من حلم الدولة المدنية إلى رماد الحرب.. شهادة محمد المساوى عن الأيام الأولى لثورة 11 فبراير
من الذاكرة اليمنية الحديثة، يستعيد محمد المساوى مشاهد الطفولة والشباب، في رحلةٍ تمتد من ثمانينات القرن الماضي حتى لحظة التحول الكبرى عام 2011، حين خرج آلاف الشباب إلى الساحات حاملين أحلام التغيير وبناء الدولة المدنية.
في هذه الحلقة من سلسلة «حكايتي» التي تقدمها الإعلامية رحمة حجيرة، يروي المساوى فصولًا من سيرته الممتدة بين عدن وصنعاء، عن أسرةٍ مثقفةٍ آمنت بالتعليم والانفتاح، وعن جيلٍ نشأ في بيئةٍ متصالحةٍ مع الحياة قبل أن تداهمه موجات التشدد والانقسام.
يستعيد ضيف الحلقة ملامح الطفولة في مدارس صنعاء المختلطة، والمجتمع الذي كان يرى في المرأة زميلةً وجارةً لا تُعامل بدونية أو تحفظًا، قبل أن تُغلق دور السينما وتُحجب الفنون تحت ضغط الفكر المتشدد. ومن دفء الأسرة والتعليم إلى دهشة الأحداث السياسية، يتنقل المساوى في حديثه بين ذكريات الوحدة اليمنية عام 1990، وحرب 1994، وتبدلات الوعي الوطني التي رافقت تلك المراحل.
ومع اندلاع ثورات الربيع العربي، وجد نفسه في قلب الساحات، واحدًا من أوائل المستقلين الذين خرجوا من أجل العدالة والكرامة، قبل أن تتحول الساحات إلى ساحة صراع سياسي حزبي. يروي المساوى كيف تحولت أحلام الشباب من مطلب إصلاحي إلى مشروعٍ مختطف، وكيف شعر جيلٌ كامل بأن صوته تلاشى وسط الميكروفونات الحزبية.
"النداء" تنشر النص الكامل للحلقة بالتزامن مع عرضها المصوّر على قناة "حكايتي" في يوتيوب.

مرحباً مشاهدينا الكرام، في عام 2011 خرج آلاف الشباب اليمني إلى الساحات، محملين بأحلام التغيير والعدالة والمساواة، وكانوا يحلمون بيمن حديثٍ قوي ينتمي إلى المستقبل، تسوده الديمقراطية وتحكمه دولة مدنية عادلة. كانت أصواتهم تصدع بالشعارات وقلوبهم تنبض بالأمل في أن يكونوا جزءاً من صناعة مستقبلٍ أفضل وأكثر ازدهاراً لليمن.
 لكن بعد 13 عاماً يقف هؤلاء الشباب أمام مشهد مختلف تماماً: بلد دمرته الحرب، مؤسسات انهارت، اقتصاد منهك، وملايين يعانون الفقر والجوع والتشرد. لم يعد الحلم وردياً كما كان في تلك الأيام الأولى، بل صار كابوساً يحمل في طياته تساؤلاتٍ مريرة: هل أخطأنا؟ هل كنا مجرد أدواتٍ في صراعٍ أكبر منا؟ هل كان يمكن أن نسلك طريقاً آخر؟
 بالإضافة إلى الشعور السائد بين كثيرين منهم اليوم، وهو مزيجٌ معقد من الندم والخذلان والغضب. البعض يشعر بأنه خُدع، وبأن جهوده وأحلامه استُغلت من قبل أطرافٍ لم تكن تؤمن بحقيقة التغيير، بل كانت تسعى إلى استبدال السلطة بأخرى. آخرون يرون أنهم لم يخطئوا في المطالبة بحقوقهم، لكن الأخطاء جاءت لاحقاً حينما لم يتمكنوا من حماية حلمهم من الانزلاق إلى صراعٍ مسلح، أو حينما غلبت المصالح الحزبية والطائفية على مشروعهم في مصالحةٍ وطنية لبناء اليمن.
 أما من خذلهم، فالقائمة طويلة: القوى السياسية التي التفت على مطالبهم، النخب التي لم تؤمن بقدرتهم على صنع التغيير، والمجتمع الدولي الذي تعامل مع اليمن كملفٍ سياسي لا كقضيةٍ إنسانية، وحتى الظروف التي دفعتهم إلى الهامش بعد أن كانوا في قلب المشهد.
 اليمن اليوم ليس اليمن الذي حلم به هؤلاء الشباب، لكنه أيضاً لم يعد كما كان قبل 2011. لقد تغير كل شيء، حتى هم تغيروا؛ صاروا أكثر وعياً، وأكثر حذراً، وربما أكثر ألماً. لكنهم رغم كل شيء، يظلون الشاهد الحي على مرحلةٍ مفصلية في تاريخ اليمن، مرحلةٍ لم تنتهِ بعد، وربما تحمل الأيام القادمة إجاباتٍ أكثر وضوحاً على الأسئلة التي لا تزال تطاردهم.
 اليوم سنستمع إلى شاهِدٍ على زمنين في اليمن:
 الزمن الأول، أحلام الشباب اليمني بين الثورة والانكسار، رحلةٌ من الأمل إلى الأسى في الساحات لشابٍ يمني من القيادات الشبابية لاحتجاجات 2011، والزمن الثاني بعد أن بلغ من العمر أشده، بالإضافة إلى امتلاكه القصة الملهمة عن التحدي والإصرار، وكيف يمكن للشباب تحويل الأحلام إلى واقعٍ ملموس.
 مشاهدينا، هذه بداية القصة، أما تفاصيلها فمع ضيفي الأستاذ محمد صالح المساوى، أهلاً وسهلاً بك.
 مشاهدينا الأعزاء، دعونا نتعرف على القصة: كان في الجنوب، ثم انتقل إلى الشمال، وكيف عاش، وقصة حياته إلى أن وصل إلى الساحة، وماذا حدث بعد ذلك، وكيف نضجت فكرته. ولكن فلنبدأ من البداية. أولاً، أنت من مواليد كم؟
 محمد المساوى: أنا من مواليد 2 يناير 1979، وُلدت في مدينة الحديدة.
 رحمة: وأنت بالأساس من مدينة عدن، أليس كذلك؟
 محمد المساوى: نعم.
 رحمة: متى انتقلت عائلتك من عدن إلى صنعاء؟
 محمد المساوى: انتقلت من عدن إلى تعز، ثم الحديدة، ثم إلى صنعاء. كان تخرج والدي في عام 1972.
 رحمة: هذا يعني أنك عدني من "الجبالية" الذين تعود أصولهم إلى مدينة تعز؟
 محمد المساوى: لا يوجد "جبالية"، نحن جميعنا يمنيون.
 رحمة: هذه التسميات منتشرة لا بد من تسليط الضوء عليها بحكم انتشارها.
 محمد المساوى: هذه التسميات نحاول أن نرتقي فوقها.
 رحمة: إلى أين تعود أصول والدك؟
 محمد المساوى: تعود أصوله إلى حضرموت، ولكن أبي وجدي كان مولدهما في عدن، واسمه صالح عبدالله محمد سعيد المساوى.
 رحمة: وما اسم والدتك؟
 محمد المساوى: فاطمة معتوق حسين أمان.
 رحمة: نريد أن نسلط الضوء أولاً على الحديدة، أنت من مواليد 1979، ما أول شيء أدركته في محافظة الحديدة؟
 محمد المساوى: لم أدرك شيئاً، لأننا انتقلنا إلى صنعاء بعدها بسنتين إلى ثلاث سنوات، انتقل عمل والدي إلى صنعاء.
 رحمة: ماذا كان يعمل والدك؟
 محمد المساوى: والدي كان من رواد مؤسسي شركات قطاع التأمين في اليمن عموماً، ابتداءً من عدن، لأنه كان تخصصاً جديداً، ثم انتقل إلى تعز، عمل في إدارة شركة التأمين هناك، ثم إلى الحديدة، ورأس عدة شركات كبرى في مجال التأمين إلى أن توفى.
 رحمة: هذا يعني أنك لم تختلط بالمجتمع الحديدي، إذ كان عمرك عامين، وبعدها انتقلت إلى صنعاء. كيف رأيت صنعاء؟ وكيف تعاملوا معك ومع لهجتك؟
 محمد المساوى: طفولتنا في صنعاء كانت طفولةً دافئة جداً، وتطبعنا بطباع الصنعانيين منذ نعومة أظافرنا، وبالأساس أنا نشأت في ذلك المجتمع وعرفت اللهجة. وكان المجتمع في صنعاء في الأيام التي نشأنا فيها متعدداً، كانت كل المحافظات موجودة في صنعاء، ولم تكن صنعاء للصنعانيين فقط، كان فيها التعزي والصنعاني والحديدي والعدني ومن كل أطراف اليمن.
 رحمة: هل أستطيع القول إنه كان هناك تمييز إيجابي أو لا، مثلاً كونك من الجنوب، هل كانوا يتعاملون معك بشكلٍ أفضل، كما كان الجنوبيون يتعاملون مع الأشخاص القادمين من صنعاء بشكل افضل؟
 محمد المساوى: بصراحة، كان الناس القادمون من الجنوب يلقون حفاوة و ترحيباً كبيراً في المحافظات الشمالية، وتحديداً في صنعاء، ولم يكن هناك التمييز الذي نسمع عنه اليوم. وحتى اليوم، الجنوبيون يلقون كل التقدير والاحترام في الشمال.
 رحمة: من المؤكد أن هناك اختلافاً بين المجتمع الصنعاني والمجتمع العدني إلى حدٍ ما، ألم تواجه أي صعوباتٍ فيما يتعلق بالعادات والتقاليد؟
 محمد المساوى: لم تكن هذه الأشياء موجودة.
 رحمة: هذا يعني أنكم تأقلمتم وانخرطتم سريعاً مع المجتمع.
 محمد المساوى: عندما تولد في هذه البيئة تتطبع بطبعها، وأنا أتيت من أسرةٍ محافظة أساساً، ولم يكن هناك فرقٌ بالأساس بين صنعاء وعدن.
 رحمة: كان هناك فرق، عدن كانت تحت حكم الاشتراكي، والتعامل مع النساء والتعليم يختلف.
 محمد المساوى: ربما في فترةٍ لاحقة، ولكن في الفترة التي أتكلم عنها، أثناء الطفولة، لم يكن ذلك الاختلاف.
 رحمة: دعنا نسلط الضوء على علاقتك بالمدرسة، وكيف كان التعليم حينما كنت طفلاً في صنعاء؟
 محمد المساوى: أتذكر أن التعليم حينها كان جيداً جداً، وكان هناك فارقٌ كبير عما هو موجود الآن. في تلك الأيام كنا في المدرسة نحصل على دروس الموسيقى والتربية الرياضية المحترفة، وأتذكر أنه في تلك الأيام كانت هناك وجبات غذائية خلال فترة الثمانينات، وأنا هنا أتحدث عن مدرسة أزال حدة.
 
