الحكيمي يروي الكواليس الخفية لحركة 15 أكتوبر 78 وأسباب الفشل
في خريف 1978 كان اليمن الشمالي يقف على حافة المجهول. ضابط شاب اسمه علي عبدالله صالح صعد إلى الحكم في 17 يوليو، على أنقاض مرحلة مكتظة بالاغتيالات والانقلابات، فيما كانت ذاكرة صنعاء لا تزال مثقلة بصدمة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي ومشروعه الذي لم يكتمل.
وبعد أقل من ثلاثة أشهر فقط، وتحديدًا في 15 أكتوبر، استيقظت العاصمة على محاولة انقلاب ناصرية للإطاحة بالنظام الجديد، سرعان ما أُحبطت، لكن أسئلتها وتفاصيلها ظلت عالقة في الكواليس المغلقة لعقود طويلة.
في الحلقة الثالثة من سلسلة «حكايتي» مع الزميلة رحمة حجيرة، التي تنشرها «النداء»، يعود السياسي والدبلوماسي اليمني عبدالله سلام الحكيمي إلى تلك الليلة الفاصلة، بصفته واحدًا من ثلاثة أشخاص تواجدوا في غرفة العمليات المسؤولة عن إدارة حركة 15 أكتوبر.
بين بيت قيد الإنشاء في الجراف، وسيارة تحولت إلى مركز اتصال لاسلكي مع الوحدات العسكرية، ووثائق ما تزال حبيسة أرشيف التنظيم الناصري، يروي الحكيمي خريطة الانقلاب كما رآها من الداخل: كيف اتُّخذ القرار بعد اغتيال الحمدي؟ كيف صعد إلى القيادة التنفيذية بالتزامن مع الاستعداد للحركة؟ ولماذا تحوّل انقلابٌ وُصف بأنه «محكم نظريًا» إلى إخفاق ميداني خلال ساعات الفجر الأولى؟
ومن خلال سرده الشخصي، يفتح الحكيمي ملف الأسباب العميقة للفشل: من الارتباك في تنفيذ الخطة، إلى تشتيت قوات «العمالقة»، إلى ما يصفه بـ«الغياب المربِك» لرئيس المجلس العسكري الأعلى نصار علي حسين عن موقع مهمته الأصلية. وبين كواليس غرفة العمليات، وطرق الهروب من صنعاء إلى عدن، ثم سنوات المنفى والعودة إلى الحوار مع نظام علي عبدالله صالح، تتشكل أمام القارئ حكاية انقلاب لم يكتمل، ومشروع سياسي أراد أن يكون امتدادًا لخط إبراهيم الحمدي، فانتهى إلى واحدة من أكثر المحطات حساسية وإثارة للجدل في التاريخ السياسي اليمني المعاصر.
"النداء" تنشر النص الكامل للحلقة بالتزامن مع عرضها المصوّر على قناة "حكايتي" في يوتيوب.

رحمة: مساء الخير مشاهدينا. في 17 يوليو 1978 صعد ضابط شاب اسمه علي عبدالله صالح للحكم في الجمهورية العربية اليمنية وسط بلد مزقته الاغتيالات والصراعات المستمرة. وبعد أقل من ثلاثة أشهر، وتحديدًا في 15 أكتوبر 1978، دوّى في صنعاء أخبار الانقلاب الناصري الذي أراد الإطاحة بحكم الرئيس صالح، لكنه أُحبط سريعًا.
اليوم نستضيف الأستاذ عبدالله سلام الحكيمي، أحد ثلاثة في غرفة العمليات. نسأله عن خريطة الانقلاب وما الذي حدث، وعن البيان الأول والتفاصيل التي ستُذكر لأول مرة بالوثائق. مرحبًا أستاذ عبدالله.
دعنا نبدأ بالهيئة التنفيذية للتنظيم الناصري في أكتوبر، كيف تم تصعيدك في ذاك الشهر تحديدًا ولماذا؟ وكم كان عدد الأعضاء هناك؟
الحكيمي: بالنسبة للجنة المركزية، أنا كنت عضو لجنة مركزية في الأساس، واللجنة تنتخب من بين أعضائها القيادة التنفيذية. كان هناك عدد من أعضاء القيادة التنفيذية العليا، لم أكن أنا من بينهم، ولكن نحن صُعّدنا من اللجنة المركزية إثر شغور موقع عضوين وهما الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي والرائد عبدالله عبدالعالم. وعندما غابوا صعدت أنا والشهيد محمد أحمد إبراهيم من اللجنة المركزية إلى عضوية القيادة التنفيذية العليا.

رحمة: أنا كنت أقصد: هل كان تصعيدك هذا له علاقة بالاستعدادات لقرار الانقلاب؟ وأنت ذكرت في الحلقة السابقة أنكم اتخذتم قرار الانقلاب سريعًا. هل يمكن أن تروي لنا ما الذي حدث عشية التخطيط للانقلاب أو في الأسبوع الأول عندما قررتم أنكم تنفذون الانقلاب ضد نظام الرئيس علي عبدالله صالح حينها؟
الحكيمي: نحن صعدنا الاثنين لأننا كنا من أعضاء اللجنة المركزية النشطين الذين بدأوا وتحركوا بشكل مكثف في مسألة الإعداد لحركة 15 أكتوبر. وكما قلت في الحلقة السابقة: إن قرار القيام بالتغيير اتخذناه فجر اليوم التالي لعملية اغتيال الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي. وكان تقييمنا، بعد أن سمعنا لشهادة التقرير الذي قدمه الشهيد عبدالسلام محمد مقبل لقيادة التنظيم حول مجريات "العزومة" التي أفضت إلى الاغتيال، وكانت الصورة أمامنا واضحة: أن هناك انقلابًا على مشروع وطني، وأنه يجب علينا أن نتحرك من أجل الحفاظ على ذلك المشروع الوطني الذي حمله الرئيس إبراهيم الحمدي.

رحمة: ولماذا 15 أكتوبر تحديدًا؟ أنت حكيت لنا ما الذي تم في "العزومة" وكيف دار الحوار، ولكن لماذا 15 أكتوبر تحديدًا؟
الحكيمي: 15 أكتوبر في الحقيقة لم تكن هي ساعة الصفر المقررة وفق الخطة، لأنه لم يكن هناك موعد محدد لساعة الصفر. ولكن فاجأنا الأخ المرحوم نصار علي حسين، رئيس المجلس العسكري الأعلى، بتحديد يوم 15 أكتوبر، وكانت بالنسبة لنا مفاجأة اضطررنا إلى أن نبلغ بقية الأعضاء في المجلس العسكري الأعلى حول تحديد ساعة الصفر وفقًا لما رآه رئيس المجلس العسكري الأعلى.
رحمة (مقاطعة): هل قبل أسبوع فقط أبلغتموهم بأن يكونوا جاهزين؟
الحكيمي: لا، قبل يوم فقط، لأن المجلس العسكري هو المتولي لترتيبات التغيير - الانقلاب العسكري إذا شئت أن تقولي - وكل القرارات اتخذها المجلس العسكري باعتبار أن ذلك شأنهم، لأنهم أهل الشأن وأهل الاختصاص. التنظيم المدني كان يغطي الجانب السياسي. ولهذا عندما اتخذ المجلس العسكري قرارًا بتحديد اليوم، أُبلغنا - وأنا كنت حلقة الوصل بين القيادة التنفيذية العليا وبين رئيس المجلس العسكري الأعلى - وتم إبلاغنا من الأخ نصار علي حسين على أساس أن يوم 15 أكتوبر، أو بالأصح غدًا، سوف تكون الحركة. فاضطررت إلى أن أتصل ببعض القادة العسكريين أعضاء المجلس.
رحمة: كيف تم الاتصال بهم؟
الحكيمي: مباشرة إلى منازلهم.
رحمة: ذهبت لهم واحدًا واحدًا إلى المنازل وأبلغتهم بأن الموعد غدًا؟
الحكيمي: نعم، أبلغتهم بتحديد الموعد وفقًا لما طرحه رئيس المجلس العسكري الأعلى، لأنه لم تكن هناك فرصة للاجتماع.

