صنعاء 19C امطار خفيفة

فستان وعمامة، وبينهما برزخ

فستان وعمامة، وبينهما برزخ
صورة رمزية أنشأت بالذكاء الاصطناعي

قامت القيامة، ولم تقعد.

إعلامية وصحافية يمنية شابة، بارزة. تقدم برنامجًا في قناة فضائية.

وترتدي فستانًا.

فستان جميل.

مرقّط في ألوانه.

يُظهر جمالها. يُظهر قوامها.

أين المشكلة؟

هو أمر عادي في معظم المجتمعات، أن ترتدي النساء الفساتين أو البناطيل.

أمر عادي نراه من حولنا في الكثير من بلداننا، ومنها الإسلامية والعربية.

هل يعاني شيخُنا من النسيان؟

وهي تقف.

واثقة.

قوية.

تتحدث.

أنا هنا.

أنا موجودة.

أنا امرأة. منتجة، مبدعة، قادرة.

-------

لعل ثقتها بنفسها أثارت غضبه.

لعل قوتها قهرته.

لعل شعرها المسدول، حرًّا، أثار غيظه.

لعل وجودها كإنسان حرٍّ مستقل كان أكثر مما يحتمله.

فخرج علينا الشيخ الجليل ببيان يطالب بمحاكمتها.

أي والله، بمحاكمتها.

خرج علينا الشيخ بخطاب يقول: «هذا المنظر يُغضب الله»، والشيخ هو من يغضب.

يقول: «الإسلام لا يرضى»، والشيخ هو من لا يرضى.

ويقول: «القرآن يُحرّم»، والشيخ هو من يُحرّم.

الشيخ هو من يقول، هو من يدين، هو من يغضب، هو من لا يرضى، هو من يُحرّم.

الشيخ.

الله لا علاقة له بخطاب الشيخ وقناعاته.

والشيخ لا يفقه أن زئيره وزمنه قد وَلَّى.

زمنه قد وَلَّى.

لا يفقه ذلك.

لا يدرك أن أجيالًا جديدة خرجت، تدرك أن ما يقوله الشيخ ليس إلا قراءة أيديولوجية لإسلام سياسي.

ترفض حديثه بالفطرة.

لا تستسيغه. طعمه مقزّز. معجون بصلصة كراهية.

أجيال تفتّحت أعينها على عوالم عديدة، ومجتمعات مختلفة، وتدرك أن واقعها يحتاج إلى الكثير، الكثير كي يلحق بمسار التنمية.

وتدرك أن الشيخ يحاول أن يُلهيها عن واقعها المرّ بحديثه عن المرأة.

عن الحرب، الفقر، الفساد، المرض، الجوع. ترك كل هذا ليحدثنا عن فستان. 

مهووس بالمرأة.

بجسدها.

بكيانها.

مهووس.

-------

لكن المسألة، عزيزتي القارئة، عزيزي القارئ، أعمق وأبعد من هوسٍ جنسيٍّ لشيخ يعيش بعقله في القرون الوسطى.

هناك مشكلة جوهرية في رؤيته الإسلامية السياسية، وفي قراءته الدينية للمرأة.

في الواقع، المرأة تظلّ الجوهر في رؤية الإسلام السياسي للمجتمع.

هو يسعى لخلق نظامٍ مجتمعيٍّ قائمٍ على الهرمية؛ هرم يقف على رأسه الرجل، وهرم يقوم على مفهوم السمع والطاعة.

والمرأة، في هذه الرؤية الأيديولوجية، تمثل المفتاح للسيطرة على هذا المجتمع، تمامًا كما تمثل المدخل لانهيار هذا الهرم الكهنوتي.

يعتبر حريتها مصدرًا للفوضى، ولذا يجب تقييدها، يجب تكميمها، يجب تكفينها.

وحبّذا لو غابت في شرنقة.

حبّذا لو تلاشت من الوجود كفقاعة.

حتى يرتاح من وجودها.

رؤية كهنوتية، تقوم على مفاهيم القهر والخوف والكراهية.

لا تؤمن بالإنسان، بالخير الذي فيه.

الإنسان، حرًّا، متعدّدًا، مصدرًا للخير والمحبة لنفسه ولغيره.

كل خطابها تحريض.

تحريض.

كراهية.

وإقصاء.

والشيخ؟

الشيخ لا يفقه أن زئيره وزمنه قد وَلَّى.

زمنه قد وَلَّى.

وبدا ذلك واضحًا في الردود التي انهالت على شيخنا الجليل بعد أن قال:

«هل ترضاها لأختك؟».

ليرد عليه الصديق حسين الوادعي:

«نعم نرضاها، ونرضاها لغيرنا، كي يُصبحن مستقلاتٍ قوياتٍ، متعلماتٍ، عاملاتٍ، سافراتٍ إن رغبن، ومحجباتٍ إن رغبن».

-------

إذن، قامت القيامة، ولم تقعد.

إعلامية وصحافية يمنية شابة، بارزة. تقدم برنامجًا في قناة فضائية.

وترتدي فستانًا.

فستان جميل.

مرقّط في ألوانه.

يُظهر جمالها. يُظهر قوامها.

تقف.

واثقة.

قوية.

تتحدث.

أنا هنا.

أنا موجودة.

أنا امرأة. منتجة، مبدعة، قادرة.

والشيخ يزأر.

الشيخ يلعن.

والعالم يمضي، لا يُبالي.

فستان، وعمامة، وبينهما برزخ.

أين المشكلة؟

الكلمات الدلالية