تناص مع سلمان الفارسي*
أحدٌ أحدْ
أحدٌ أحدْ
هذا حُداءُ اللَّائِذِينَ بكَ
السلامُ عليكَ،
نبضٌ فرَّ من شَركِ المجازِ
إلى سمائِكَ،
واستجارَ بكَ،
استجارَ
بجلّنارِكَ
واستدارَ
على مَدارِكَ
واتقدْ
قلبيْ قبيلةُ عاشقين،
خلعتُ ذاكرتي وجئتُ إليك
لا متقلدا نسبا.. ولا حسبا..
وليس معي إهابُ
ولديَّ جرحٌ في الهويةِ مزمنٌ..
لكنما..
لابدَّ منْ قمرٍ
يحرِّرُني من الليلِ القديمِ
وينتهي هذا العذابُ
حدَّقْتُ
في كل الجهاتِ؛
لعلَّ نافِذةً ستُفْتَحُ،
أو لعلَّ حقيقةً ستُضيءُ،
أو تلويحةً زرقاءَ... يرسمُها شهابُ
بيدي مُنَمْنَةٌ،
وفي روحي قُرنْفُلةٌ
ومن حولي فَراغٌ كافرُ
والأرضُ أصغرُ من خطايَ
وكلَّما وَجَّهْتُ وجْهي صوبَ نافذةٍ
يُبدِّدُها السرابُ.. وكلما جاوزتُ ليلاً ما..
تولَّدَ آخرُ
فأعودُ من كل الجهاتِ إليَّ،
أبحثُ داخليْ عن شرفةٍ
حتى أحرِّرَ طائريْ المسجونَ فيَّ
أنا الأسيرُ الآسرُ
حتى لمسْتُك في دميْ شمسا
تُبَدِّدُ لي عمايْ
برقا تلألأَ في الضبابِ المحضِ
يُوقدُ لي رؤايْ
فرأيتُ...
كان الكائنُ البشريُّ
يَجْمعُ شملَه شجرا تَبرعمَ كالهلالْ
ورأيتُ كفَّك وهي مُلْتجأُ الحمامةِ
وهي مُلتجأُ الرجالْ
تمتدُّ من كل الجهاتِ
تلمُّ شعثَتَنا،
وتجمعُ ما تناثرَ في الرمالْ
تهمي على كل القلوبِ
تمرُّ ما بين الحتوفِ
تضيءُ من فوق التلالْ
وتعيدُ تعريفَ الجهاتِ
فلا أمامَ ولا وراءَ
ولا جنوبَ،
ولا شمالْ
(لا فرقَ بين الناسِ)
أنطقُها.. فتنهارُ الحدودُ
(لا فرقَ بين الناسِ)
أرسمُها.. فتنكسرُ القيودُ
في الليل، أقرأُها.. فينسكبُ الصباحُ من الذرى
وعلى جدارِ الرقِّ، أكتبُها.. فيقرأُها الجدارُ مُبعثرا
فرأيتُ دالَك،
وهو يُصبحُ دولةً للعالمينَ،
قرأتُ ميمَك يا ملاذَ الخائفينَ،
وفي حِمَى الحاءِ احْتميتُ حَمامةً....
بَيضُ السَّلامِ هُناك في يَدِها تَأَلَّقْ
هو أحمدُ الأسماءِ، أجْملُها،
وحكمةُ ما أرادَ اللهُ في الدنيا،
ورحمتُه التي تسعُ الوجودَ،
وباسمِه الأبوابُ تُفتحُ،
والندى يهمي، وهذا الليلُ يُزْهَقْ
(أخلاقُه القرآنُ)
حُجرتُه الرضى
والعطرُ سيرتُه
ومن تمرِ الإخاءِ يداه أَغْدَقْ
يا ليتني في الغارِ كنتُ حمامةً
لأشقَّ بالأظفارِ حول خُطاه خندَقْ
والآنَ...
أنْطِقُه،
السلامُ عليك،
قلْبي فاضَ عن لغتي
فهَبْنِي فِضَّةً لا تَنْتَهي
واعذرْ رؤايَ
إذا تَعَثَّرَ أو كبَا فرسيْ على تلك الرُّبا
فأنا كما أسلفْتُ نبضٌ فرَّ من قفصٍ..
وجاءَك شاكيا
أتحسَّسُ اللغةَ الغريبةَ باليدين
وأحملُ اسمَك شُعلةً
وأسيرُ في طرقِ المدينةِ حافيا
وأصيحُ:
يا هذي المدينةُ،
ذَوِّبِيني تحت نافذةِ الصباحِ
لأستعيدَ ولادتي،
وأصيرَ منكِ، أصيرَ طفلَك بالتبنِّي؛
أرْضِعيْني منْ يديكِ،
أنا ابنُ يثربَ، قُلتُها؛ فرأيتُ ظِلّي
وهو يَجهشُ باكيا
لا ليلَ بعد الآن،
لا أصفادَ،
لا جدرانَ،
لا أقفاصَ،
أخرجُ للحياة كطائرٍ
وجدَ السماءَ مُؤخَّرا
فانثالَ فيها شاديا
وعلى خطى (سلمان)
أمشي في شوارعِها الكريمةِ
كلُّ نافذةٍ هنا وطنٌ
وكلُّ فراشةٍ خضراءِ من أثرِ الرسولْ
تَتَسَابَقُ الأنْفاسُ،
نحو الرَّوْضةِ الغَنَّاءِ،
يَرْتَجُّ المدى
والصُّبْحُ يَأخذُ شَكلَ بابٍ للدُّخولْ
فأرى انعكاسَ النورِ في حَجرٍ
وتَنْبُتُ وَرْدَةٌ فوقَ النحاسِ
أقولُ: (يُوجعني الحنينُ)
فأسْمعُ الْجُدرانَ في صَمتٍ
تُردِّدُ ما أقولْ
وهناك تَخْتَلِطُ الأَغَانيَ بالدِّموعِ
هناك تَمْتَزِجُ اللغاتُ،
وتَلْتقي الأضْدادُ،
تنهارُ الفواصلُ والنقاطُ،
وتَنْتهي الْجُغرافيا،
في لحظةٍ تُغري بمشهدِها الأبدْ
(الله أكبرُ)
ما أجلَّ هديرُها
عند اللقاءِ وما أشدْ
أتنفَّسُ الصعداءَ عند مقامِه:
يا سيدي،
لولا اشتعالُك في رؤايَ
لما وصلتُ إلى هنا..
ولكنتُ شيئا لا يُعدْ
أحدٌ أحدْ
أحدٌ أحدْ
* القصيدة الحائزة على المركز الأول في جائزة البُردة، من شعر التفعيلة.