صوت تهامة الذي كسر صمت التهميش
لم تكن القضية التهامية تتصدر المشهد اليمني يوماً دون أن يمر اسم الشيخ سالم عايش الهبل في الخلفية، أو حتى في مقدمة المشهد. فالشيخ الهبل، ابن تهامة البارز ومن وجاهات قبيلة الزرانيق ذات التاريخ النضالي العريق، حمل على كتفيه هموم الأرض والإنسان، ودفع سنوات عمره دفاعاً عن حق ظل طويلاً بعيداً عن الأنظار: حق أبناء تهامة في الاعتراف بوجودهم، وفي الكرامة، وفي مكانتهم داخل وطنهم.
كان صوت الشيخ الهبل امتداداً لخط مقاوم زرانيقي لم يساوم يوماً على الحق أو المساواة. ومن خلال حضوره الاجتماعي ورصيده القبلي، نجح في تحويل القضية التهامية من مجرد همس داخلي خافت إلى خطاب وطني يفرض نفسه، مدركاً أن الظلم الناعم، أحياناً، أقسى من العنف المباشر؛ فالتهميش، ذلك العدو الصامت، ظل ينهش حياة أبناء تهامة لعقود، بينما تتعاقب السلطات وتبقى مظلومية الإنسان التهامي ثابتة في مكانها.
مع مطلع الألفية الثانية، أدرك الشيخ الهبل أن المعركة الإعلامية لا تقل أهمية عن أي مواجهة سياسية أو اجتماعية. فأسّس صحيفة "تهامة"، لتكون أول منصة مكتوبة تُعرّف البلاد بعمق الجرح التهامي، وتنقل أصوات الناس الذين لم يجدوا من يمثلهم أو يتحدث باسمهم. كانت الصحيفة نافذة مفتوحة على تاريخ المنطقة وثقافتها، وعلى واقع تراكمت فوقه طبقات من الإهمال والتجاهل.
ومع التحولات السياسية التي شهدها اليمن بعد 2011، عاد الشيخ الهبل ليؤكد أهمية استمرار الإعلام وتطوره. فأصدر صحيفة "الصباح الجديد"، مطبوعة ركزت بشكل منهجي وواضح على القضية التهامية، مقدّمة ملفات وتحليلات ورؤى حاولت نقلها من مربع الشكوى إلى فضاء الوعي العام. بالنسبة له، لم يكن الإعلام ترفاً أو واجهة، بل أداة مقاومة للطمس، ومساحة لاستعادة حقائق التاريخ ومطالب الحاضر.
لم يكن الشيخ سالم الهبل سياسياً تقليدياً ولا ناشطاً عابراً. كان مشروعه قائماً على إيمان راسخ بأن تهامة جزء أصيل من هوية اليمن، وأن أبنائها شركاء في الأرض والوطن، لا هامشاً يمكن تجاوزه، ولا كتلة صامتة يُفترض أن تبقى في الخلف. ومن هنا جاءت مواقفه وجهوده وإصراره على مواجهة كل ما يعيد إنتاج الإقصاء تحت أي مسمى، وفي أي مرحلة من مراحل الحكم اليمني.
اليوم، حين يُستعاد الحديث عن مسار القضية التهامية وتعقيداتها، لا يمكن تجاهل الدور الذي لعبه الشيخ الهبل في ترسيخ وعي عام بها. فقد كان صوتاً مبكراً وواقفاً أمام رياح طويلة حاولت أن تمحو تاريخ المنطقة وتعبث بمستقبلها، تاركاً أثراً لا يُقاس بما نشر أو قال فحسب، بل بما أيقظه داخل الأجيال من إحساس بالدور والهوية والحق.
وهكذا ظل الشيخ الهبل وما يزال اسماً لا يُذكر إلا مقروناً بالموقف والالتزام، وبمسيرة نضال هادئة المظهر، صلبة الجوهر، تشبه تماماً طبيعة تهامة نفسها: بسيطة على السطح، لكنها عميقة الجذور لا تنحني.