صنعاء 19C امطار خفيفة

أمنية علي عبده الحرازي... أول تاجرة يمنية في العهد الجمهوري

أمنية علي عبده الحرازي... أول تاجرة يمنية في العهد الجمهوري
أمنية علي عبده الحرازي

لم تكن أمنية علي عبده الحرازي تفتش عن المجد، ولم تكن ترى نفسها جزءًا من صراع اجتماعي أو خطوة تاريخية. كانت فقط امرأة تريد أن تعمل، أن تعطي، أن تبني حياة تليق بها وبأسرتها. لكن طريقها الهادئ تحوّل مع الزمن إلى قصة يتوقف الناس عندها بمحبة وإعجاب.

ولدت أمنية في حراز، في بيئة يعرف أهلها معنى الجهد. تربت وسط مجتمع بهري يتشارك العمل والخبز والدعم، فكبرت وهي تظن أن العطاء شيء طبيعي، وأن الاستقامة ليست فضيلة نادرة، بل طريقة عيش. وحين تزوجت من رجل هندي يحمل الجنسية اليمنية، بدأت حياتهما التجارية معًا بما يشبه المغامرة. كانا يسافران، يتعلمان، ويعودان بأفكار جديدة عن التجارة والحركة والأسواق.
عندما عادت إلى اليمن، لم تكن تفكر في تسجيل اسمها في التاريخ، فقط أرادت أن تواصل تجارتها. لكنها وجدت بابًا مغلقًا لأنها امرأة. وبينها وبين حقها أوراق كثيرة، ونظرات استغراب أكبر. يومها سمعت كلمات قاسية، كلمات تعيد المرأة إلى المقعد الخلفي للحياة. لكن شيئًا فيها كان أقوى من هذا الضجيج. في عام 1977 تقدمت لتسجيل أول سجل تجاري لامرأة يمنية. في الجمهورية العربية اليمنية، ولم يكن الإنجاز في الورقة ذاتها، بل في الشجاعة التي سبقتها.
لم تكن وحدها. حيث وجدت التنمر حينها أنه كيف لامرأة يمنية أن تمارس التجارة وتسافر من دولة إلى دولة.. لكنها حاولت، ووقف معها شيخ من كبار القرية، التي تنتمي إليها جرمة، حراز. رجل رأى قوتها قبل أن يعترف بها الآخرون. بصفاء نية بسيطة، أعطاها دعمًا فتح الطريق أمامها، ومنحها الإذن الاجتماعي الذي تحتاجه كل امرأة تحارب وحدها. ومن هنا بدأت قصة أخرى.
كانت تتنقل بين القرى سيرًا على قدميها، تحمل همّ تجارتها بصلابة، وإلى جانبها زوجها. لم يكن الطريق سهلًا، ولا المسافات قصيرة، لكنها كانت تمشي. أدخلا معًا الطنب الخشبي الهندي والزجاج إلى السوق اليمنية، وبنيا عملًا عاش لعقود. ومع ذلك، بقي في قلبها مكان واسع للعائلة. كانت أمًا تحضر أفراح أولادها، وتمد يدها لأحفادها.
كبرت سيرتها حتى أصبحت جزءًا من صوت مجلس سيدات الأعمال اليمنيات، وكني يأخذن الخبرة والتجارب منها. لم تكن تحب الظهور، لكنها كانت تعرف أن كلمة واحدة صادقة قد تفتح بابًا لامرأة أخرى تبحث عن فرصة في مزاولة التجارة.
وحين اندلعت الحرب، خرجت من اليمن مرغمة. حملت معها ذاكرتها، وحنينها، وقوة السنين. وصلت إلى تنزانيا، وهناك أغلقت حياتها آخر صفحاتها عام 2017. لكنها لم ترحل فعلًا. بقيت في قصص بناتها، وفي خطوات أحفادها، وفي كل امرأة يمنية تحاول اليوم أن تبدأ من الصفر، ولا تعلم أن امرأة سبقتها قبل عقود، وفتحت لها نافذة في جدار خانق.
أمنية الحرازي لم تكن تاجرة فقط. كانت قلبًا يشق الظلمة، ويدًا تمتد للعمل، وروحًا تعرف أن الكرامة تُبنى حين يأخذ الإنسان حقه دون أن ينتزع حق غيره.

الكلمات الدلالية