الحكيمي: لا منتصر في اليمن بلا مصالحة وتفكيك الدولة الوطنية كان هدفاً
في الجزء الأخير من حكاية عبدالله سلام الحكيمي، نقترب من أكثر المحطات حساسية في التاريخ اليمني الحديث، حيث يقدّم السياسي والدبلوماسي المعروف قراءته النقدية لـ"ثورات الربيع العربي" ومآلاتها في اليمن والمنطقة، ودورها في تفكيك الجيوش والدولة الوطنية ضمن ما يصفه بمشروع "الشرق الأوسط الكبير".
يتوقف الحكيمي عند كواليس مؤتمر الحوار الوطني، وحدود الدور الخارجي في صياغة مخرجاته، ويعيد تفكيك أحداث 21 سبتمبر، والعلاقة المعقّدة بين القوى المحلية والإقليمية، من الحوثيين إلى الأحزاب التقليدية والتحالف العربي.
وفي سياق لا يخلو من المصارحة مع الذات والآخر، يطرح الحكيمي رؤيته لمستقبل المصالحة الوطنية، وشروط التسوية السياسية الممكنة، وحدود الدور السعودي والإقليمي، وموقع اليمن في خريطة الصراع الدولي الآخذة في التشكل. كما يوجّه رسائل صريحة لطرفي الصراع حول ضرورة إنهاء خطاب الكراهية، والتخلي عن وهم "الشرعية المنفردة"، والقبول بصيغة شراكة توافقيّة تعيد بناء الدولة والجيش على أسس وطنية.
حلقة تُختَتم بالكثير من الأسئلة المفتوحة، لكنها تترك لدى المشاهد خلاصة تجربة رجل قضى عقودًا في قلب العاصفة، ولا يزال يراهن - رغم كل شيء - على إمكانية إنقاذ اليمن من حافة الهاوية.
"النداء" تنشر النص الكامل لهذا الحوار بالتزامن مع عرضه المصوّر على قناة "حكايتي"، ضمن اتفاق تعاون إعلامي مشترك.

رحمة: مساء الخير مشاهدينا، ونستكمل حكاية الأستاذ عبدالله سلام الحكيمي وروايته للتاريخ وشهادته على مراحل مختلفة من التحولات التي شهدتها اليمن اجتماعيًا وسياسيًا. أهلاً وسهلاً بك أستاذ. منذ أن غادرت اليمن في 2004 ثم من مصر إلى بريطانيا في 2010، وبعد ذلك بدأت أحداث ما سُمِّي بالربيع العربي في تونس ومصر وغيرها. أول ما بدأت أخبار الربيع العربي، هل توقعت أن يكون هناك تحوُّل مماثل في اليمن؟
الحكيمي: بالطبع، بالنسبة لما يسمى بثورة الربيع العربي التي أُجهضت للأسف الشديد من قبل قيادات الأحزاب المعارضة آنذاك، وحوّلتها من ثورة تريد تغيير الوضع إلى صفقة مع النظام الحاكم وتقاسمت معه السلطة. كنت أتوقع أن اليمن ليست بمَنأى عن المصير المنتظر لكثير من البلدان العربية. ولكن تبيَّن لنا فيما بعد أن ما يسمى بثورة الربيع العربي كانت تُدار من قبل أصابع خفية تديرها أجهزة استخبارات عالمية نافذة، وكانت تحرك الخطوط وتوجّهها بالاتجاه الذي تريد. ونحن لم نتبيّن لذلك إلا فيما بعد، لأنهم كانوا يدربون الكوادر الذين تزعموا التحرك أو توجيه الحراك الشعبي... في البداية كانت ثورات الربيع العربي ثورات شعبية صادقة، وكانت تريد أن تُغيّر إلى الأفضل، ولكن ركبت موجتها قيادات أحزاب انتهازية تخلّت عن مفهوم الثورة والتغيير الجذري إلى مسألة الصفقة، ولهذا فهي التي طعنت ثورة الشعب في الظهر. هكذا كان تقييمي للأمر. وبالطبع أنا خرجت من صنعاء في 2004 نتيجة لأسباب.

رحمة: أنت قلت إن هناك أطرافًا معينة غير الأحزاب درّبت كوادر واستخدمتها. هل تقصد بهذه النقطة التآمر على الجيوش؟ وكانت كثير من الدول لديها جيوش قوية. والتآمر على السلام والوضع الاقتصادي في بعض البلدان، والانهيار الذي شهدته الدول المحيطة بفلسطين وحتى الدول البعيدة عن فلسطين كاليمن، وكان لها موقف تجاه القضية الفلسطينية. هل تقصد ذلك أم شيئًا آخر تقصده؟
الحكيمي: في الحقيقة، ما سُمي بثورات الربيع العربي كان هدفها أن تكون خطوة إلى طريق تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي أُعلن عنه من واشنطن عن طريق كولن باول وزير الخارجية الأمريكية آنذاك، وكوندليزا رايس مستشارة الأمن القومي في مؤتمر صحفي. وقالوا إن مشروع الشرق الأوسط الكبير كان يهدف إلى تسريح الجيوش العربية أساسًا، وإبقاء جزء منها ليكون للقمع الداخلي فقط، وليس للحروب وحماية السيادة الوطنية وغيرها. وايضاً تجريد الدولة الوطنية من أسلحتها، سواء الجيش أو قوى الأمن، ومن السلاح الاقتصادي وتصفية القطاع العام وخصخصة المشاريع الاقتصادية وغيرها. وأيضًا ضرب مركزية الدولة التي تجعل قبضة الدولة الوطنية قوية، عن طريق ما أُشيع من الفيدرالية والكونفدرالية، وهي كانت تتجه لأن تكون الفيدرالية خطوة على طريق تفكيك الدولة الوطنية أساسًا. وهذا كان مشروع الشرق الأوسط، وأنا عالجت هذا الموضوع بالتفصيل في منتدى الأيام ذات يوم، و"قفشونا" في عدن على حين غرة، وعملوا منتدى على مدى ثلاثة أيام نشروا وقائعه مباشرة في صحيفة الأيام. وذكرت هذه الأشياء كلها، وما جرى من أحداث فيما بعد هو على طريق هذا المشروع.

