صنعاء 19C امطار خفيفة

البلدان العربية.. إلى أين؟

يرزح أكثر من نصف عدد الدول العربية في أتون صراعات داخلية على السلطة، يصحبها تدخلات خارجية تذكي نار الفتنة والفوضى الخلّاقة (creative chaos)، التي تعود في الأساس إلى تراكمات فساد سلطوي منذ السبعينيات من القرن الماضي (العشرين)، وتجرّ ذيول خيوطها حتى الوقت الراهن.

حقيقة الأمر أن عدداً من الدول العربية أصبحت عرضة للتقسيم، وأطماع الطامعين لما تنعم به أراضيها من ثروات، وتراث، وموقع استراتيجي في وسط العالم. وبالتالي كثرت المشاريع الإقليمية والدولية، وتعارضت المصالح، مما جعل المنطقة ساحة حروب لمليشيات وعصابات مدفوعة الأجر تحول دون قيام منظومة أمنية عربية مشتركة لمواجهة العدو الإسرائيلي المحتل للأراضي العربية الفلسطينية، وأغراضه التوسعية في المنطقة.
ولمزيد من الإيضاح، إن أطرافاً إقليمية ودولية تغذي حالة عدم الاستقرار في المنطقة لفرض مخططاتها التوسعية، وبخاصة في البلدان العربية غير المستقرة، مما جعل تلك القوى المتنافسة في سباق محموم يؤدي أحياناً إلى الاصطدام مع بعضها البعض، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
يرى مراقبون أن منظومة الأمن القومي العربي ضرورة ملحّة لحماية الدول العربية ودرء التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية. وكان متوقعاً منذ بداية الألفية الثالثة قيام اتحاد عربي، وسوق عربية مشتركة، ودفاع عربي مشترك، لمواكبة التطورات الدولية المتمثلة بالقرية الكونية والفضاء المفتوح. للأسف الشديد، فإن سبب الانتكاسة العربية منذ السبعينيات أفشل هذا المشروع الكبير، بسبب فساد الأنظمة العربية العميقة، التي كانت تتحكم في اقتصاديات دولها، وتسلُب ثروات شعوبها، وتستثمرها في بلدان الغير لمصالحها الشخصية، مما أدى إلى تدني معيشة شعوبها، وسقوطها في مستنقع الثالوث الرهيب: الفقر، والجوع، والمرض، وهو ما تسبب في نشوب انتفاضات شبابية، وصراعات حزبية، وتحالفات بينية ضد بعضها البعض.
قمين بالذكر أن عدم الاستقرار وسوء الأحوال عمّ كثيراً من البلدان، وتدهورت اقتصادياتها. ومع مرور الأيام تجددت انتفاضات الشباب والجماهير المسحوقة، وكانت النتيجة أن بعض البلدان حالفها التوفيق ونجحت في مسار الإصلاح والبناء، فيما تعثرت أخرى ودخلت في معمعان الفوضى وعدم الاستقرار.
وبناءً عليه، استمرت الأوضاع الهشّة دون اكتمال الدولة الوطنية في كثير من بلدان المنطقة، الأمر الذي جعلها آيلة للسقوط، وتسابق المتنافسون عليها من دول الغير استئثاراً بإمكاناتها ومقدراتها في سباق محموم لا يَرعَوِي.
باليقين، إنه لا حلول في المنطقة سوى تصفير المليشيات (militias)، والعصابات المسلحة (guerrillas)، وإصلاح الشؤون الداخلية للبلدان العربية غير المستقرة، درءاً للتدخلات الإقليمية والدولية في شؤونها الداخلية.
جوهر القول: ليس هناك خيار آخر أمام الدول العربية في هذه الظروف العصيبة سوى تسريع الوفاق الوطني تحت مظلة الجامعة العربية لإنقاذ الوضع المتردي في المنطقة، من خلال لملمة الشمل في إطار (اتحاد عربي)، وإقامة دفاع عربي مشترك، وسوق عربية مشتركة، وكذا إيجاد تكتل عربي اقتصادي وأمني وعسكري، من منطلق مزايا تجمع الأمة العربية وتوحّدها، وفي مقدمتها: اللغة، والتاريخ، والجغرافيا، والثقافة المشتركة. كل هذه المميزات تجعلها في مصاف تكتلات العالم. والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى تنتظر الأمة العربية إطلالة فجر جديد من وراء القرون؟
حقاً، إنها آمال وتطلعات الشعوب العربية صوب غدٍ مشرق يذكرنا بماضي أمجاد الأمة. وما الصبح ببعيد.

الكلمات الدلالية