رحمة: هل فقط أبلغتهم بالموعد الم تسلمهم ملفًا فيه تفاصيل ما الذي ستفعلونه وما هي الخطة؟
الحكيمي: لا، الخطة كانت موضوعة من قبل، وُضعت من خلال أعضاء المجلس العسكري الأعلى. وكيفية تنفيذها هي كانت متكاملة. وفيما يتعلق بحركة 15 أكتوبر، لم تكن القيادة التنفيذية المدنية تتدخل في القرارات التي تتخذها القيادة العسكرية، لأن هذا اختصاصهم؛ لأن الذين يتحركون قادة الوحدات الذين كانوا أعضاء في المجلس العسكري الأعلى.
رحمة: هم الذين يتحركون ويقررون، وأنتم ما الذي كنتم تفعلونه في غرفة العمليات؟ وما كانت فائدتها إذا هم سيتحركون لوحدهم؟
الحكيمي: أن توكَّل المهمة العسكرية والتحرك العسكري للمجلس العسكري الأعلى، لا يعني أن هناك فصلًا بين الجانبين المدني والعسكري، لأن جميعها متكاملة. فقط هذا التحرك العسكري ليس للمدنيين خبرة في كيفية الترتيب للانقلابات وما شابه ذلك. ونحن في الحقيقة، بالنسبة للتنظيم المدني، كان الانقلاب يختلف عن الانقلابات المعروفة في الوطن العربي، وهو أن القطاع المدني هو من قام باستقطاب واستكشاف وضم وترتيب العسكريين ثم جمعهم ليختاروا المجلس العسكري الأعلى، وأوكل مهمة التحرك العسكري لهم بعد ذلك.
رحمة: ألم تكونوا مخترقين من أي دول إقليمية حينها أو أي أحد؟
الحكيمي: أنا أشك، وفي اعتقادي أنه لم يكن هناك اختراق. لماذا؟ لأنه فيما يتعلق بالاختراق: إذا كان هناك اختراق من السلطة أو أي طرف آخر، حتى الأطراف الخارجية، كانوا سيبلغون السلطة الحاكمة بأن هناك تحركًا، كما هو معتاد في هذه المسألة. ولكن لم يكن هناك أي اختراق. وبدليل: أنهم عندما بدأوا الاعتقالات بعد فشل الحركة في 15 أكتوبر، بدأوا يعتقلون أحزابًا أخرى وليس الناصريين. ثم صادف أن اعتقلوا أحد القادة العسكريين، قائد من قادة الوحدات، وحققوا معه.

ومحمد خميس كان يقول له: تتآمر أنت وعبدالرحمن مهيوب؟ لانهم كانوا يظنون أن البعثيين هم من قاموا بالانقلاب وليس نحن. فقال له: لا، أنا لم أكن مع عبدالرحمن مهيوب. قال له: كنت مع من؟ قال: كنت مع سالم السقاف. وهنا بدأوا يعرفون أن الناصريين وراء الانقلاب.

رحمة: كنتم منظمين بشكل جيد وجبهتكم الداخلية محصنة. عندما مررت لهم مساءً ثم ذهبت إلى الأستاذ عيسى محمد سيف وأخبرته أن الانقلاب غدًا، بعد ذلك كيف قررتم موقع غرفة العمليات؟ ومن هم الثلاثة الذين سيكونون في غرفة العمليات؟ احكِ لي وأنا سأكون مستمعة.
الحكيمي: في الحقيقة كان لابد أن يكون الأمين العام موجودًا في غرفة العمليات، وهي عبارة عن سيارة بها لاسلكية يتم التواصل من خلالها بين الوحدات العسكرية التي ستتحرك، تتلقى منها وتوجه لها التوجيهات. وكان الأمين العام، الجانب السياسي، هو صاحب القرار؛ لأنه أمين عام التنظيم بشقَّيه العسكري والمدني. هذا جانب. الجانب الثاني: أنا استُدعيت من غرفة التجمع التي تحركت إليها قريب منتصف الليل، وأرسل أحد الأشخاص واصطحبني معه إلى غرفة العمليات وكانت في بيت تحت الإنشاء، وفيها سيارة وحراسات.

رحمة: أين كان ذلك؟ هل خلف البنك المركزي؟
الحكيمي: لا، تلك كانت غرفة التجمع.
رحمة: أين كانت غرفة العمليات تحديدًا؟
الحكيمي: كانت في الجراف، في طريق المطار. كانت منزل المهندس الشهيد عبدالكريم المحويتي، رحمه الله. وكانت لا تزال تحت البناء، لم تستكمل بعد، كانت لا تزال هيكلًا، وفقط دخلت السيارة إلى الحوش. وأتذكر في أحد الأيام عندما عدنا بعد الانقلاب استدعوني لرؤية الرئيس علي عبدالله صالح في بيته في قرية الدجاج بجوار مصنع الغزل والنسيج. وكان عنده محسن سريع وغالب القمش، وبعد ذلك جرى حديث فيما بيننا عن الانقلاب. ومحسن سريع قال: أين كان مقر التنظيم؟ قلت له: لا يوجد مقر للتنظيم لأنه عمل سري. قال: ولكن لابد أن يكون لديكم مقر اجتماع. قلت له: يا فندم نحن نجتمع تحت شجرة.

رحمة: نرجع إلى غرفة العمليات. اتفقتم ثاني يوم أن تلتقوا، وماذا بعد ذلك؟
الحكيمي: استدعائي من بين أعضاء القيادة التنفيذية العليا كان على أساس أنه بعد نجاح الحركة سأَتولى إدارة التغطية الإعلامية للحركة فيما بعد، وإلا لا يوجد مبرر؛ لأن بقية أعضاء القيادة التنفيذية كانوا موجودين في مقر التجمع الذي أشرتُ له. وكان معنا أكثر من مقر للتجمع، وهي عبارة عن بيوت كانت مستأجرة.
رحمة: وأنت كنت جاهزًا لقراءة البيان رقم واحد؟
الحكيمي: رئيس غرفة العمليات المرحوم الرائد محمد المرزوقي، واقول مرحوم لأنه استطاع أن يختفي ويهرب. كان قائد كتائب النقل. لأن أعضاء المجلس العسكري كان يشترط لمن يكون عضو المجلس العسكري الأعلى إما قائد لواء، أو أركان حرب لواء، أو قائد كتيبة. مثل اللواء السابع كان فيه كتيبة واحدة فقط، وكان قائد الكتيبة. وكان المجلس العسكري لا يضم إلا القادة الذين هم على رأس الوحدات العسكرية، مباشرة يقودونها. ولهذا كانت غرفة العمليات فيها ثلاثة: الأمين العام، باعتباره صاحب القرار الأول للقطاعين، وعضو المجلس العسكري الأعلى الرائد محمد المرزوقي رحمه الله، وأنا باعتباري الجانب الإعلامي. هؤلاء كانوا على أساس أن يوجدوا في مكان واحد حتى يقوموا بمهامهم بعد ذلك في حال نجحت الحركة.
رحمة: واضح أنه كان انقلابًا عسكريًا، وأنت ذكرت أنها قيادات عسكرية وغيرها. ولكن هناك سؤال ونريد أن نعرف، وسنسير معك خطوة بخطوة قبل أن نصل إلى الفشل وكيف تم. إذا نجحتم، كيف كنتم ستتعاملون بالأمانة مع الرئيس علي عبدالله صالح وقيادة الجيش وقيادة الدولة حينها؟
الحكيمي: للأمانة، ولأننا نحكي للتاريخ، ولابد أن يكون الإنسان دقيقًا لأن هذا للأجيال. لم يكن هناك أي قرار بإعدامات أو تصفيات دموية على الإطلاق، وكنا حريصين على ألا تُراق قطرة دم واحدة. وكما كان يقال عن الناصريين: إنهم أصحاب الانقلابات البيضاء.
رحمة: ما الذي كنتم ستفعلونه بـ علي عبدالله صالح في حال نجح انقلابكم؟
الحكيمي: في حال نجاح الانقلاب، من المؤكد أنه كان سيُحال إلى المحاكمة. وبالتالي لم تُتخذ إجراءات استثنائية، لأن أي جنوح نحو تصفيات دموية سيعقبه دم، والدم لا يؤدي إلا إلى الدم. هذا جانب. أما الجانب الثاني: إنه لم تجرِ اعتقالات، فقط عملنا لبعض البيوت نوع من الحراسات الوقائية لشل فعالية القادة الذين ليسوا مشاركين في الانقلاب أو هم محسوبون على السلطة الحاكمة.
رحمة: هل لا زلت تتذكر اثنين أو ثلاثة من الشخصيات الذين عملتم لهم حراسة وقائية حتى لا يخرجوا للمساهمة في إحباط الانقلاب؟
الحكيمي: بعض من قادة الوحدات التي كانت لنا، مثلًا، يكون هناك قائد وحدة، وعندنا كتيبة في اللواء الذي هو قائده، فلابد أن نُشل حركته حتى لا يؤثر على قرار تحرك القوات التي يأمر بها. وأذكر على سبيل المثال: قائد اللواء السابع مدرع، الرائد محمد أحمد السنباني رحمه الله، الذي قصفته السعودية في غارة وتوفى هو وزوجته في محافظة إب.

