صنعاء 19C امطار خفيفة

قراءة سياسية:

بيان الاشتراكي والناصري واتحاد القوى الشعبية.. دعوة إنقاذ أخيرة لبقايا “الشرعية”

يعد البيان الصادر يوم 10 ديسمبر 2025 عن الحزب الاشتراكي اليمني، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، واتحاد القوى الشعبية، تعبيراً عن أزمة السلطة الشرعية المنقسمة على نفسها.

يأتي البيان المشترك في لحظة حرجة تشهد تصعيداً أمنياً في محافظات حضرموت والمهرة وعدن (معاشيق).
يُحمّل البيان مجلس القيادة الرئاسي (السلطة الشرعية) مسؤولية التصعيد الأخير في شرق اليمن، ويرى أن سببه المباشر هو "الإجراءات الأحادية للقوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي"، التي قال إنها "سلوك مرفوض" داخل إطار الشرعية.
ويؤكد أن الأحداث كشفت "انقساماً سافراً في أعلى هيئة قيادية في السلطة الشرعية"، مما يؤدي إلى فقدان الثقة والإضرار بالنسيج الاجتماعي. كما يطالب بتنفيذ اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، ويقدم تسعة مطالب لمعالجة الأزمة.
كما يأتي البيان في ظل اهتزاز مكانة الأحزاب التقليدية داخل السلطة الشرعية بعد تراجع تأثيرها لصالح قوى ذات أذرع مسلحة (الانتقالي – الإصلاح – طارق صالح).
ويعبّر البيان عن قلق متزايد لدى هذه الأحزاب من تحول “السلطات الموازية” إلى واقع نهائي يعمّق تفكك الدولة. بمعنى أدق، يعبر عن خوف سياسي من خروج الأمور من يد القوى المدنية، ومن انزلاق الشرعية إلى تفكك شامل.
البيان يعد محاولة لإعادة تأكيد دور الأحزاب السياسية في المشهد الذي تهيمن عليه الميليشيات والسلطات الموازية.

وفي قراءة معمقة، يمكن تقسيم مضامين البيان إلى مستويين:

المستوى الأول: انتقادات جوهرية موجهة للسلطة الشرعية، تتمثل في:
تفريط مجلس القيادة الرئاسي بواجباته الدستورية والقانونية التي أقسم عليها، وعدم العمل على إنهاء الانقسام السياسي والعسكري.
إضعاف الشرعية بسبب استمرار الانقسام، الذي "يهدد بفقدان الثقة بالسلطة برمتها"، ويؤدي إلى "إحباط الآمال" المتعلقة بالإصلاح الاقتصادي واستعادة الدولة.
تمكين سلطات الأمر الواقع كنتيجة طبيعية للانقسام بين مكونات الشرعية، لا سيما تلك التي تمتلك أذرعاً مسلحة، في إشارة واضحة إلى المجلس الانتقالي وغيره من الكيانات المسلحة التي تعمل خارج سيطرة الحكومة.
المستوى الثاني: المطالب التسعة وآفاقها السياسية
تتركز المطالب التسعة حول محاور رئيسية:
الحوار والمصالحة: الدعوة إلى "التئام مجلس القيادة الرئاسي" والعودة إلى الحوار، وعودة مؤسسات الدولة إلى عدن، ووقف التدخل في صلاحيات الحكومة.
الإصلاح الأمني والإداري: المطالبة بتطبيع الأوضاع الأمنية في حضرموت والمهرة عبر جعل أجهزة الأمن والشرطة تابعة للسلطة المحلية وتحت إمرة المحافظين، وتعيين أبناء المحافظتين في هذه الأجهزة. هذا مطلب يهدف إلى إعادة هيكلة الأمن وإخراجه من سيطرة القوى المسلحة الخارجية، وينطبق ذلك على كل المناطق المحررة.
توحيد المواقف والاستراتيجية: الدعوة إلى توحيد أهداف ومواقف القوى السياسية في إطار الشرعية، والاتفاق على استراتيجية شاملة لإدارة المناطق المحررة ومواجهة الحوثي.
العلاقات الخارجية: المطالبة بإقامة علاقات متوازنة مع دول التحالف العربي، وجعل الحكومة "البوابة والنافذة الوحيدة لتلقي الدعم الخارجي"، ووضع حد لـ"عبث بعض الأشقاء" من دول الخليج الذين "يسعون لتصفية حساباتهم على الأراضي اليمنية". هذه نقطة بالغة الأهمية، وهي موجهة بشكل خاص إلى الإمارات العربية المتحدة التي تدعم المجلس الانتقالي.
خطاب الكراهية والسلطات الموازية: الدعوة إلى نبذ الخطاب التحريضي والإقليمي، وإزالة "كافة السلطات الموازية وتعدد الجيوش"، وتمكين حكومة الشراكة من ممارسة صلاحياتها، حتى لا تفقد الشرعية ما تبقى من هيبتها.

