الحديدة: رهف.. طفلة قتلت على يد جدها وخالاتها
كانت الطفلة رهف جميل عبادي (12 عاماً) تحلم بقضاء أيام جميلة وهادئة في منزل جدّها لأمها ومع خالتيها في مدينة الحديدة، لم يكن والدها يتخيّل للحظة أن تلك الرحلة الى الحديدة ستكون آخر ما ستعيشه ابنته، وآخر ما سيسمعه من صوتها هو ذلك التلعثم المرتجف الذي لم ينتبه يومها أنه كان استغاثة مكتومة.
زيارة عيد وبداية غصة
يقول الأب وهو يحاول ترتيب كلماته بينما تسبق دموعه صوته:
"نزلنا الحديدة أنا والأسرة لزيارة الأهل في عيد الأضحى الماضي. وفي آخر أيام الإجازة طلبت رهف وأخوها رياف (6 سنوات) البقاء عند جدهم وخالاتهم، ووافقنا… لم نكن نعلم أن الطلب لم يكن رغبة، بل ضغطاً."
كان الأب يتواصل مع طفليه هاتفياً، يرسل مصاريفهما، ويسمع ضحكاتهما التي بدأت شيئاً فشيئاً تخفت، ثم ترتجف، ثم تتلعثم. وعندما سأل الجدّ والخالات عن سبب تغيّر أصواتهما، جاءه تبرير سريع:
"ألعاب الآيباد… ألعاب قتالية، بس كذا."

لم يشك الأب في الأمر. اكتفى بتوجيههم لمنع تلك الألعاب. لكنه لم يكن يعلم أن طفليه كانا يخضعان في اللحظة ذاتها لأبشع أشكال التعذيب.
اتصال الصدمة
في صباح يوم أسود رنّ هاتفه. جاءه صوت بارد، متوتر، يبلغه بأن رهف "ماتت فجأة.. كانت تصلّي وماتت".
يقول الأب: "وقتها شعرت أن الأرض تميد بي. كيف ماتت فجأة؟ ماذا حصل؟"
أسرع مع والدتها إلى الحديدة. وفي بيت الجد، وُضعت رهف أمامه جثةً هامدة تحمل كدمات لا تخطئها عين. خطوط زرقاء، آثار ضرب، تجلطات. وحين سأل: "ما هذا؟"، جاء الرد:
"سقطت قبل أسبوع… كانت تلعب."
لكن الحقيقة كانت أبشع.
الناجي من الموت
حين توجّه الأب ليرى ابنه رياف وجد طفلاً بالكاد يستطيع الوقوف. كدمات تحت العين، آثار سياط على الظهر، حروق متناثرة، جلد مشدود بسبب القيود. طفل سُجن في غرفة لا تتجاوز مترين، في حر خانق، مُكبّل، مُجَوَّع.
يقول الأب: "تواصلت مباشرة مع الطبيب الشرعي. التقرير أثبت ما لم أتحمله: رهف تعرّضت لتعذيب ممنهج… حرق، ضرب، قيود، وحرمان من الطعام والماء. تركوها تنزف حتى ماتت."
اعترف الجد واثنتان من الخالات –شقيقات الأم– بجميع التفاصيل أثناء التحقيق.
رهف لم تمت فجأة.
رهف قُتلت.
مبررات عبثية وواقع مر
وعند سؤالهم: لماذا؟
يقول الأب: "تلعثموا. البعض ادّعى أن الأطفال يتحرشون ببعض! والبعض الآخر قال إنهم مسحورون وأنهم يحاولون إخراج السحر!"
كان الأب قد حذرهم سابقاً من الانغماس في خرافات "السحر والمعالجة"، بعد أن أبلغوه أكثر من مرة بأنه شخصياً "مسحور". لم يكن يتوقع أن تتحول تلك المعتقدات إلى بوابة جريمة كاملة.
أمّ ترفض الحقيقة
رغم الاعترافات ورغم التقرير الشرعي ورغم آثار التعذيب على جسد طفلها الناجي، ما تزال الأم –بحسب الأب– ترفض تحميل شقيقاتها ووالدها مسؤولية مقتل رهف وتعذيب رياف. تقف إلى جانبهم، كأن الفاجعة لم تمرّ على بيتها.

صرخة أب
اليوم، يقف جميل عبادي أمام جرحٍ لا يندمل. ابنته رحلت، وابنه يصارع آثار التعذيب وما زال في وضع صحي حرج.
يقول، بصوت يحاول أن يكون قوياً:
"كل ما أريده هو العدالة. القصاص لدم رهف، وإنقاذ رياف. أدعو كل صاحب ضمير أن يقف معنا، أن لا تمر هذه الجريمة مثل غيرها."
رهف طفلة لم تجد الرحمة بين من كان يفترض أن يكونوا ملاذها.
ورياف شاهد حيّ على عنف لا يصدقه عقل.
وأسرة مكلومة تنتظر أن تأخذ العدالة مجراها.