رحمة: ألم يفكر محمد السنباني أو غيره في الخروج وبالتالي أنتم تعيدونه؟ أم كنتم فقط تراقبونه من بعيد؟
الحكيمي: لا، وفي الحقيقة حدث ذلك. عندما نتطرق إلى ما الذي أدى إلى فشل حركة 15 أكتوبر، مثلًا: الرائد محمد السنباني استطاع أن يفلت، ومع تحرك الكتيبة التي كانت الوحيدة في معسكر النهدين الذي كان قبل أن يكون دار الرئاسة، تحركت الكتيبة بأوامر من قائد الكتيبة وأركان حرب الكتيبة، الشهيدين الاثنين اللذين استشهدا.
رحمة (مقاطعة): سأقاطعك في هذه النقطة. أريد منك أن تحكي لنا عن أول كتيبة تحركت منذ الصباح بالتفصيل. تحدث عن أول قرار لأي كتيبة تحركت، وثاني كتيبة، ونجعل السنباني في المنتصف.
الحكيمي: لا ينفع ذلك، لأن هناك أسبابًا لفشل الحركة. مثلًا: هذا كان واحدًا من الأسباب، أنه جاء الرائد محمد السنباني، والكتيبة في اللواء التابع له بدأت تتحرك بأوامر من قائد الكتيبة وأركان حربه.
رحمة (مقاطعة): وأنتم أين كنتم؟ ألم تكونوا محاصرين المكان؟
الحكيمي: كانت حراستنا لمنزله من قبل مدنيين، وكانت حراسة إجرائية فقط، حتى إذا تحرك يبلغون أن فلان تحرك. ولكن كانت الرقابة فاترة ولم تكن مضبوطة.
رحمة: هل هذا يعني أنهم لم يبلغوكم بتحرك الرائد محمد السنباني؟
الحكيمي: في الحقيقة الذي حدث أنه مع وصول قائد اللواء جاء، والكتيبة بدأت تخرج من سور المعسكر. قال لهم: أين ستذهبون؟ فردوا: لدينا أمر بالتحرك. قال لهم: ممن؟ قالوا: من قائد الكتيبة حسين منصر، وهو كان عضو المجلس العسكري الأعلى، وأركان حربه الشهيد أحمد مطهر مطير رحمه الله. وأمرهم بالعودة، فعادوا. وهذه واحدة من الأسباب التي أدت إلى التأثير على نجاح الحركة.

رحمة: أنا كنت أتمنى لو بدأت من البداية: ماذا كان القرار وأنتم في غرفة العمليات حتى تتضح الصورة، فقط لأن هناك جيلًا جديدًا لا يعرف، حتى انا مثلاً لا اعرف غالبية الاسماء التي ذكرتهم.
الحكيمي: بالنسبة لغرفة العمليات، عادة أمام رئيسها خطة، وفيها شفرة التواصل وخطوط مفتوحة على القوة التي سوف تتحرك لتنفيذ الانقلاب. ولا يوجد هناك شيء اسمه اتخاذ قرار.

رحمة: كم عدد الخطوط التي كانت؟ هل خمسة أو ستة أو سبعة حتى تتواصلوا معهم من أجل التحرك؟
الحكيمي: سأذكر لكِ القوات بالنسبة لكتيبة اللواء السابع، وأهميته أنه يوجد فيه دبابات «بانهارد» الفرنسية التي تصلح لحرب الشوارع، لأنها ليست من الدبابات الكبيرة المستخدمة للتدمير، وتصلح لحرب المدن، وكانت لها مهمة ولكن أُحبِطت. أما قوات العمالقة المتواجدة في ذمار فكان المخطط لها أن تتحرك من ذمار لترابط في معسكر حزيز، الذي كان لا يزال في تلك الأيام للحرس الجمهوري، ولم يكن بذلك الشكل. وكان فيها معسكرًا للواء الثامن مدفعية، الذي كان قائده مهدي العولقي وعلي صالح الأحمر، وحلّ محله أركان حرب اللواء الثامن مدفعية. هذه القوات كان يفترض أن تتحرك إلى صنعاء، وقالوا إنهم لم يستطيعوا التحرك لأنه وصلتهم أخبار استطلاعية من فوج الاستطلاع الأول، الذي يرصد الطريق، أن قبائل سنحان وبلاد الروس خرجوا مسلحين ورتّبوا لقطع الطريق لمواجهة قوات العمالقة التي ستتحرك. وبدلًا من أن يأتوا من طريق ذمار - صنعاء لفّوا عن طريق خولان، وهناك اختطفتهم القبائل؛ هناك من أُسروا، وهناك من جعلوهم مُعزَّزين مُكرَّمين، وكان ذلك حسب الانتماء القبلي. وهكذا تشتت قوات العمالقة.
رحمة: إلى الآن ذكرتَ سببين لفشل الحركة: الأول فشل الأمن الوقائي لأنه كان مدنيًّا وليس لديه توجهات باستخدام العنف، والثاني كان مسألة التشتيت الذي تعرضت له قوات العمالقة بسبب خروج القبائل من بلاد الروس وسنحان. ولكن ما هو السبب الثالث الذي أدى إلى فشل الانقلاب الناصري؟
الحكيمي: قبل أن أتحدث عن السبب الثالث و الرابع، فقط أريد أن أقول رؤية عامة، وهي أن حركة 15 أكتوبر كان التخطيط لها دقيق جداً وموفقًا وناجحًا كخطة نظرية لتحدث التغيير الانقلابي، ولكن الخلل حدث أثناء التنفيذ، لأن التنفيذ حدث على غير ما هو موضوع في الخطة، وإلا كان التحرك سريًّا ولم يُخترق ولم يُكشف على الإطلاق.
والآن ننتقل إلى السبب الثالث: نحن الآن شُلّت علينا قوتان: الكتيبة في اللواء السابع مدرع، وقوات العمالقة كما ذكرت. السبب الثالث.. وأنا هنا أحكي عن القوات التي شاركت؛ مثلًا قوات الشرطة العسكرية قامت بواجبها تمامًا، ونفذت مهامها من أحسن ما يكون وزادت عليها أيضًا. كانت مهمة الشرطة العسكرية السيطرة على إذاعة صنعاء، وطبعًا كان التلفزيون لا يزال مبتدئًا، وكانت هناك عملية فنية هندسية لتعطيل التلفزيون عن طريق مهندسين في التلفزيون تكفلوا بتعطيل التلفزيون إذا احتاج الأمر أو تشغيله إذا نجحت الحركة. وكانت مهمة الشرطة العسكرية السيطرة على الإذاعة التي كانت تتواجد فيها قوة المدرعات لحمايتها، وفتح أبواب القيادة العامة لقوات المظلات كي تدخل إلى مبنى القيادة العامة، وتسيطر على غرفة عمليات القيادة العامة للقوات المسلحة التي تفتح شبكاتها على كل الوحدات العسكرية في البلاد شمالًا.