الدلالات والآفاق

يُقرأ البيان على أنه "إنذار أخير" ومحاولة جادة لضبط إيقاع العملية السياسية قبل أن تصل إلى نقطة اللاعودة. فهو يعبر عن استياء واسع من تراجع دور الدولة لصالح السلطات الموازية.
ويتضمن البيان نقداً جريئاً حول "عبث بعض الأشقاء"، في رسالة واضحة لدول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، بأن الدعم لأطراف معينة على حساب الحكومة الشرعية "يلحق الضرر بالعلاقات" ويقوض الاستقرار.
وتطرق البيان إلى نقطة جوهرية غاية في الأهمية، وهي الدعوة إلى “مصالحة داخل مجلس القيادة”. فالأحزاب تدرك جيداً أن الشرعية شبه منهارة، وأي مفاوضات سلام بدون “شرعية متماسكة” ستؤدي إلى خروجها بالكامل من المشهد.
فبالتالي، الأحزاب تطالب بمصالحة داخلية أولاً قبل أي عملية سياسية، وتكون هذه المصالحة تحت إشراف “هيئة التشاور والمصالحة” المنبثقة عن اتفاق نقل السلطة، وهي إطار سياسي من الأحزاب المدنية.
بالرغم من الثقل السياسي والتاريخي للأحزاب الموقعة على البيان، إلا أن قدرتها على فرض التغيير محدودة في ظل هيمنة القوى المسلحة على الأرض. فكلاً من حزب الإصلاح في مارب وتعز، والمجلس الانتقالي في الجنوب، يتحكمان بموارد نفطية وأجهزة أمنية وقوات عسكرية قد لا تستجيب لأي مطالب سياسية، وهذا مؤشر على عمق الأزمة داخل معسكر الشرعية.
البيان ليس مجرد إدانة للإجراءات الأحادية للمجلس الانتقالي، بل هو تشريح لأزمة بنيوية في السلطة الشرعية؛ المتمثلة في تفكك المؤسسات، وهيمنة السلطات الموازية، والتدخلات الخارجية المتنافسة.
كما أن المطالب التي يطرحها، وإن بدت مثالية في ظل الواقع الميداني، إلا أنها ترسم خارطة طريق ضرورية لأي مصالحة داخلية، نجاحها مرهون باستجابة مجلس القيادة الرئاسي وضغوط الداعمين الإقليميين، وفي مقدمتهم السعودية التي تبذل جهوداً لاحتواء الانقسام.
إذا لم يتم تبني هذه المطالب، فإن خطر انهيار السلطة الشرعية وتفكك المناطق المحررة سيصبح أكثر واقعية، وهو ما سيفتح الباب أمام ميليشيات الحوثي لتعزيز مكاسبها.
يتميز البيان بخطاب متوازن لا يصطدم مباشرة بأي طرف، لكنه حمل تشخيصاً دقيقاً للأزمة البنيوية داخل الشرعية. كما وجّه انتقادات شجاعة للتحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات.
في المجمل، البيان بمثابة إعادة الاعتبار للخط المدني والسياسي، ويقدم رؤية عملية لمعالجة الانقسام السياسي والعسكري داخل الشرعية.
هذا البيان هو دعوة إنقاذ أخيرة لبقايا “الشرعية” داخل المشهد اليمني المتآكل.
فالأحزاب الثلاثة تدرك أن تشرذم السلطة الشرعية يقترب من نقطة اللاعودة، حيث الانتقالي يتوسع بسرعة، والإصلاح يفرض هيمنة على تعز ومارب، وطارق صالح في الساحل الغربي، والتحالف يعيد رسم خرائط النفوذ شرقاً.
وفي المحصلة، يكون الحوثي هو الرابح في كل مرة تشتعل فيها معارك داخل الشرعية.

الكلمات الدلالية