صنعاء 19C امطار خفيفة

الحكيمي يروي اللحظات الأخيرة لإبراهيم الحمدي ومعركة الرواية المفبركة

الحكيمي يروي اللحظات الأخيرة لإبراهيم الحمدي ومعركة الرواية المفبركة
في الجزء الثاني من شهادته، يواصل السفير عبدالله سلام الحكيمي تفكيك عقدة الدولة اليمنية الحديثة عبر بوابة الناصرية وتجربة الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي؛ من الكاريزما العابرة للحدود لجمال عبدالناصر والتي تحوّلت في اليمن إلى تيار شعبي أوسع من أي تنظيم، إلى لحظة تلاقي الضابط الشاب إبراهيم الحمدي مع قيادات التنظيم الناصري، والحوار الطويل الذي دار بينهما حول القومية العربية، وحدود التنظيم الحزبي، ومسؤولية من يمسك بسلطة الدولة في بلدٍ مجزّأ ومحاصر بالتدخلات الإقليمية. يكشف الحكيمي، من موقعه كرئيس تحرير لصحيفة «13 يونيو» وواحد من أقرب الشهود على تلك المرحلة، كواليس علاقة الحمدي بالقبيلة والمشايخ، وحدود صراعه مع نفوذ الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وكيف حاول أن ينقل المواجهة من منطق «الجيش في وجه القبيلة» إلى مشروع تنموي بديل عنوانه التعاونيات، وشق الطرق، وبناء المدارس والمستوصفات في الريف. كما يعود إلى ملف الوحدة اليمنية في سبعينيات القرن الماضي، والعلاقة الخاصة بين الحمدي وسالم ربيع علي، وحساسية القوى الإقليمية والدولية من مشروع «أمن البحر الأحمر» الذي نظر إليه كثيرون كخطوة نحو قوة عربية إقليمية تتحكم بأحد أهم الممرات المائية في العالم. وفي واحدة من أكثر محطات الحوار حساسية، يروي الحكيمي، من داخل «القيادة العامة» نفسها، كيف بلغه نبأ اغتيال إبراهيم الحمدي، وكيف شارك في صياغة بيان النعي الرسمي، وما شاهده من محاولات مبكرة لتمرير رواية أخلاقية مُفبركة لتشويه صورة الرئيس الشهيد وإخفاء طابع الجريمة السياسي. ومن هذه اللحظة الفارقة، ينتقل الحوار مع الزميلة رحمة حجيرة، إلى بدايات التفكير في «الحركة التصحيحية» الناصرية، ومشاريع الانقلاب المتنافسة في صنعاء أواخر السبعينيات، تمهيدًا للجزء القادم الذي سيكشف فيه الحكيمي، لأول مرة بهذا القدر من التفصيل، كواليس الانقلاب الناصري على الرئيس علي عبدالله صالح. "النداء" تنشر النص الكامل للحلقة بالتزامن مع عرضها المصوّر على قناة "حكايتي" في يوتيوب.
حكايتي
رحمة: مرحباً مشاهدينا، ويستمر الحوار مع سعادة السفير عبدالله سلام الحكيمي الذي شاهد عن كثب صعود وسقوط أنظمة سياسية ومشاريع سياسية، ودرس نصوص الدولة بين الخطابة وبين الواقع، وكيف تشكلت الدولة والقبيلة، وأين اختبرت النزاهة، وأين تعثرت المؤسسات، ونقيم أداء الإدارات السياسية المتعاقبة التي حكمت اليمن منذ المشير عبدالله السلال وقحطان الشعبي إلى مجلس القيادة الرئاسي. ننبش في القرارات والمراجع لمن أراد طريقاً للسلام والإصلاح قائم على الدروس وليس قائم على الانفعال.
مرحباً بك أستاذ عبدالله، كنا نتحدث في الحلقة السابقة عن الجماهير التي خرجت من أجل جمال عبدالناصر، والحماس الكبير، و خطابه الذي أثر بشكل كبير. ألا تعتقد بأن الناصرية كفكر كانت متجذرة في قلوب وفكر الناس أكثر من كونها تنظيماً، وخاصة في اليمن؟
الحكيمي: صحيح، لأنه كانت شخصية عبدالناصر الكاريزمية الطاغية قادرة على أن تحشد الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، وهو ما لا يستطيع أن يفعله أي حزب منظم. هذا جانب، أما الجانب الثاني أنه حتى اليمنيين والعرب عموماً في المهاجر، وأتذكر هنا عندنا في بريطانيا مثلاً كان هناك اتحاد العمال العرب، وكان رئيسه وأمينه العام يمني من شمير، المرحوم مهيوب حزام الشميري، وعبدالواحد الحوش، ومجموعة من اليمنيين بالإضافة إلى جاليات عربية. كان هذا الاتحاد هو الذي عمل حركة مقاطعة إنزال أو تفريغ السفن التابعة لبريطانيا والدول الغربية والإسرائيلية في موانئ بريطانيا، واستطاع أن يعمل حركة كان لها أصداؤها، وكانت لهم علاقات، وهؤلاء هم القادة الذين قادوا اتحاد العمال العرب مع جمال عبدالناصر، ولهم صور تذكارية معه، وكان عبدالناصر معجباً بهم كثيراً، لأنهم كانوا في تلك الفترة متقدمين، حركة مبكرة وسياسية فاعلة ضد إمبراطوريات استعمارية كانت في ذلك الحين. ولهذا أعتقد أن مشكلتنا حينما دخلنا في التنظيم الناصري أننا كنا نجد التيار الناصري الشعبي أوسع نطاقاً من التنظيم، وأكثر انتشاراً من التنظيم، وكان التنظيم لا يقاس بمدّ التيار الناصري الشعبي القومي العربي كان هائلاً جداً، وبالتالي كثير من الناس اعتبروا - كما قلتي - أنفسهم ناصريين، وهم على حق في هذا، ولكنهم لم يؤطَّروا حزبياً ولكنهم كانوا أكثر تفاعلاً وإخلاصاً ونشاطاً وأكثر فعلاً من التنظيم الحزبي.
جمال عبد الناصر
رحمة: وكيف تعاملت الإدارات السياسية، مثل الرئيس الإرياني والرؤساء في الجنوب سالم ربيع، على حد علمك، مع التنظيم الناصري كتنظيم؟
الحكيمي: كان في تلك الفترة إشكال تمهيدية أولية، ولم يكن التنظيم الذي قد تطور ووصل إلى التنظيم القومي. كان على مستوى تنظيم قومي عربي على مستوى الساحة العربية، وكان في اليمن يسمى الطليعة العربية، ويُعتبر اليمن فرعاً من فروعها، وكان هذا في وقت لاحق. ولكن بعد حركة خمسة نوفمبر انكفأ الناصريون كثيراً، وكانت هناك محاولات انقلابية تقريباً لم يُكتب لها النجاح، قادها الرائد أو المقدم أو العقيد - رحمه الله - محمد علي الجبري الذي كان قائد الكلية الحربية، وشارك فيها مجموعة من الناصريين القدامى مثل محمد حمود شمسان وغيره، وسُجنوا. وكانت في الحقيقة فشل الحركة نتيجة خيانات من داخلها من الذين شاركوا فيها، وحدث هذا في وقت مبكر، وسجنوا، ولم يُطلق سراح محمد علي الجبري إلا بعد أن جاء إبراهيم الحمدي على رأس مجلس القيادة بعد 1974.
