صنعاء 19C امطار خفيفة

زراعة القوقعة الإلكترونية تفتح أبواب السمع لأول مرة في اليمن

زراعة القوقعة الإلكترونية تفتح أبواب السمع لأول مرة في اليمن

لم تكن الطفلة "مرام"، ذات الاثني عشر ربيعاً، قادرة على سماع أي صوت أو نطق أي كلمة قبل شهرين فقط، لكن حياتها انقلبت رأساً على عقب، بعد إجراء عملية لزراعة القوقعة الإلكترونية في مدينة ذمار. هي اليوم تحاور والدها لساعات، وتتعلم كلمات جديدة كل يوم، وتخطو خطواتها الأولى نحو عالمٍ طالما كان مغلقاً في وجهها.

عبده صالح المناري، والد مرام، يصف تلك اللحظة التي سمعته فيها ابنته لأول مرة بـ "ولادة جديدة"، مضيفاً في حديث لـ" النداء": ما حدث "كان مستحيلاً قبل عملية زراعة القوقعة". كان المناري، وهو أحد أبناء محافظة إب، يُحضّر نفسه للسفر إلى الأردن لإجراء عملية زراعة القوقعة، لكن الأقدار قادته ليجد إعلاناً لدى تصفحه موقع فيسبوك، يتحدث عن نجاح عمليات زراعة القوقعة الإلكترونية في ذمار، لتبدأ قصة نجاح تتشارك فيها طفلته والطبيب المعالج "عبد الكريم البلعسي".

"مرام" باتت الآن، بعد أسابيع من التدريب والتأهيل، قادرة على نطق أسماء أشقائها ووالدها ووالدتها، وسماع ما يدور حولها والتفاعل بشكل طبيعي مع محيطها. يقول والدها: أملك الدنيا حين أسمع مرام تنادي: بابا.

فرصة للحياة:

هذه التحولات المدهشة ليست معجزة، بل ثمرة عمليات زراعة القوقعة الإلكترونية التي تُجرى لأول مرة داخل اليمن، على يد الاستشاري اليمني الدكتور عبد الكريم البلعسي، أول استشاري لزراعة القوقعة في البلاد، والذي استطاع تحويل هذا النوع من العمليات من مجرد حلم طبي إلى واقع يمنح فاقدي السمع فرصة العودة إلى الحياة.

يقول البلعسي إن هذه العمليات تمثل "نقطة تحول حقيقية"، مؤكداً لـ " النداء" أن فريقه الطبي تمكّن من "توطين" هذه التقنية المعقدة في اليمن، وجعلها يمنية خالصة، رغم الظروف الصعبة ونقص الإمكانات.

وأشار إلى أن القوقعة الإلكترونية تقوم مقام الأذن الطبيعية، حيث تنقل الإشارات إلى الأعصاب التي تنقلها بدورها إلى الدماغ لتُترجم على هيئة أصوات وجمل وكلمات.

البلعسي، وهو عضو هيئة تدريس بجامعة ذمار، كان يتحدث بحماس في غرفة صغيرة بالقرب من قسم العمليات بالمستشفى الذي يمتلكه.

كنتُ أجلس بمحاذاته قبل أن يستوي جالساً ليقول: المبدعون قد يكونون فاقدي البصر، لكن من المستحيل أن يكونوا فاقدي السمع ... السمع هو مصدر دخول المعلومات إلى العقل، فمن خلاله قد تحفظ القرآن كاملاً، ولكن بدون السمع يصبح الأمر مستحيلاً، بل ضرباً من الخيال.

عام من النجاح:

منذ عام تقريباً، بدأ مستشفى البلعسي بمدينة ذمار في إجراء هذه العمليات النوعية، ليسجل خلال فترة وجيزة أكثر من 60 عملية ناجحة بالكامل. تتراوح مدة العملية الواحدة بين ساعتين إلى ثلاث ساعات، وسط تجهيزات دقيقة تتطلب خبرة متقدمة وكادراً متخصصاً.

ولا تقف القصة عند العملية الجراحية فحسب، فمرحلة ما بعد الزراعة تُعتبر الأهم، حيث يخضع المرضى - خصوصاً الأطفال - لبرنامج تأهيلي وتدريب لغوي يستمر لعدة أشهر حتى يتمكنوا من الاندماج في المجتمع والتواصل بشكل طبيعي.

أمل يتضاعف:

ويشير الأطباء الذين التقيت بهم في مناسبات مختلفة، إلى أن تكلفة العملية داخل اليمن تصل إلى ستة آلاف دولار فقط، مقارنة بأكثر من عشرين ألف دولار خارج البلاد، خاصة في مصر والأردن والهند. هناك، قد يتعرض اليمني لتكاليف إضافية تتمثل في الإقامة لأشهر طويلة قد تصل إلى عام كامل لتأهيل المريض وتدريبه وإكسابه اللغة، مما جعل هذه المبادرة بارقة أمل لآلاف الأسر التي لم تكن قادرة على السفر أو تحمل التكاليف الباهظة.

عايش وحدي

"كنت أعيش وحدي"، هكذا عبّر أحد المستفيدين من العملية، واصفاً سنوات العزلة التي عاشها قبل أن يسمع العالم من جديد. قال ذلك في حديث عابر لكنه أثار في وجداني الكثير من التأمل لعمق وصدق عبارته تلك. ويؤكد أن العملية لم تُعد إليه السمع فحسب، بل أعادته إلى الحياة الطبيعية والتفاعل مع من حوله بعد سنوات طويلة من الانقطاع والصمت.

بفضل هذه التجربة الطبية الرائدة، لم يعد فاقدو السمع في اليمن بحاجة للسفر خارج البلاد، ولم يعد الصمت قدراً لا يمكن تغييره. 

لقد فتحت عمليات زراعة القوقعة الإلكترونية نافذة جديدة نحو الأمل، وعمّقت الإيمان بأن الإرادة والعلم يمكنهما صناعة الفارق، حتى في أصعب الظروف.

الكلمات الدلالية