«الثورة التي أكلت أبناءها».. شهادة جيلٍ خُدع بالأمل وانتهى بالحرب
بعد أربعة عشر عاماً على خروج الشباب إلى ساحات التغيير، لا تزال الأسئلة الثقيلة تطارد جيلاً كاملاً: هل كانت ثورة أم فخًّا كبيراً؟ من المسؤول عن انزلاق البلاد من حلم الدولة المدنية إلى جحيم الحرب، ومن يملك شجاعة الاعتراف قبل المطالبة بالمحاسبة؟
في هذه الحلقة نواصل الاستماع إلى شهادة أحد رموز الشباب المستقلين في ساحات 2011، محمد صالح المساوى، الذي خرج بعصا وقطعة قماش وهتافات سلمية، ثم وجد نفسه بعد سنوات يواجه اتهامات مباشرة بأن تلك الاحتجاجات كانت البوابة الكبرى إلى تمزيق الجيش، وصعود الميليشيات، وفتح أبواب البلاد على مصاريعها للتدخلات الإقليمية والدولية. بين سؤال الندم وسؤال المسؤولية، يحاول المساوى أن يميّز بين نوايا الشباب وممارسات القوى التي التقطت لحظة الغضب الشعبي وحوّلت مسارها.
الحوار يفتح ملفات المبادرة الخليجية، انتخابات الرئيس التوافقي، مؤتمر الحوار الوطني، مشروع الأقاليم، دور المجتمع المدني والمنظمات الدولية، وصولًا إلى الحرب، وتقاسم النفوذ، واتفاق السلم والشراكة، ثم قصف اليمن، وما تلاه من انهيار شامل في الاقتصاد والمجتمع والدولة. في كل محطة، نحاول أن نفهم: أين وقف الشباب المستقلون؟ ومتى شعروا أن حلمهم يُختطف أمام أعينهم؟ وأي لحظة كان ينبغي فيها دقّ جرس الإنذار مبكرًا؟
وفي الجزء التالي من الشهادة، يذهب المساوى من تشخيص الماضي إلى التحذير من المستقبل: ثورة الجياع تلوح في الأفق إن لم تُلتقط فرصة السلام اليوم، والسلام - برأيه - قرار شجاع لا ينتقص من كرامة أحد، بل ينقذ ما تبقى من وطن مهدد بالتفكك الكبير.
"النداء" تنشر النص الكامل للحلقة بالتزامن مع عرضها المصوّر على قناة "حكايتي" في يوتيوب.

رحمة: مشاهدينا، مرحباً بكم مجدداً في حلقة جديدة نستكمل فيها حكاية المستقلين في ساحات الشباب. هل تعلموا أنه بعد هذه الثورة ارتفع سعر كيس دقيق القمح سعة 50 كم من 3000 ريال إلى 55.000 ريال؟ ما هو رد شباب الساحات عندما يعانون ويرون أن البترول تغيّر من 1200 ريالاً للجالون إلى 30.000، وكذلك سعر أنبوبة الغاز من 400 ريال إلى 15.000 ريال؟ أيّ ثورة هذه التي تغيّر سعر الكيلو الكهرباء من 3 ريال إلى 1200؟! وكان هناك جيش من الجيوش الذي يُمتدحه العالم بقدراتهم وتنظيمهم، مُزّقوا الجيش ومُكّنت العصابات والمليشيات المناطقية، وأُبيحت سيادة الوطن. أنا لا أتحدث عن الشباب، ولكني أتحدث لنتائج تراكمت لما سُمّي بثورة الشباب أو احتجاجات الشباب. نحن الآن سنسمع رأي المستقلين، ونرى ما هو ردّهم و بصراحة. مرحباً بك أستاذ ، وأنا أعتذر على هذه المقدمة، ولكن بعد هذه الأرقام وانت تعرف أن هذه ليست أرقامي، بل هذا واقع، وأنت بكل تأكيد تعيش هذا الواقع، وأسرتك أكثر مني. هل أنت نادم على هذه التحولات التي حدثت؟
المساوى: جميل جداً، نحن في الحلقة الماضية تحدثنا بشكل مستفيض عن الأسباب والدوافع، وأنا أحاول أن أذكّرك، واذكر الإخوة المشاهدين، وكل ضمير يمني موجود. لشيء المهم جداً أن الحكم لا يصدر على النوايا، بل يصدر على الممارسات. نحن خروجنا ممارسة ديمقراطية ونوايا نظيفة من أجل مصلحة الوطن. خرجنا نظاف، لم نحمل سلاحاً، ولم نقتل أحداً، ولم نجرح أحداً، ولم نهاجم أحداً. النتائج التي تكلّمتِ عنها هي نتائج لممارسات مارستها أطراف أخرى غيرنا. بالنسبة للندم، قد نحمل مشاعر الندم أو الخوف إذا كانت ممارستنا تنساق مع هذه النتائج.