رحمة: هل تقصد مؤتمر الحوار الوطني ومشروع الأقاليم ودور جمال بن عمر؟
الحكيمي: مؤتمر الحوار الوطني في الحقيقة لا بد أن نذكره للتاريخ. أنا تابعته منذ أول يوم. مؤتمر الحوار الوطني بدأت وِقائعه قبل أن يبدأ، وكانت السفارات الموجودة في صنعاء هي التي تتولى أوراقه والمشاريع التي تُعرض عليه، وكانت تستعين بأكاديميين يمنيين بتوجيهات من مستشارين خارجيين لإعداد الأوراق التي ستُقدَّم، منها الفيدرالية وهيكلة الجيش. وكان الهدف من هيكلة الجيش تصفيته أساسًا. حتى عندما تنظرين كيف دُمّرت الدفاعات الجوية بإشراف المخابرات الأمريكية المباشر في صنعاء، وكيف أكمل عبدربه منصور هادي على الباقي ودمر المضادات الجوية وأنزلها من نقم... كل هذه الإجراءات كانت تمهّد لما حدث بعد ذلك في 2015.

رحمة: هل تعتقد أن كل ما تمر به اليمن في الوقت الحالي، كما توقّعته أنت، حدث؟ هناك تقسيم للجيش وتقسيم للإدارات: لديك الساحل الغربي، وقوات صنعاء، والجيش الذي ولاؤه للسعودية، والانتقالي الذي ولاؤه للإمارات، وهناك الجيش في مأرب محسوب على الإخوان، وفي صنعاء على إيران… هناك تقسيم وتشتيت للجيش. هل هذه كانت جزءًا من التنبؤات التي طرحتها في منتدى الأيام؟
الحكيمي: أنا كنت أحلّل بالتفصيل ما هو مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي أُعلن عنه، وهم كانوا واضحين، عن طريق تشبيك منظمات المجتمع المدني التي يسمّونها على أساس أن تكون بديلة لسلطة الدولة، وأن تقوم بدور هذه المنظمات - التي كانت قياداتها تُدرَّب في الخارج، ومعروف من هي الجهات… برنارد لويس والتاريخ ذكر هذه الأشياء كلها. وأعتقد أن ما حدث في مؤتمر الحوار الوطني كان معظمه من نتاج شغل السفارات. السفارة الأمريكية كانت تتولى هيكلة الجيش الوطني، وهذا شيء مخيف. وأوروبا، فرنسا، بريطانيا كانت تتولى الدساتير الجديدة التي ستشكّل النظام الجديد الذي يريدون أن يقيموه، بما فيه الأقاليم والفيدرالية ومنظمات المجتمع المدني… إلى آخره. هذه الشعارات التي كان هدفها تفكيك الدولة الوطنية وتجريدها من كل أسلحتها التي أشرتُ إليها سابقًا.

رحمة: وبكل وضوح كانوا يحضرون مؤتمر الحوار الوطني ويدعمونه ويتصوّرون فيه، وهذا لم يكن سرًا. ولكن النقطة التي نريد أن نركز عليها: كل ما ذكرت قاد في النهاية إلى ما سُمِّي بالإعلان الدستوري أو انقلاب الحوثيين على مؤسسات الدولة، خاصة بعد اتفاق السلم والشراكة. وأنت عضو في فريق المصالحة الوطنية الشاملة والحل السياسي اليمني، الذي وُثِق فيك من ضمن مجموعة مميزة من قبل رئيس سلطات الأمر الواقع مهدي المشاط. فأنت أكثر واحد يمكنك أن تعمل تقييم لهذه الحركة. حتى الآن نحن لا نتكلم عن هجوم أو غيره، ولكن نريد تقييمًا منطقيًا: إلى أي مدى هذه الجماعة آمنت بنفس الكلام الذي طرحته، وبالتالي تمردت على كل الخاضعين للتأثير الخارجي مثلًا؟
الحكيمي: في الحقيقة، ونحن حريصون على ذكر هذه الحقائق للتاريخ بأقصى قدر ممكن… أولًا، من غير المنطقي ولا هو صحيح أساسًا أن أنصار الله عملوا انقلابًا. الانقلاب العسكري له أركانه وله تحرك قواته وله بياناته: البيان الأول والبيان الثاني، وله الإعلان الدستوري وله تغيير السلطات. أنصار الله - وهم لم يكونوا يسمَّون أنصار الله في ذلك الوقت، ولكن لنقل أنصار الله تجاوزًا …

رحمة (مقاطعة): كانوا يسمونهم أنصار الله، حتى الوثائق الأمريكية كانت تتعامل معهم كأنصار الله.
الحكيمي: لا، ولكن كانوا يسمونهم الشباب المؤمن تارة والحوثيين تارة أخرى.
رحمة: هذا كان ذلك قبل 2014، أليس كذلك؟
الحكيمي: نعم، قبل 2014 كانوا يسمونهم بهذه التسميات.
رحمة: ونحن الآن نتحدث عمّا سُمِّي بالإعلان الدستوري.