رحمة: ما الذي كنتم تحصلون عليه كوجباتٍ غذائية؟
 محمد المساوى: تفاح، وعصير، وكيك. كان هناك الفنون الجميلة، وكانت هناك حصة مسرح، وكان لدينا مسرح، الآن هذا لا تجدينه.
 رحمة: ولكن كما هو معروف، مدرسة أزال الوادي كانت مدرسةً خاصة.
 محمد المساوى: كانت مدرسة خاصة، ولكن حتى في المدارس الحكومية كان هناك وضع مختلف تمامًا.
 رحمة: كنتم تدرسون ذكورًا وإناثًا؟
 محمد المساوى: كنا على طاولة واحدة نجلس ذكور واناث، ولم يكن ذلك التفكير الذي جاء فجأة مع أفكار التطرف التي دخلت إلى اليمن وغيرت مجتمعنا. وأعود بكِ في النقاش إلى ما قبل، عندما قلتِ بأن هناك اختلافًا بين صنعاء وعدن، ولكن لم يكن هناك أي شيء، المجتمع عندنا مجتمع واحد يسوده الاحترام والتقدير للمرأة، وكل واحد كان ينظر إلى المرأة كأخت وزميلة وجارة.
 رحمة: لكن ربما والدتك كانت في صنعاء ترتدي البرقع، بينما في عدن لا ترتديه؟
 
محمد المساوى: في تلك الأيام كان الجميع يرتدي نفس اللبس.
 رحمة: كم لديك من الإخوة والأخوات؟
 محمد المساوى: أنا ترتيبي الخامس بين أربعة إخوة.
 رحمة: هل انت قبل الأخير؟
 محمد المساوى:انا كنت الوسط
 رحمة: دائماً الأوسط يكون متعب قليلاً. هل كانت طفولتك مختلفة عن بقية إخوتك؟ أو كنت تتميز بشيء معين عنهم ؟
 محمد المساوى: كنت أكثر فضولًا وشغفًا، وأحب التعرف على كافة مجالات الحياة.
 رحمة: هل كنت تقوم بعمل مشكل؟ أو كنت الأقل إثارة للمشاكل من بين إخوتك؟
 محمد المساوى: لم أكن أعمل المشاكل، ولكني كنت نشيطًا جدًا، كانوا يرون في ملامحي النبوغ، وأن تفكيري كان سابقًا عن حدي، وكانوا يشجعونني كثيرًا على هذا الموضوع. وكنت اتمتع بطفولة دافئة بين اخواني
 رحمة: هذا يعني أنك كنت تتلقى الدعم من والديك وإخوتك أيضًا؟
 محمد المساوى: نعم.
 رحمة: العنف الأسري، إلى أي مدى كان موجودًا في عائلتك؟
 محمد المساوى: بصراحة، لم يكن لدينا عنف أسري نهائياً ، أسرة دافئة فيها احترام وتقدير للكل.
 رحمة: ما هي أبرز القيم التي زرعتها عائلتك فيك أثناء طفولتك؟
 محمد المساوى: الثقة بالنفس، والتشجيع على التحصيل المعرفي، والاستماع. لقد كان والدي - رحمه الله - يستمع لنا جيدًا، وكان شخصًا لديه كاريزما جميلة، وانعكس ذلك على شخصيتي.
 رحمة: هل هذا يعني أن والدك كان أكثر شخص أثّر في حياتك؟
 محمد المساوى: بكل تأكيد، والدي أثّر في حياتي كثيرًا، لأنه كان أكثر شخص يميزني، كوني كنت سريع البديهة، وتفكيري سابقًا عن سني، فكان هو يراعي أن هذا الموضوع يجب أن يحظى بالتشجيع والاهتمام وما إلى ذلك، فكان كلما يرى هذا الطفل الصغير يتقد بهذه الأفكار يعمل على تغذيتها. وكان والدي - رحمه الله - من محبي القراءة، وكان نهمًا للقراءة، ولم يكن يمر يوم من حياته إلا ولديه كتاب. أنا تطبعت بطباعه، وكان يشجع هذا الشيء.
 رحمة: هل هناك أعلام بارزون في أسرتك، أخوالك أو أعمامك غير الوالد؟
 محمد المساوى: أسرتي من جهة الوالد أسرة تكنوقراطية، عمي محمد - أعطاه الله الصحة والعافية - من الشخصيات التكنوقراطية التي أثرت جدًا في الجنوب. الوالد كما قلت لكِ مسبقًا، عمل في التأمين، وأنشأ عدة شركات كبيرة ومرموقة في هذا المجال.
 رحمة: وأنت اتجهت للعمل مثل والدك، وبالنسبة لك ولإخوانك، من منكم الذي عمل في التأمينات والجانب الاقتصادي غيرك؟
 محمد المساوى: أنا فقط.
 رحمة: هذا يعني أن والدك استثمر فيك ذلك؟
 محمد المساوى: بحكم أنني كنت قريبًا منه.
 رحمة: كم كان مصروفك عندما كنت في مرحلة الابتدائية؟
 محمد المساوى: أتذكر كنت أحصل على خمسة ريالات، وكان لونها أحمر.
 