رحمة: من هم الأطراف الأخرى؟
المساوى: الأطراف التي شاركت في الوصول إلى هذا الصدام والقتل الدموي، وهي التي لم تتدارك بشكل مبكر انزلاق اليمن إلى هذه المواجهات، وهي التي كانت تملك المعلومات والقدرة على تغيير الوضع.
رحمة: هل تقصد المجتمع الدولي أم الأحزاب السياسية؟
المساوى: الأحزاب السياسية والمجتمع الدولي، وبالقدر الأول نلقي اللوم على الأطراف المحلية.
رحمة: هل تقصد الأحزاب والنخبة؟
المساوى: الأحزاب والنخب الذين وصلوا إلى انسداد في الحل.
رحمة: هذا يعني أنهم كانوا غير قاصدين هذا الانزلاق؟
المساوى: أنا أحدثك الآن، أنتِ تتحدثين عن مشاعر ندم، وجاوبتك بشكل صريح. من يُفترض أن يشعر بالندم هم الأطراف التي كان بيدها التأثير، وبيدها أن توقف هذا الصدام وتُخرج اليمن إلى برّ الأمان.
رحمة: ولكن أنتَ والشباب المستقلون من أشعلتم الساحات التي قادتنا إلى ما نحن عليه الآن. دعنا نتحدث بصراحة، ولا أحد يستطيع محاكمتك، ولا يوجد أحد لم يُخطئ.
المساوى: نحن نتحدث بصراحة، نحن خرجنا بعصيٍّ وقطع قماش وبنوايا حسنة، وقلتُ إن الحكم لا يصدر على النوايا، ولكن يصدر على المواقف.

رحمة: ولماذا لم تتوقفوا؟
المساوى: نتوقف؟ لماذا؟
رحمة: تتوقفون بعد أن جاءت الأحزاب وعرفتم اللعبة.
المساوى: لماذا نتوقف ونحن الذين كانت لدينا أحلام نريد تحقيقها؟ كانت لدينا رسالة، ونحن مؤمنون بها، وحاولنا أن نمارس دورنا الحقيقي.
رحمة: ولكن جاءت بعد ذلك المبادرة الخليجية وأوقفتكم رغماً عنكم. ما رأيك بالمبادرة الخليجية وما تأثيرها على الساحات من وجهة نظرك كشاب؟ وأنت الذي كان لديك مبادرة "رشد".
المساوى: مبادرة رسالة الشباب الديمقراطي "رشد". المبادرة الخليجية وجدنا من قراءتها، من السطر الأول، أنها علّقت الدستور، وتتحدث عن هيكلة الجيش.
رحمة: ولماذا قبلتم بها؟
المساوى: من كان يملك بيده حينها الموافقة؟ ولنتحدث بصراحة، كانت جميع الساحات ترفض المبادرة الخليجية، وبمجرد قبول الأطراف السياسية التوقيع على المبادرة، خرجت الساحات تبارك المبادرة الخليجية.

رحمة: وسكت الجميع؟
المساوى: نعم، سكتوا.
رحمة: وهذا يعكس أن الذين خرجوا الى الشارع كانوا شباب أحزاب. عندما سكت شباب الأحزاب، لماذا أنتم كمستقلين سكتّم أيضاً؟
المساوى: نحن لم نسكت، وكانت لدينا منشورات ترفض المبادرة وأنها تحل محل الدستور.
رحمة: ولكن بصراحة، هل انتخبت الرئيس هادي أم لا؟
المساوى: نعم، أنا انتخبت الرئيس هادي.
رحمة: هذا يعني أنك قبلت بالمبادرة الخليجية.
المساوى: بالنسبة لانتخاب الرئيس هادي، هي كانت نتيجة ثانية، لكن أساس المبادرة وسطرها الأول وفقراتها الأولى أنها تحل محل الدستور. وبالنسبة لموضوع الانتخابات، ولكي نكون منصفين، ولو رجعتِ إلى صحيفة يمن تايمز ستجدين أني كتبت مقالاً هاجمت فيه الأمريكان وقلت لهم إن الديمقراطية تنتحر في اليمن، وإن المفهوم هش للمواطن اليمني في الديمقراطية، ونحن نعرف أن غالبية مجتمعنا يعاني من الجهل، وإنه يعرف ان الانتخاب هو الاختيار بين شخصين أو أكثر كحد أدنى، وليس فرداً واحداً. ونعلم جميعاً أنه لآخر لحظة كانوا يقولون هناك أكثر من منافس للرئيس هادي. وهي كانت تزكية.

