أتباع الدول المعادية لأمن اليمن ووحدته وسلامه واستقراره.

دبابة تابعة لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي ـ AFP

حضرموت أكبر مِنْ أن تكون لعبة للمساومة في الضغط لفرض الإبراهيمية، أو سَاحةً للاحتراب، والمزيد من التفكك والتمزيق، ولو كان الأمر بيد السعودية والإمارات لحلاه، ولو كان ما يجري في حضرموت من صنيع الانتقالي أو بإرادتهما المشتركة؛ لاستطاعت الإمارات على إلزام عيدروس بالتواري، أو لقالت له: «دُرْ»؛ كما قال الشاعر الكبير الحضرمي حسين أبو بكر المحضار لعلي سالم البيض في الأغنية الشهيرة.

حضرموت قلب اليمن ورأسها، وإنه ليستحيل قيام كيان يمني بِأيِّ صُورةٍ من الصُّوَر دُونَ حضرموت، كما أنَّ التنازع عليها مِنْ قِبَل الانتقالي أو الشرعية صراع زائف؛ فالطرفان الأساسيان هما: العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة- ذِرَاعَا الرُّباعيَّة الدَّوليَّة.

في حضرموت ثروات اليمن ومستقبلها. والمثل اليمني يقول: «إذا تضارب الرُّبَاح فَاحْمِ جِربَتَكْ».

الكلمات الدلالية