رحمة: وهل كانت تكفيك الخمسة ريالات؟ وما الذي كنت تشتري بها؟
 محمد المساوى: كنت أقوم بتجميعها، لأنه في المدرسة نحصل على الوجبات، فكنت عندما اعود الى المنزل أشتري بها "الجعالة".
 رحمة: ما هي "الجعالة" التي كنت تقوم بشرائها في ذلك الوقت؟
 محمد المساوى: لا تعيديني يا رحمة إلى زمن البسكويت أبو نجوم، كان الخمسة ريال تشتري بها الكثير.
 رحمة: مدرسة أزال كان فيها شخصيات كبيرة من أسرة صالح وشخصيات سياسية، ألم تشعر بأن هناك تنمرًا عليك أو اختلافًا؟
 محمد المساوى: كنا ندرس في المدرسة، وكنا جميعًا سواسية، وكان أبناء المسؤولين متواضعين. هي كانت بالفعل مدرسة نُخبوية، وهي مدرسة أُنشئت لأبناء الأكاديميين في جامعة صنعاء، وبعد ذلك فُتحت للآخرين، وكان الموجودون من أطراف نُخبوية.
 رحمة: هل تذكر المبالغ التي كان يدفعها والدك في المدرسة، مثلًا في مرحلة الابتدائية؟
 محمد المساوى: لا أتذكر مثل هذه التفاصيل.
 رحمة: ولم يحدث أي تنمر، أو شعرت بأن مصروفك أقل من زملائك بحكم أن آباءهم أبناء مسؤولين ورجال أعمال كبار؟
 محمد المساوى: لم يكن هذا الشيء موجودًا، وكان والدي مقتدرًا والحمدلله، وفي ذلك الوقت لم يكن في اليمن يوجد شيء مميز، كان ابن المسؤول أو الإنسان من الطبقة المتوسطة أو العادي لا توجد لديه اشياء مميزة، كانت الحياة بسيطة.
 رحمة: ولم يكن هناك تنمر كما هو حال التنمر الذي بدأ بالانتشار في هذا الوقت، ولا مشاكل بين الذكور والإناث؟
 محمد المساوى: لا، لم يكن ذلك موجودًا، كان المجتمع يحظى بالاحترام، ولم تبدأ المشاكل إلا حينما دخل الفكر المتطرف والبدء في فصل الذكور عن الإناث. كنا ندرس نحن وزميلاتنا في نفس الطاولة في المدارس الحكومية والمدارس الخاصة، وكان هناك احترام متبادل، وسأضرب لك مثالًا على أغنية "توقدي توقدي مشاعل الفخار"، كان الكورال نساء بدون حجاب، لم تكن هناك تلك الأفكار المتطرفة.
 
رحمة: ولم يكن هناك تشدد في هذه المسألة؟
 محمد المساوى: لم يكن هناك شيء، وأذكر أننا كنا ندرس ذكورًا وإناثًا، وكان هناك سينما وحفلات في داخلها.
 رحمة: وكنت أنت تذهب إلى السينما وكذلك والدتك؟
 محمد المساوى: نذهب إلى سينما حدة وخالدة، وكانت تُقام الحفلات، كان كما الذي نراه الآن في مصر، كل جمعة هناك في سينما حدة وخالدة بازارات صغيرة وحفلات تأتي فيها العوائل، وأنا هنا أتكلم وأنا في الابتدائية.
 رحمة: وبالنسبة للإعدادية، هل استمرت في الثمانينات هذه المساحة التي تتحدث عنها؟
 محمد المساوى: كانت في مرحلة معينة، ولكن أتذكر فجأة أن هذه الأشياء أُغلقت، وبعدها أدركنا عندما توسعت مداركنا ومعارفنا في التاريخ السياسي أن التشدد الديني هو الذي أغلق هذه الأشياء، وتبرقعت النساء، وأُغلقت السينما.
 
رحمة: سنأتي لهم عندما نتحدث عن الساحات. ما الذي كان يميز طفولتك وترك أثرًا كبيرًا على مرحلة الشباب؟
 محمد المساوى: كان يميز طفولتي أن الوالد وإخواني زرعوا فيّ الروح القيادية، لابد أن أعبّر عن رأيي، وأنتصر لآرائي، وأثق بنفسي، ولا أدع المعلومة تعبر دون التأمل فيها والتعمق بالأفكار.
 رحمة: ثم جاءت فترة الشباب، وكان هناك توازن أكثر. الآن حدثنا عن فترة الشباب، ما هي أكثر القضايا التي كانت تشغلكم؟
 محمد المساوى: نعم، الشباب في أي مرحلة تتحدثين تحديدًا؟
 رحمة: نتحدث الآن عن الثانوية، ما هي الأفكار التي كنتم تناقشونها في المدرسة على سبيل المثال؟
 محمد المساوى: في تلك الأيام، وسأتحدث معكِ بصدق، كان أكثر شيء مقلق في مرحلة الثانوية، التفكير بالتوجه الذي ستدخله في الحياة، ونحن لا نتحدث عن المعدل الذي ستحصل عليه، ولكن عن فرص العمل التي ستحصل عليها فيما بعد، كان التفكير حولها أكثر من التفكير حول ما الذي سأدرسه.
 رحمة: هذا اقتصاديًا، لكن سياسيًا، من المؤكد عندما جاءت أحداث 86 في جنوب اليمن، كان عمرك حينها سبع سنوات، أنا مثلًا أتذكر والدتي أنها كانت تبكي، وكان هناك خطاب لصالح، فيا ترى ما الذي تتذكره سياسيًا من 86 في مرحلة طفولتك؟
 محمد المساوى: أذكر مشاهد مؤلمة كنا نشاهدها في التلفزيون، مجازر جماعية، ومشاهد السياسيين وهم مقتولون على الأرض، وأتذكر قصص المرويات عن القتل الجماعي والاختطاف والقتل بالبطاقة واللقب.
 
رحمة: متى كانت المرة الأولى التي زرت فيها عدن؟
 محمد المساوى: لا أتذكر بالتحديد، ولكن ربما في بداية الثمانينات، ولا تزال عالقة في ذهني كرش والشريجة والبراميل.
 رحمة: ألم تتساءل عن سبب وجود البراميل؟
 محمد المساوى: كنا أطفالًا، لكن كنت أقول: أنا يمني وهناك يمني، لماذا كل هذه التعقيدات؟ كنت طفلًا كما قلت، كثير الأسئلة.
 رحمة: وتمنيت أن يتم إزالة هذه البراميل؟
 محمد المساوى:طبعاً، كنت أرى وجودها غير مبرر.
 
رحمة: وهل تتذكر شيئًا من فترة إبراهيم الحمدي؟
 محمد المساوى: أنا جئت في مرحلة حكم علي عبدالله صالح، ولكن نحن كنا نسكن في حدة، وأتذكر كان هناك منتزه أعلى منطقة حدة ومسبح ولوحة مكتوب عليها أن هذه من بناء الحمدي. وكنا نسمع أيضًا أنه كان زعيمًا كبيرًا وأسس الجمعيات التعاونية، ويحظى بحب وشعبية.
 رحمة: ألم تكونوا تتحدثون داخل المدرسة حول السياسة؟
 محمد المساوى: لم نكن نفكر بالسياسة، حتى في مراحل متقدمة لم نكن نتحدث حولها، ولكن بعد الثانوية وما إلى ذلك، والأحداث التي حدثت في 90، ولم تكن المسألة فقط الوحدة، ولكن كانت أيضًا هناك حرب الخليج.
 رحمة: عندما قامت الوحدة، كان عمرك حينها 12 عامًا، كيف وجدت الناس من حولك حينما سمعوا عن قيام الوحدة؟
 محمد المساوى: طبعًا، كان وكأنه مشروع كبير تحقق، كان الجميع فرحًا ينتظرون متى سيتم إزالة تلك البراميل. الوحدة كانت في تلك الأيام مشروعًا عظيمًا وطوقًا اجتماعيًا، نحن كنا كجنوبيين موجودين في صنعاء فرحين بها، وكذلك أبناء صنعاء كانوا سعداء لأنهم سيستطيعون الذهاب إلى الجنوب.
 رحمة: كان إنجازًا عظيمًا، وشعرت بأن محيطك كان سعيدًا به. وبالنسبة لحرب الخليج، ما الذي كنت تسمع حوله؟
 محمد المساوى: في حرب الخليج كنت أشعر أنها أول حالة انكسار عربية، أمريكا والعالم يدمرون بلدًا عربيًا بأيدٍ عربية.
 رحمة: ولكن كان موقف اليمن جيدًا مع العراق، وكما قال وزير الخارجية الأمريكي إن اليمن رفضت 200 مليون دولار سنويًا ورفضت أن تصوّت لغزو العراق.
 محمد المساوى: دعينا نترك هذا للتاريخ، هناك من عاصر وعاش هذه الفترة من السياسيين، هم أكثر دراية ويستطيعون أن يتحدثوا حول هذا الموضوع.
 