رحمة: هل هذه من ضمن الأحلام التي خرجتم بها؟ خرجتم إلى الساحات تريدون انتخابات وديمقراطية، وفي الأخير ذهبتَ بنفسك وانتخبتَ شخصاً واحداً لوحده؟
المساوى: أولاً، دعينا نتحدث بصراحة، قد يكون الانتخاب في تلك الأيام، في ظل الوضع والاحتقان الموجود، إذا لم يتوافقوا على شخصية الرئيس هادي فلربما كان هناك اختيار أسوأ.
رحمة: لذلك قررتم تجنيب البلد الحرب، وكان بالحصانة واختيار الرئيس هادي؟
المساوى: كان اختياراً أسوأ. وبالنسبة لي، كنتُ منتقداً لحكاية أننا نضرب مفهوم الديمقراطية الهش الموجود عند اليمنيين، وحكاية ان نقوم بعمل مسرحية هزلية، وتحضر أي شخص ليس لديه وزن أو ثقل، لن يكون الأمر جيداً. وأنك تحضر شخصاً آخر في زخم ثوري وتنقل السلطة في وضع يعيش فيه الشارع حالة احتقان لا يقبل بهذا أو ذاك. ربما كانت التوافقية، ومع أني أُعيد وأُكرّر لكِ أننا مقتنعون بأن ما حدث ضربٌ للمفهوم الديمقراطي البسيط، ولكن نستثني ذلك طالما أن جميع الأحزاب السياسية والمكونات قرروا التوافق على شخصٍ معين والمضيّ في ذلك، وهذا كان أفضل من أن يأتي شخص آخر يحتكر السلطة.

رحمة: قبل أن نصل إلى مؤتمر الحوار ومشاركتك فيه، حتى الآن لاحظ كيف الأمور سارت بشكل متسارع في 2011، ما الأحلام التي كنتم على وشك تحقيقها؟ أو ما هي الأحلام التي فقدتم الأمل في تحقيقها؟
المساوى: الأحلام التي كانت على وشك التحقق، أو بالأصح تحققت بالمثل، نحن كان لدينا هدف، وعندما خرجنا كان هدفنا أولاً رفع وعي الناس، ومبادرة "رشد" خرجت في البداية عندما خرج المواطنون يهتفون بهتافات لا يعرفون ما هي مضامينها، وحينها بدأنا بنشر الوعي بين الناس.
رحمة: من كانوا معك في مبادرة "رشد"؟
المساوى: كثير من الشباب.
رحمة: هل هم بالعشرات ومن مختلف المحافظات؟
المساوى: كانوا بالعشرات، ثم وصلنا بالمبادرة إلى استقطاب أكثر من ألف شخص في المشاريع من مختلف المحافظات، ولكن كانت مركزة في صنعاء.

رحمة: ما هي مشاريع الوعي التي قمتم بها؟
المساوى: أولاً بدأنا بالمفاهيم السياسية، كان هناك كتاب اسمه المصطلحات السياسية.
رحمة (مقاطعة): هل أصدرتم كتباً وأنشأتم موقعاً؟
المساوى: أخذنا أهم عناوين الكتب ومفاهيمها.
رحمة: وما الذي قمتم به؟ هل نشرتموها؟
المساوى: طبعاً، طبعناها ونشرناها في الساحة، كان من ضمن ما طبعنا ونشرنا مثلاً: ماذا تعني كلمة الديمقراطية و"تكنوقراط"، لأن الشباب يسمعون الشعارات ولا يعرفون مضامينها. وأنت الآن كمشروع شبابي وطني مستقل، ما هي مهمتك؟ مهمتك أولاً معرفة الأخطاء ثم إصلاحها، ورفع الوعي كانت مهمتنا الأولى.

رحمة: ليس إسقاط النظام ولا التغيير، ولكن رفع وعي الناس؟
المساوى: ونحن لم يكن لدينا تمويل من أي أحد.
رحمة: كيف لا يوجد لديكم أي دعم؟ ألم تمول الوكالة الأمريكية أي مشاريع؟
المساوى: هذا موضوع لاحق. نحن رفضنا أي تمويل من أحد، وكانت مبادرة "رشد" قائمة على المبادرة الفردية، مثلاً أنا لديّ لابتوب وأقدر أشتغل على "فوتوشوب" وأصمم.
