سمير الحرق.. حين تقتل العدالة المؤجلة أصحابها
سمير الحرق
مات سمير الحرق، مثقلا بتفاصيل قضية تصفية إخوته وتعقيداتها. أربع سنوات كاملة وهو يكتوي بنار الكارثة التي حلت بأسرته، في شهر أغسطس 2021م، تاركة ندوبا وآلاما غائرة في أعماق روحه.
أسرة بأكملها تباد بسلاح عصابات تنضوي تحت راية قوات الحكومة "الشرعية" في تعز.
كان سمير هو الناجي الوحيد من أبناء محمد الحرق، بعد أن تمت تصفية إخوته الثلاثة: عبده، وعصام، وخالد، وإعدام ابن أخيه عيسى. نفذ الجريمة أفراد من عصابات ماجد الأعرج وأكرم شعلان الضابطان بمحور تعز العسكري. لولا تواريه واختفائه، لكان مصيره كمصير إخوته. وظلت تلك العصابات تبحث عنه لفترة طويلة.
بعد فترة من الغياب القسري، عاد سمير إلى حارته بقلب مرهق من الألم وروح متصدعة من الفاجعة. حلت المصيبة بأسرة عاشت أكثر من نصف قرن في طمأنينة وسلام، نمت في المنطقة؛ كما نمت اشجارها، وتركت بصمتها عليها بما أضافته من جهد وعمران.
كانت تلك الأسرة ترعى بفضل والدها، محمد علي أحمد الحرق، الرجل النبيل، الشهم، العصامي، الذي حمل قيمه من قريته "الزكيرة" في اقاصي ريف تعز الجنوبي، ليسكن حارة "عمد في بير باشا"، في خمسينات القرن الماضي، ويصبح أحد أوائل عُمّارها، وصار مرجعية يحتكمون إليه أهلها حتى وفاته.
كان سمير امتداد لروح والده، بما امتلكه من إصرار وحس بالمسؤولية. بعد المأساة، استجمع قواه وتحلى بصبر نادر ورباطة جأش منقطعة النظير، ليواجه ضغوطا هائلة سعت لإثنائه عن هدفه الوحيد: أن يرى المجرمين ينالون جزاءهم العادل.
جابه سمير، قوى النفوذ، وحيدا، بلا سند من قريب أو بعيد، سوى أرواح من فقدهم، الذين كانوا في يوم ما سنده ومعينه.
فيما مضى، حاول سمير أن يعيش منصرفا إلى مهنة التدريس التي أحبها، يولي الدروس وطلابه وأطفاله جل اهتمامه. لكن عالمه الذي بناه بعناية، انهار فجأة؛ ليجد نفسه في مواجهة الموت.
طوال هذه الفترة، التي تلت تصفية الأسرة، تعرض لضغوط وتهديدات ومحاولات ابتزاز متكررة؛ لتمييع قضية أسرته، قضية وصل صداها إلى أروقة مجلس الأمن الدولي، لكنها ظلت حبيسة أدراج النيابة والمحاكم في تعز. ولا يزال الجناة الرئيسيون طلقاء حتى اللحظة، بل يترقون في الرتب والمناصب العسكرية والأمنية، محميين بنفوذ قوى فاعلة.
مات سمير الحرق في الخمسين من عمره، في قمة عطائه. لكن عبء المأساة - بكل تعقيداتها وتداعياتها الداخلية والخارجية- الذي تحمله بشجاعة، كان أكبر من أن يحتمله جسد أو قلب، فقصف عمره.
لترقد روحك بسلام يا صاحبي.. تغشاك رحمة الله الواسعة.