قائد الشرطة العسكرية الشهيد الرائد محسن فلاح أدى عمله من أحسن ما يكون، وفتح باب القيادة ومكّن قوات المظلات من السيطرة، لأنه كان لدينا أركان حرب المظلات، وهو عضو المجلس العسكري الأعلى. وحدث نوع من التصرف البريء الذي يدل على شخصية الشهيد محسن فلاح؛ فعندما استولى على الإذاعة قال للطاقم العسكري الذي كان يحمي الإذاعة: نحن إخوة ورفاق سلاح، ولم نقم من أجل أشخاصنا أو أشياء من هذا القبيل، ولكن لنصحح المسار، ونحن إخوة ولن نتواجه أو نتقاتل.
وأبقاهم في أماكنهم داخل الإذاعة بشكل ودي، وأول ما تحول الموقف وشُلّت تحركات اللواء السابع وقوات العمالقة خرجت من المعادلة، صعدوا اولئك على دباباتهم وكأن شيئًا لم يحدث.
رحمة: هل النقطة المتعلقة بالإذاعة أثرت على ميزان القوة؟
الحكيمي: لا، ولكن هذا كان جانبًا من الجوانب فقط. أنا حدثتك عن ثلاثة جوانب، ولواء المظلات واحدة من الوحدات التي نجحت، لأن بوابة القيادة العامة كانت تسيطر عليها الشرطة العسكرية ففتحت لقوات المظلات، ودخلت القوات وتمكنت من السيطرة على القيادة وبالتالي وحدة واحدة من الوحدات العسكرية سيطرت. ولكن خرجت من المعادلة قوتان من قوات الانقلاب التي تم الاعتماد عليها.
السبب الرابع: كان هناك اللواء الخامس مشاة، وكان قائده رئيس المجلس العسكري الأعلى نصار علي حسين، وهو ينتمي إلى قبيلة همدان. وكان هناك وضع مثالي للواء الخامس مشاة، لأن مؤخرته كانت مرابطة في معسكر اللواء الأول مشاة، قبل أن يكون اللواء الأول مدرع الذي كان قائده محسن سريع. ونصار علي حسين وسريع هما من قبيلة واحدة، فكان بينهما خطاب ودي واعتبارات قبلية، وتعاهدوا فيما بينهم كشخصين وليس على أساس انقلابي.

وكانت الخطة تقتضي أن المؤخرة التي داخل المعسكر تقوم بشل الدبابات، وذلك عن طريق أخذ المفاتيح المعلقة على أبواب الدبابات، وهنا لن تستطيع الدبابات التحرك ولن تحدث مواجهة. هذا جانب. الجانب الثاني: اللواء الخامس الذي يأتي يكون في داخل مؤخرته، ومن الخارج الصمع يتحرك اللواء الخامس مشاة ليحاصر اللواء الأول مدرع، ويكون في مؤخرة داخله والمحاصرين من خارجه. وهنا يأتي دور قائد اللواء الخامس مشاة، الذي يقوده رئيس المجلس العسكري الأعلى المرحوم نصار علي حسين، رحمه الله. يدخل للواء الأول مدرع باعتبار العلاقة التي بينه وبين محسن سريع، ويتفاهم معه: إن استطاع التفاهم معه بالتي هي أحسن وسارت الأمور بسلام فيها، وإن لم يتفاهموا فالقوات محاصرة من خارج ومن داخل بواسطة مؤخرة اللواء الخامس الموجودة.
الذي حدث - بحسب البلاغات التي كنت أسمعها في غرفة العمليات - أن الأخ نصار علي حسين كان يبلغ غرفة العمليات أنه محاصر في تبة التلفزيون. وأذكر الشهيد عيسى محمد سيف كان يقول: ما الذي ذهب به إلى تبة التلفزيون؟! هو ليس لديه مهمة هناك، مهمته في اللواء الأول مدرع أساسًا بحسب ما تقتضيه الخطة. وهناك وثائق في أرشيف التنظيم، ولا يزالون متكتمين عليها حتى الآن بعد مرور 40 عامًا من الحركة.
لقد قمنا بعمل استبيان بعد فشل الحركة ونحن في عدن، مع القادة العسكريين والضباط الذين شاركوا، ودونوا انطباعاتهم وما الذي جرى بالتفصيل بخط أيديهم وبتوقيعاتهم، وهذه لا تزال محفوظة في أرشيف التنظيم.
رحمة: هل وضعوا نفس الأربع نقاط التي ذكرتها؟
الحكيمي: نعم، جميعها موجودة بنفس النقاط.
رحمة: ولكن ما الذي ذهب بنصار علي حسين إلى مكان آخر، كما تساءل الشهيد عيسى محمد سيف؟
الحكيمي: الذي حدث - من واقع الاستبيان الذي أخبرتك عنه للتو - وكانت إجابة على الاستبيان شارك فيها عسكريون ومدنيون من الذين شاركوا في 15 أكتوبر، تحدثوا عن أن المرحوم نصار علي حسين، رئيس المجلس العسكري الأعلى وقائد اللواء الخامس مشاة، كان قد تجاوز نقطة الأزرقين وغادر، وكلف أركان حربه الرائد علي عطيف الميموني - أطال الله في عمره - لتنفيذ المهمة بالنيابة عنه.
وعلي عطيف لم تكن لديه علاقة مثل علاقة نصار حسين بمحسن سريع، فأرسل نصار علي حسين أخاه محمد علي حسين، وهو شخص طيب لا دخل له بالسياسة ولم يعمل بها، وذلك من أجل التفاهم مع محسن سريع بدلًا عنه.
فدخل محمد علي حسين رحمة الله عليه يصرخ: يا محسن سريع! يا محسن سريع! انقلاب! سيطرنا! سلِّم!
فقال له محسن سريع: عُد إلى البيت.
وبدأت طلقات - كانت حوالي أربع إلى خمس طلقات قذائف دبابات كما يبدو - كنا نسمعها في الجراف من غرفة العمليات.
رحمة: من الذي أطلق على من؟
الحكيمي: بدأت الاشتباكات مع القوات التي تحاصر...
رحمة: تقصد قوات شقيق محمد علي حسين ومحسن سريع؟
الحكيمي: بالنسبة لمحمد، طلب منه محسن سريع أن يعود إلى المنزل. وهذه كانت النقطة الرابعة التي حدث فيها خلل.
رحمة: وأين ذهب نصار علي حسين؟ أنت قلت إنه غادر إلى الأزرقين؟
الحكيمي: لقد هرب.
رحمة: لماذا هرب وهو الذي حدد موعد الانقلاب؟ وكيف عرف؟
الحكيمي: لأنكِ عندما ترين العسكريين الذين كانوا في اللواء الخامس مشاة، من الضباط، في استبياناتهم المحفوظة لدى قيادات التنظيم منذ زمن، يحكون فيه هذه التفاصيل.
أنا كنت أسمع في غرفة العمليات يقولون إنه محاصر، فقال عيسى: ما الذي ذهب به إلى تبة التلفزيون؟ لم تكن لديه مهمة هناك.
رحمة: حاول أن تجيب علينا يا أستاذ. طالما أن هناك استبيانات وأنت رأيتها، أم أنت أيضًا متكتم؟ لماذا هرب نصار قبل أن يختل توازن المعادلة؟
الحكيمي: لم تُجرَ أي تحقيقات، ولم يكشف أحد الموضع. متكتمون على الاستبيانات، وأنا أول من طرح هذا الموضوع حول قضية أسباب فشل 15 أكتوبر، وأنا هنا أتحدث عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى إخفاق الحركة.
رحمة: وأنا أضع نفسي مكان المشاهدين، ومن المؤكد أن المشاهدين يتساءلون: لماذا نصار علي حسين غادر؟ هل اشتراه أحد؟ أم تواطأ مع أحد؟ هل «فهمها وهي طائرة»؟ والغريب أنه قرر قبله بيوم وحدده!
الحكيمي: لم تُجرَ أي تحقيق، وكان يفترض بعد الإجابة على الاستبيانات التي وُزعت على جميع من شارك في الحركة من العسكريين والمدنيين، أن يشكل التنظيم لجنة للتحقيق، ولكن هذا لم يُجرَ حتى اللحظة.
رحمة: نتركها للتاريخ. أنت تحدثت عن أربع نقاط؛ فما هي الخامسة؟
الحكيمي: هذه النقاط الأربع هي التي أدت إلى إخفاق الحركة مبكرًا، لأنها خرجت من العملية.
رحمة: أنت ذكرت في الحلقة السابقة - وحتى تكون المنظومة متكاملة - أن الرئيس إبراهيم الحمدي أوصاكم بأن تهتموا بسنحان والقيادات العسكرية حينها.
الحكيمي: هذا موضوع آخر. نحن كنا نبحث عن تنظيم جديد سوف ينشأ من واقع الحوار بين الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وبين قيادة التنظيم فرع الطليعة العربية في اليمن.