محمد حمود شمسان
رحمة: ولكن على أي أساس تقولون إن الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي ناصري؟
الحكيمي: لا، انا ابداً لم أقل إنه انضم، لأنه كان يزعجني أن يقول الكثير من الإخوة الناصريين إن إبراهيم الحمدي انضم إلى التنظيم الناصري، وهذا ليس صحيحاً. لأنه في الحقيقة إبراهيم الحمدي دخل في حوارات معمقة ومطولة، وتحديداً مع الشهيد عيسى محمد سيف الذي كان الرئيس إبراهيم الحمدي معجباً به كثيراً، وخاض معه حوارات تمهيدية معمقة. وكان التنظيم كما قلت لك قومي الحركة، ونحن كنا جزءاً من التنظيم القومي، والتنظيم القومي كان له قيادة قومية، وقيادته ليست في اليمن. ودخلوا في حوارات جادة ومسؤولة، وكان إبراهيم الحمدي في الحقيقة عقلية متقدمة ومدركاً لأبعاد كثيرة، ومثقفاً وفاهماً، وتجاربُه السياسية والعسكرية أكسبته أبعاداً، بالإضافة إلى ذكائه الشخصي، وكان لَمّاحاً. وأتذكر بعض عباراته التي كان يقولها لقيادات الناصرية الذين حاوروه، وكانوا أربعة برئاسة عيسى محمد سيف وهو الأمين العام.
الشهيدان الحمدي وعيسى محمد سيف
رحمة: ومن هم الثلاثة الآخرون؟
الحكيمي: الشهيد سالم السقاف الأمين العام المساعد، والشهيد عبدالسلام مقبل الذي كان وزير الشؤون الاجتماعية وكان عضو القيادة التنفيذية، ومحمد العفيف - أطال الله في عمره - كان هؤلاء هم المكلّفين بالحوار. وكان يخوض معهم في الحقيقة حوارات معمقة، قال: أنا قومي في فكري، وأؤمن بالوحدة العربية، ولكن أنا هنا في واقع التجزئة، في واقع الدول المتعددة للأمة العربية، انا كيف أستطيع أن أطبق قوانين البلد التي أنا على رأسها؟ الدولة وقيادة التنظيم ليست قيادته في اليمن، ولا يمكن أن أحاسبه على هذا الأساس. وخاضوا في هذه الحوارات.
القيادات الناصرية
رحمة (مقاطعة): وهو لم يكن ناصرياً؟
الحكيمي: هو كان فكره قومياً.
رحمة: هل قابلته على المستوى الشخصي؟
الحكيمي: أنا في الحقيقة أول معرفتي بإبراهيم الحمدي كان شيئاً غريباً جداً. طبعاً أنا اختاروني في التوجيه المعنوي، ومحمد الزرقة - رحمه الله - الذي كان رئيس تحرير صحيفة الثورة. وفكروا في إصدار صحيفة 13 يونيو الأسبوعية كمعبّرة عن حركة 13 يونيو، وكان هناك صراع بين وزارة الإعلام والتوجيه المعنوي للقوات المسلحة على من يصدر الصحيفة بهذا الاسم. وبالطبع خضنا في صراعات كثيرة، وهم قدموا مقترحاً لإبراهيم الحمدي بإصدار صحيفة، وقال لهم: كم ستكلف الصحيفة؟ قالوا: نحن سنتدبر أمورنا من الإدارة، وكل ما نحتاجه فقط مرتب رئيس التحرير الذي هو أنا. واقترحوا له ثلاثة أسماء لرئاسة تحرير صحيفة 13 يونيو. وهذا كان قبل أن يعرفني، ولكنه كان يتابع مقالاتي. وبعد ذلك أخبروه أن الأول الأستاذ الكبير عبدالله البردوني، والثاني محمد الزرقة، وأنا الثالث. فقال لهم: بالنسبة للأستاذ البردوني، هو أستاذ كبير ولكن ظروفه الخاصة، وهو إنسان أكبر من أن يكون رئيس تحرير لصحيفة، وكذلك احتياجاته الخاصة كونه بصيراً. والثاني محمد الزرقة، وهو في الأساس رئيس تحرير صحيفة الثورة، ولا يصلح أن يكون رئيس تحرير صحيفتين. وقال: خذوا الثالث. واستقر الحال هنا. ثم سأل: وكم مرتبه؟ قالوا: 1000 ريال. قال: المرتب نحن سنتحمله في القيادة العامة، أما أنتم دبّروا صحيفتكم كما تريدون، وذلك حتى لا تحمل القيادة أي مبلغ مالي آخر.
الحمدي البردوني الزرقة والحكيمي
رحمة: أنا هنا سأوقفك قليلاً.. ما الذي كنت تدرس حينها؟ هل درست الجامعة؟ وما هي أبرز المقالات التي كنت تكتبها؟ وفي أي صحيفة؟
الحكيمي: أول مقال كتبته وله قصة عجيبة قليلاً. كنت لا زلت أدرس بعد أن عدت من جامعة القاهرة التي درست فيها سنتين ثم تركت الدراسة لأنني تزوجت.
رحمة: و ما الذي درسته في القاهرة؟
الحكيمي: درست في كلية الآداب عام، لأنه لم يكن هناك تخصص، والتخصص كان يبدأ من السنة الثانية. ولم أتوفق في علم النفس، ودخلت في قسم تاريخ، وواصلت دراسته في جامعة صنعاء. المهم نحن كنا نحكي عن موضوع كيفية معرفتي بإبراهيم الحمدي.
الحكيمي وزوجته
رحمة: نحن سنعود لذلك، ولكن نريد أن نربطه بحياتك. نريد أن نعرف كيف أصبحت رئيس تحرير وكيف اختارك الرئيس إبراهيم الحمدي؟
الحكيمي: فوتنا موضوع أول مقال.. بالطبع كان أول مقال كتبته في صحيفة مأرب التي كانت تصدر في تعز في ذلك الوقت، وكان رئيس تحريرها هاشم علي عابد. وأنا كنت لا أزال طالباً في جامعة صنعاء، وكتبت مقالاً في ذلك اليوم حول وحي المحاكمات التي كانت تجري في الجبهة الوطنية الديمقراطية في المناطق الوسطى، والأحكام بالإعدامات إلى آخره. وتفاعلت مع هذا الحدث، وكتبت مقالاً على أساس أن يُنشر في صحيفة مأرب. وأذكر عنوانه حتى الآن: "حتى لا تطغى العواطف على العقل". ورئيس التحرير هاشم علي عابد أعجب بالمقال، فألغى افتتاحيته التي كتبها وجعل مقالي هو الافتتاحية. وكان للمقال أصداء باعتبار أنه جاء في ظل فترة كئيبة كانت خلال فترة القاضي عبدالرحمن الإرياني. وهو كان المقال الأول. بعد ذلك جاء المقال الثاني، وكان إبراهيم الحمدي قد وصل إلى السلطة بعد حركة 13 يونيو. وفي تلك الفترة حصل صراع بين الناصريين والإخوان المسلمين في تعز.

الحمدي وبعض من ضباط الثورة خلال فترة رئاسته

رحمة: هل يمكن أن نسلّط الضوء على هذا الصراع للتاريخ؟
الحكيمي: كانت القضية اتهامات من قبل الإخوان المسلمين للناصريين بأنهم داسوا على المصحف، وحدثت اشتباكات بين الطلبة، وكانت على كل حال في إطار طلابي في تعز.
رحمة: وهل كان الإخوان المسلمون موجودين في تعز بحجم كبير أم لا؟
الحكيمي: في ذلك الحين بدأ وجودهم يبرز أكثر مما كان في الفترة السابقة عندما كنا طلاباً في تعز، وكان ذلك سنة 1974 أو 1975.
رحمة: وأين كان أكبر تجمع لهم؟ أين بالضبط؟ هل في تعز أم غيرها؟
الحكيمي: كان التجمع الأبرز لهم في مدينة تعز.
رحمة: هذا يعني أنه منذ 1975 والإخوان كان تجمعهم الأكبر في محافظة تعز.