الحكيمي: هم لم يقوموا بانقلاب، ولم يكن هناك إعلان أول، ولم تتحرك قوات على الأرض. كل ما قاموا به أنهم دخلوا إلى عمران بعد أن حسموا أمورهم في صعدة. ولا بد أن نحكي للتاريخ أن معظم الوحدات التي كانت تحاربهم في صعدة استطاعوا أن يخترقوها وينضموا من داخلها، ودخلوا في خدمة أجندات مراكز قوى مكوّنة للدولة استعانوا بهم للقضاء على خصوم آخرين سياسيين. حتى حينما دخلوا عمران وسيطروا عليها، ذهب الرئيس عبدربه منصور هادي بشخصه إلى عمران ورحب بعودة عمران إلى كنف الدولة وبارك ذلك. ثم أصدروا أوامر عسكرية للوحدات بأن الجيش يجب أن يبقى محايدًا ولا يتدخل، وقالوا: هذا صراع بين أحزاب ولا دخل لنا فيه. وكانت الوحدات العسكرية لا تزال تحت إمرة وهيمنة ونفوذ الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، رحمه الله.

رحمة: قال الأستاذ عبد الله نعمان، الأمين العام للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، في مقابلة اجريتها معه، إن هناك تواطؤًا من قبل قوات اللواء أو الفريق الركن علي محسن الأحمر في صعدة، وبالتالي سيطر الحوثيون بسهولة. ما هو تعليقك على هذا الكلام؟
الحكيمي: هذا الكلام غير دقيق، لأن الحقيقة هي أن علي محسن كان خاضعًا لاعتبارات، وكان يراد تصفيته أساسًا، وهم قاموا بحرب صعدة حتى يتخلصوا من علي محسن. لكن حقيقة ما حدث أن الجماعة اتفقوا على اتفاق السلم والشراكة ووقعوا عليه. حتى ثورة 21 سبتمبر - وكنا نسميها ثورة تجاوزًا - لكنها لا تتوفر فيها أي معيار من معايير الثورة. كل ما في الأمر مظاهرات مطلبية من أجل الجرعة، واتُّفق بعدها اتفاق السلم والشراكة ووقعوا عليه، وكان لهم وزير، وانتهى الموضوع عند هذا الحد. الذي حدث فيما بعد أن السلطات الحاكمة غادرت، وهربت من الساحة، وأخلتها تمامًا لمن يملؤها من أنصار الله والقوات المتحالفة معهم. وكان عبدربه منصور يهمه أن يقضي على مراكز القوى التي شعر أنها تهدد نفوذه وسلطته التي كان يريد أن يؤسسها وينفرد بها. وساعدته على ذلك الأمم المتحدة، وتدخلت في الفساد، وقالت إن فترة عبدربه منصور هادي ليست عامًا كما تقتضي المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذ، ولكن حتى ينتهي من مهمته، بمعنى: دون سقف. علي عبدالله صالح الرئيس الأسبق كان له ايضا مصلحة في القضاء على الإصلاح، والأجنحة التي كانت منسقة مع الإصلاح: علي محسن والقادة العسكريون من سنحان الذين كانت لهم ارتباطات مع جماعة الإخوان المسلمين. فالذي حدث أنهم أخلوا الساحة جميعًا، بما فيها قيادة الأحزاب للأسف الشديد، وجاء الحوثيون أو أنصار الله وملأوا الفراغ.

رحمة: ولكن لماذا؟ فحزب الإصلاح حزب قوي، حزب شارك في 94، ولديهم سلاح وكوادر مدربة. كيف هربوا وسلموا البيوت للحوثيين؟ هل هناك تبرير لهذا؟
الحكيمي: كان هذا واضحًا جدًا. كانوا منسقين مع ما سوف يأتي لاحقًا مع حرب تُشن. طبعًا الحرب التي شُنّت في عاصفة الحزم كانت لها أجنداتها الخاصة فيما يتعلق باليمن وبإحكام السيطرة على اليمن ومنع أن يتحول إلى حكم يهددهم من ناحية ويهدد الإقليم - هذا حسب روءاهم. قيادة الأحزاب، بما فيها للأسف الشديد أقصى اليمين وأقصى اليسار، جميعهم ذهبوا خلف المشروع السعودي المتمثل بعاصفة الحزم وكانوا متفقين معهم، وهم الذين أمروهم بمغادرة صنعاء، وإلا لما كان هناك مبرر لمغادرة صنعاء. لا عبدربه منصور اعتُقل ولا هُدد، وهو الذي خرج بسلامات الله.
رحمة: عبد ربه منصور تمت محاصرته، وتم الاعتداء على أحمد عوض بن مبارك.
الحكيمي: كيف حاصروه؟ الوفود كانت تذهب وتعود إلى منزله من المبعوث الأممي والسفارات وغيرها. ورئيس الوزراء: لماذا قدم استقالته وهو كان في منزله معززًا مكرمًا؟ وبعدها قال إنه استأذنهم بأنه سيزور والده في حضرموت لأنه متعب، وقالوا له: تفضل. وذهب على مرأى ومسمع الجميع. لم يكن هناك حَصْار، ولكنهم كانوا ينفذون أوامر أجندات خارجية كانت تُعد لإدخال اليمن في مشروع آخر غير معلن عنه.

