هيجة العبد.. من ممر جبلي إلى نقطة مظلمة لمحاولات الانتحار
تشهد منطقة "هيجة العبد" ذلك الممر الجبلي الوعر الرابط بين محافظتي تعز ولحج، سلسلة متزايدة من محاولات الانتحار التي ينفذها أشخاص من خارج المنطقة، في ظاهرة آخذة في التكرار وتثير قلقاً مجتمعياً وأمنياً متصاعداً. اختيار هذا المكان بالتحديد لا يبدو صدفة، فالمنحدرات الحادة والارتفاعات الكبيرة تجعل من احتمالات النجاة ضعيفة للغاية، الأمر الذي جعلها للأسف “وجهة قاتمة” لمن يفكرون بإنهاء حياتهم.
محاولة جديدة فشلت
آخر هذه الحوادث وقعت الخميس الماضي، عندما رصد مواطنون في هيجة العبد تحركات وسلوكيات غير مألوفة لشاب غريب في محيط المنطقة.
وبحسب إفادات عدد من سكان المنطقة التابعة لمديرية المقاطرة شمالي محافظة لحج لـ "النداء" فإن الرجل الذي عرّف عن نفسه بأنه من منطقة الأشبوط كان يتصرف باضطراب لافت، الأمر الذي دفع المواطنين لاستدعاء قوات الحماية العسكرية في المنطقة للتدخل. مضيفيين أنه ما إن اقترب منه الجنود حتى بادر بمحاولة إلقاء نفسه، وتمكن من القفز مسافة بسيطة قبل أن يتمكن الجنود من السيطرة عليه ومنعه من السقوط في الهاوية. مشيرين الى أنه نُقل لاحقاً إلى شيخ المنطقة أحمد حسين الأكحلي للتواصل مع أسرته. بينما أكدت مصادر محلية أنه في حالة صحية جيدة باستثناء بعض الرضوض الناتجة عن السقوط الأولي.

وأشارت المصادر الى انه عند تفتيش متعلقات الشاب الذي حاول الانتحار عُثر بحوزته على دفتر صغير دوّن فيه وصيته لوالديه، مختتماً إياها بعبارة الشهادة، في خطوة تعكس اضطرابات نفسياً ونية واضحة لوضع حدّ لحياته.
محاولات متكررة
ليست هذه الحادثة الأولى خلال الفترة الأخيرة. فقد أحبطت قوات حماية الهيجة محاولة أخرى الشهر الماضي، بينما شهدت المنطقة حالة انتحار مكتملة قبل عدة أشهر انتهت بوفاة المنفذ فوراً نظراً لوعورة المكان.
هذا التتابع في الحوادث يشير إلى نمط مقلق، ويطرح تساؤلات حول الأسباب التي تدفع أشخاصاً من خارج المنطقة لقطع مسافات طويلة فقط من أجل تنفيذ فعل يائس كهذا في هيجة العبد تحديداً.
ضغوط اقتصادية خانقة
توضح شهادات عدد من سكان المناطق المجاورة لطريق هيجة العبد في مديرية المقاطرة شمالي محافظة لحج تحدثوا لـ "النداء" أن معظم من يقدمون على هذه الأفعال من خلفيات تعاني ضغوطاً اقتصادية واجتماعية قاسية. فحالة الضيق المعيشي وغياب فرص العمل، وتراكم الديون، وارتفاع تكاليف الحياة، أصبحت واقعاً يواجه غالبية اليمنيين، ما يترك الأفراد بلا شبكات أمان نفسي أو اجتماعي قادرة على منعهم من الوصول إلى حافة الانهيار.

كما أن غياب خدمات الإرشاد النفسي، وانعدام البرامج المؤسسية التي تقدم الدعم لمن يمرون بحالات اكتئاب أو اضطراب نفسي، يضاعف من احتمالات تفاقم الأزمة.
المسؤولية المجتمعية
يرى محمد جلال (22 عاماً) - طالب بجامعة تعز - أن تزايد هذه الحوادث في مكان واحد يفرض ضرورة تعزيز الإجراءات الوقائية في هيجة العبد، سواء عبر رفع مستوى الرقابة، أو وضع إشارات تحذيرية، أو توفير نقاط تدخل نفسي أولي للزوار والمارين.
وتبرز الحاجة إلى مبادرات مجتمعية تساند الأسر التي تمر بضغوط اقتصادية، وحملات توعية تسلط الضوء على مخاطر الانتحار وسبل طلب المساعدة، في مجتمع ما يزال التعامل مع الصحة النفسية فيه محاطاً بالوصمة.
هيجة العبد، على الرغم من شهرتها كطريق جبلي يربط مناطق واسعة، باتت - على نحو مؤلم - مرآة عاكسة لعمق المعاناة المعيشية التي يعيشها كثير من اليمنيين، ورسالة واضحة بأن الضيق المادي قد يتحول، ما لم تُتخذ إجراءات جادة، إلى أزمة إنسانية أوسع تمتد آثارها إلى حياة الناس وأمنهم واستقرارهم.