رحمة: ولكن بالنسبة لك أنت، هل كان هناك ألم داخلك وأنت ترى العراق يُدمّر؟
 محمد المساوى: الذي كان لا يزال لاصقًا في عقلي من تداعيات 90 وموقف اليمن في تلك الأيام عودة المغتربين الذين جاؤوا من السعودية، قوافل السيارات التي كانت تأتي، وكيف واجهوا من صعوبات.
 رحمة: كنت تتذكر هذا الكلام؟
 محمد المساوى: نعم، أتذكر، وأنا كما قلت لكِ كانت ذاكرتي قوية خصوصًا في مرحلة الطفولة.
 رحمة: وبالتأكيد كنت تتساءل ما الذي فعله اليمنيون حتى يُعادوا بهذه الطريقة؟
 محمد المساوى: بالضبط، كنا نتذكر في تلك الأيام أنه بسبب موقف اليمن، وكانت هناك مظاهرات أمام السفارة السعودية، وكان رد الفعل أن يُخرج المغتربون.
 رحمة: بما أنك كنت تتساءل بهذه الطريقة وأنت صغير، هذا يعني أن هذه شكلت فكرك السياسي. دعنا نرى 94 بعد أن بدأت الحرب، أو عندما سمعت الرئيس علي سالم البيض يعلن الانفصال، ما الذي جاء برأسك حينها؟ ما الذي كنتم تناقشونه في المدرسة، الصواريخ التي ضُربت؟
 محمد المساوى: موضوع الصاروخ قصة لوحدها، أتذكّر كان لدينا اختبارات الإعدادية وكنت قلقاً من الاختبار، وعندما ضرب الصاروخ طرت من على سريري، وفي الصباح عندما ذهبت إلى المدرسة لأداء الاختبار، أخبرونا بأنه تم إلغاؤه.
 رحمة: كنتم قلقين لأنها كانت أول حرب، خصوصاً وأنها جاءت بعد حالة الرعب من أحداث يناير 86 ثم جاءت حرب 94.
 محمد المساوى: دعينا نتسلسل بالموضوع، في 90 كنت أشعر بأن حلماً كبيراً يتحقق، وما إلى ذلك. أنت طفل ترى ما الذي يحدث حولك من فرح لشماليين وجنوبيين، ومشهد رفع العلم من قبل علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض ما زال عالقاً في ذهني. والذي أحزنني أنه بعد 94 تمت منتجة رفع العلم، وأزالوا منه صورة علي سالم البيض، وهذا لا يصح، ويجب أن نكون منصفين في التاريخ.
 