رحمة: هذه وجهة نظر، ولكن هناك وجه نظر أخرى تقول إن الحوثيين هم الذين استفزوا دولة الجوار بمناورات الفجر الجديد، والصفقة التي عملوها للطيران: 14 رحلة في الأسبوع إلى إيران، وهذا تهديد كبير. وهناك من يقول إنه بعد إعلان طريق الحرير من قبل الرئيس الصيني في مايو 2013، الذي أعاد لليمن أهمية الموقع الجغرافي، كان خلف هذه الحرب. فما هو تعليقك على هذه الآراء الثلاثة، خصوصًا وأنك تتحدث بصدق وتنتقد حتى نفسك؟
الحكيمي: في الحقيقة، بالنسبة للمشروع السعودي أساسًا، هم ينظرون هكذا إلى اليمن منذ الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة - الحالية - وهي مقاربة خاطئة. كان يجب على السعودية أن تعيد النظر فيها نحو مقاربة أكثر واقعية بالنسبة لعلاقتها باليمن، وتنظر لليمن كما تنظر للعراق، وهو مجاور لها وأقوى من اليمن والأردن. ولهذا أعتقد بأن الحرب التي فُرضت كانت عبارة عن إرضاء للسعودية، ومعها الإمارات من باب آخر، لكي يمرروا - أيام الرئيس أوباما - المشروع النووي الإيراني، وأعطوا هذه نوعًا من الترضية للسعودية حتى يطلقوا يدها في اليمن لكي تبسط سيطرتها. هذا من جانب. ونحن بعد ذلك سنعالج فيما بعد كيف رؤيتنا للسعودية، وكيف يجب أن نغير - نحن أيضًا - كما نطالب السعودية بأن تغير مقاربتها في النظر إلى اليمن، يجب أيضًا أن نغير نظرتنا تجاه السعودية؛ نحو مشتركات كثيرة تجمعنا.
رحمة: ولماذا لا تكون السعودية قد استُدرجت؟ لأنها الآن تشكو بأن الذي على الطرف الآخر استدرجوها وطلبوا الأموال، وفي الأخير أفسدوا ولم يحرروا وباعوا السلاح للحوثيين، وأنت تابعت هذه الأحداث وحاورناهم؟
الحكيمي: لا شك في ذلك، وأنا كتبت ونبّهت منذ البداية، وقلت للسعوديين شفاهة وكتابة: ليس هناك داعٍ لشن حرب على اليمن؛ لأني أفهم أن دولة تشن حربًا على دولة مجاورة لها بهدف ضمان وضع سياسي صديق لها أو غير معادٍ. لكن ما لا أفهمه: ان السلطات في اليمن بأكملها - التنفيذية والتشريعية والقيادات العسكرية والأمنية - جميعهم سعوديو الهوى والارتباط. فما الذي تريده أكثر من ذلك؟
رحمة: ليس سعوديون فقط، ولكن هناك منهم لأجل الإمارات، والمسألة هنا مسألة مالية؟
الحكيمي: أنا هنا كنت أتخاطب مع السعودية. هذه الحرب توريطة للسعودية لإدخالها في مستنقع لن تخرج منه معافاة. ولهذا نصحتهم وتحملت المسؤولية، وأنا كانت لدي علاقات قوية مع السعودية، ولم أستطع أن أتحمل كيف تُشن حرب على اليمن والسلطات جميعها موالية لها. ما الذي تريد أن تضيفه إذا؟ إلا أن يكون لها مشروع آخر؟
رحمة: من لا يحترم اليمن العظيم وبلده لا يمكن أن يقدم للسعودية شيئًا، وأعتقد أن السعودية ذاقت هذا الكلام ورأيتَه… دعنا الآن نعود إلى اليمن، لأنه ولولا المنبطحين فيها لما تجرأت الدول الخليجية ولا الخارجية عليه… دعنا نعود إلى تقييم: جاءت مشاورات وانتهى الرئيس هادي، وجاءت الحرب، والرسالة وصلت عبر التاريخ: من يقاتل اليمنيين يصل إلى نتيجة واحدة. وتمت إعادة العلاقات ما بين الأطراف اليمنية عبر التاريخ منذ أيام العثمانيين وحتى اليوم. ولكن دعنا اليوم بعد أن صعد مجلس القيادة الرئاسي و نقيم أداءهم إلى الآن، ولماذا كلما جاءت إدارة جديدة أصبح الحوثي أقوى؟
الحكيمي: الإجراءات التي اتخذها التحالف السعودي الإماراتي في شنه للحرب على اليمن وحصاره حتى الآن، بدا وكأنهم يريدون أن يدمروا كل البنى التحتية الاقتصادية والسياسية والثقافية وحتى الأخلاقية، لأنهم جلبوا مجرمين وشواذ وكل ما يمكن أن يتخيله العقل، حتى بلاطجة الحارات.
رحمة (مقاطعة): ولكن قد جاءت النتيجة، أستاذ، وأنا لا أقصد مقاطعتك، ولكن النتيجة واضحة: انتصر اليمن. ولكن الآن نريد أن نقيم بعد هذا… نحن الآن لا حرب ولا سلَم. وبالنسبة لليمنيين فيما يتعلق بالخارج، أرسلوا رسالتهم سواء ضد البريطاني أو الأمريكي أو السعودي. لماذا إلى الآن، كلما جاء نظام آخر مناهض للحوثي، يزداد الحوثي قوة؟
الحكيمي: لأن الجانب الآخر، الذي تتزعمه السعودية والإمارات، لم يعملوا على إيجاد سلطات بديلة في الأراضي التي يسيطرون عليها، وهي أكثر من ثلثي مساحة اليمن، ولم يوجدوا النموذج الذي يريدون أن يقيموه حتى يقولوا للشعب اليمني: هذا الذي نريد أن نبني اليمن على هذا النموذج. كله تفكيك، وأطلقوا يد السلطات المتعاقبة - بتسمياتها منذ 2015 - أطلقوا يدهم في الفساد والنهب والسلب، وكل ذلك تدمير. وأيضًا لم يقيدوا سلطاتهم. طبعًا ملأوا جيوبهم، وأطلقوا أيديهم ليفعلوا ما يريدون، وهذا هو المطلوب. أما لو أرادوا، كانوا أمام فرصة تاريخية لن تتكرر أبدًا، وهي أن يبنوا نموذج دولة… فقط دولة. نحن لا نريد منهم أن يبنوا دولة عظمى. وكانت ستستفيد السعودية، ونحن نصحنا السعوديين على هذا الأساس. ولكن الآن، أنا أقارن بين النموذجين: النموذج الذي في صنعاء، والنموذج الذي في المحافظات الجنوبية وتعز ومأرب - لا توجد هناك أي مقارنة.