الحكيمي: كان في تعز، وبدليل الاشتباكات التي حدثت كانت محدودة هناك. وأنا حينها كتبت مقالاً في صحيفة الثورة الصادرة من صنعاء بعنوان: "هل يعود الإسلام ثانية إلى الغار؟". والرئيس إبراهيم الحمدي - طبعاً قبل أن أتعرف عليه - أعجب بالمقال، واتصل بـ عبدالرحمن محمد علي عثمان محافظ تعز في ذلك الحين، وطلب منه إعادة نشر المقال في صحيفة الجمهورية، وأُعيد نشره. طبعاً الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر - وكان رئيس مجلس الشورى - طلب من القاضي محمد الأسلمي، وكان عضو مجلس النواب وهو من حجة، أن يرد عليّ. فردّ بمقال يحمل عنوان: "تصحيح مفاهيم عقلية وشرعية". وأنا اضطُررت أن أرد عليه: "تصحيح على تصحيح". وكان في صحيفة الثورة. وهناك مقالات أخرى وكثيرة لي.
جماعة الاخوان المسلمين
رحمة: ما هي أبرز صحيفة كنت تنشر فيها مقالاتك؟
الحكيمي: كنت أكتب أحياناً في الجيش والثورة والصحف التي كانت منتشرة في تلك الأيام، إلى أن جاءت صحيفة 13 يونيو.
رحمة: لنعد إلى 13 يونيو. عندما اختارك الرئيس إبراهيم الحمدي على أساس أن تكون رئيساً للتحرير وتحصل على راتب 1000 ريال تتكفل به القيادة وماذا بعد ذلك؟
الحكيمي: بعد ذلك صدر العدد الأول من صحيفة 13 يونيو في 29/11/1976. وأول معرفة مباشرة لي مع إبراهيم الحمدي كانت صدفة. طبعاً كان عملنا في إدارة التوجيه المعنوي كونها هي من تصدر صحيفة 13 يونيو. فكنت دائم اللقاء أنا والمرحوم علي الشاطر الذي كان مدير الإدارة. وكنت في ذلك اليوم أتناول الغداء عنده في البيت، وكان لديه سيارة لوحتها "الجيش" حبة وربع. وبعد أن تغدينا، وهو أراد أن يوصل عائلته إلى مكان، ثم نعود إلى الإدارة للعمل. فكانت عائلته في الخلف، وكان ممنوع استخدام سيارات الجيش و الحكومي في الأغراض الشخصية، وكان هذا قراراً صادر. وبينما نحن خارجون من الزقاق إلى شارع مجاهد - وكان هناك منزل علي الشاطر وقريب منه منزل الأصنج وباسندوة - ثم خرجنا، وفي نفس الأثناء مرّ إبراهيم الحمدي. وكانت سيارته "حبة ونص"، هو وسائقه. ولَمَحنا ونحن نريد أن نخرج من الزقاق بالسيارة إلى شارع مجاهد. وحينها رأى علي الشاطر إبراهيم الحمدي، وقال لسائقه: اهرب! فرد السائق: إلى أين أهرب؟ لا يوجد طريق. وحينها أوقف إبراهيم الحمدي سيارته. وعلي الشاطر ترجل من السيارة، وأنا معه. ثم ألقى سلامه على إبراهيم الحمدي وهو على سيارته، ولم يكن لديه أحد سوى سائقه، وكان يرتدي ملابس وكأنه ذاهب الى مجلس مقيل. ثم جئت أنا وألقيت سلامي عليه. ولمح علي الشاطر أنني والرئيس الحمدي لا نعرف بعضنا. فقال له: هل عرفت من يكون هذا يا فندم؟ قال: لا. فقال له: هذا فلان. فردّ: "الأذن تعشق قبل العين أحياناً". وهذا كان أول لقاء مباشر مع الرئيس الحمدي.
علي الشاطر
رحمة: حدثنا عن علاقة الرئيس إبراهيم الحمدي بالقبيلة، وإلى أي مدى خفّف من سلطتها، وتحديداً بعد فترة القاضي عبدالرحمن الإرياني؟
الحكيمي: في الحقيقة، القول بأن إبراهيم الحمدي كان يواجه القبيلة كمكوّن اجتماعي غير صحيح. هو لم يكن ضد القبيلة، ولكن ضد هيمنة المشايخ على القبيلة واستغلالها في مواجهة الدولة أو تنفيذ أجندات سياسية لا تخدم البلد ولا تخدم القبيلة. هذه كانت وجهة نظره. وحينما حدثت المشادات والخلافات بينه وبين الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وتقديم أحمد دهمش - وزير الإعلام - استقالته المشهورة، وقال: "كنا نعتقد أنك سيف، ولكن تبين لنا أنك سيف من خشب"، وكان هؤلاء يطلبون من الرئيس إبراهيم الحمدي أن يرسل الجيش لقمع عبدالله الأحمر.
الشهيد الحمدي وعبدالله الأحمر
رحمة: قبل أن تتحدث عن التفاصيل وعلاقة الرئيس الحمدي بالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، نريد منك أن تحدثنا عن قضية أحمد دهمش واستقالته الشهيرة، حتى تكون الصورة واضحة للتاريخ وللأجيال.
الحكيمي: علاقة الرئيس إبراهيم الحمدي مع أحمد دهمش كانت معروفة، أنها صداقة وثيقة بينهما. وكان يعتبر من القيادات القليلة التي كان يعتمد عليها إبراهيم الحمدي في إدارة الدولة. ولهذا رشحه أميناً عاماً للتصحيح المالي والإداري. وأحمد دهمش قدم استقالته على أساس أن إبراهيم الحمدي لم يقم بما يجب عليه أن يقوم به في مواجهة هؤلاء المشايخ المرتبطين بالخارج. وعندما قدم أحمد استقالة، أذكر حتى نوع الورقة، وكانت استقالة قاسية جداً على إبراهيم الحمدي. وأذكر حتى أن إبراهيم سلّم للشهيد عيسى محمد سيف النسخة الأصلية من الاستقالة.
أحمد دهمش
رحمة: وعلى ماذا كانت تحتوي الاستقالة؟
الحكيمي: كما ذكرت لك سابقاً، حول مُدارات المشايخ، وأنه تبين لهم أنه "سيف من خشب". وكان يريد من إبراهيم الحمدي أن يقضي على حركة المشايخ مثل عبدالله بن حسين الأحمر وغيره عن طريق استخدام الجيش. ولكي تتضح الصورة، نحن قابلنا الحمدي في مرة من المرات في مقر القيادة العامة في ذلك الحين، وكان وفداً من جامعة صنعاء. وقال إنه: حتى أحارب المشايخ أنا لا يمكنني أن أزج بأبنائي من القوات المسلحة ليذهبوا في مستنقع مواجهة مع المشايخ الذين يستغلون القبيلة. أنا أحارب المشايخ الذين يستغلون القبائل لأجل مصالحهم أو أجنداتهم، ببناء المدرسة والمستوصف والطريق، وذلك حتى تعي القبائل مصلحتها، وأن هؤلاء المشايخ يستغلونها دون أن يكون هناك مصلحة لها. لقد كانت للحمدي نظرة حضارية أوسع في مواجهة هذه القوى المشيخية.