رحمة: ولكن تفاعل معك الأطراف الأخرى والأحزاب؟
المساوى: لأننا أخذنا بزمام المبادرة واقتحمنا الساحات بالوعي وطبعنا المفاهيم والكتيبات.
رحمة: وطالبتم بالانتخابات؟
المساوى: وقبل ما نصل للانتخابات، خلي المواطن يفهم معنى الكلام الذي سيذهب وينتخب به.
رحمة: الديمقراطية والانتخابات، وماذا غير ذلك وعيتم بها الناس؟
المساوى: أولاً دليل المفاهيم السياسية، اخترنا أهم المفاهيم التي نريد بها توعية الناس ونشرنا الوعي. كان أهم شيء أن الساحات فازت بالوعي.
رحمة: ولكن هناك سؤال سيسأله الجمهور، سيقول: كيف نشرت الوعي وذهبتَ لانتخاب فردٍ واحد وتقول انتخابات؟ ألم تشعر بالإحباط؟ وأنا هنا لا أطلب منك الدفاع عن نفسك أو أي شخص آخر. دعنا نكون صادقين، ألم تشعر بالإحباط أنه بعد حملة الوعي فُرض رئيسٌ وحيد في الانتخابات؟
المساوى: لم أشعر بالإحباط، ولكن برأيك ما هو البديل الآخر؟
رحمة: ولكن هذا يعني أن التوعية لم تنجح، أنت كيف توعّيني بالديمقراطية وتتركني أنتخب شخصاً واحداً؟
المساوى: هذا كان انتحاراً ديمقراطياً. أنتِ تتحدثين عن الديمقراطية؟ دعينا نتحدث عن مبادرة علّقت دستور البلاد كله.
رحمة: دخلتَ مؤتمر الحوار ودخلتَ بالموجهات الدستورية...
المساوى: المدخل بالموجهات الدستورية.
رحمة: لديّ سؤال هام: أنت طرحتَ أن المبادرة انتهكت الدستور، نتفق، وذهبتَ بفريق الموجهات الدستورية والقانونية، فأيّ دستورية وقانونية لمؤتمر الحوار الذي وُضع؟
المساوى: قبل أن تقفزي إلى هذا الموضوع، نحن نتكلم عن بداية عملنا في نشر الوعي، وهذا أول الطموح. ودعينا نعود إلى سؤالنا الأساسي الذي يتعلق بالأحلام والنجاح الذي نشعر أنه تحقق.
رحمة: نعم، وماذا كانت طموحاتكم الأخرى؟
المساوى: نحن كان هدفنا الأساسي رسالة الشباب الديمقراطي، وهو أنه لابد من أن نسلك المسلك الديمقراطي. عند الدخول للانتخابات، لابد أولاً من رفع وعي الناس حتى تعرف من تنتخب، والشيء الآخر أن نشارك في عملية الممارسة الديمقراطية. ونحن الآن، وبغض النظر عن النتائج التي حدثت عقب التوافقات، لأن البلد بُني على التوافق، هل يعني ذلك أن نرجع للبيت؟
رحمة: لم تكن هناك أي مصالح، لقد كانت انتخابات مبنية على توافقات أيضاً.
المساوى: كان هناك انتخابات.
رحمة (مقاطعة): على الأقل كان هناك أشخاص حتى في رئاسة الجمهورية، كان هناك شخصان، وكان هناك شخص قوي مثل فيصل بن شملان.
المساوى: كانت هناك انتخابات شرسة، وكانت هناك ممارسات ديمقراطية. ونحن كنا نريد هذا الشيء، ولكن انزلقت البلاد للتوافق، فهل يعني ذلك أن نيأس ونعود إلى منازلنا؟
رحمة: لم تيأس، ولكنك استمريت بعد المبادرة؟
المساوى: استمريت، وكان من اللازم أن نشارك في مؤتمر الحوار.
رحمة: ما الذي عملته في مؤتمر الحوار ؟
المساوى: في مؤتمر الحوار الوطني قمنا بدعم الحوار. بالطبع، بعد توقيع المبادرة الخليجية قامت أحزاب اللقاء المشترك برفع الخيم من الساحات وانتهت مهمتها.

رحمة: هم خرجوا يفاوضون على إطاحة علي عبدالله صالح من الحكم وسلطة بدل سلطة، أليس كذلك؟
المساوى: هذا رأيك.
رحمة: لا، هذا رأيهم. هل ترى أن الأحزاب التي خرجت تطالب بإسقاط النظام ثم جاءت بعد المبادرة الخارجية ورفعت الخيام، هل كانت هذه أهدافك؟
المساوى: هذه ليست أهدافي.