رحمة: اسمح لي أستاذ أن أستوقفك هنا وأعرض وجهة نظر أخرى. فمن هم في صنعاء ليسوا طيور الجنة، وأنت تتابع بنفسك الاعتقالات والاختطافات التي يمارسونها، والاعتداءات المتتالية، والطريقة العنيفة في إدارة الدولة.
الحكيمي: أنا قلت إنهم ليسوا أفضل ممن هم في الجانب الآخر. ولكن حينما تقيسين، يبدأ النموذج الآخر أفضل: على الأقل قرار واحد، قيادة واحدة، سلطة واحدة، ضبط أمن واحد. أما هناك؛ عدة قوى، ولم يتفق حتى مجلس القيادة الرئاسية.
رحمة: مجلس القيادة الرئاسية يتكون من ثمانية أشخاص، وكل واحد له طريقة… أو بالأصح يمثل اتجاهًا.
الحكيمي: لذلك ما هو السر وراء أن يكون مجلس رئاسة القيادة بهذا الشكل المتنافر.

رحمة: هم قالوا في مشاورات الرياض، وأنا كنت موجودة حينها، إنه من أجل خلق توافق بين كل الأطراف بمؤسسة واحدة تتفاوض مع الحوثيين بدلًا من أن يتفاوض كل واحد على حدة، وكان الحوثيون قد سبقوهم وشكّلوا فريق المصالحة الوطنية الذي أنت عضو فيه. فحتى الآن، ما الذي عملتموه فيما يتعلق بفريق المصالحة والحل السياسي اليمني؟
الحكيمي: قبل أن أدخل في المصالحة أريد أن أؤكد على حقيقة يجب أخذها بعين الاعتبار من جميع القوى، وأنا أولهم كفرد. نحن مبتلون بعقليات النزعة الإعدامية العدمية؛ إذا اختلفت مع شخص سوى كان فردًا أو حزبًا أو دولة في جزئية، أمحو تاريخه تمامًا وكأنه لم يفعل شيئًا، وكأن هذا الإنسان ينتفي تمامًا من الوجود. هذه أفقدتنا كثيرًا. وسأعطيك مثالًا على ذلك: الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح. نحن اختلفنا معه في قضايا سياسية على سبيل المثال، ولكن لا أستطيع أن أتقبل أن يقول إنسان إن 32 سنة حكم علي عبدالله صالح كلها سلبيات ولا توجد إيجابيات؟
رحمة (مقاطعة): وبدليل أنك لم تذكر أي إيجابيات حينما حاورتك في أربع حلقات. لم تذكر أي إيجابية؛ أنت مثلهم كذلك.
الحكيمي: لأنك حاورتِني كمعارض. نحن نحكي عن تاريخ كان. ولهذا قلت لك في البداية: أنا أولهم. هذه النزعة الإعدامية يجب أن تنتهي. نختلف فيما اختلفنا فيه ونتعاون فيما نتفق عليه، والكثير من القضايا نتفق عليها، ولكن أن تختلف مع إنسان ثم تعدمه من الوجود، هذا لا يجوز. ولهذا، المصالحة تتطلب أن ننهي هذه العقلية نحو عقلية أكثر شراكة واستيعابًا للآخر وتفهمًا معه وتوافقية. هذا جانب.
أما بالنسبة للجانب الثاني: المصالحة الوطنية لا يمكن أن تتم الآن إلا إذا توفرت لدى طرفي الصراع، والعقلاء منهم على وجه الخصوص صحوة الضمير، لابد ان يوحدوا إرادتهم السياسية لانتشال البلد من الواقع الكارثي الذي يتخبط فيه، بحيث يبدأ الجميع بإرادة سياسية لإيجاد حل سياسي. والحل السياسي يأتي حينما لا يستطيع طرف أن يحسم الأمور عسكريًا، فليس أمامه من خيار إلا أن يتجه للحل السياسي التوافقي الذي يصل إلى حل وسط. ولكن إذا لم يستطع أي طرف تحقيق الحسم العسكري، فيجب أن يتنازل الطرفان ويلتقوا في منطقة الوسط ويبدأوا في البناء.
رحمة: كيف تريدهم أن يلتقوا وهم يريدون "أن يطلبوا الله"؟ هناك ملف إعاشة بآلاف الدولارات، وهناك الحوثيون يتفيدون الشعب من وإلى. وهناك من يتبعون السعودية والامارات، والحوثيون يعلّقون صور القيادات الإيرانية في قلب صنعاء، ولم نفتَرِ على أحد. فكيف تريدهم أن يلتقوا؟ أستاذ عبدالله أنت لديك نقاط تدعو الجميع للسلام ونسيان الماضي والنظر قُدمًا. هل يمكنك أن تحدثنا عن مقترحك أو خارطة الطريق التي تقترحها لجمع جميع الأطراف من أجل السلام والمصالحة؟
الحكيمي: هي أفكار مطروحة للنقاش والبلورة من قبل الأطراف المعنية. ولكن نحن ذكرنا توفر الإرادة السياسية عند طرفي الصراع تحديدًا، والعقلاء منهم بشكل خاص، هذا جانب. والجانب الثاني: يجب على الطرفين أن يقتنعوا - وهذه حقيقة تاريخية ثابتة - أن اليمن لا يمكن لأي قوة سياسية أو اجتماعية بمفردها أن تحكمه وتنجح في إدارته وحكمه كما ينبغي. وكل قوة تنفرد بالسيطرة على الحكم تفتح المجال أمام الصراعات المجتمعية. وهذه من الشروط الضرورية: إرادة سياسية والتخلي عن التفرد بالحكم. اليمن لا يُحكم إلا توافقيًا منذ أيام السبئيين والحميريين. اقرأوا التاريخ.