رحمة: ولكن لو كنتم استقطبتم قيادات منهم، كانوا على الأقل لم يخرجوا ويشتتوا العمالقة.
الحكيمي: العمالقة رُتبت فيما بعد. أنا الآن أتحدث عن إبراهيم الحمدي وماذا قال عن سنحان، وكانت هذه في ظل الحوارات التي تُجرى بين الحمدي والناصري. وكان الحوار بين الحمدي والناصري حوارًا بين القطاع المدني والقطاع العسكري ممثلًا بحركة 13 يونيو. فكان من المفترض أن يحصل تمازج ما بين القطاعين لتنظيم واحد، الذي تشكّل بعد ذلك: طلائع الوحدوية اليمنية؛ تنظيم يمني وليس قومي، وقيادته في الداخل وليس قيادة قومية. وهذا ما كان. وكان الوقت ما يزال ضيقًا، ولم يكن هناك متسع بعد اغتيال إبراهيم الحمدي.
رحمة: أريد أن أعرف: متى التحقتم بغرفة العمليات وجلستم معهم؟ وفي أي ساعة؟
الحكيمي: تقريبًا ما بين الثانية عشرة بعد منتصف الليل إلى الساعة 1:00.
رحمة: أنت ذهبت ما بين الساعة 12:00 والواحدة. أخبرني: من بين الأربع الخيبات التي ظهرت لكم، ما هي أول واحدة؟ وماذا كان موقفك وموقف الأستاذين عيسى والمرزوقي؟
الحكيمي: كنا نتلقى الأخبار عن طريق رئيس غرفة العمليات، الذي يتلقى اتصالاته بالشَّفرة من الوحدات المشاركة في الحركة الانقلابية، ويُبلغ الأمين العام حتى يتخذ أي قرارات في مواجهة الظروف الطارئة. هذه كلها كانت تحت بصرنا، وأدت في الأخير إلى إعلان انهاء الحركة.
رحمة: كان لديكم تنظيم دقيق، ولكن ما هو الخبر الأول الذي وصلكم إلى غرفة العمليات وبدأت ثقتكم بالنجاح تقل؟
الحكيمي: يا أستاذة رحمة، غرفة العمليات تدير التواصل مع القوة التي تشارك في الانقلاب؛ تتلقى وترسل، تتلقى منها الوضع الميداني وما الذي يجري. فتلقّت نبأ أن هناك قوات من القبائل المسلحين انتشروا في الطريق لقطعه ومواجهة القوات التي سوف تتحرك. لأن القوات كانت تتأهب للتحرك، وقد أخذت مسار التجمع للتحرك. وقالوا إن قوات العمالقة لديهم خطة بديلة، أنهم سيسيرون من طريق خولان، وتاهوا في خولان. كنا نتلقى الأخبار أولًا بأول.
رحمة (مقاطعة): كانت أخبارًا محبطة. أريد أن أعرف كيف تعاملتم معها، وإلى أي مدى بدأتم تشعرون بالقلق تلقائيًا. أنا أريد أن أسلط الضوء على حالتكم الثلاثة.
الحكيمي: أنتِ الآن تبحثين عن الصدمة. نحن عندما أصدر الأمين العام قرارًا بإنهاء الحركة كانت بالنسبة لنا صدمة نفسية، لأن الجهود التي بذلناها انهارت. فأمر الأمين العام في حينها - بعد ان إصدار قرار إنهاء الحركة - نحن لم نكن نعرف ما الذي يجري: أين ذهب نصار علي حسين؟ ما هو مصيره؟ لأنه كان يطلب إرسال قوات من اللواء الخامس الذي حاصر اللواء الأول مدرع لإسعافه، وهو لم يكن محاصرًا؛ هذا ما عرفناه فيما بعد، ولم نعرف حينما كنا في غرفة العمليات.
وعندما جاء الاستبيان وتجمع الضباط من اللواء الخامس مشاة في عدن، وتجاوبوا على الاستبيانات، تبيّن لنا الموضوع، وأن الرجل - رحمه الله - لاعتبارات معينة، وأسباب قد نحكي عنها يومًا ما، هرب.
رحمة: جميل جدًّا. بدأت تفهمني. وهذا يعني أن هناك معلومات كانت تصلكم، ومعلومات غير واضحة. وبالتالي قُرر إنهاء الحركة. في الساعة كم أُعلن القرار؟
الحكيمي: عندما بدأ شعاع الفجر الأول ينبلج.
رحمة: يعني ما بين أربع إلى خمس ساعات؟
الحكيمي: تقريبًا ما بين ثلاث ساعات إلى أربع ساعات.
رحمة: وكنتم حينها تحت الضغط.
الحكيمي: نحن في غرفة العمليات نتابع الاتصالات، لم يكن هناك انهيارات. رئيس غرفة العمليات هو الذي يدير الموضوع عسكريًّا لأنه عسكري، والأمين العام معه. من يصدر قرار إنهاء الحركة؟ الأمين العام انه القائد العام للكل، المدني والعسكري، فالقرارات الكبرى يتخذها هو.
رحمة: وهو قرر انتهاء الحركة. حدّثنا بعد هذا القرار: ما الذي فعلته؟
الحكيمي: بعد قرار إنهاء الحركة طلب مني الأمين العام أن أقوم بحرق الأوراق جميعها التي كانت موجودة في غرفة العمليات، بما فيها الشفرة وصيغة البيان، الذي كنت قد كتبته قبل فترة خلال شهرين أو ثلاثة. كان هناك لَبس في فهم بعض الأمور؛ كانت هناك خطة بديلة للتغيير الانقلابي، واتفقوا على أنه إذا تمت العملية بالنجاح أن يبلغونا بكلمات منتقاة معينة تدل على أن العملية نجحت، حتى نصيغ البيان.
وجاءنا اتصال بالتلفون بالكلمات المتعارف عليها، كأنها نجحت. فقال عيسى: انعزل أنت في الغرفة المجاورة واكتب البيان. وكتبت البيان على وقائع أخرى غير 15 أكتوبر، فحُفظ البيان، لأن العملية استمرت كما هي، وكان هناك لَبس في التبليغ حول العملية الأولى.
عندما قامت حركة 15 أكتوبر، جاءوا يبحثون عن البيان، وهو لم يكن لدي، ولكنه محفوظ عند الأمين العام، والامين العام وضعه في حقيبة وحفظه في منزل سلطان حزام العتواني، هذا قبل الحركة. وبعد ذلك ذكروا أنه عند سلطان العتواني، وبعثوا أحدهم اليه، وأخرجوا البيان القديم الذي كتبته.