رحمة: لكن الرئيس علي سالم البيض أعلن الانفصال وتخلى عن الوحدة، وفوق ذلك انهزم خلال شهرين، وبالطبع لا يجوز تشويه التاريخ.
 محمد المساوى: لا نحمل غيرنا؟ وفيما يخص 1994 كما قلت لكِ مسبقاً، هناك أشخاص عاصروه سياسياً، هم أكثر مني معرفة بذلك.
 رحمة: نحن نحاول أن نعرف الأشياء المرتبطة بطفولتك، والآن سننتقل إلى الجانب الاجتماعي. أولاً، حرب 1994 خلال شهرين، ألا تتذكر أي قصة من طفولتك؟
 محمد المساوى: 94 بالنسبة لنا كان فيها قلق كبير وحزن من هذا التمزق، وما رافق 94 من أعمال نهب وسلب وفيد، وهذه الأشياء كانت محزنة جداً! علي سالم البيض اتخذ قرار الانفصال، ولكن ما ذنب الموجودين من المدنيين وغيرهم؟
 رحمة: ولكنها كانت الحرب الأقل خسائر والأسرع، حتى انه صدر قراراً بأن الذين يتخلون عن علي سالم البيض لن يتم التعرض لهم، ولا تنسَ أنه في 86 صنعاء والمحافظات الشمالية فتحوا بيوتهم للهاربين وشاركوا في الجيش والداخلية.
 محمد المساوى: سمعنا قصصاً حول ذلك، وكما قلت لكِ، في ذلك الوقت كنت لا أزال طفلاً، لا يوجد لديّ ذلك الوعي السياسي.
 رحمة: ولكن عندما نتحدث عن هذه الأشياء، فمن أجل معرفة شخصيتك، كيف تشكّلت بالنسبة لتعز؟ كم قضيت فيها؟
 محمد المساوى: لم أعش فيها.
 رحمة: بعد الثانوية، كيف جاء قرار الالتحاق بجامعة الملكة أروى؟
 محمد المساوى: انتهيت من الثانوية والتحقت بجامعة الملكة أروى، واخترت مجال الاقتصاد والعلوم السياسية، تخصص محاسبة.
 رحمة: لماذا اخترته تحديداً؟
 محمد المساوى: التفكير كان له بعد النظر، وكما قلت لكِ، كان همّنا في الثانوية كيف تحصل على فرصة عمل، وأنا كنت آخذ الموضوع من نظرة أوسع.
 رحمة: خصوصاً ان والدك رجل اقتصادي وجاءت الفكرة.
 محمد المساوى: جاءت الفكرة أنه عندما أتخصص في مجال المحاسبة ففرص العمل فيه متاحة دائماً، وأي عمل تجاري محتاج إلى محاسب، وأنا كنت من النوع الذي يتعلم سريعاً.
 رحمة: كنت متحمساً للحسابات؟
 محمد المساوى: ليست حكاية تحمس للحسابات، ولكن أن تختار هذا المجال، فهو متنوع من داخله، فيه علوم الإدارة والتسويق، وأنت تتخرج محاسبة، علوم اقتصادية، ولكن لديك فرص كثيرة في العمل.
 كما أن خلفية الوالد في الإدارة ومجال العمل مضمون، والدراسات في العلوم الاقتصادية ومجال المحاسبة بالذات تتيح لك فرصاً كثيرة.
 رحمة: ووالدك ألم يكن يريد لك تخصصاً آخر؟
 محمد المساوى: لا.. أنا كنت أفكر في دخول أكثر من مجال، ولكن كانت هذه نصيحة شقيقي الكبير، وهو كان محاسباً قانونياً، وهو الذي أثّر عليّ في هذا القرار كثيراً.
 رحمة: ما هي المجالات التي كنت تريدها؟
 محمد المساوى: كما قلت لكِ، أخي الكبير هو الذي أثّر عليّ في هذا المجال، وأنا كنت بالأساس مقتنعاً به، وفي تلك الفترة كانت فرص العمل ضئيلة.
 رحمة (مقاطعة): كم كان معدلك في الثانوية العامة؟
 محمد المساوى: كان معدلي 79%.
 رحمة: هذا يعني أنه لم يكن بمقدورك الدخول إلى جامعة حكومية، أليس كذلك؟
 محمد المساوى: كان من الممكن أن أدخل إلى جامعة حكومية.
 رحمة: إذاً لماذا اخترت الدراسة في جامعة خاصة؟
 محمد المساوى: لأنني حصلت على منحة للدراسة في الجامعة.
 رحمة: كان وضعك الاقتصادي جيداً، وبالإضافة إلى ذلك حصلت على منحة.. عند دخولك الجامعة، متى أول مرة شعرت أنك وقعت في الحب؟
 محمد المساوى: بالنسبة للحب، فقد بدأ بعد الزواج.
 رحمة: متى تزوجت؟ قبل الجامعة أم بعدها؟
 محمد المساوى: تزوجت بعد الجامعة.
 رحمة: كم كان عمرك حينها؟
 محمد المساوى: كان عمري 24 عاماً.
 رحمة: وأين تعرفت عليها؟ هل في العمل أم عن طريق الأسرة؟
 محمد المساوى: كان زواجاً تقليدياً ولكن عن قناعة.
 رحمة: ولكن من العجيب تذهب وتأتي هنا وهناك ولديك زميلات درست معهن من الابتدائية! أيعقل أنك لم تجد إحداهن أعجبت بها وتذهب إلى والدتك لتختار لك عروساً؟ لماذا أنتم هكذا اليمنيون؟
 محمد المساوى: ليست فكرة أننا هكذا، ولكن بطبيعة الحال فكرت أن موضوع الزواج التقليدي هو الأفضل.
 رحمة: وهل اخترت مؤهلات محددة؟ خريجة ثانوية أم جامعة؟
 محمد المساوى: طبعاً إنسانة متعلمة وواعية.
 رحمة: وكم لديك من الأطفال؟
 محمد المساوى: لدي طفل واحد، وليد.
 رحمة: وكم عمره الآن؟
 محمد المساوى: 15 عاماً.
 رحمة: ما أكثر القيم التي زرعتها فيك عائلتك، والتي زرعتها في ابنك؟
 محمد المساوى: تجربتي مع العائلة، كما حدثتك من قبل، على الثقة بالنفس والاستماع الجيد، وأن يُعاملك منذ الصغر كشخص مسؤول عن قراراته، وتحظى باهتمام واحترام داخل الأسرة، وصوتك مسموع، ورأيك مسموع، وكل واحد في الأسرة كان له رأي مسموع. وأنا كما أخبرتك، أخذت من والدي الكاريزما والتخطيط والإدارة، وأخذت من والدتي - الله يحفظها - الصمود ورباطة الجأش، فهي إنسانة عصامية وقوية جداً.
 رحمة: ولكن أليس غريباً أن يكون لديك ولد واحد وليس أكثر؟
 محمد المساوى: هذه أرزاق من عند الله.
 رحمة: لأنه - وكما هو معروف - اليمنيون لا يحبون تنظيم النسل، لذلك سألتك. دعنا الآن نأتي إلى أول راتب استلمته، متى كان؟
 محمد المساوى: أول راتب استلمته كان في أول وظيفة اشتغلت بها وأنا أدرس في الجامعة، سنة ثانية، حصلت على وظيفة كمدير مالي وإداري في منظمة "بارتنرز"، وهي منظمة منفذة لمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
 رحمة: يعني بدأت العمل مع المجتمع المدني باكراً؟
 محمد المساوى: نعم، استعان مدير المنظمة بأخي لأنه كان يشتغل في شركة مرموقة في نظام المحاسبة القانونية، وقدّمني أخي وقال: شوف محمد يمكن أن يساعدك في أعمال المحاسبة.
 رحمة: وكم كان أول راتب استلمته؟
 محمد المساوى: كان الراتب مناسباً، ومثل ما يقول الأوروبيون: لا تسأل الشخص عن السياسة ولا تسأله عن راتبه، لكنه كان راتباً مناسباً.
 رحمة: على ماذا أسألك؟ من اللازم أن تقول لنا كم استلمت حينها.. تقريباً كم؟
 محمد المساوى: مدير مالي وإداري في منظمة، برأيك كم سيكون الراتب؟ ضعي رقماً.
 رحمة: عملك في المنظمة، هل كان مالياً أم ساهم في تنمية آرائك السياسية؟
 محمد المساوى: أكثر شيء في تلك الأيام ساهم في تنمية أفكاري التنموية، وعندما دخلت مبكراً في منظمات دولية، كان العمل منظماً ومرتباً، وسع مداركي في العمل التنموي والاحتراف من البداية، لأن العمل كان محترفاً وليس عشوائياً.
 رحمة: هذا يعني أن أمورك كانت تسير بشكل جيد جداً منذ طفولتك، سواء بالدراسة أو الجامعة أو الراتب الكبير، وانا سأترك للمشاهدين أن يحددوا.
 محمد المساوى: كان راتباً مجزياً.
 رحمة (ممازحة): راتب كبير، والمشاهدون يمكن أن يأتي في بالهم مبلغ كبير. كانت لديك كل هذه الأمور، ولكن لماذا ذهبت إلى الساحات؟
 محمد المساوى: دوافع أخرى سنأتي لها.
 رحمة: عندما سمعت أن نظام الرئيس زين العابدين بن علي في تونس سقط، بأمانة، كيف تلقيت الخبر؟ كيف كان رأي الناس؟ أنا اخترتك من بين الشباب لأنك ستتحدث بشفافية.
 محمد المساوى: تلك الأيام بدأ يتشكل وعي سياسي كبير.
 رحمة (مقاطعة): هل أصدقاؤك الذين ساهموا فيه أم التلفزيون؟
 محمد المساوى: نحن لم نكن سُذّج، كانت أفكاري سابقة لعُمري، وكنت أقرأ كثيراً، وكانت لدينا مكتبة الوالد كبيرة وواسعة، فيها من كل شيء، وكنت أقرأ في كل المجالات، كنت ألتقط الرسائل سريعاً، وكنت أشاهد في التلفزيون ما حدث في تونس، والسقوط السريع في بلد لم تكوني تشعرين بأن لديهم معاناة، وإحراق بوعزيزي لنفسه، والعجلة كيف كانت تدور.
 
رحمة: هل كان هناك ناس محيطة كانوا مع الساحات وبالتالي أثروا؟ مثلاً من أسرتك أو جيرانك أو أصدقاءك؟ كانوا متحمسين للخروج إلى الساحات؟
 محمد المساوى: أول ما بدأ الزخم السريع في تونس ومصر وما إلى ذلك، حصل كما ذكرتِ عَدوى الساحات، ولم يخرج أحد إلى الساحة من جحود.
 رحمة: لماذا خرجتَ إلى الساحات إذاً؟
 محمد المساوى: كانت هناك أسباب.
 رحمة: ما هي هذه الأسباب؟
 محمد المساوى: إننا كنا محتاجين للتغيير للأفضل.
 رحمة: وما هو الأفضل الذي كنت تريده؟
 محمد المساوى: تخيلي، كنا في أيام الثانوية ونحن قلقون على مستقبلنا وما إلى ذلك، كانت الفرص والابتعاث تذهب للنافذين، كان هناك غبن وسَطوة لمتنفذين.
 رحمة: احكِ لنا، كيف غُبِنْ؟ يا ترى ما الذي قهرك؟
 محمد المساوى: أنا لا أريد أن أدخل في تجربتي الشخصية.
 رحمة: أنا أريد أن أعرف ما الذي كنت تريده أن يكون أفضل؟ هل كنت تريد أن يرتفع سعر الدقيق والبترول؟
 محمد المساوى: كان هناك غُبن ومظالم حقيقية موجودة، كانت هناك طبقة متنفذة تبطش بالآخرين، وإذا لم تكن لديك قبيلة قوية يمكن أن يأتي أي شخص ويبسط على أرضيتك.
 رحمة: كنتَ لا تريد قبلية، ولكنك كنتَ تريد المدنية أكثر والقانون.
 محمد المساوى: كان هناك غياب للقانون، وممارسات ديمقراطية غير حقيقية، وكان بلدُنا يستحق أن يكون فيه الأفضل، وكان الخروج الأساسي ليس شخصنة في شخصٍ معين، ولكن أن تهزّ الوتد من أجل أن يحصل تغيير وتُفرَض إصلاحات.
 رحمة: احكِ لنا عن أول يوم ذهبتَ فيه إلى الساحة، هل ارتديتَ بدلة رسمية؟ كيف فكرتَ في ذلك؟ هل استشرتَ والدك أو زوجتك؟
 محمد المساوى: والدي توفّي في عام 94.
 رحمة: هل استشرتَ والدتك أو أحدًا ما؟ كيف اتخذتَ قرارك؟
 محمد المساوى: أنا كنت جامحًا في شبابي وقررتُ.
 رحمة: هل اتصلتَ بأحد أصدقائك وأخبرتَه بأنك ذاهب إلى الساحة؟
 محمد المساوى: لم أُخبر أحدًا، ذهبتُ بنفسي.
 رحمة: في أي وقت ذهبت؟
 محمد المساوى: ذهبت في الظهر.
 رحمة: هل كان قبل تاريخ 11 فبراير أم بعده؟
 محمد المساوى: تاريخ 11 فبراير عبارة عن تاريخ وضعوه، لأن الثورة بدأت في ثلاثة فبراير، وأنا أُذكّرك بالرجوع إلى أرشيف كل القنوات، كانوا يقولون: "ثورة الشباب المندلعة في مطلع فبراير"، ولم يكن هناك تاريخ محدد، تاريخ 11 فبراير له قصة أخرى.
 