وبالنسبة لأفكار خارطة الطريق التي أريد طرحها: هناك مفتاح لنجاح هذا الموضوع. لفهم ما نريد طرحه، أولًا يجب أن يتوقف الجميع - من طرفي النزاع تحديدًا - "ومن إلى هذا ومن إلى ذاك"، ومثلما قالوا في المبادرة الخليجية: "المؤتمر الشعبي العام وشركاؤه واللقاء المشترك وحلفاؤه"، عن مسألة خطاب الكراهية والإقصاء.
رحمة (مقاطعة): يجب أن توضّح. لم يعد يوجد "مؤتمر شعبي عام"؛ لأن المؤتمر الشعبي في صنعاء قد أوقف عمله. وأنت هنا تقصد قيادات الحوثيين أو أنصار الله وشركاءهم.
الحكيمي: أنا قلت على غرار المبادرة الخليجية عندما قالوا "الطرفين".
رحمة: وحتى تكون الخارطة واضحة: قيادة الحوثيين وشركاؤهم، ومجلس القيادة الرئاسي وشركاؤهم.
الحكيمي: من المهم إيقاف خطاب الكراهية: هذا يتهم ذاك بأنه مرتزق، وذاك عميل، وهذا خائن، وهذا مجوسي، وهذا إيراني، وهذا فارسي. هذا يجب أن يتوقف، وإلا كيف سنصل إلى مصالحة وطنية؟ لا بد أن تتوقف هذه العقلية وأن نتخاطب مع بعضنا البعض بأسلوب ودي يريد الوصول إلى حل. هذه نقطة مهمة.
أما النقطة الثانية: على الطرفين أن يقتنعوا أنه لا يوجد طرف يستطيع أن يقول إنه "الشرعي"، لأنه عندما تنقسم الدولة فليست هناك شرعية؛ الدولة منقسمة، الشعب منقسم، والجغرافيا منقسمة. فكيف يدعي طرف أنه شرعي او يصر على ذلك؟ يجب أن يعترف الطرفان بأن هناك أزمة يجب حلها بأسلوب توافقي، بدون تصنيفات وإصرار المطالبة بالشرعية هي التي أفسدت الحوارات السابقة، وهي التي أفسدت الأمم المتحدة.
رحمة: هذه هي النقطة الأولى: التوقف عن خطاب الكراهية وتوزيع الاتهامات، وأن يجلسوا جميعًا على طاولة واحدة. ما هي النقطة الثانية؟
الحكيمي: ولا توجد شرعية لأحد. نحن نريد أن نوجد شرعية بإعادة بناء وحدة الدولة.
رحمة: المواطنون اصبحوا غاضبين وثائرين عليهم جميعًا. وما هي النقطة الثانية؟
الحكيمي: بالنسبة للنقطة الثانية، الأمر واضح جدًا: لديك مبادرة المبعوث الأممي مطروحة للنقاش، والكل موافق عليها، والسعودية موافقة عليها. وأنا هنا أريد أن أتطرق لنقطة مهمة جدًا وهي أن التحجج بأن السعودية تريد أن تكون وسيطًا وليس طرفًا ليست مهمة في اعتقادي. ولكن إذا أرادت السعودية أن تكون وسيطًا، فلا مانع، بشرط أن تكون على مسافة واحدة من الطرفين، وأن لا تكون منحازة لهذا الطرف أو ذاك. ولمَ لا نقبل أن تكون وسيطًا أو أي شيء؟ لأنه لا يوجد فرق بين المبادرة الأممية وما تطرحه السعودية، بل إن ما تطرحه السعودية أفضل مما يطرحه المبعوث الأممي.
رحمة (مقاطعة): هي جارة وبيننا وبينهم مئات الكيلومترات.
الحكيمي: طبعًا. على ماذا تنص مبادرة المبعوث الأممي؟ على أساس أن أول شيء - كإجراءات أولية - وقف إطلاق النار على عموم اليمن، وهذا شيء متفق عليه...
رحمة (مقاطعة): وهناك هدنة حقيقية تمت في 2022.
الحكيمي: هذه نصوص مبادرة المبعوث الأممي التي كانت نتائج مشاورات مبعوث الأمم المتحدة مع السعودية.
رحمة: لا، بل كانت مشاورات يمنية - يمنية بالرياض في 2022.
الحكيمي: أنا أريد أن أقول إن الطرفين لديهم علاقات طيبة مع السعودية، ولديهم وفد شبه مقيم من أنصار الله في السعودية، ولا توجد هناك أي مشكلة في الأساس وهناك تقارب. والطرف الاخر هم ايضا بأعداد كبيرة هناك. ولذلك لا مشكلة من دخول السعودية كوسيط. اما النقطة الثانية في مبادرة المبعوث: دفع مرتبات الموظفين في القطاع العام، واستئناف تصدير النفط. طبعًا هذه عناوين...
رحمة (مقاطعة): وكذلك توحيد الجيش. تحدثتَ عن الجيش كثيرًا. كيف يمكن أن يكون هناك سلام وهناك جيش نسميه "جيش إيراني" وذلك "جيش قريب من السعودية" وذاك "قريب من الإمارات"، وحتى العليمي لديه "درع الوطن". كيف، فيما يتعلق بالجيش، أريد أن أعرف وجهة نظرك؟
الحكيمي: هي المبادرة التي عالجت الموضوع بأكمله، لأن هذه نقاط يسمونها "تعزيز الثقة". بعد ذلك قالوا في خارطة الطريق الأممية: ستُنشأ آليات للتنفيذ، وستُعد لعملية سياسية يقودها اليمنيون برعاية الأمم المتحدة. فماذا يريدون أكثر من ذلك؟ هي الآن تجمع الطرفين. وفي الأساس كان الطرفان يلتقون في الكويت، وعُمان، وجنيف، وستوكهولم، ولم يكن محظورًا لقاؤهم.