رحمة: ولماذا قلت إن هذا رأيي؟ أنا لم أخرج للساحات.
المساوى: أنتِ خرجتِ للساحات.
رحمة (ضاحكة): خرجنا نوزع خيم وكاميرات. الذي أريد أن أقول إن شباب الأحزاب الذين خرجوا كان لديهم هدف، إنه أول ما تمت الإطاحة بعلي صالح قاموا برفع خيمهم.
المساوى: لا.
رحمة: ما الذي فعلوا؟
المساوى: أنتِ تريدين أن تركّبي الموضوع بهذه الطريقة. نحن نتحدث عن المبادرة الخليجية، وبمجرد ما جاءت ووافقت عليها أحزاب اللقاء المشترك ووقعت، وبشكل سريع، قامت برفع الخيم تدريجياً.

رحمة: نعم، هذا ما حدث.
المساوى: لأنه كان جزءاً من آلية المبادرة الخليجية التنفيذية.
رحمة: ولكن هل كانت هذه مطالبك؟ هل أنت خرجتَ للساحة في فبراير حتى تكون لديك مبادرة إقليمية تلغي الدستور؟
المساوى: بالطبع لا.
رحمة: وهذا الذي اقصده
المساوى: انا لا اعلم لماذا تريدين تفسيريها بهذه الطريقة.
رحمة: لا اريد تفسيرها ولكن انت تحدثت وقلت ان لديك اهداف، والجمهور يتذكر الأهداف الثلاثة
المساوى: أنا أريد أن أؤكد لكِ أن التغيير يحتاج إلى أن يكون لديك طول صبر وإصرار، وليس كلما جاء أحد وصدمك تنسحب. السياسة علمتنا على الأرض أن تواكب كل تغيير حاصل، وليس أن تنهزم.
رحمة: ما التغيير الذي قمتَ به في مؤتمر الحوار؟
المساوى: عملنا تغييراً كبيراً.
رحمة: مثل ماذا؟
المساوى: المشاركة المجتمعية. بعد ما جاءت المبادرة الخليجية قررنا عدم العودة إلى المنزل والجلوس للبكاء، قلنا لابد أن نشارك في مؤتمر الحوار الوطني.
رحمة: كم عدد الذين شاركوا في مؤتمر الحوار من شباب الساحات؟
المساوى: شارك الكثير.
رحمة: ولكن لم يستفد أحد، أنت وحدك من استفاد كونك شاركت في المؤتمر، وهم لم يشاركوا.
المساوى: أنا لم أشارك كعضو في مؤتمر الحوار، ولكن في لجنة دعم الحوار الوطني. نحن فرضنا أنفسنا كلجنة لدعم الحوار، وكلجنة تعمل مشاركة مجتمعية للحوار الوطني.

رحمة: كان هناك شباب كثير خرجوا وكانوا يحلمون ولم يشاركوا في مؤتمر الحوار.
المساوى: هناك فيديو يمكن أن ترجعي له، الذي أهاجم فيه جمال بن عمر على الشفافية، وأن الناس المؤثرين محيدون وهم خارج الحوار الوطني، ونحن يجب أن نخلق مشروعاً يشرك هؤلاء الناس.
رحمة: عدِّد لي الإنجازات التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني، غير أنه قاد أزمة مع الحوثيين وحرب.
المساوى: دعينا نتحدث عن إيجابيات وسلبيات الحوار الوطني. بالنسبة للجانب الإيجابي، ومن وجهة نظري كشخص مطّلع ورقيب على مخرجات ومدخلات الحوار الوطني والمشاركين فيه، لم تكن أفكار وثيقة الحوار الوطني مقتصرة فقط على ما وجد المشاركون داخل الحوار الوطني، بل كانت هناك مدخلات من كل الأطياف السياسية والمنظمات والفعاليات الجماهيرية، وهذه الأفكار التقت جميعها في مدخلات الحوار الوطني.
رحمة: ألم يكن هناك تدخل خارجي يُفرض عليه؟ إلى سفراء الدول الخمس؟
المساوى: أنا أتحدث الآن عن الأفكار التي جمعت، مدخلات الحوار الوطني، كانت عبارة عن وثيقة جامعة لكل الأفكار من الأطياف السياسية.
رحمة: هذا يعني انك كنت راضي عليها كشاب مستقل.
المساوى: انا كنت راضي عن المدخلات، كان هناك شطحات وأفكار وغيرها، وتمت مناقشة كل شيء حتى على مستوى البيئي.