رحمة: وماذا كان مضمون البيان؟
الحكيمي: لا أتذكر، ولكن أتذكر الآية القرآنية التي استُهلّ بها البيان:
«إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ».
رحمة: بعد أن طلب منك إحراق الأوراق، هل غادر أم غادرت أنت معه؟
الحكيمي: أنا في الحقيقة صعب عليّ، لأنه كان لا يزال معلقًا بأمل أن تنجح الحركة، ولم أحرق البيان. ولكن كان تحت البيت جُحر صغير، قمت بوضع البيان في داخله تحسبًا لنجاح الحركة، فلن أكتب البيان اذا نجحت وسيكون جاهزًا. أما البقية فقد أحرقتها.
رحمة: بعد أن أدركتم أن انقلابكم ضد الرئيس علي عبدالله صالح قد فشل، أين ذهبتم أنت والأستاذ المرزوقي وعيسى محمد سيف؟
الحكيمي: بعد أن أحرقنا الأوراق، وتركنا السيارة - التي كانت عبارة عن غرفة عمليات - أن تذهب للذي أتى بها، مشينا على الأقدام من الجراف ومررنا على قصر السلاح. وبجواره مررنا على بيت أحد الذين كانوا ضمن جبهة 13 يونيو من مشايخ القبائل، الذي كنت أنا متواصل معه واستقطبته إلى جبهة 13 يونيو، وهو قد توفي. فقلت للشهيد عيسى - وكان معنا علي محمد نعمان القباطي رحمه الله، وكان هو قائد الحراسة لغرفة العمليات، وكان لقبه «الملك حسين» - قلت له: يا أخ عيسى، هذا منزل أحد مشايخ فلان الفلاني، فما رأيك أن نطرق الباب عليه ونطلب منه يخرجنا إلى بني حشيش حتى تتضح لنا الصورة وبعد ذلك نتصرف؟
قال: لا يوجد هناك أي داعٍ؛ لن يعرفوا من وراء الحركة إلا بعد يومين أو ثلاثة. دعنا نذهب للنوم، وفي الليل سنجتمع ونقرر.
قلت له: كيف لن يعلموا؟ ونحن طول الليل نتحرك، ولا يوجد هناك منع تجول، وأي شخص يمكن أن يرصد اثنين أو ثلاثة منا وسيعرف أننا المتحركين. وعيسى كان بالنسبة لنا هو المتميز بين الجميع، وهو ذو قدرات ثقافية وفكرية وتنظيمية عالية المستوى، وكنا مقتنعين برأيه حتى وإن خالف وجهة نظرنا. ولكن في الأخير عيسى كان محل للتسليم.
ومشينا ومررنا على منزل الشهيد الرائد قاسم منصر، الذي كان في القضاء العسكري، وكان هو في الحركة أيضًا. والتقى بعض الإخوان الذين كانوا في القيادة التنفيذية: سالم السقاف، ومحمد العفيف، وغيرهم. وكنا نتكلم عن الحركة، وكان هناك بعض من الإخوة صُدموا لهذه النتيجة لأنها لم تكن متوقعة.
رحمة: هل هذا كان في نفس يوم فشل الحركة؟
الحكيمي: ونحن عائدون من غرفة العمليات. وبعد ذلك عدنا للنوم في بيت سري استأجره عيسى محمد سيف، ويسموها «وكر» في المصطلح الحزبي للاختباء. وكان عيسى لم ينم منذ يومين لأنه كان يعمل. وكان هناك بعض من أقارب عيسى من الضباط في نفس البيت.
رحمة: كيف ومتى تم القبض عليه؟
الحكيمي: أنا كنت سآتي لكِ بالتسلسل، لذا سأقفز وأجيب على سؤالك. جاء أحدهم وطرق الباب، وفتحوا له. أنا لم أكن نائمًا بشكل كلي، ولكن نصف نومة. وعندما فتحوا الباب سمعت الطارق يقول إن الأمن داهم منزل عيسى المعروف في باب البلقة - وهو مستأجره من بيت زهرة - وأنا نهضت وطلبت من عيسى أن ينهض بإصرار وينتقل من هذا البيت إلى بيت آخر.
قال لي: لا أحد يعرف.
قلت له: ومن يعرف هذا البيت؟
قال: لا احد يعرفها سوى نصار علي حسين، رئيس المجلس العسكري، وبعض من القادة.
قلت له: افترض أن أحدهم وقع في الأسر، الآن داهموا بيتك؛ معنى هذا أنه مفضوح من قاموا بالانقلاب، وقد يدلّهم على البيت، وعليك أن تنتقل إلى منزل آخر، وهو بيت أحد الزملاء في بستان السلطان، اقترحته عليه.
وخرجت وقمت بإيقاف تاكسي في شارع الزبيري - وكان الوكر الذي كنا فيه في شارع الزبيري قريب عصر - وذهبت عند واحد من العرب الذي كان صديقي.
رحمة: وهذا كان آخر لقاء لك مع الأستاذ عيسى محمد سيف؟
الحكيمي: نعم، كان هذا آخر لقاء. لأنه بعد ذلك - وبحسب ما قيل لي - أنه بعد خروجي بفترة قصيرة دخلت قوة من الأمن الوطني ذاك الحين بقيادة محمد الصرمي، ودقوا الباب. وفتح له الأخ عيسى، فقال له: أين عيسى؟ فقال: في الداخل. ودخل ووجد الأشخاص الذين كانوا موجودين في البيت، وقال: أين عيسى؟ وحصل تضارب. قالوا له: عيسى خرج قبل فترة.