رحمة: ما هي قصته؟
 محمد المساوى: عندما جاءت مسيرة الحياة الراجلة الثانية والتقينا بهم...
 رحمة (مقاطعة): هل تقصد ما كانت تُعرف بالصدور العارية؟
 محمد المساوى: لا، الصدور العارية كانت تتصدر المسيرات. عندما جاءت مسيرة الحياة الراجلة الثانية، التقينا مع الشباب الموجودين، وقلتُ لهم: أنتم تتكلمون عن ثورة لا يوجد لها تاريخ ميلاد، ولا زالوا حتى الآن يقولون: "ثورة الشباب التي اندلعت مطلع فبراير".
 رحمة: لكن ثلاثة فبراير هذا يعني أنه لم تمر عليها سوى أيام.
 محمد المساوى: أنا أُحدثك أنه بعد مرور سنة لم يكن هناك تاريخ محدد لثورة فبراير، وارجعي لأرشيف الأخبار: الجزيرة والعربية، "ثورة الشباب التي اندلعت في مطلع فبراير".
 رحمة: هل كنتَ من ضمن الناس الذين اقترحوا تسمية لها؟ هل استشرتَ توكل كرمان مثلا أم من؟
 محمد المساوى: "اللطش" كان موجودًا منذ البداية، اجتمعنا - جميع المكونات - وقلنا: لابد من تحديد تاريخٍ معين، وبعد ذلك تفاجأنا باللجنة التنظيمية تقول: "ثورة 11 فبراير"، بينما الخروج الحقيقي كان في ثلاثة فبراير.
 رحمة: في ثلاثة فبراير، ماذا ذهبتَ تعمل؟ هل اشتريتَ خيمة؟
 محمد المساوى: في ثلاثة فبراير كنا نتفرّج، وفي ذلك الوقت خرج طلاب الجامعة، وعندما بدأ الزخم وتجمّع الناس قررنا أيضًا النزول.
 رحمة: نريد أن نوثّق تجربتك وسيرتك الذاتية. أول ما دخلتَ الساحة في أول يوم، ماذا رأيت؟ هل رأيت النساء والرجال والأحلام والموسيقى الجميلة والشعارات؟
 محمد المساوى: هذا جاء فيما بعد، أول شيء في البداية كانت مشاهد القمع للذين بدأوا بالخروج عفويًّا، عندما كان يتم الاعتداء عليهم بـ"الصميل"، وكان ذلك يُشعل مشاعر الغضب.
 رحمة: ولكنهم كانوا يسيرون في الشارع بأعداد كبيرة، أم كان يتهيأ لي ذلك؟
 محمد المساوى: في البداية لم تكن أعداد كبيرة، بدأت بعشرات ثم مئات، ثم تشكّلت عند الجامعة، وكان أغلبهم مستقلين، وكانت الأحزاب ترى أن هذه الثورة أنبوب اختبار: ستنجح أم لن تنجح؟ ستُقمع أم لن تُقمع؟ ستُسحق أم لا تُسحق؟
 رحمة (مقاطعة): وحتى يفاوضهم علي عبدالله صالح " ويطلبوا الله هنا وهناك".
 محمد المساوى: كان هناك هدف برجماتي بالتأكيد، وحينها جمعنا شبابًا وكنا مستقلين، وأنزلنا أول خيمة، وكنا لصيقين بمجسم "الحكمة يمانية".
 
رحمة: ومن الذي اختار هذا المكان الاستراتيجي؟
 محمد المساوى: هذا المكان كان مكان التجمع بعد أن قُمعت المسيرة الخارجة من جامعة صنعاء، والتي قام بها في الأساس ميزر الجنيد وهاشم الأبارة ومجموعة، وبدأت هناك تتشكل خيمة ويتجمع الشباب، وكانت الأحزاب تُشاهد من بعيد: هل ستنجح أم لا؟ ستُقمع؟ ستُسحق؟ ولاحظوا أن كرة الجليد بدأت تكبر وتتشكّل، كنا 50 خيمة، فجأة وجدنا 500 خيمة، جاء شبابٌ جدد وكانوا يقولون إنهم مستقلون وهم متحزبون، ثم بدأوا بإزاحتنا خارج الدائرة الأساسية، وفجأة تكوّنت لجنة تنظيمية، وبدأت حكاية "التهام، هذا مندس وهذه غيره".
 رحمة: ومن كان يتحكم بالميكروفون؟
 محمد المساوى: اللجنة التنظيمية.
 رحمة: قلتَ إنك كنتَ في مكان أساسي، متى أُخذ منكم الميكروفون؟
 محمد المساوى: أُخذ في وقت مبكر.
 رحمة: ماذا كانت شعاراتكم قبل أن يُؤخذ منكم الميكروفون؟
 محمد المساوى: أول شيء، عندما خرجتُ، كانت هناك أول صرخة كسرت حاجز الخوف.
 رحمة: ماذا كانت؟
 محمد المساوى: "الشعب يريد تغيير النظام".
 رحمة: هذه كانت أيضًا عَدوى لأنكم أخذتموها كما هي.
 محمد المساوى: بعد ذلك تحولت إلى "إسقاط النظام".
 رحمة: ومتى تغيّر الشعار من "تغيير النظام" إلى "إسقاط النظام"؟
 محمد المساوى: بعد ما بدأت اللجنة التنظيمية التابعة للأحزاب. في البداية خرج مجموعة من الشباب المستقلين المتحمسين، وأتذكر في بداية الثورة كان في شارع الدائري، والأُسر والبيوت كانت تُعطف على الموجودين ويُخرجون لهم الأكل.
 
رحمة: كان هناك فعاليات ثقافية وانفتاح؟
 محمد المساوى: الفعاليات الثقافية والانفتاح شاركت فيها اللجنة التنظيمية، وكما قرأتُ في أحد الكتب: "إذا أردتَ أن تجمع الناس يجب أن تقوم بفعاليات، ولا تتركه جامدًا"، وهم كانوا "شُطار" سياسيًّا، وأحزاب اللقاء المشترك أول ما قرروا الانضمام أقاموا الخيام والتجمعات، وأنزلوا الخيام النقابية والفعاليات.
 رحمة: هل صحيح ما قاله الشيخ حميد الأحمر للواشنطن بوست، المساحات كانت أقرب إلى "الديسكو" أو شيء من هذا الكلام.
 محمد المساوى: أنا لم أسمع هذا الكلام بصراحة.
 رحمة: أنت لم تسمع، ولكن ما الذي رأيتَه في الساحات؟ هل اتهامات الشيخ حميد واللجنة التابعة للإصلاح عندما اعتدوا على الفتيات وأخذوا كاميرات البعض، هذه قصة شهيرة؟
 محمد المساوى: أتذكر ذلك الاعتداء.
 رحمة: أنا أقصد الاعتداء على أروى عبده عثمان، وكانت معها الكاميرا ومجموعة أخرى تعرضوا لاعتداء شرس.
 محمد المساوى: هذا حدث في فترة لاحقة، دعينا نسير خطوةً خطوة. في البداية تمّت إزاحة المستقلين، ثم سطوة اللجنة التنظيمية على الساحة، وبعدها تنظيم الفعاليات، ثم تتفاجأ أن الأعداد بدأت تتضاعف بشكل كبير، ثم بدأ التخوين. طبعًا نحن كنا نشاهد من بعيد، ولدينا وعي سياسي، وجدنا أن الذي حاصل هو أشبه بالفوضى.
 