رحمة: إذًا ما الذي يريده الحوثيون؟
الحكيمي: أنا أطالب أن تكون مبادرة المبعوث الأممي أساسًا للحل.
رحمة: والمهم أن يكون الحوار يمنيًا- يمنيًا.
الحكيمي: لا بد أن يجري التفاوض عليه، لأنه يتضمن تعزيز الثقة وفك الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة. كل هذا تتضمنه المبادرة بشكل أو بآخر. ولهذا، أعتقد أنه لو استطاع وفد أنصار الله أن يدخل مع السعودية في حوار جاد - طالما أن الاتصالات بينهم لم تنقطع في يوم من الأيام- فإن الوصول إلى حل مع السعودية كفيل بأن ينهي الأزمة أسرع بكثير من الأمم المتحدة ودخول أطراف دولية وأمريكا، كما تدخلوا في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية.
رحمة: ولكن هل الحوثيون جاهزون للسلام؟
الحكيمي: أنا أطالب الحوثيين أن يفعلوا ذلك. كما أن الإصرار على التفاوض مع السعودية كطرف هو من أجل التعويضات لإعادة الإعمار. وفيما يخص الإعمار: هناك عدد من الدول نشبت فيها حروب ولم تحصل على أي دعم من أجل الإعمار. ولهذا، التفاهم مع السعودية مهم، لأنها تصرف بدون قيود.
رحمة: هي أيضًا جارة ومتضررة، وهذا كرم منها. ولكن هل اتخذتم هذا القرار عند اجتماعكم بفريق المصالحة؟ ومتى كان آخر اجتماع؟
الحكيمي: يا أستاذة رحمة، لا توجد لدي أي علاقة.
رحمة: ولكن أنت لديك قرار رئاسي من المشاط أن تكون عضو فريق مصالحة.
الحكيمي: دعكِ من هذا القرار. أنا لم أشترك في حوار، ولم يُؤخذ رأيي، ولم أُستشر، ولم يتصلوا بي، ولم أتصل، ولم أساهم. فقط مجرد "مشَقَّر".
رحمة: والآن لديك فرصة أن تفرض رأيك وترسل رسالتك للجميع. أنت قلت إنك مع خارطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة، وقلت إن الأولى يجب أن يكون الحوار مع الجيران بشكل أساسي، "لا ضرر ولا ضرار". فهل هناك نقاط معينة يمكن أن تطرحها، مثل مبادرة الرئيس علي ناصر محمد بأن يكون هناك رئيس ونائب أو نائبين؟
الحكيمي: بالنسبة لقضية الجيش التي أشرتِ لها من قبل، فالجيش منقسم كما هي منقسمة بقية الأشياء: الدولة، والأرض، والشعب. كل هذا منقسم. وبالنسبة لمعالجة الجيش سهلة.
رحمة (مقاطعة): كيف؟
الحكيمي: الجيش والجهاز الإداري للدولة - بشكل متوازٍ. كيف يتم توحيد الجيش؟ بالعودة إلى كشوفات 2014 العسكرية التي كانت تتضمن الجيش، وكشوفات الجهاز الإداري للدولة كما كان في 2014. بعد ذلك يتفق الطرفان على انه ما تم من تعيينات بعد 2014. هذه تُحال إلى لجان مشتركة، مجلس مشترك، للنظر في التعيينات الهائلة التي تمت من قبل الطرفين: عشرات ومئات الآلاف من التعيينات. هذا جهاز إداري! ولهذا لا بد من دراسة وضع كل حالة من التعيينات التي جاءت بعد 2014، ومدى ملاءمتها لقانون الخدمة المدنية والعسكرية، ويُؤخذ الأفضل منهم، لأنه لو جُمعت كل هذه التعيينات التي تمت بعد 2014، فلن تكن هناك ميزانية كافية.
رحمة: ولكن أستاذ عبدالله، هذه تحتاج إلى قائد قوي. من سيستطيع مقارعة شبكات الفساد الكبيرة والجيش؟
الحكيمي: وجهة نظر السعودية في مقاربتها للحل تقول: البدء بالمعالجات الإنسانية الطارئة، وهذا شيء طيب ولصالحنا، باعتباره مقدمة تسبق استكمال الإجراءات السياسية الأخرى التي ستناقش ترتيبات إدارة وشكل الدولة في وقت لاحق، من خلال الانتقال إلى مفاوضات يمنية - يمنية واسعة برعاية الأمم المتحدة وإشراف المجتمعين الإقليمي والدولي. ولهذا، أعتقد أن الحكمة تقتضي - إذا ما توفرت إرادة لدى أنصار الله تحديدًا، والجانب الآخر هو منسجم مع السعودية - لو استطاع أنصار الله أن يحققوا اختراقًا في مفاوضاتهم مع السعودية ويوجدوا حلًا سياسيًا واقعيًا موضوعيًا، وإذا تصور وفد أنصار الله أنه يمكنه فرض كل آرائه على السعودية أو غيرها، فعليه أن يعي أن التفاوض السياسي يتجه الناس فيه إلى أنصاف الحلول، إلى الأشياء الممكنة. وأعتقد أنهم يستطيعون حل الأزمة خلال أيام.
