البروفيسور ذمرين لـ"النداء" : اليمن قادر على بناء منظومة طاقة مستقلة
في وقت تتسارع فيه ابتكارات الطاقة المتجددة حول العالم، يبرز اسم العالم اليمني البروفيسور مروان محمد ذمرين كأحد أبرز الباحثين العرب في مجال الطاقة الشمسية، بعد أن راكم رصيداً علمياً لافتاً تجاوز 71 براءة اختراع، ووضع بصمته في مؤسسات بحثية وصناعية يابانية مرموقة.
من تعز إلى طوكيو، ومن قاعات جامعة صنعاء إلى معامل اليابان المتقدمة، شقّ ذمرين طريقه العلمي بثبات حتى أصبح اليوم أحد الوجوه البحثية التي ترتبط أعمالها بتطبيقات واقعية تعالج أزمات الطاقة في الدول النامية، ومنها اليمن.
في هذا الحوار، يتحدث البروفيسور ذمرين لـ"النداء" عن رؤيته لمستقبل الطاقة الشمسية في اليمن، وتقييمه للتوجهات البحثية العالمية، وما يعنيه دخول اليمن خارطة المستخدمين الدوليين للطاقة المتجددة، إضافة إلى محطات من مسيرته الأكاديمية وطموحاته القادمة.
من هو مروان ذمرين
مروان محمد ذمرين، أستاذ في جامعة أوساكا اليابانية، ومدير العلاقات الدولية في جامعة الطاقة الشمسية اليابانية، وله أكثر من 71 براءة اختراع في الطاقة الشمسية. ويعمل أيضاً في الوقت الراهن رئيساً لمعْمل «تويو ألمنيوم» لأشباه الموصلات وكبير المختصين في شركة «تويو ألمنيوم» اليابانية، ومسؤولاً للعلاقات في جمعية الطاقة الشمسية. ولد ذمرين في حي الأشرفية بمدينة تعز سنة 1975. ونشأ ودرس التعليم الإعدادي والثانوي في ذات المدينة. حصل على البكالوريوس في الفيزياء من جامعة صنعاء وكان الأول على دفعته، ليتعيّن معيداً في جامعة صنعاء، وبعدها حصل على منحة دراسية لبرنامج الماجستير والدكتوراه في اليابان، ولتفوقه الأكاديمي عُيّن في 2004 عضواً في لجنة تحكيم براءة الاختراع وزميلاً في جمعية تشجيع العلوم اليابانية.
ـ بروفيسور مروان، تمتلكون رصيداً بحثياً يتجاوز 71 براءة اختراع في مجال الطاقة الشمسية… ما الذي دفعكم لتوجيه ابتكاراتكم نحو هذا المجال تحديداً؟
لأن الطاقة الشمسية ليست مجرد مجال علمي أعمل فيه؛ بل هي جزء من قناعتي العميقة بأن مستقبل البشرية يحتاج حلولاً نظيفة، متاحة ومنخفضة التكلفة. اليمن والمنطقة العربية تمتلكان أعلى معدلات الإشعاع الشمسي في العالم، لكنهما في الوقت نفسه تعانيان من أزمات كهرباء مزمنة. رأيت أن لدي مسؤولية علمية وأخلاقية لتطوير تقنيات قادرة على تغيير هذا الواقع، بدءاً من الخلايا الشمسية عالية الكفاءة، وصولاً إلى تقنيات التصنيع منخفضة الكلفة التي يمكن تطبيقها واستخدامها في الدول النامية بما فيها اليمن.
بعد نيلكم درجة الدكتوراه من جامعة طوكيو للزراعة والتكنولوجيا، ما أبرز عروض العمل أو فرص التفرغ البحثي التي قُدمت إليكم؟
لم تكن هناك أي عروض عمل؛ بل على العكس، كنت أنا من يبحث عن فرص عمل بحثية. فالدكتوراه ليست سوى خطوة في طريق التعليم الأكاديمي، لكن الخبرة العملية والبحثية هي التي تصقل الإنسان.
ماذا يعني دخول اليمن خارطة المستخدمين الدولية للطاقة الشمسية؟
يعني أننا نتحول من دولة تعتمد على الوقود الأحفوري، سواء من النفط المحلي أو المستورد، إلى دولة تستطيع إنتاج جزء من احتياجاتها من مصدر مجاني ومتجدد. دخول اليمن في هذه الخارطة خطوة نحو استقلال اقتصادي تدريجي وتحسين جودة الحياة، خصوصاً في الريف. كما أنه يفتح الباب لخلق سوق محلية، وفرص عمل، ونمو مشاريع صغيرة ومتوسطة تعتمد على الطاقة النظيفة.
وفي اعتقادي أن اعتماد اليمنيين على الطاقة الشمسية يفوق ما تم نشره بكثير، لكن لغياب المؤسسات المخوّلة برصد مختلف أنواع الطاقة واستهلاكها في اليمن لا نملك أي أرقام دقيقة.