نص استقالة أحمد دهمش
رحمة: ولكن لماذا عاد الشيخ عبدالله الأحمر إلى خمر، وقيل بأنه كان يحشد ضد الرئيس الحمدي، وكان الخلاف مستعراً فيما بينهما؟
الحكيمي: كانت الخلافات موجودة، وكان هناك تقطعات للطريق من "بن عزيز" الذي كان يقطع الطريق وينهب سيارات الدولة. رسالة الشهيد الحمدي للشيخ عبدالله ولمحافظ صعدة في ذلك الحين حول ما يقوم به الشيخ بن عزيز من تقطعات للطرق، وقال إنها جريمة دينية ووطنية وقانونية... إلخ. ويبدو أن حركة الشيخ عبدالله تواكبت مع أقطاب من الإخوان المسلمين، كانوا معه في خمر، منهم عبدالملك الطيب وعبدالمجيد الزنداني وغيرهما. وكانوا يستظلون بمظلة الشيخ عبدالله. وفي ذروة الخلاف مع الشيخ عبدالله، إبراهيم الحمدي - كان زعيماً له مواقف، تستطيعي القول إنها ليست مغامرة بل "مقامرة" - أخذ سيارته من صنعاء، ولديه السائق فقط، وبدون أن يخبر أحداً، ولا حتى حراسته، وذهب بسيارته مع سائقه إلى خمر. وفوجئ الشيخ عبدالله بمن يقول له إن الرئيس إبراهيم الحمدي جاء. وارتبك الشيخ عبدالله، فقام بنشر جماعته في القشلة والجبال، خائفاً من أن يتعرض إبراهيم الحمدي لأي حادث، وتُوجَّه أصابع الاتهام إليه. ثم ناقش مع الشيخ عبدالله حول ما هو المطلوب، وكيف يمكن أن نحل خلافاتنا بدلاً من تأزيم الأمور في البلاد.

رسالة الحمدي الى عبدالله الاحمر بشأن التقطعات

بعد ذلك علمت المظلات والحرس الخاص التابع لإبراهيم الحمدي وبعض الوحدات العسكرية، فقاموا بإرسال قوات على وجه الاستعجال إلى خمر، وتمركزوا حول الجبال المطلة على خمر في بيت الشيخ عبدالله. وإبراهيم الحمدي انزعج لأنه لم يكن يريد ذلك، وخرج وأخبرهم بأنه لا يوجد شيء، وطلب منهم الانسحاب. ثم عاد معهم، ولكنهم خافوا أن يكون قد حدث له شيء. لقد كانت لديه شجاعة واعتزاز بالنفس وثقة بالنفس مفرطة.
رحمة: لقد كان مغامراً. والآن أستاذ، ننتقل إلى الإنجاز الثاني الذي حُسب على الرئيس إبراهيم الحمدي، ويمكن أن يكون مفيداً أو درساً مهماً لمستقبلنا: التعاونيات. هل يمكن أن تحدثنا عن مشروع التعاونيات في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي؟
الحكيمي: بالنسبة للتعاونيات، كانت تجربة مهمة جداً في تاريخ التنمية الاجتماعية في اليمن، التي ساهم الشعب فيها بقدر كبير وبجهود ذاتية. وبعد ذلك خُصص لهم جزء من الزكوات التي كانت تُجمع في كل منطقة لصالح كل تعاونية في منطقتها، حتى يساعدهم في تنفيذ المشاريع التي يريدون أن يقيموها. وكانت تجربة - كما قال إبراهيم الحمدي ذات يوم - إن التعاونيات تسابق الدولة في الإنجازات، لأنهم كانوا يساهمون في شق الطرقات الأولية، لأن القرى لم يكن فيها طرق للسيارات، وبناء المدارس من جهود ذاتية وتبرعات، ويفتتحون مستوصفات ومشاريع مياه أولية. وعملت التعاونيات حركة نهضوية في الريف اليمني. لكنها لم تستمر طويلاً. بعد اغتيال الشهيد إبراهيم الحمدي، حيث عُمل على إفراغ هذه التجربة من محتواها.
الرئيس الحمدي اثناء افتتاح احد المشاريع
رحمة: سنتحدث عن كيف تم إفراغها، ولكن دعنا نغطي فترة الرئيس إبراهيم الحمدي. ماذا عن الوحدة اليمنية؟ وأنت تعرف أن الرئيس الحمدي عُرف بحرصه الشديد ونضاله من أجل تحقيق الوحدة اليمنية؟
الحكيمي: بالنسبة للوحدة اليمنية، هي جاءت بعد حربين بين الشطرين: الحرب الأولى عام 1972، ثم الحرب الثانية عام 1979. وكانت الحرب الثانية بعد حركة الناصريين في 15 أكتوبر 1978، التي لم تُوفق بالنجاح، ونزوح الكثير من القيادات الناصرية إلى الجنوب، والتي كان منها القادة العسكريون الذين هربوا بعد فشل التجربة، وأيضاً من القبائل الذين كانوا يعملون في إطار الناصريين، ونزحوا إلى الجنوب، وكان هذا يشكل عامل قلق. وجاءت في 1979، وكادت الحرب أن تطيح بالنظام في الشمال، لأنهم وصلوا إلى أن يدقوا أبواب ذمار من الجبهة الوطنية والقوى المتحالفة معها. ونحن في تلك الأيام اضطررنا أن ننضم إلى الجبهة الوطنية كفصيل سادس.
رحمة: استاذ عبدالله تحدثنا عن الحروب الوسطى بين الشطرين الشمالي والجنوبي، وكان الرئيس حيدر أبوبكر العطاس قال في مقابلة أجريتها معه بأن الرئيس إبراهيم الحمدي هو الذي أسّس هذه الجبهة التي قادت هذه الحروب. فما رأيك، بحكم أنك كنت رئيس تحرير صحيفة مقربة من الرئيس الحمدي؟
الحكيمي: أنا لم أسمع مقابلة الرئيس العطاس، ولكن هذا قول غريب. لأن الجبهة الوطنية الديمقراطية تتكون من الأحزاب اليسارية التي ائتلفت أو اندمجت في حزب واحد وهو حزب الوحدة الشعبية، وهذا الحزب هو فرع من فروع الحزب الاشتراكي، بعد تحولهم من الجبهة القومية إلى الحزب الاشتراكي. لكن وبحكم الحساسية أن الشمال والجنوب دولتان، فاختاروا اسماً غير الحزب الاشتراكي تجنباً للإحراج. هذا جانب.
أما الجانب الآخر: الأحزاب التي كانت تكوّن الجبهة الوطنية الديمقراطية في سنة 1979 كانت خمس أحزاب يسارية، هي أساساً تابعة للحزب الاشتراكي، ولكن اختير لها اسم آخر تجنباً للإحراج كما قلت سابقاً. ولهذا الجبهة الوطنية كانت الذراع الممتدة للنظام في الجنوب في مواجهته للنظام في الشمال.
فكيف يمكن القول إن إبراهيم الحمدي أسسها، وهو كان من يقاتل الجبهة الوطنية الديمقراطية في المناطق الوسطى، وأحد الذين قاتلوا الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى، وبدعم من النظام في الجنوب، و لو كان إبراهيم الحمدي من أسس الجبهة الوطنية، فلماذا القتال إذن بين الشمال والجنوب؟
الجبهة الوطنية الديمقراطية كانت تابعة للنظام في الجنوب، وهذا معروف. وإبراهيم الحمدي - بعد ذلك - في لقاءاته وتفاهماته وحواراته مع سالم ربيع علي، وهذه قصة أخرى طبعاً ومهم جداً أن تُحكى، لأنه كانت التفاهمات مع سالم ربيع متقدمة جداً. ولهذا كان التعجيل باغتيال إبراهيم الحمدي هو نتيجة أحد أسبابه هذه العلاقة الخاصة التي ربطت الرئيسين. وكانت الوحدة قاب قوسين أو أدنى. وكان هناك صراع في الجنوب، وكان سالمين بحاجة إلى دعم الشمال ووقوفه إلى جانبه في صراعه مع الجناح الآخر المتصارع معه الذي كانوا يسمونه "جماعة عبدالفتاح إسماعيل".
وهذا موضوع آخر. حتى القول إن سالمين هو الذي اغتال الغشمي غلط. وهذا موضوع سنأتي له، وهناك معلومات كثيرة حوله.
