اليمن... حين يشتد خناق الجوار عليه
أيها الجوار،
إذا كنتم قد اخترتم أن تُثقلوا على اليمن وأهله بمشاريعكم ومواقفكم، فليكن ثِقلكم أهون شرًا، وليكن نار تدخّلكم بردًا وسلامًا على هذا الشعب الذي ما عرف ضدكم إلا الأخوّة، ولا حمل تجاهكم إلا النية الطيبة.
لقد أدرك اليمنيون، متأخرين، أن ثمن إصلاح الأخطاء التي ارتكبوها طوال عقود -وأحيانًا راكموها بلا وعي- أصبح اليوم أضعاف أضعاف ما كان ممكنًا لو عولج يوم وُلد.
فكيف لهم أن يصلحوا ما فسد، وهم اليوم أفقر ما يكونون، ويد الجوار تُحكم الطوق حول أعناقهم السياسية والاقتصادية والعسكرية؟
إن العوامل التي غذّاها الجوار، والأجواء التي صنعها لتقسيم اليمنيين وزرع الشقاق بينهم، كانت -للأسف الشديد- أكبر بكثير مما استطاع اليمنيون توفيره للصمود أو للبقاء موحّدين. لقد كان التأثير الخارجي أعمق، وأقوى، وأشد نفاذًا في لحمة المجتمع اليمني.
وما من علاقة بين بلد وجواره في العالم بلغت من الشدّ والتأثير حدَّ التسرّب إلى “تحت الجلد” وإلى “عمق الدورة الدموية” كما فعلت علاقة اليمن بجواره.
فلا يكاد حدث يقع هنا إلّا وترتجف له حسابات هناك، ولا خطوة تُتخذ في الداخل إلّا وتتردد أصداؤها في الجوار.
إن اليمنيين اليوم يقفون في مفترق حرج: إمّا أن تُعاملهم دول الجوار كجيران وإخوة، أو كمساحة نفوذ.
ومصير اليمن -ومعها أمن المنطقة كلها- يُكتب تبعًا لهذا الواقع.
لقد تعب اليمنيون من صراع أنهكهم، ومن تدخلات أطالت عمر المأساة. مايزال في قدرتهم أن ينهضوا، وأن يصلحوا ما انكسر، لكن ذلك يتطلب أولًا أن يتوقف الآخرون عن زيادة الشروخ.
إن الشعوب لا تموت، لكن العلاقات بين الجيران قد تموت إذا غاب الإنصاف.
واليمن، بكل جراحه، يتوق إلى السلام إن توفرت الإرادة الصادقة.
- دبلوماسي، برلماني وسفير سابق