فقال: كيف ذاك يقول إنه في الداخل؟ وهو في الأساس لا يعرف عيسى. وقضية «بيت الوكر» كانت نتيجة خيانة من أحد أقارب الشهيد عيسى رحمه الله - من قريته، وهو من دلّ الأمن عليه.
رحمة (مقاطعة): وقبضوا عليه؟
الحكيمي: قبضوا على كل الموجودين.
رحمة (مقاطعة): الآن أهم شيء في الأحداث هو سيرتك الذاتية، حكايتك أنت. الآن فهمنا الانقلاب وكل التفاصيل. حدثنا أستاذ: كم فترة بقيت في صنعاء؟ ومتى انتقلت إلى عدن؟ ولا تنسَ أنها حكايتك أنت.
الحكيمي: أنا بقيت في صنعاء حوالي أسبوع.
رحمة: ألم يكونوا يبحثون عنك؟
الحكيمي: كانوا يبحثون عليّ. لأنني في الحقيقة بقيت عند هذا الشخص العربي - هو صديق وليس ناصري - ولكن يبدو لي أنه كان أقرب إلى الإخوان المسلمين، ولكن كانت بيننا صداقة. وبقيت عنده ليلة واحدة، طبعاً، هو كان قد سافر في صباح ذلك اليوم إلى الحديدة - وعندما طرقت باب بيته، أخبرتني زوجته أنه سافر اليوم إلى الحديدة وسيعود غدًا.
وقلت لها: هل من الممكن أن أدخل؟
ودخلت وبقيت في البيت ليلة كاملة. الملفت أنه يبدو أن هناك أشخاصًا في محيط منزل هذا الصديق العزيز العربي يعملون في الأمن، لاحظوا أن هناك شخصًا غريبًا، وشكله يمني، دق الباب ودخل.
في المساء جاء أحدهم يطرق الباب، وكان صاحب البيت المستأجر منه هذا الصديق. وقال: هل هناك أحد جاء يطرق الباب عليكم في النهار؟
وقالت له زوجة صديقي: نعم، جاء ليسأل عن زوجي.
وقال: ألم يدخل؟
قالت: لا، لم يدخل. قلنا له: سافر.
ثم ذهب.
رحمة (مقاطعة): ثم بعد ذلك سافرتَ عدن بعد أسبوع؟
الحكيمي: لا، سافرت عدن بعد شهرين، وليس أسبوعًا.
رحمة: هل كنت في صنعاء أم تنقلت لأكثر من محافظة؟
الحكيمي: انتقلت من صنعاء إلى الحديدة، ومنها إلى الخوخة، ثم تعز، ثم القرية، وبقيت في القرية فترة ثم انتقلت إلى عدن عن طريق طور الباحة. هكذا بالمختصر.
رحمة: وكيف قررت الذهاب إلى الجنوب؟ ولم تذهب إلى ليبيا أو أي مكان آخر؟
الحكيمي: من أين أخرج؟
رحمة: من عدن.
الحكيمي: من عدن لا يمكن، لأنه كانت هناك مشكلة بيننا وبين الحكم في عدن. وكان هناك صراع بين الناصريين والماركسيين في ذلك الحين. وكنت أنا مترددًا، رغم أن أصدقاءنا قد قدموا، وبعث لهم رسالة وقلت لهم هل تقبلون أن نأتي إليكم؟ وطمأنونا، وذهبت.
رحمة: نريد أن نرى كيف عاش عبدالله سلام الحكيمي في الجنوب بعد فشل الانقلاب الناصري. كم بقيت هناك؟
الحكيمي: بقيت في منزل عمي في عدن، ودخلنا بعدها في حوارات. وكان أول ما وصلنا يأخذون كل واحد منا على حدة، ويعطونه قائمة تحتوي على أسئلة - «شغل أمن» - ويطلبون الإجابة عليها، خليط من هذا وذاك حتى يموهوا عن الهدف الرئيسي. وكانت أسئلة كثيرة. وجلسنا في بيت قبل أن أذهب إلى منزل عمي، وقلت لهم: ما رأيكم أن تجعلونا نلتقي مع الرفاق الذين سبقونا في الوصول إليكم، حتى تكون الإجابات مضبوطة ونتشاور مع بعض؟
قالوا: لا، هم قد أدوا جهدهم، وأنت قم بالذي تستطيع. وأنا كان - بالطبع - طلبي كان مشاغبة.
رحمة: بقيت في الجنوب سنة أو سنتين؟
الحكيمي: كنت أذهب إلى ليبيا وسوريا ولبنان وأعود.
رحمة: أقصد كإقامة قبل عودتك إلى صنعاء بعد الحوار، كم بقيت هناك؟ سنتين، أليس كذلك؟
الحكيمي: لا.. الحوارات تمت. وأنا وصلت في 1979، ولكن بعض القادة الناصريين كانوا قد سبقونا، وكنت أنا آخر واحد وصلت، وبعدها جلسنا في حوارات مع الجبهة الوطنية، وكنا ننتقل من عدن إلى سوريا وليبيا ولبنان، وكنت أعود إلى عدن، وعند عودتي إلى عدن توجهت إلى الشمال.
رحمة: تمت وساطات كانت على أساس أن تعود إلى صنعاء، فما مصلحة نظام الرئيس علي عبدالله صالح بأن تعودوا من الجنوب إلى صنعاء؟
الحكيمي: كانت هناك وفود كثيرة، تقريبًا أذكر ثلاثة وفود مرسلة من النظام في صنعاء: أذكر أحدهم حسن مكي رحمه الله، والثاني عبدالعزيز عبدالغني، والثالث مجاهد أبو شوارب. التقينا بحسن مكي وعبدالعزيز عبدالغني في دمشق، وفي ليبيا التقيت بمجاهد أبو شوارب وكان معه الرائد علي الشاطر، مدير إدارة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة، باعتبار أننا كنا نعمل مع بعضنا.

رحمة: وماذا كانت شروطك؟
الحكيمي: لم تكن هناك شروط. هي حوارات، منها الإفراج عن المعتقلين، وكان لدينا معتقلون كُثر جدًا بالمئات، وأيضًا تطبيع العلاقة بيننا وبين النظام. وكان شرط النظام فيما بعد رجوعنا: الانفصال عن الجبهة الوطنية. وكان هدف النظام من هذه الحوارات هو عودتنا إلى صنعاء لكي لا نبقى قوة تخدم أجندات النظام في الجنوب في صراعه مع الشمال.
رحمة: في ظل حروب الجبهة، أليس كذلك؟
الحكيمي: حروب الجبهة، وأيضًا الحرب بين النظامين.
رحمة: عدت بعد ذلك إلى صنعاء. ألم تشعر بالقلق من أن يغدر بك الرئيس علي عبدالله صالح أو حينما تصلون يتم اعتقالكم؟
الحكيمي: أنا عدت لأنه سبقها حوارات تجري في الداخل: في مأرب ونهم، في مأرب عند الأخ علي عبدربه القاضي، وفي نِهْب عن طريق الأخ الرائد حاتم أبو حاتم، وشارك فيها اتحاد القوى الشعبية. قاسم الوزير كان عضو المجلس الاستشاري في ذلك الحين، وصارت حوارات مع بعض الإخوة، وكانت حوارات كمرسلين من النظام، وسبكوا علاقات بين الناصريين واتحاد القوى الشعبية في آن واحد، وكما يقال: "حج وبيع مسابح". وهذه كانت أول علاقة مع اتحاد القوى الشعبية وعرفناهم عن قرب. ثم تواصلت بعد ذلك اللقاءات.

وبالنسبة للحوارات أيضًا مع بعض الإخوة القادة، كان هاشم علي عابد رحمه الله ، وعبدالغني ثابت، وآخرين لا أتذكرهم. وعلي عبدالله صالح قال لهم : "أنا أعرف الأولين، رحمة الله عليهم، عبدالسلام مقبل وسالم السقاف، ولكن لم يعودوا موجودين، وأنا لا أعرفكم من قبل، ونحن نعلّق الحوار حتى يأتي الحكيمي لأنه الوحيد الباقي الذي أعرفه".

رحمة: أول ما وصلت إلى صنعاء، ما الذي شعرت به؟ ومتى التقيت بالرئيس علي عبدالله صالح؟
الحكيمي: أول ما وصلت إلى صنعاء كانوا هم في حيرة شديدة: كيف وصلت إلى صنعاء؟
رحمة: وأنت، كيف وصلت إلى صنعاء؟
الحكيمي: أنا تركتها غامضة، ولكني وصلت عن طريق الجنوب إلى القرية ثم تعز، ولم يعلموا إلا وأنا في صنعاء بعد العيد. وبعد ذلك اتصلت بالأخ علي الشاطر، والتقينا أنا وهو في منزل عبدالرازق فرفور، الذي كان صاحب صحيفة "أضواء اليمن"، في منزله، وكان حاضر السفير السوري في اليمن في ذلك الحين عساف حسون. ورتّب لي أول اتصال تلفوني بعلي عبدالله صالح.