رحمة: أريد أن أسألك سؤالًا: كيف ترى اليمن بعد عشر سنوات - وبواقعية؟
الحكيمي: إذا تصورنا أنه أمكن الوصول إلى حل سياسي ومصالحة وطنية، وأيضًا توافق مع الإقليم - لأن الإقليم مهم هنا؛ ولان العامل الجيوسياسي يتحكم في المجريات الداخلية للإقليم ككل: اليمن والسعودية والإمارات ودول الخليج - ولهذا، إذا أمكننا الخروج بهذا الحل، وهو متيسر إذا توفرت الإرادة السياسية. فهل لدى الطرفين، وبالذات أنصار الله، إرادة سياسية للوصول إلى حل سياسي؟ فعليهم بالسعودية، حتى لا يتوهوا في دهاليز المجتمع الدولي والأمم المتحدة، ودخول أمريكا والفيتو، لأنه من ضمن الأشياء التي يمكن التوصل إليها الاتفاق على إخراج اليمن من البند السابع.
رحمة: هل يعني هذا أنك متفائل؟
الحكيمي: أنا متفائل كثيرًا إذا ما تم. هذه رؤيتي للحل، وهي عبارة عن نصيحة. أنا أنصح، لأنني أرى - في ظل التطورات الحالية في الإقليم والعالم - أن القوى الدولية، أمريكا والقوة الغربية معها إلى حد ما، وإسرائيل، يطبقون على الشرق الأوسط بأكمله. الآن بدأت أمريكا تتجه إلى دول آسيا الوسطى، والآن تطوق الصين وروسيا.
رحمة: هذا يعني أنه لا بد لنا من توحيد القرار من الداخل. أنا أريد أن أطلب منك طلبًا: أنت قلت إنهم - أنصار الله - لا يستشيرونك ولا يدعونك. فما رأيك أن توجه لهم رسالة عبر برنامج "حكايتي" للأخوة الحوثيين حول السلام والمصالحة؟
الحكيمي: أنا في الحقيقة لا أعرض نفسي على أحد.
رحمة: ولكن قدّم لهم النصح.
الحكيمي: أنا أنصحهم عبر حساباتي في تويتر والفيسبوك كـ"رأي".
رحمة: ولكنك غائب عن الإعلام.
الحكيمي: أنا نشط عبر حساباتي ومتواجد. أنا عرضت عليهم الانسحاب وأن يعينوا بديلًا لي. لأنه - وبالله عليك - هل سمعتِ بيانًا أو قرارًا؟
رحمة(ممازحة): سمعتُ أن يوسف الفيشي اجتمع وقدم تعازيه... وهناك ثلاث فعاليات تمت، رغم أن مبادرة الحوثيين كانت قبل الطرف الآخر؛ أول من شكّلوا في 2018 فريقًا للمصالحة الوطنية، وبعد ذلك ذهبوا في سبات عميق.
الحكيمي: أنا قبلت أن أكون في لجنة المصالحة عندما علمت أن يوسف الفيشي هو رئيسها، لأنني أحترمه كثيرًا. هو عقلية متقدمة ومستنيرة، ومقارباته السياسية تعجبني. وإلا لما كنت قبلت. ومع ذلك لم تكن لي صلة. وأعتبر وكأني لست موجودًا في هذه اللجنة، والمصالحة الوطنية بأكملها غير موجودة.

رحمة: دعنا نرى مستقبل عبدالله سلام الحكيمي خلال خمس سنوات. ما الذي تنوي فعله؟
الحكيمي: أنا أنوي أكرّس جهدي الآن على السعي إلى مصالحة وطنية وحل سياسي، كما شرحتُ بعض معالمه في الحوار السابق.
رحمة: هل لديك رسالة توجهها للأطراف اليمنية ونختتم بها اللقاء؟
الحكيمي: الرسالة التي أريد أن أوجّهها - وقد ذكرتُ بعضها -: أن يخرجوا من قوقعة التصنيفات المسبقة لهذا الطرف ضد الطرف الآخر. اختلفوا في قضايا، ولكن هناك مشتركات كثيرة. اجعلوا لقاءاتكم في المشتركات. أما قضية الاختلاف فلا تعني أن الإنسان أصبح غير موجود، أو أن هذا الطرف غير موجود. ونتعامل مع بعضنا البعض كأطراف معنية بإيجاد الحل وشريكة في الوطن. ولا يستطيع أحد أن ينفرد بهذا الوطن؛ فالوطن ملك الشعب بأكمله. وكل قوة ترى في نفسها أنها ستفرض السيطرة أو الهيمنة وحدها، يعني ذلك أنها تقود نفسها إلى المهلكة وتهلك الوطن معها.
رحمة: الأستاذ عبدالله سلام الحكيمي، السياسي والكاتب والأديب والوزير المفوض وعضو فريق المصالحة الوطنية في صنعاء. قبعاتك تعددت، وأحد قادة أشهر انقلاب في اليمن... أشكرك من أعماق قلبي. أولًا منحتني شرفًا كبيرًا أنا وطاقم برنامج "حكايتي" بحضورك معنا، وأنك خصصتنا بأسرار ووثائق انقلاب أكتوبر وخارطة الطريق التي عرضتها. شكرًا لك.
الحكيمي: والشكر موصول لك، لأنه لولاكِ لما شاركت في الحوار.
رحمة: مشاهدينا، تاريخ اليمن يستحق أن يُروى، وأنتم تستحقون مشاهدته. وتاريخ الوطن يبدأ من تاريخ الأفراد، فما بالكم بتاريخ قيادي كالأستاذ عبدالله سلام الحكيمي؟ نلقاكم في حلقة قادمة وضيف آخر.
ينشر هذا الحوار بالتزامن مع بثه على قناة "حكايتي" على يوتيوب، إعداد وتقديم الإعلامية رحمة حجيرة. لمشاهدة الحلقة (اضغط هنا)