ما هي توقعاتكم لمستقبل الطاقة الشمسية في اليمن؟
المستقبل واعد جداً، لأن اليمن بلد شمسي بامتياز. على المدى القريب أتوقع أن يزداد انتشار أنظمة التخزين وتتحسن جودتها تدريجياً، وأن تصبح الطاقة الشمسية الأساس في تشغيل المستشفيات والمدارس والمزارع ومحطات المياه. وعلى المدى المتوسط، إذا وُضِع إطار تنظيمي صحيح، يمكن خلال أقل من خمس سنوات أن نصل إلى منظومة كهرباء هجينة (شمسي + بطاريات + غاز) بحصة تتجاوز نصف ميغاواط ساعة لكل نسمة.
كيف يمكن تنظيم استخدام الطاقة الشمسية في اليمن والعالم العربي؟
البدء يكون من وضع معايير جودة واضحة للمكونات المستوردة، ثم إنشاء هيئة لتنظيم الطاقة المتجددة لوضع آليات الربط بالشبكة وتمكين المستثمرين. كما يجب دعم التدريب المهني للكوادر الفنية، فالتكنولوجيا بلا مهارات تتحول إلى عبء.
برأيك، إلى أي مدى سيكون للمبادرات الأهلية دور في تحسين وتوسيع استخدامات الطاقة؟
المبادرات الأهلية لعبت دوراً محورياً خلال السنوات الماضية، خصوصاً في غياب الدولة. وهي قادرة على تحسين الاستخدام عندما تُمنح إطاراً يمكّنها من التدريب والتوعية وتنظيم الأسواق. ويمكن لهذه المبادرات أن تقود مشاريع صغيرة، ولكن يجب أن تكملها الدولة بقرارات وسياسات استراتيجية، فقطاع الطاقة هو عماد الدولة.
مؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين في إسطنبول… كيف تقيّمون جدواه والفائدة الحقيقية المتوقعة منه؟
أي منصة تجمع العقول اليمنية هي خطوة إيجابية. لكن القيمة الحقيقية لا تظهر في يومَي المؤتمر، بل فيما بعد المؤتمر. يجب أن تنتقل هذه الفعاليات من مستوى “نقاشات” إلى مستوى “مشاريع تنفيذية” تخلق فرصاً اقتصادية حقيقية، سواء للشركات اليمنية أو لرواد الأعمال أو للقطاع الأكاديمي. اليمن اليوم بحاجة إلى مشاريع جاهزة للتطبيق، لا إلى مزيد من النظريات.
هل تتواصلون مع العلماء والخبراء اليمنيين في الخارج والداخل؟ وما طبيعة الأحاديث أو الموضوعات التي تدور بينكم عادة؟
نعم، أتواصل مع عدد كبير منهم في مجالات الطاقة والهندسة والطب والعلوم والاقتصاد. وغالباً ما تدور الأحاديث حول كيفية ربط البحث العلمي بحلول واقعية داخل اليمن، وعن فرص الدعم الدولي والابتكار ومشاريع الطاقة المتجددة، وكيف يمكن تحويل الخبرات المتراكمة لدى اليمنيين في الخارج إلى مبادرات مفيدة في الداخل.
باعتباركم من العلماء الشباب، ما النصيحة التي تودون توجيهها للشباب اليمني اليوم؟
أقول لهم: لا تدعوا ظروف البلد تحدد مستقبلكم. العالم اليوم مفتوح، والتعليم متاح، والفرص ليست حكراً على أحد. اجتهدوا، تعلموا، وطوروا مهاراتكم، ولا تخافوا من الفشل. اليمن يحتاج جيلاً جديداً يثق بقدراته ويؤمن أن التغيير يبدأ من فرد واحد.
اليابان تسعى لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، وتتجه بقوة نحو تقنيات البيروفسكايت… كيف تقيمون مستوى اهتمام اليابان بالطاقة الشمسية؟
اليابان تنظر للطاقة الشمسية كجزء أساسي من أمنها القومي الطاقي. بعد كارثة فوكوشيما أصبحت البلاد أكثر حرصاً على التنويع وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية. الرهان على البيروفسكايت يعكس رغبة اليابان في الجمع بين كفاءة عالية وسهولة تصنيع وتوفر المواد محلياً.

ولكن، وحسب النتائج المتوفرة حالياً واطلاعي على آخر مخرجات الأبحاث، في اعتقادي أن الرهان على خلايا البيروفسكايت ليس في محله، لأنها سريعة الانحلال وتفقد جل قدرتها في أقل من سنتين، إن لم يكن خلال أشهر.
ما أبرز الطموحات التي يسعى البروفيسور مروان إلى تحقيقها خلال المرحلة المقبلة؟
لدي طموحان أساسيان:
الأول ـ تطوير تقنيات تصنيع للطاقة الشمسية تكون منخفضة الكلفة وقادرة على تغيير معادلة الطاقة في الدول النامية، بما فيها اليمن.
الثاني ـ تأسيس مركز بحثي صناعي يمني ينقل التكنولوجيا المتقدمة إلى المنطقة ويخلق فرص عمل وبنية بحثية مستدامة.
بعد كل هذه الإنجازات التي حققتموها، هل تشعرون بأنكم راضون وسعداء بما وصلتم إليه؟
أنا ممتن، نعم. السعادة بالنسبة لي ليست في عدد البراءات أو الألقاب، بل في أن أرى عملي يتحول إلى فائدة للناس. ولا زلت أشعر أن أمامي الكثير لأقدمه، وهذه هي السعادة الحقيقية: أن تستيقظ كل يوم ولديك شغف جديد ورغبة في خدمة العلم والإنسان.