رحمة: وماذا عن الأقاليم؟ هل كنتَ متحمساً للأقاليم؟
المساوى: دعيني أكمل وسأصل إلى هذه الجزئية. الجانب الايجابي كانت وثيقة الحوار جمعت أفكار كل الأطياف. سعينا في كل الفعاليات الجماهيرية إلى إدخال أفكار غير التي كانت موجودة للمشاركين في مؤتمر الحوار، حيث عملنا على إشراك الأطراف التي خارج الحوار الوطني في أن تدخل أفكارهم من المثقفين والفنانين وغيرهم. والآن ننتقل إلى جزئية الأقاليم. أولاً، على أي أساس تحددت الأقاليم؟ عندما نتحدث عن الأقاليم هناك أشياء أساسية لابد من عملها: هل قمتَ بتعداد سكاني؟ وحصر الموارد والسكان؟ وراعيتَ التوزيع الديموغرافي؟ هل راعيت الترابط الاجتماعي؟ وهل راعيت البعد القبلي الموزع جغرافياً؟ هذه الأشياء لم تُراعَ.

رحمة: إذن أنت ترى أن مشروع الأقاليم مشروع فاشل؟
المساوى: كان مثل توزيع الكيكة أو طبخ سريع.
رحمة: هل كان هناك أهداف لتقسيم اليمن؟ وهل كان جمال بن عمر يقف وراء ذلك؟
المساوى: أعتقد أن جمال بن عمر كان لديه وصفة جاهزة وكان يريد أن يفرضها، واستطاع فرضها بشكل ما.

رحمة: هل كانت لصالح اليمن هذه الوصفة الجاهزة، التي هي الأقاليم؟ أم لصالح دول إقليمية؟
المساوى: أعتقد أن هذه هي التي شكّلت الصدام، لأنه لم يكن هناك أي أحد راضٍ، وإذا تكلمنا بالمجمل، في كل الأقاليم لم يكن هناك أحد مرتاح على تلك التقسيمات الموجودة، بمعنى أن الجنوبيين كانوا يشعرون أنه اجتُزَّ جزء منهم وهو الحال بالنسبة للبقية.
رحمة: إذن هذه من المخرجات السلبية لمؤتمر الحوار، لم يكن هادف بشكل إيجابي.
المساوى: الفكرة الرومانسية والجميلة التي بدأت حتى بطريقة المدخلات...
رحمة (مقاطعة): كل شيء يبدأ رومانسيًّا ثم يتحول إلى كابوس بشع.
المساوى: عندما تبتعد عن الواقعية ولا تسلك منهجية بواقعية، ولا تستفيد من تجارب الدول الأخرى، ولا يكون لديك مبدأ واضح، تنصدم بهذه الأفكار والمشاريع والوصفات الجاهزة.
رحمة: ولكن ما السبب في ذلك؟ هل لأن المخرج غير يمني؟ لماذا كل هذه المشاريع تفشل بهذه الطريقة؟ هناك شباب خرجوا يحلمون بالتغيير، وفجأة تنتهي بالمبادرة، وهناك اجتمعوا في مؤتمر الحوار ثم انتهت بمحاولة تقسيم اليمن. ما هو السبب في ذلك، هل المجتمع الدولي يقف وراء هذه المسألة؟
المساوى: أنتِ عندما تتحدثين عن اليمن، هي ليست دولة وسط أفريقيا، أنتِ تتحدثين عن دولة في منطقة مهمة وحساسة على مستوى العالم، وعلى مستوى الشرق الأوسط، وعلى مستوى الاقتصاد العالمي والمشاريع القادمة، طريق الحرير وباب المندب. لاعبين دوليين كثيرين يريدون فرض أجندتهم. وسآتي لكِ بشكل لاحق. نعود لهذا الموضوع. نحن نعرف ما هي مواردنا، وبماذا يحظى بلدنا من أهمية تاريخية، فلا داعي لأن تُدخلونا بهذه الطريقة التي جعلت البلد تنزلق في صدام وتتقسم مثل الكيكة. إذا كان في الحوار الوطني، كان هناك الاعتذار وكان هناك أحد يريد أن يلقي كلمة اعتذار على ما حدث، رفضوها، وهذه وصلت بالناس إلى احتقانات، والاستقواء بالخارج على المشاريع الوطنية.
رحمة: ولكن علي محسن اعتذر، وعلي عبدالله صالح اعتذر قبله. اذا كنت وانت في الساحة متهم انك مندس ولم يعتذروا لك، ولم يعجبك حتى نصف اعتذار.
المساوى: أنا لا انتظر اعتذار من أحد.