رحمة: هل كان هذا بعد أربعة أشهر أم خمسة أشهر؟
 محمد المساوى: بعد أول شهرين.
 رحمة: صحيح، وتحديدًا بعد مارس، عقب انضمام اللواء علي محسن الأحمر.
 محمد المساوى: طبعًا، نقطة التحول الكبيرة كانت في البداية "جمعة الكرامة".
 رحمة: أين كنتَ في "جمعة الكرامة"؟
 محمد المساوى: "جمعة الكرامة" كنتُ في المنزل، أذكر ذلك اليوم بالوقت والثانية، وأنا أشاهد في التلفزيون المجزرة التي حدثت، واشتعل داخلي الغضب بشكل غير طبيعي، وقلت: لماذا هذا القتل؟ من الذي لديه مصلحة في ذلك؟ بعدها هرعتُ إلى الساحة لأطمئن على أصدقائي هل قتلوا..
 رحمة: من أصدقائك؟ هل هناك أحد تأذّى؟
 محمد المساوى: في تلك المرحلة، لم يكن من المكوّن الذي كنا فيه مَن هم شهداء.
 رحمة: ولكن كانت هناك فترة يُنشَر فيها أنه سيتم الاعتداء يوم الجمعة، والكل كان يعلم، أليس من الغريب أنه سيتم الاعتداء يوم الجمعة؟ وكثير ممن كانوا معي في منتدى الإعلاميات كانوا في الساحة ومستقلين، وقالوا إنه سيتم الاعتداء يوم الجمعة، فهل علي عبدالله صالح غبي إلى هذه الدرجة يقوم باستفزاز الشباب بهذه الطريقة؟ ولماذا لا يتصيدونكم واحدًا واحدًا من الشخصيات الكبيرة؟ لماذا قتلوا هؤلاء المساكين؟ هذه أسئلة تحتاج إلى إجابات.
 محمد المساوى: هذه الأسئلة أعتقد أن التاريخ سيُجيب عليها، إذا كان هناك طرف ثالث أو ما شابه.
 رحمة: جاوب، أنتم عبر التاريخ... هل التاريخ سينطق بمفرده؟ أنا لا أريد منك إجابة معينة، ولكن نحاول أن نتساءل.
 
محمد المساوى: أحدثك بشفافية، نحن نزلنا يوم "جمعة الكرامة"، وتم القبض على منفذين، وتم اقتيادهم إلى داخل مركز طبي داخل الساحة.
 رحمة: بعد ذلك، أين ذهبوا بهم؟
 محمد المساوى: لم نعلم، اثنان ممن تم القبض عليهم وجدوهم داخل خزان.
 رحمة: قيل إنهم 19 شخصًا، بحسب الفرقة الأولى مدرع، إن الذين نفذوا مجزرة "جمعة الكرامة" تم القبض عليهم، وكان هناك كاميرات، وكنا سلمنا لبعض الزملاء كاميرات، منهم عبدالرازق العزعزي وغيرهم، لتوثيق الانتهاكات والاعتداءات، وأُخذت منهم حتى الكاميرات. من هو المستفيد من "جمعة الكرامة"؟ وأنت ماذا كان موقفك بعدها؟ هل كنت أكثر اندفاعًا أم بدأتَ تتساءل؟
 محمد المساوى: في البداية، عندما بدأتَ تُزاح، وأنت الذي أتيتَ من أجل التغيير، زاد العناد والإصرار. أولًا: لماذا نُزاح؟ لماذا تحوّل التغيير إلى إسقاط دون استشارة أحد؟ وبدأت تتحوّل الأهداف - التي هي تحقيق عدالة ومساواة - إلى حلّ الجيش.
 رحمة (مقاطعة): وتمزيق الجيش، وهو من أهم الجيوش التي كانت موجودة في الوطن العربي.
 محمد المساوى: الناس لم تخرج من أجل هذا الموضوع، الناس خرجت من أجل العدالة وفرصٍ متساوية في العمل والحياة. سبب الخروج الحقيقي أنك تتسلّق السلم الاجتماعي في الحياة بمهارتك وشطارتك، وليس لأنك ابن فلان أو الشيخ الفلاني وغيره، بعيدًا عن المحسوبية. وأنا أحدثك عن جيل كنا في الثانوية قلقين على فرص العمل.
 
رحمة: وماذا بعد، هل كان شركاؤكم في الساحات يثيرون قلقكم؟
 محمد المساوى: أولاً، دخلت المسألة مسألة عنادٍ وإصرار، كان الشباب بعضهم يقولون إنهم انصدموا، وبدأت حركة تصحيح المسار، الذين كانوا في المنطقة الرمادية مع علي عبدالله صالح، ولازالوا ثوريين.
 رحمة: وأنت، هل كنت مع تصحيح المسار؟
 محمد المساوى: لا، أنا كنت مُصرًّا أن هذا المكان حقّنا.
 رحمة: كان لديكم أنصار؟
 محمد المساوى: بالطبع، كان لدينا.
 رحمة: أسألك سؤالًا حول خيمة الصمود التي كانت خيمة الحوثيين.
 محمد المساوى: نتكلم في مرحلة متقدمة، خيمة الصمود جاءت من ضمن الفعاليات السياسية التي دخلت.
 رحمة: كانوا متحمسين لهم، وذهبت قيادة الأحزاب إلى صعدة والتقت بعبدالملك الحوثي.
 محمد المساوى:: حصل ذلك، وكانوا موجودين ومميزين أنفسهم، ولديهم آراؤهم ومواقفهم الخاصة، واللجنة التنظيمية هي التي كانت توجه المسيرات وتقودها.
 رحمة: انا أريد أن أعرف كيف كانت العلاقة بين المستقلين وخيمة الصمود.
 محمد المساوى: أنا كما قلت لك في البداية، كانوا هم مميزين أنفسهم، لديهم خيمتهم الخاصة وفعالياتهم الخاصة، ويشاركون ويساهمون، وكانت أعدادهم مقبولة، وكان لديهم تواجد مهم، يشاركون في الفعاليات، إلا الفعاليات التي كانت لا تنسجم مع آرائهم.
 
رحمة: مثل ماذا؟
 محمد المساوى: كانت هناك فعاليات جاءت لاحقًا، وكانوا لا يشاركون فيها.
 رحمة: هل كان شباب الصمود لديهم نساء وفتيات؟
 محمد المساوى: لا أتذكر، أتذكر تمامًا أن لديهم شبابًا من عدة محافظات، ليس فقط من عمران وصعدة.
 رحمة: وهل كانوا منظمين؟
 محمد المساوى: إلى حدٍّ ما منظمين، وكان لديهم قيادة معينة، وبإمكانهم أن يرجعوا إليها في آرائهم أو مشاركتهم معنا في الفعاليات، وكانوا يقدمون الدعم الكبير للمستقلين، لأنه كان هناك مظلومية كبيرة لهم.
 رحمة: متى حدثت المظلومية؟ نحن نريد أن نفهم، أنتم من المفترض أنكم شباب خرجتم موحدين ضد نظام صالح، متى بدأت الخلافات؟
 محمد المساوى: نحن مع تغيير النظام وليس إسقاطه، هذه واحدة. ثانياً خرجنا ونحن نتحدث عن تحسين فرص العمل، والحقوق، والحريات، والأوضاع، وما إلى ذلك. ثالثًا، النداءات التي كانت تُنادى، والتحويل إلى الإسقاط، لم تمم بآراء الناس المستقلين، كانت عبارة عن شعارات أحزاب، وهي من دفعت بقواعدها الجماهيرية إلى أن تنزل وتتَبنى هذه الأشياء.
 رحمة: وكيف قاومتموهم؟
 محمد المساوى: قاومناهم بالإصرار، بدأنا بعمل تكتيك، لم نكن نتواجد جميعنا في الساحات في وقت واحد، لأننا مستهدفون بطريقة أو بأخرى.
 رحمة: كيف مستهدفين؟ هل كنتم تتعرضون للتهديد؟
 محمد المساوى: بالطبع، كنا نتلقى التهديد حتى وصلت إلى مرحلة المطالبة بالإعدامات.
 رحمة: ولكن أنتم خرجتم من أجل مدنية أكثر، وحرية تعبير أكثر.
 محمد المساوى: حدث الذي حدث، وكنا نعمل التكتيك في عدم تواجدنا جميعًا، كانت تجلس مجموعة وأخرى تذهب، وبعدها نحاول أن نميز أنفسنا بمسيرات مستقلة، وكنا نجد أنفسنا أعدادًا صغيرة، حاولنا أن نعمل لأنفسنا الاستقلالية.
 رحمة: وساعدكم شباب الصمود لأنهم كانوا يتعرضون لنفس الانتهاكات؟
 محمد المساوى: بالطبع.
 رحمة: وهل كان هناك اعتداءات وخيمة يوجد بها التعذيب للمندسين والخونة؟
 محمد المساوى: نعم، كان يحدث ذلك، وكان هناك فندق لا أذكر اسمه، وطبعًا حكاية المندسين كانت تهمة يُسقطونها على أي أحد لا يتوافق معهم.
 رحمة: ضد حزب معين؟
 محمد المساوى: ضد أي رأي يخرج عن رأي اللجنة التنظيمية.
 