الرئيس إبراهيم الحمدي والرئيس سالم ربيع علي
رحمة: وماذا عن حكاية مؤتمر أمن البحر والتقارب ما بين الرئيس الحمدي وروسيا في حينها، والتي كانت ربما أحد أسباب اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي كما طرح البعض؟
الحكيمي: في الواقع، مؤتمر البحر الأحمر أثار مشاعر قلق لدى الغرب والشرق معاً، والقوى المحلية الإقليمية التابعة لهذا المحور أو ذاك، لأن معظمهم كانوا تابعين للمحور الغربي عموماً، ولأن أمن البحر الأحمر كان يجمع الدول العربية في ضفتين، ومعنى ذلك أن هذا المؤتمر يسعى إلى خلق قوة إقليمية تهيمن على أهم ممر مائي عالمي تجاري يهم الاقتصاد العالمي. لهذا، القلق لم يقتصر على الغرب فقط، وإنما حتى على الاتحاد السوفيتي، كون الاتحاد السوفيتي كان موجوداً في إثيوبيا وإرتيريا كانت جزءاً من إثيوبيا - وأيضاً موجود في الجنوب. وبالتالي، هذا المؤتمر مع العلاقة الخاصة التي تكونت وتقوت وتطورت بين الرئيسين الحمدي وسالمين كان يثير قلق الاتحاد السوفيتي كما كان يثير قلق الغرب.
رحمة: هذا يعني أن الرئيس إبراهيم الحمدي استفز الجميع وتم اغتياله، ولكن كيف تلقيت أنت ومحيطك خبر اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي حينها؟
الحكيمي: في الحقيقة، أنا كنت من ضمن الوفد الإعلامي الذي سيرافق الرئيس إبراهيم الحمدي إلى عدن في ذلك اليوم، وكنت أتهيأ للسفر صباح اليوم التالي، وكنت في التوجيه المعنوي في الإدارة التي تصدر الصحيفة أكتب آخر مقال في الصحيفة قبل سفري. وفي حلول المغرب، اتصلوا من القيادة بعلي الشاطر وقالوا له إن رئيس الأركان أحمد الغشمي يريدك والحكيمي الحكيمي أن تأتوا فوراً. خرج علي شاطر وأنا معه، وكان اللوح الذي أكتب به بيدي، ولم نجد سيارة نصعد عليها لنذهب إلى القيادة رغم أن القيادة قريب من التوجيه المعنوي، فأخذنا الباص الكبير التابع للإدارة وانتقلنا به، وكنا حينها نمضغ القات. وأول ما أشرفنا على باب القيادة وجدت بابها، على غير المعتاد، مفتوحاً على مصراعيه، والسيارات داخلة وخارجة، حركة غير معهودة. واتذكر قلت لعلي الشاطر: اليوم سوق القيادة رائج. قال: طبيعي، لأن الرئيس سيسافر، فمن الطبيعي أن يأتي قادة الوحدات للسلام عليه وتلقي التعليمات. وبعدها سألته وقلت: ماذا تعتقد يريد رئيس الأركان مني؟ أنت مفهوم أنه يدعيك، لكن أنا لماذا؟ قال: ربما يريد أن يعطيك توجيهات، أو يحول لك مصروفاً.
فقلت: ربما الثاني هو المعقول.
الرئيس إبراهيم الحمدي واحمد الغشمي
رحمة (ممازحة): لقد كنت طامع.
الحكيمي (متابع): لأنه ما هي التوجيهات التي سيعطيني إياها الغشمي وأنا بالأساس مسافر مع الرئيس اليوم الثاني؟ طبعاً دخلت إلى القيادة وجلست في مكتب المرحوم أحمد العماد مدير مكتب الغشمي، وكان هناك بعض الضباط، وأنا جلست أكتب مقالي ولا أعلم ما الذي يجري. وجاء علي عبدالله صالح ونظر إلى باب المكتب الذي كنا فيه، وقال: هل جاء الحكيمي؟ قلت: نعم، أي خدمات؟
الرئيس إبراهيم الحمدي والى جواره علي عبدالله صالح
رحمة: هل كانت هذه هي المرة الأولى التي ترى فيها الرئيس علي عبدالله صالح؟
الحكيمي: لا، أنا كنت أعرفه من قبل في تعز.
رحمة: سنتحدث عن تجربتك معه.. وهل قابلت الرئيس الغشمي؟
الحكيمي: لا، أنا بقيت منتظراً، وكان علي الشاطر يجلس إلى جوار أحمد العماد ويكتبون شيئاً معيناً لا أعرف ما هو، وأنا كنت أكتب مقالي، ولمحت علي الشاطر وهو يرى إلى الأوراق التي إلى جانب أحمد العماد بدهشة واستغراب، ولأني كنت أجلس مقابله التفتُّ إليه، وأشرت له بطريقة وكأني أقول له: هل هناك شيء حدث؟ فأشار اصمت ثم إشارة "قطع رقبة". فأشرت له: هل أنا؟ فأشار: لا. وبعد ذلك أخذنا أحمد العماد أنا وعلي الشاطر إلى غرفة نهاية الممر، فيها باب ينغلق نصفه وباب كامل. ودخلنا أنا وعلي شاطر، وكان فيها مجموعة من العساكر، وكان الحرس التابعون للغشمي وجوههم مغبرة وشكلهم إجرام، وكانوا مخيفين. وخرج العماد وعلي الشاطر، وتركونا أنا بين العسكر أصحاب الوجوه المخيفة، فاستغربت. وبعد قليل عاد وأخرج العسكر، وبقيت أنا وهو وعلي الشاطر. طبعاً هو كان يريد أن يكتب بيان الحادث. وبطريقة أحمد العماد، وأنا في الحقيقة لا أعلم ما الذي حدث، فقال: نريد أن نعمل بيان، والقضية قد حصلت، والأخ إبراهيم اغتيل هو وشقيقه، رحمهما الله.
أحمد العماد والحمدي ودهمش والشمسي
رحمة (مقاطعة): دعنا نتوقف عند الاغتيال.. كيف تلقيت الخبر في أول دقيقة سمعته؟
الحكيمي: سأتي له، ولكن بعد إكمال حديثي. قلت له: أووه. بعدها جلست أنا وهو لكتابة البيان، وكان يقول: هذه ليس لها داعي، وهذه اشطبها، وهذه خففها، هذه أضفها، وهذه احذفها. فقلت له: يا أخي، البيانات لا تكتب هكذا، إما أن تكتب المسودة وأنا أراجعها، أو أن أكتب أنا المسودة وأنت تقوم بمراجعتها. واتفقنا. وقبل أن يخرج قلت له: أعطني فكرة حول كيف حدث هذا الانقلاب حتى يكون البيان معبِّراً عن الذي حدث. قال: لا "جني" هو ليس انقلاب. وقال: الأخ إبراهيم وجدوه في بيت مقتول. وأخرج العسكر وأغلق علي الباب، وكتبت البيان وسلمته المسودة.
وكانوا من خلال تخفيفهم لبعض الكلمات وشطبها والتركيز على بعضها، فهمت أن في الأمر شيئاً، وهنا بدأت أشك في الموضوع بأن هناك شيئاً ما. وسلموا البيان، وأنا احتجزوني في القيادة حتى الفجر. وكانوا يعتمدون أسلوب أن يدعوا بعض الشخصيات المهمة ويدخلوهم عند أحمد الغشمي، ويقول لهم: الأخ إبراهيم، الله يرحمه، توفى. وسأضرب لك مثال: استدعوا حسن اللوزي، رحمه الله، وكان في ذلك الوقت نائب وزير الإعلام، وأدخلوه عند الغشمي، وقال له إن الأخ إبراهيم اغتالوه. فقال: لا، هذا ليس معقول، كيف حدث ذلك؟ وانهار. وكانت هناك إشارة بين الغشمي ومن معه في المكتب بأن هذه النوعيات يُحتجزونهم داخل الغرفة المظلمة المقابلة للمكتب.