رحمة: ولكن حدّثني عن المخرج الذي يُخرج كل هذه الأحداث في اليمن، هل هو إقليمي أم دولي؟
المساوى: أنتِ تتحدثين عن مقاول ومقاول من الباطن. ودعينا لا نتوه في الموضوع ولا نخرج المشاهدين عنه. ودعينا نعود إلى موضوع تقسيم الأقاليم، هو لم يكن قائماً على أسس علمية ومنهجية وتصب في مصلحة اليمن، كانت الفكرة جاهزة، وكان الكل يقول: حتى لا تنزلق اليمن إلى الحرب، وحتى نخرج إلى برّ الأمان.
رحمة: ولكن بعد ذلك انزلقت اليمن. دعني أرى رأيك وبأمانة وتقييم. خرجتم بنوايا طيبة، وأنت رأيت النتائج بنفسك، وحمّلتَ الأحزاب السياسية المسؤولية بكل التدهور الذي تم في الساحة، وبعدها مؤتمر الحوار حمّلنا المجتمع الإقليمي والدولي. وبالنسبة للحرب والإعلان الدستوري واتفاق السلم والشراكة هل يتحملها المجتمع الدولي الذي فرض...
المساوى: كل النتائج التي حدثت فيما بعد تتحملها الأحزاب السياسية المشكلة مع المجتمع الدولي. أنت في مؤتمر الحوار الوطني كنت خارجاً بأهداف ليست أفكاراً رومانسية، هي أهداف منهجية. جئتم بخبراء دستوريين وما إلى ذلك. كان يُفترض أن تترجم المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومؤتمر الحوار إلى حل منطقي يجنب البلاد الصراع ويحقق لها الاستقرار السياسي الذي يصب في مصلحة الإقليم وجيران اليمن والمجتمع الدولي، وسيستفيد الجميع.

رحمة: أنت شاركت بمبادرات دولية كثيرة، وبأمانة، هل لعب المجتمع الدولي عبر المنظمات دوراً في تحريض الناس وبشكل سلبي أو بنقل معلومات غير صحيحة للناس، وبالتالي اتجهوا في اتجاهات معينة؟ ونحن لا نريد أن نحمل الأحزاب السياسية وحدها المسؤولية.
المساوى: لا نحمل الأحزاب السياسية وحدها، ولكن نتكلم من بدايات الثورة. ومن الأشياء المضحكة: أول ما نزل الشباب، نزل المجتمع المدني بعد المنظمات، وقالوا: شكّلوا مكوناً، وفجأة بدل ما كان هناك ثلاثة مكونات، وصلوا إلى 400 مكون داخل الساحة.
رحمة: وهل كانت مكونات مستقلة أم حزبية؟
المساوى: شاركوا أولاً في عملية تقسيم وتفتيت الشباب في الساحة.
رحمة: هذا يعني أنه عن قصد قام المجتمع الدولي بذلك؟
المساوى (متابع): الشيء الثاني في السياسة، يجب أن تعرف أنك تتعامل مع شخص انتهازي أو براغماتي، هو يسير وفق أجندته. أنت لا تحاسب الذي اشترى، ولكن حاسب الذي باع. اسأله ألف مرة: لماذا بعت؟ أما الذي اشترى، يشتري بالرخيص والغالي. نحن عندما تعاملنا مع منظمات المجتمع المدني كنا نعلم أن لهم أجندتهم، لكن حتى لو كانت لهم أجندتهم، أنت كيف تستطيع أن تفرض كونك أكثر براغماتية، وتفرض أن يكون العمل هذا في مصلحة أهدافك ووطنك؟ وفي الأخير، هو سيحترمك.
رحمة: لقد دخلنا في الجانب السياسي، وسنعود إلى 2015 وغيره، ولكن دعنا نعود إلى الجانب الاجتماعي. أنت تنقلت في محافظات كثيرة، ورأيت التحولات التي كانت موجودة. ما هي أبرز الظواهر السلبية التي كانت موجودة في اليمن، والتي خرجتَ من أجل تغييرها ولم تتغير وأصبحت أسوأ؟
المساوى: كان من أبرز هذه المظاهر أننا كمجتمع يمني، ودوناً عن شعوب العالم، أول سؤال تسألهم: ما اسمك؟ يقولون: من أين أنت؟ وأنا هنا أقصد المناطقية.
رحمة: كانت موجودة الآن أم من قبل؟
المساوى: هي موجودة، متأصلة ومتجذرة.
رحمة: لكنك تحدثت أنه لم يتم مضايقتك لأنك من عدن.