رحمة: تتبع من اللجنة التنظيمية؟
 محمد المساوى: شكلت من جميع أحزاب اللقاء المشترك.
 رحمة: اللقاء المشترك فيه الاشتراكي والناصري، عقليتهم منفتحة، فهل كانوا تابعين؟
 محمد المساوى: هناك حزب معين كان أكثر
 رحمة (مقاطعة): ما اسم الحزب؟
 محمد المساوى: حزب الإصلاح بكل صراحة.
 رحمة: وهو الذي قاد التغيير، ولكن هم كانوا شركاء بالحكم مع علي عبدالله صالح.
 محمد المساوى: ولهذا قلت لك، عندما كنا نقول تغيير النظام كله، هذا الذي أغضب الناس، لم نكن نتحدث عن علي عبدالله صالح فقط.
 رحمة: ولكن كيف كانوا يريدون أن يسقطوا النظام وهم جزء منه، وحتى علي محسن كان جزءًا أساسيًا في النظام؟
 محمد المساوى: أستاذة رحمة، أنتِ فاهمة ما الذي حدث هناك، وما الذي حدث في الربيع العربي، هو عبارة عن مشروع متسلسل.
 
رحمة: يعني أن الساحات التي كانت في اليمن هي نفسها في تونس سوريا وغيرها، لتمكين الإسلاميين؟
 محمد المساوى: نفس النداءات، ونحن كان تفكيرنا تفكيرًا مختلفًا، كنا نريد ممارسة ديمقراطية أفضل، وكنا مؤمنين أننا في بلد ديمقراطي، وأن الخروج بهذه الطريقة والنداءات هذه لن تخرج البلاد إلى بر الأمان. طالما نحن بلد ديمقراطي، مؤمنون بالصناديق والممارسة الديمقراطية، فمهمتنا كشباب أن نحرص على أن تتم عملية انتقال سلس للسلطات تمر عبر صناديق الاقتراع، هذه كانت فكرتنا الأساسية.
 رحمة: كنتم واضحين وتعرضتم في الأخير للاعتداءات والتهديدات.
 محمد المساوى: أتحدث عن مبادرتنا، نحن مبادرة "روز"، والمجموعات التي معها.
 رحمة: هل كانوا يؤيدونها أم لا؟
 محمد المساوى: لم يكونوا يريدون هذا الشيء، كانوا يتجاهلون ويشيطنون من ناحية، ويسقطون من ناحية أخرى.
 رحمة: فتجمعتم كشباب مستقلين مع شباب الصمود؟
 محمد المساوى: ومع أصحاب الأفكار الحرة من بقية الأحزاب، ولم نكن فقط مستقلين، هناك شباب تمردوا على أحزابهم وكانوا موجودين معنا.
 رحمة: وأنتم بعد انضمام الأحزاب وجمعة الكرامة بدأتم تشعرون أن أحلامكم معرضة للخطر؟
 محمد المساوى: كان هناك شعور لدى البعض بأن الثورة اختُطفت.
 رحمة: بعد مارس تحديدًا؟
 محمد المساوى: بكل تأكيد، من بعد مارس.
 رحمة: إلى أي مدى أثرت فيكم حادثة النهدين؟ ألم تكونوا تريدون إسقاط النظام؟ ها هم أُحرقوه في داخل المسجد، كيف تلقيت الخبر على المستوى الشخصي؟
 محمد المساوى: فيما يخص حادثة النهدين، أولًا لم يكن لدينا عداوة شخصية بيننا وبين علي عبدالله صالح، لو كنا نتكلم عن تغيير منظومة النظام كاملًا، وأنا سأتحدث عن نفسي: تلقيت خبر النهدين بشكل مزعج جدًا، أنت تتوقع أن رأس النظام وقيادة النظام في دولتك، مؤسسة الرئاسة، تُستهدف؟ من يوجه لك هذه الرسالة؟ من يوجه هذه الرسالة يستطيع أن يقول لك إنه قادر على قلب النظام في أي وقت.
 
رحمة: ألم تكونوا تقولون "سلمية سلمية"، ثم تحولت بعد ذلك إلى عنف ضد قيادات الدولة؟
 محمد المساوى: ليست الحكاية كذلك، أنتِ لا توجد خصومة بينك وبين علي عبدالله صالح، وأنا هنا أتحدث عن مؤسسات الرئاسة، قيادات كانت كبيرة في الدولة ومؤثرة: مدنية، مجلس نواب، الشهيد عبدالعزيز عبدالغني وغيره، وفي مسجد!
 رحمة:  هل هذا رأي جميع زملائك المستقلين؟
 محمد المساوى: نعم، هذا رأيي ورأي كثيرٍ منهم.
 رحمة: ولكن من الذين فرحوا وزعلوا داخل الساحة؟
 محمد المساوى: وكانت هناك نداءات خرجت في الساحة: "سقط هُبَل"، هذه ليست ثورة.
 رحمة: وقيل إنه تم توزيع اللحم والحلويات، هل أكلت من نفس اللحم؟
 محمد المساوى: كنا نأكل بالبيوت او نأكل البسكويت والحليب... ذلك اليوم كان صعبًا جدًا، وكان يومًا مقلقًا، تلقينا إشارة أن أي رئيس قادم سيُستهدف بهذه الطريقة، وذكرنا هذا المشهد بما حدث للرئيس الراحل إبراهيم الحمدي.
 رحمة: بعد ذلك جاءت المبادرة الخليجية، وجاءت الصدمة الأخرى، أكيد من الأحزاب أولًا، تغير كل شيء مع المبادرة، كيف تلقيت خبر المبادرة؟
 محمد المساوى: المبادرة الخليجية كانت شيئًا مضحكًا، كانت مسيرة اللجنة التنظيمية "رفض المبادرة، رفض المبادرة"، وبمجرد ما تمّت الموافقة، باركوا المبادرة ومشوا فيها. طبعًا، المبادرة الخليجية ربما شكّلت مخرجًا للأزمة التي كانت حاصلة.
 
رحمة: وتأكيد أنه لم تكن هناك ثورة بل كانت احتجاجات، لأن الثورة تغيّر كل شيء تغييرًا جذريًا، والمبادرة أكدت أنه كان خلافًا حزبيًا وتم الاتفاق عليه بين قيادات الأحزاب.
 محمد المساوى: الثورة هي التغيير الجذري والشامل.
 رحمة: هل تم التغيير الجذري؟
 محمد المساوى: أولًا، المبادرة الخليجية حلّت محل الدستور، والناس لما تقرأ المبادرة، وهذا يعني أنك عطّلت الدستور، ووضعت المبادرة فوقه.
 رحمة: نريد أن نتحدث عن المبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار ودوركم كشباب مستقلين، هل استوعبوكم أم لا؟ ولكن في الحلقة القادمة.
 مشاهدينا، نلتقي في حلقةٍ أخرى لاستكمال حكاية الشباب في الساحات ووجهة نظر محمد المساوى بين زمنين: عندما كان شابًا في الساحة، وعندما بلغ من العمر أشدّه.
 ينشر هذا الحوار بالتزامن مع بثه على قناة "حكايتي" على يوتيوب، إعداد وتقديم الإعلامية رحمة حجيرة. لمشاهدة الحلقة (اضغط هنا)
     
                 
                         
                        