أحمد الغشمي
رحمة (مقاطعة): هذا يعني أنهم كانوا مقربين من الرئيس إبراهيم الحمدي؟
الحكيمي: الغشمي كان يريد حسن اللوزي في ذلك الوقت أن يمسك الإذاعة، فرأوه انهار، فأدخلوه الغرفة. هو كان "مِسْمَر" الوجه، ولكنهم أعادوه ووجهه مصفر بعد ثلاث ساعات قضاها في الغرفة، وعاد إلى المنزل وحالته حالة. ثم بعد ذلك استدعوا أحمد الرعيني، رحمه الله، وكان على خلاف مع الحمدي لأن الحمدي غيّره. ودخل إلى المكتب، وقال له الغشمي: الأخ إبراهيم الحمدي قُتل. قال: "ما عيقَع له، الله يرحمه، والبقية في حياتك أنت".
حسن اللوزي
رحمة (ممازحة): هذا يعني أنه لم يخرج مصفّر، ولكنه خرج مورّد.
الحكيمي: قال له الغشمي: اذهب وامسك الإذاعة. ثم استدعوا عبدالله حمران، وكان يصرخ...
رحمة(مقاطعة): وأنت أستاذ عبدالله، ما هو المنصب الذي سلموه لك؟ نريد ان نعرف هل خرجت مورد ولا مصفر؟
الحكيمي: بعد الانقلاب وهروبنا إلى عدن، عدنا الى صنعاء وكنا في مجلس مضغ القات في منزل أحمد الرعيني، وكان موجود أحمد العماد وأحمد الشاطر ومجموعة من الشخصيات، وكنا نتذكر ذلك اليوم و ذكرنا هذا الحادث وقلت لأحمد العماد، وهو رجلًا طيبًا وكانت علاقتنا حميمة، وكان يتذكر حسن اللوزي وكيف انهار، وقلت له: وأنا كيف وجدتني؟ قال: أنا وجدتك شيطان "مغيّتها".
رحمة: إذًا بيان نعي الرئيس إبراهيم الحمدي صاغه عبد الله سلام الحكيمي..
الحكيمي: ليس أنا وحدي ولكن أنا وأحمد العماد.
رحمة: وراجعه الأستاذ أحمد العماد. وبعد ذلك ما الذي فعلته خلال هذه الفترة؟
الحكيمي: طبعًا قريب الفجر توسّط لي علي الشاطر وأحمد العماد عند أحمد الغشمي، وقالوا له: ممكن يا فندم نستأذنك أن تترك عبد الله سلام الحكيمي يعود إلى منزله حتى يأخذ قسطًا من النوم، لأننا سنحتاجه غدًا إذا هناك صحفيون حتى يرد عليهم، فوافق وعدت إلى منزلي قريب الفجر، والتقينا في بيت عبد السلام مقبل، وكان الشهيد عيسى محمد سيف وسالم السقاف ومجموعة من الإخوان موجودين عند الفجر في بيت عبد السلام مقبل، وأنا كان منزلي بجوار منزل عبد السلام، وهناك اتضحت لنا الأمور.
لقاء في منزل عبدالسلام مقبل
رحمة: ما الذي اتضح لكم؟
الحكيمي: كانت العزومة التي قام بها الغشمي على شرف عبد السلام مقبل بمناسبة تعيينه وزير الشؤون الاجتماعية، ودعا بعض الوزراء وعبدالعزيز عبدالغني ومحمد أحمد الجنيد وغيرهم على الوليمة المعروفة، وحكى لنا عبد السلام - وهو شاهد عيان للموقف - ما شاهده.
رحمة: ما الذي شاهده؟
الحكيمي: طبعًا نحن عرفنا معلومة فيما بعد، وهو أن الغشمي اتصل بالرئيس إبراهيم الحمدي وطلب منه أن يأتي أمام الناس، لأن هناك إشاعات تقول بأنهم مختلفون، وأنه يريد أن يقطع ألسنة الأعداء، وألحّ عليه أن يأتي، وهو بالأساس كان يتناول الغداء في منزله، فجاء به السائق وذهب. قال عبد السلام مقبل إنه كان يجلس في الديوان مقابل باب حوش بيت الغشمي، وكان بجواره وملاصق له في حوش واحد منزل علي عبد الله صالح، وشاهد إبراهيم الحمدي وهو يدخل كأنه يقدم رجلًا ويؤخر الأخرى ومتردد، ثم دخل وسلم على المدعوين، وبعد ذلك جاء إليه علي عبدالله صالح وهمس في أذنه وقام، وكان الغداء قد قُدم.
الحمدي وعلي صالح والغشمي
رحمة: للتوضيح: الرئيس علي عبدالله صالح همس في أذن الرئيس الغشمي أم الحمدي؟
الحكيمي: همس في أذن الرئيس إبراهيم الحمدي، لأن الرئيس جلس مع المدعوين. بعد ذلك قام إبراهيم الحمدي، والأكل على السفرة، ووضع علي عبدالله صالح يده على ظهر الحمدي بحنية، وقال عبدالعزيز عبدالغني: يا أخ إبراهيم دعنا نتناول الغداء معًا. قال: نحن سندخل داخل لأننا العسكريين لدينا أشياء خاصة بنا ونريد أن نتحدث بها وحدنا، وطبعًا كان يقولها ممازحًا. ثم ذهب. هنا رواية عبدالسلام.
واستكمالًا لروايته قال: إن الغداء نزل، وكان الغشمي يبدو عليه القلق والتوتر إلى أقصى الحدود، كان يجلس على المائدة ثم ينهض ويجلس ثم ينهض، وكان المدعوون عندما يتحدثون معه يشرد ولا يرد. أما شقيق محمد الغشمي فهو الذي كان يشرف على ضيافة الضيوف، بدا أكثر تماسكًا منه، وكان يجلس قليلًا ثم يدخل ثم يعود، وكان في حالة من الاضطراب. وبعد ذلك انتهوا من تناول الغداء.
رحمة (مقاطعة): انتهى الغداء والرئيس إبراهيم الحمدي لم يحضر، هذا بحسب روايتك أن الأستاذ عبد السلام مقبل هو من قال هذا الكلام.
الحكيمي: هذا شاهد عيان. بعد الانتهاء من تناول الغداء أرادوا الذهاب، ولكن طلب منهم محمد الغشمي أن ينتظروا قليلًا، ولم يدعهم يخرجوا، وطال انتظارهم إلى أن جاء محمد الغشمي بعد ذلك وقال: الآن يمكنكم الانصراف إذا تريدون. وقالوا له: وأين هو قاتُنا؟ قال: كل واحد فيكم قاتُه على سيارته. ثم ذهبوا. هنا تبيّن لنا الموضوع: أن القضية هي اغتيال دبّرها أحمد الغشمي. ونحن كنا في الحقيقة - من قبل - وقادة أحزاب أخرى من الحزب الديمقراطي وحزب الوحدة الشعبية وغيرهم، قد نبّهوا إبراهيم الحمدي أن لديهم معلومات أن الغشمي...
إبراهيم الحمدي
رحمة (مقاطعة): سيتم اغتياله. ولكن لدي سؤال، وأنت مؤرخ لا تفرض الشخصنة على ما ترويه: كم من الأشخاص الذين كرروا نفس رواية الأستاذ عبدالسلام مقبل فقط؟
الحكيمي: لا يوجد، ولكن أنا أول من رويت هذه المعلومات في أشرطة فيديو سجلها معي الصحفي فتحي القطاع في سنة 2012 في منزلي هذا.
رحمة: ولكن كان الشاهد الوحيد عبدالسلام مقبل من الذين تعرفونهم.
الحكيمي: الشاهد لنا، لأنه قدم تقريرًا بما الذي حدث وما الذي شاهده إلى أن أكملت لك الموضوع بانصرافهم.
