صنعاء 19C امطار خفيفة

عبدالرحمن بجاش.. السهل الممتنع

عبدالرحمن بجاش.. السهل الممتنع
عبدالرحمن بجاش

للتو أنجزت قراءة كتاب "شهقة الفجر"، للأستاذ عبدالرحمن بجاش. كتاب (تاريخي!) مكتوب بسلاسة ورشاقة وبساطة متناهية، بساطة السهل الممتنع، لا تملك معها سوى أن تعتبره كتابًا أدبيًا، لأقل شهادة من قبل رائي، صاحب قلم رشيق، وحس مرهفٍ، التقاطات سهلة بقدر تمنعها وإلى درجة تجد نفسك مجبرًا على القول، في ما بينك وما بين نفسك:

الله، ما أروعك.
سبق أن قرأت له جزأين من سيرته الذاتية "حافة إسحاق"، "لغلغي في صنعاء"، و"حكايات العم قاسم" التي اعتبرتها تنويعًا على سيرته الذاتية، ما أنجزت قراءتها حتى كتبت له:
سيرة الممتلئ بالحياة وبالناس. للتو أنجزت قراءة "لغلغلي في صنعاء". سبق أن قرأت "حافة إسحاق". هنا الجزء الثاني من سيرتك يا عبدالرحمن، لأقل سيرة مدينتين أيضًا، بل ثلاث مدن (تعز، صنعاء وموسكو). أدب رفيع جدًا، سلاسة، وبساطة الحكي بدون ابتذال، بساطة السهل الممتنع. سوف أباشر فورًا قراءة "حكايات العم قاسم"، ثم سأشهق، بالأحرى سوف أشاركك "شهقة الفجر". شكرًا يا عبدالرحمن على هذا التدفق الإبداعي الآسر، هذا التحويل المدهش لتفاصيل حياة إلى حيث تغدو لوحةً إبداعيةً تخطف الأبصار. شكرًا لك كل هذا الجمال.
هي دعوة إلى القراءة فحسب، ولذلك لن أزيد أكثر من أن أردد، راجيًا أن تسمعوا:
اقرأوا لعبدالرحمن بجاش.
لا أزعم بأنني أعرفه، وإن تعرفت عليه شخصيًا.
في منتصف السبعينيات، التقيت به، كان شبه مقيم في مقر جريدة الثورة، مع زميله المساح. ذهبت لأكثر من مرة، أعطيتهم مقالات على استحياء، نشروها، كان ذلك في سنة ستة وسبعين تقريبًا، ولقد كان أيضًا معروفًا، لمن سمع باسمه وتحدث معه ولو ببضع كلمات، بحيث لا تخطئه العين إن شافه في التحرير أو شارع علي عبدالمغني.
في السبعينيات: كان الفرز الفصائلي على أشده، وكانت الناس تُعرف أو تُعرّف بانتماءاتها: هذا ديمقراطي، وهذا طليعة، وهذا عمل... الخ، حتى إذا وصل الأمر إلى عبدالرحمن، تكون الإجابة (الله أعلم أيش هوه). وكان لهذه الكلمة في حينه وقع مخيف (إنه ليس معنا!).
كان الالتزام الحزبي وفقًا لشروط تلك المرحلة يعني أسرًا (سجنًا من أخطر السجون). والأخطر من ذلك أن غير المؤطر تنظيميًا يتم حبسه فورًا داخل سجن (الله أعلم أيش هوه)، يا للهول (الله أعلم أيش هوه).
انقضى وقت ليس بقصير قبل أن أفكك تلكم الجملة الإرهابية (الله يعلم أيش هوه)، توصلت أثناءه إلى أن أفهمها هكذا: إنه حر.
كانت الحرية كلمة مخيفة لدى (أولئك الأسرى)، وكان عليهم إما أن يعتقلوها داخل إطار من أطرهم، أو أن يرموا بها إلى غياهب سجن عنوانه (الله يعلم أيش هوه).
كنت، واستمررت، ومازلت حرًا، وإلا لما أمكنك أن تتدفق بهكذا حرية، يا عبدالرحمن.
ومن يتدفق بحرية كعبدالرحمن، يحررنا بالضرورة.
بعد أن يقرأ المرء لعبدالرحمن بجاش، لا يعد كما كان قبل القراءة.

الكلمات الدلالية