وقال لي صالح: "حمدًا لله على السلامة". وسألني: "متى وصلت؟" قلت له: إنني وصلت قبل أيام، ولكن لم أحب أن أرى أي شخص إلا بعد أن اره. وقال: "اتصل وتواصل وحتى خذ فراشك ونم في التحرير، لأننا ناس أوفياء ولسنا مثلكم خوَنة نطعَن من الظهر". وقلت له: "ما صداقة إلا بعد خصام".
وبعد ذلك رتبوا موعدًا وذهبت إلى منزله، إلى البيت الذي في قرية الدجاج. ودخلت كنت أحمل جنبيتي ولم أكن مسلحًا، لأنني كنت أمشي دون سلاح. ويبدو أنه أوعز للحرس ألا يأخذوا مني الجنبية، ودخلت بها.
رحمة (مستغربة): دخلت بجنبيتك، وأنت عامل انقلاب ضده؟
الحكيمي: نعم، وأنا استغربت من هذا، ولكنه كان شيطانًا يعرف يختار الأشياء. بعد ذلك جلسنا معًا وقال لي: "أمانة، ما الذي جعلكم تقومون بعمل انقلاب؟" قلت له: اعتبرنا أنك تنفذ المشروع السعودي. قال: "من أنا؟" قلت: نعم. قلت له: هذه كانت تقييماتنا ومبررنا الذي اتخذناه: أن هذا مشروع سعودي عمل انقلاب واغتيال إبراهيم الحمدي من أجل السيطرة على الوضع. وهذه كانت تقييماتنا، خطأ أو صحيح، ولكن هذا ما اتفقنا عليه. قال: "الله لا رحمكم".
رحمة: وبعد ذلك، كيف رتبت وضعك في الهند؟ هل هو الذي اختار لك الهند أم أنت اخترتها بنفسك؟
الحكيمي: الغريب في الأمر، كان هناك ضجة إعلامية أمريكية حول أن الرئيس الأمريكي تجاوز الكونغرس وأرسل صفقة سلاح إلى صنعاء (F5)،من الطائرات، وبعدها قالوا إن علاقته جيدة بالجنوب، وقال لي: استغلّ الفرصة واعمل لنا تحليلًا حول ذلك. قلت له: هؤلاء يريدون أن يغطّوا عليكم أنكم عملاء لأمريكا، ويريدون أن يغطّوا في ضجة أنهم ليسوا مرتاحين لكم. فقال: لا، خلاص.
رحمة: بعد ذلك انتقلت إلى الهند، هل أنت الذي اخترت الهند؟
الحكيمي: لا، بعد ذلك في الحوارات مع علي عبدالله صالح، أطلقوا سراح البقية المحتجزين الذين كانوا معتقلين، ونحن وافقنا على الانفصال من الجبهة الوطنية، وأعلنتُ القرار هذا من بيروت في مؤتمر صحفي. وبعد ذلك كانت أجهزة الأمن في النظام يفكرون في عمل انشقاق في التنظيم الناصري كما هي عادة النظم الحاكمة، أنها تعمل تفريخات وانشقاقات، وبدأوا في عملية رقابة استفزازية التي يسمّونها الرقابة الثابتة على مدار 24 ساعة. كانت سيارتان؛ سيارة تبقى بجوار باب المنزل، وسيارة تتحرك بعدي. وقلت لهم: نحن متفقون على أن نقوم بفتح صفحة جديدة وبيننا حوار، فلماذا هذه التحركات التي لا تدل على حسن النية؟ وكان يقول علي عبدالله صالح: هذه ليست من عندنا، ولكن نخاف أن يحدث ارتباك نفسي. فقلت له: المسألة معروفة. وكانت الفكرة الضغط عليّ للقبول بالخروج خارج البلاد، وقالوا: ما رأيك أن نرسلك إلى الخارج؟ أنا فكرت: إما أن أخرج أو أُصفّى، لأني عرفت الهدف ما هو، وهم من اختاروا لي الهند، ولكن كانت الفكرة أنهم لا يستطيعون أن يعملوا انشقاقًا في التنظيم الناصري وأنا موجود.

رحمة: من 1987 إلى 2005 حينما رشحت نفسك لرئاسة الجمهورية، بحدود 18 عامًا. أين كنت خلال هذه الفترة؟
الحكيمي: أنا غادرت السفارة في الصومال نتيجة أسلوب لم يعجبني، وكان فجًا واعتبرته نوعًا من الإهانة، عديم اللياقة والعرف الدبلوماسي.
رحمة: ما هو هذا الأسلوب؟
الحكيمي: عندما يتم نقل أحد بعد انتهاء مدته يُمنح شهرين مقدمًا حتى يرتب أوضاعه وينتقل إلى صنعاء أو يهاجر. فجاءتني برقية من علي الأنسي، مدير مكتب رئيس الجمهورية، وكانت فجة قال: “عليه أن يعود فورًا”. وتركتها ومررت إلى السعودية، لأنه لم تكن هناك رحلات مباشرة من الصومال إلا قليلة، ومنها إلى مصر. وبقيت في مصر وتخليت عن العمل.

رحمة: 18 عامًا منذ 87 إلى 2005، ما الذي كنت تفعله في مصر إلى أن رشحت نفسك؟
الحكيمي: في مصر قرأت كما لم أقرأ في حياتي كلها، مئات الكتب، واستطعت أن أعيد تنشيط المنظومة الفكرية في عقلي والقاعدة المعرفية. وقرأت كتبًا كثيرة جدًا، واستفدت من هذه المرحلة كثيرًا، لأنها كانت نوعًا من الفراغ استغليته في القراءة، وكنت أحيانًا أقرأ كتابًا واحدًا متوسط الحجم في اليوم.
رحمة: هل يعني ذلك أنه لم يكن لديك أي دور أو نشاط سياسي أو مدني، واقتصرت تلك المرحلة فقط على القراءة وتنشيط فكرك؟
الحكيمي: لا، لأني كنت أقوم بكتابة مقالات في الصحف اليمنية، وأرسلها من القاهرة عبر الفاكس في تلك الأيام، وكانت تُنشر لي في صنعاء. ويبدو أن السلطات المصرية كانت تنزعج في الفترة الأخيرة، وقالوا لي: يفترض ألا يكون لديك نشاط. وأنا قلت لهم: لا يوجد لديّ أي نشاط ضد اليمن، وأنا أكتب المقالات وأنشرها في الصحف اليمنية، وفي مصر أنا لا أقوم بنشر أي شيء. وكما يبدو كان لديهم طلبات من الأجهزة الأمنية اليمنية، وكانت هناك ضغوط.
رحمة: ومتى غادرت مصر؟
الحكيمي: غادرت القاهرة في 2010 إلى بريطانيا.
رحمة: وحتى تلك الفترة، بعد مغادرة الصومال، لم يكن لديك أي موقع أو منصب. نحن سنبدأ من 2011، مما تسمى باحتجاجات الشباب، وننتقل إلى المصالحة والسلام، ولكن في الحلقة القادمة.
مشاهدينا، نلقاكم في الحلقة القادمة مع الأستاذ عبدالله سلام الحكيمي، وسنرى تاريخ هذا الشخص الذي يختلف مع الجميع ويتفق مع الجميع من 2011 وحتى اللحظة، وبالطبع هي مرحلة شائكة ومليئة بالتعقيدات والانتقادات والتنقلات.
ينشر هذا الحوار بالتزامن مع بثه على قناة "حكايتي" على يوتيوب، إعداد وتقديم الإعلامية رحمة حجيرة. لمشاهدة الحلقة (اضغط هنا)