رحمة: وأنت ذكرت القصة.. إذًا الآن ننتقل إلى علاقتك فيما بعد الرئيس إبراهيم الحمدي. علاقتك بالرئيس صالح منذ متى بدأت؟ ومتى كان أول لقاء جمعكما؟
الحكيمي: كانت العلاقة أولًا مع الغشمي، وأنا كنت أداوم بعد عملية الاغتيال في القيادة. كنت أتولى الردود على الصحفيين، وهم كانوا يريدون أن يبثوا رواية للردود على الصحفيين ليعطوا نوعًا من الانطباع على أن الحادث ذو خلفية أخلاقية تتعلق بالفرنسيتين، رغم أنهما أساسًا تم قتلهما قبل اغتيال إبراهيم وشقيقه في بيت استأجر باسم العلاقات العامة للقوات المسلحة عن طريق سكرتير الغشمي محمد الأنسي، وهذا كان معروفًا. بعد ذلك نقلوا جثة الشهيد إبراهيم الحمدي وعبدالله الحمدي إلى هذا البيت ووضعوهم إلى جانب جثتي الفرنسيتين. واللجنة التي شكلوها كانت صورية حتى تُخرج الموضوع. وكنت ألحظ أنهم يريدون تسريب ذلك، وكان يزعجنا لأنني كنت أقوم بالردود، وهم كانوا يحولون الردود على المقابلات لآخرين من بينهم الأستاذ محمد سالم باسندوة الذي كان في الخارج وعاد سريعًا، وكانت تزعجني تلك التعديلات.
الشهيدان إبراهيم الحمدي وشقيقه عبدالله
رحمة: هل طُلب منك رسميًا أن ترد أو تنقل رسالة التشويه الأخلاقي لصورة الرئيس الحمدي للصحفيين؟
الحكيمي: لا، لم يكن بهذا الشكل، ولكن كانوا يتحكمون بالعبارات التي ترد في الردود على الصحفيين بطريقة تريد أن توحي من بعيد أنهم كانوا في بيت، وأنتم تعرفون العادات الاجتماعية للشعب اليمني والقبائل وغيره، وقد يكون ترصّدوا له.
رحمة: ومن الذي قال هذا الكلام؟
الحكيمي: هذه كانت التسريبات التي سُربت.
رحمة: أنا أقصد الرد الرسمي، سعادتك كنت مكلفًا بالرد على الصحفيين، فهل رددت وقلت هذا الكلام أم أحد غيرك؟
الحكيمي: لا إطلاقًا، أنا انزعجت من هذه التعديلات لأنهم كانوا يريدون أن يبثوا هذه الرواية، وأنا لم أذكرها.
الفرنسيتان
رحمة: ولكن هل طُلِب منك رسميًا أن تقول هذه الرواية؟
الحكيمي: لا لم يُطلب، ولكن بطريقة غير مباشرة هم قالوا إنها مسألة أخلاقية حتى يؤثروا ويتركوا هذا الانطباع. طبعًا نحن بعد اللقاء الذي تم في بيت عبدالسلام مقبل عند الفجر في تلك الليلة اتخذنا قرارًا بالإعداد للانقلاب.
رحمة: في تاريخ كم؟
الحكيمي: عندما اجتمعنا فجرًا، كان في 12 أكتوبر 1978، واتخذنا قرارًا أوليًا أنه لابد من الانقلاب، وأسسنا واجهة للعمل الحزبي الواسع "جبهة 13 يونيو للقوى الشعبية".
رحمة: في 12 أكتوبر كنت لازلت تعمل مع الرئيس الغشمي.
الحكيمي: استمررنا حتى بعد الانقلاب.
رحمة: من درّبكم عسكرياً؟ من أين أتيتم بالسلاح؟
الحكيمي: هل تقصدين انقلاب الناصريين؟
رحمة: نعم.
الحكيمي: حركة 15 أكتوبر كان هناك مجلس عسكري أعلى، وكان موجود فيه قادة وحدات وأركان حرب وحدات وعسكريين كثر.
رحمة: وماذا كان الهدف؟
الحكيمي: نحن اعتبرنا أن اغتيال إبراهيم الحمدي هو اغتيال للمشروع الوطني الذي يهدف إلى النهوض باليمن وجعل اليمن بلدًا قويًا ومستقلًا كامل السيادة، وأن ننهي التدخلات الخارجية التي كانت موجودة. خاصة وأننا اعتبرنا أن حادثة الاغتيال هي مؤامرة داخلية وسعودية في نفس الوقت، لأن السعودية نسّقت مع أحمد الغشمي، ولا يوجد شك في هذا حسب المعلومات المتوفرة لدينا. حتى عندما أرسل إبراهيم الحمدي وفدًا عسكريًا رفيع المستوى برئاسة أحمد الغشمي إلى السعودية التي أثارت ضجة حول صفقة السلاح السوفيتي الذي كان قد وصل، وأرسل الحمدي من أجل إقناع السعودية أن هذه مسألة عادية.
رحمة: وكيف تلقيتم خبر اغتيال الرئيس أحمد الغشمي، في وقت أنتم كنتم تخططون لعمل انقلاب ومجهزين أنفسكم؟
الحكيمي: في 12 أكتوبر نحن اتخذنا القرار الأولي، وبدأنا على هذا الأساس، لذلك الانقلاب لم يكن على علي عبدالله صالح، ولكنه كان من قبل.
رحمة: أنتم كنتم مخططين على الانقلاب، والله سهّل لكم الأمر من عنده.
الحكيمي: ليس تسهيل المسؤولية. ولكن نحن في الحقيقة تابعنا حادث الاغتيال لأنه كان مهم بالنسبة لنا ان نتابعه، لأنه اعتبرنا الموضوع... كان هناك مشروعان للانقلاب في صنعاء: أحدهما يرعاه النظام في الجنوب - الحزب الاشتراكي - ومن معه والمشروع الثاني حزب البعث...
رحمة (مقاطعة): حزب البعث أم التنظيم الناصري؟
الحكيمي: التنظيم الناصري كان الثالث.
رحمة: نريد معلومات حول حزب البعث حينها حتى تكون الصورة واضحة لمن يتابع.
الحكيمي: حزب البعث كان لديه مشروع للانقلاب مستفيد من تجربة اغتيال الرئيس الحمدي، وكان الـ...
رحمة (مقاطعة): من كان رئيسه؟ ومتى تشكل؟
الحكيمي: كان معروفًا أنه حزب قومي.
رحمة: أنت معروف لديك، ولكن هناك جيل جديد يريد أن يعرف.
الحكيمي: حزب البعث هو حزب قومي على مستوى الوطن العربي، وفي كل ساحة كان له فرع من فروع القيادة القطرية في كل قطر، والقيادة القومية هي التي تدير العمل على مستوى الساحة العربية بأكملها حيث توجد الفروع. هذا بالنسبة لحزب البعث. أما المشروع الثاني...
رحمة (مقاطعة): لكن الأساس أين كان؟ الناصري معروف بالرئيس عبدالناصر في مصر. وحزب البعث ماذا عنه؟
الحكيمي: بالطبع. مؤسس حزب البعث هو ميشيل عفلق، هو المؤسس الأول، وعندما قامت الدولة في سوريا والعراق كان حزب البعث - وإن كانوا متصارعين - انشق إلى حزب البعث السوري والعراقي، وكان كل طرف يتبع جهة.
ميشيل عفلق
رحمة: وفي تلك الفترة كنتم كناصرين مع حزب البعث مع اليساريين في الجنوب متفقين على انقلاب مشترك ضد قتلة الرئيس إبراهيم الحمدي، من اغتالوا المشروع الوطني.
الحكيمي: لا يوجد اتفاق على انقلاب بين الأحزاب، لأن الثقة بين الأحزاب في تلك المرحلة منعدمة تمامًا، وفي حالة صراع مرير. وهذا كان من الخطأ، ولكن مقتضيات المرحلة كانت تفرض ذلك، لأنه لم تكن الثقة قد تعززت، ويقتنع كل حزب بأن هناك مشتركات بينهما يجب أن يعملوا من أجلها. لكن عندما جاء خبر مقتل أحمد الغشمي اعتبرنا أن هذا الموضوع وراءه الجنوب، هكذا في تقييمنا الأولي، وتحركت قيادة التنظيم لجس النبض، وخرج الشهيد عيسى محمد سيف الأمين العام يلف حول العاصمة لكي يرى ردود الأفعال، ونحن كان لدينا عناصر في القيادة تبلغنا عن الذي حدث بالتفصيل، و ايضاً في المستشفى العسكري الذي نقل إليه أحمد الغشمي. وكانت الفكرة أن أحد الأشخاص مرسل من الجنوب جاء على أساس أنه مرسل من سالمين، وهو لم يكن المرسل منه، ولكن تم تبديله في مطار عدن بآخر لديه شنطة، لأنه ليس من المعقول أن سالم ربيع يغتال الغشمي وهو يحتاج له، ولهذا استبدلوه في عدن بشخص آخر كان قد تم إعداده لكي يخلصوا؛ فقد خلصوا من الحمدي من ناحية، والغشمي، وسالم ربيع بين الاثنين. لأن الاتفاق الذي جرى ما بين سالمين والحمدي وثيق جدًا، حتى تناقشوا بشكل سري في أوجه الدعم المطلوبة لسالمين وكيف يمكن إيصالها في نظام عليه سور حديدي، نظام أمني ماسك بقبضة الحديد، وكانوا يدخلون بعض الأشياء المطلوبة من أسلحة معينة عن طريق سيارات الخضروات والفواكه التي كانت تنقل إلى عدن.
رحمة: ولكن لماذا لم تسيطروا على الحكم بعد اغتيال الرئيس الغشمي؟ خاصة وأنه كان لديكم وحدات في الجيش والأمن، وكنتم قد قررتم أن تنقلبوا في 12 أكتوبر؟ لماذا لم تستثمروا هذه الفرصة؟
الحكيمي: معظم الاستقطاب الحزبي داخل الجيش تم بعد اغتيال الحمدي، وبالتالي كانت الفترة قصيرة. نحن كان لدينا العسكريون القدامى في التنظيم، بعدد الأصابع.
رحمة: كنتم لم ترتبوا أنفسكم بعد.
الحكيمي: الناصريون مرّوا بمرحلتين في الوجود العسكري: المرحلة الأولى أثناء وجود القوات المصرية، كان لهم انتشار في قادة الوحدات، لأن معظم الوحدات التي تدربت كانت في مصر، هذا بعد حركة خمسة نوفمبر، وتلاشت وجُمّد التنظيم، وتوقف عن الحركة لفترة. وفي المرحلة الثانية بعد اتخاذ قرار الانقلاب على الغشمي ردًا على اغتيال إبراهيم الحمدي، توسعنا في الجيش، ولكن استغرق منا ما يقارب العام.
رحمة: عام كان قليلًا جدًا. والآن نريد أن نعرف كيف تلقيتم خبر إعلان الرئيس علي عبدالله صالح رئيسًا للجمهورية.
الحكيمي: أريد أن أكمل موضوع الغشمي.. التقينا مع عبدالله الأصنج، الذي كان وزير خارجية في ذلك الحين، وكان تقييمه متطابقًا للتقييمات التي لدينا أن الجنوب وراء ذلك. واتصل بوزير الخارجية السعودي وأخبره أن التقييمات الأولية التي لدينا أن هذا مخطط ترعاه الجنوب، وأن الاغتيال سيعقبه شيء أكبر من الاغتيال وهو الانقلاب، ولهذا طلب من السعودية أن تتصل بأمريكا، وأمريكا تتصل بالاتحاد السوفيتي، ويصدروا تحذير للنظام في الجنوب أن أي حركة تحدث في صنعاء سيتحملون مسؤوليتها، وأن أمريكا ستتدخل عسكريًا، والسوفيت أبلغوا عدن بأن عليهم أن يتوخّوا الحذر، وتوقف الأمر عند هذا الحد. ونحن بعد ذلك واصلنا أمورنا في إعدادنا للانقلاب، وتحركنا بنشاط واستقطبنا أعدادًا هائلة إلى الجيش، وهذا كان الخطأ الذي ظهر في الفشل الذي مُنيت به الحركة.
رحمة: ما سبب فشل الانقلاب؟
الحكيمي: السبب أنه كان هناك استقطاب سريع ولم تتجانس العناصر، ولم تكن هناك فترة لخلق التجانس الفكري والسياسي الحزبي المفترض أن يكون. كان العسكريين الكُثر الذين تم استقطابهم - من الضباط والقادة وغيرهم - كأنهم غرباء عن التنظيم المدني، وهذه أحد الأسباب. ولهذا كان هناك بعض الإشكالات التي كانت تظهر في كيفية إدارة الدولة فيما بعد، لأنه كان هناك مجلس عسكري شكلناه، وهو كان أول انقلاب يرتبه المدنيون في الوطن العربي؛ لأن المدنيين هم الذين استقطبوا العسكريين وشكلوا لهم المجلس. وكان القادة العسكريون الذين شكلناهم يريدون أن يعرفوا من الذي يتخذ القرار في الدولة، وهذا كان الخلاف الأول. واُتفق على أن تُشكل لجنة ثمانية: من المجلس العسكري أربعة، والمدنيون أربعة، برئاسة الأمين العام المساعد سالم محمد السقاف، وسمّوها لجنة اتخاذ القرار.
شهداء حركة اكتوبر الناصرية
رحمة: أنا أريدك أن تحتفظ بالمعلومات عن الانقلاب إلى الحلقة القادمة، لأن هذه أول حلقة تُجرى، وأول حديث يتم بشكل مفصل عن ذلك. ولكن لدينا ثلاث دقائق قبل أن ننهي هذه الحلقة. نريد أن نسمع كيف كانت السنة او الأشهر التي حكم فيها علي عبدالله صالح قبل الانقلاب، وهل كان هناك ما يشفع له، أو ما يغذي رغبتكم أكثر في الانقلاب؟
الحكيمي: نحن اعتبرنا أن علي عبدالله صالح هو الوريث الوحيد للغشمي، إذا ما أُزيح الغشمي أو شغر منصب الرئاسة بذهاب الغشمي بشكل أو بآخر، وكان ذلك لسبب رئيسي: وهو أن القوى العسكرية التي كانت تدعم الغشمي بطبيعة الحال ستؤول إلى تأييد علي عبدالله صالح. هذا كان تقييمنا للأمور. ثانيًا: إن معظم القوات التي كان يعتمد عليها الغشمي في الحراسات التي شكلها في ضلاع همدان في منطقته، وشبك الجبال، وعمل مخازن أسلحة، وفتح الطريق إلى الصباحة للإذاعة وغيره، و طبعاً مشكلة الغشمي في ذلك الوقت انه لم يكن لديه من قبيلته الكثير من العسكريين، وكان معظم الموجودين من سنحان، ولهم وجود قوي داخل الجيش. وهنا أستذكر: في إحدى المرات، الحمدي نصحنا أنه في حركتكم التنظيمية اهتمّوا بسنحان. ولم نكن نعرف لماذا نهتم بها، وسأعطيك سرًا: كنا لا نعرف أين تقع سنحان. هو كان يقصد أن العسكريين كثر.
احمد الغشمي وعلي صالح
رحمة: وهذه واحدة من الأخطاء، ولكن وقت الحلقة الثانية انتهى. حتى نبدأ الحلقة الثالثة لابد أن نبدأ من أول انقلاب سياسي عسكري يتم في اليمن، ولكن في الحلقة القادمة.
مشاهدينا، في الحلقة القادمة سنحاور الأستاذ عبدالله سلام الحكيمي، الذي سيكشف وثائق ولأول مرة وأسرارًا حول الانقلاب الناصري ضد الرئيس علي عبدالله صالح.
ينشر هذا الحوار بالتزامن مع بثه على قناة "حكايتي" على يوتيوب، إعداد وتقديم الإعلامية رحمة حجيرة. لمشاهدة الحلقة (اضغط هنا)

الكلمات الدلالية