المساوى: أنا لم يضايقني أحد، ولكني أتحدث عن شيء واحد، مثلاً إذا دخلت مؤسسة من مؤسسات الدولة ستجد أسرة واحدة مسيطرة عليها من الرأس حتى الهرم. وأنا أريد أن أقول إننا كنا نريد أن نقود حملة، أن أي شخص يقدم على وظيفة يترك الاسم واللقب. أنت حينما تريد توظيفي، ماذا تريد مني؟ تريد مؤهلاتي وخبراتي.
رحمة: والآن تحولت إلى الأسوأ، أليس كذلك؟
المساوى: الآن أصبح الموضوع أسوأ وتجذر بشكل أكبر، أصبح هناك انقسام موازٍ، هذا يقول شيئاً، وذاك يقول شيئاً آخر.
رحمة: ومناطق أصغر وأصغر، مثلاً في منطقة يكون ناس من دثينة وآخرين من مكيراس وناس من سنحان وغيرها.
المساوى: هذا كان متواجداً من قبل.
رحمة: يعني الآن أن المحاباة لا تزال موجودة، والوساطات والمحسوبية والمناطقية.
المساوى: الظواهر السلبية والمناطقية المقيتة والفساد الموجود.
رحمة: ما رأيك بالقات؟
المساوى: القات أكبر آفة.
رحمة: هل استطاعت ثورتكم أن تنتزع هذه الظاهرة؟
المساوى: القات لوحده يحتاج إلى ثورة. من يريد أن يعمل مشروعاً طموحاً يحتاج إلى 15 عاماً على الأقل حتى يحقق مشروعه. الأفكار الموجودة للقضاء على القات كثيرة وثريّة، والتجربة القمعية التي عملها الحزب الاشتراكي بأن لا يتم مضغ القات إلا يومين في الأسبوع كانت تجربة مهمة.
رحمة: هذا يعني أنك مع تقنين مضغ القات، أليس كذلك؟
المساوى: التجربة التي قاموا بها في الجنوب كانت تجربة ناجحة، وكانت حلقة المستفيدين في الجنوب قليلة جداً، بينما في الشمال حلقة المستفيدين والاقتصاد القائم على القات كانت كبيرة جداً، ومنخرطة به حتى الدولة نفسها: النقاط، والجمارك، والضرائب، وبائع القات، وحتى بائع البلاستيك والمبيدات والتاجر.
رحمة: بالطبع، وأسعار القات ارتفعت بشكل كبير جداً في ذلك الوقت.
المساوى: من الطبيعي أن ترتفع الأسعار.
رحمة: القات جزء من ثقافة اليمنيين، ولكن هذا يعني أنك مع تقنين مضغ القات.
المساوى: أنت الآن إذا أردت أن تقوم بعمل مشروع، أولاً يجب عليك أن توفّر البدائل، ولابد من تحقيق تنمية حقيقية حتى تترك الناس القات وتفكر في زراعة شيء آخر. هناك أفكار كثيرة يمكن أن تكون بدائل، يمكن أيضاً أن تستورده من الخارج وتقننه.
رحمة: القات ظاهرة سلبية، وأنتم كنتم تمضغون في الساحات، أنا لا أعلم ما الذي خرجتم لتفعلوه في الساحات.
المساوى: بالنسبة للقات، هو موجود في كل مكان.
رحمة: هذا يعني أنكم لم تستطيعوا حتى تغيير أنفسكم فيما يتعلق بمضغ القات، على الرغم من أنه ظاهرة سلبية.
المساوى: هي ظاهرة سلبية، ونحن مع أن يكون هناك مشروع طموح يلغي هذه الظاهرة. أريد أن أنوّه أننا عملنا حملة ضمن جزء من المشاريع التي قمنا بها في منظمة "بداية"، التي تطورت فيما بعد من مبادرة "رشد"، وكان أحد المشاريع التي قمنا بها في 2014 حملة مناصرة لمشروع تفعيل قانون الحد من المبيدات الزراعية.

رحمة: تلقت الدعم من جهات دولية، أليس كذلك؟
المساوى: نعم.
رحمة: هذا يعني أن الشعب يموت وأنتم مستفيدون، لديكم منظمات وتمويلات وقنوات فضائية، وفوق ذلك ترفض أن تعترف بالتفاصيل التي تمت. أريد أن أسألك عن ظاهرة سلبية تتعلق بالتمايز الطبقي.
المساوى (مقاطعاً): أولاً دعيني أجيب عن سؤالك: من أين نحن مستفيدون؟
رحمة: أنت لديك بدائل، والبدائل تمولها المجتمع الدولي.
المساوى: لا يمولها بالكامل المجتمع الدولي، نحن مشاركون بنسبة 20% تمويل ذاتي.
رحمة: لكن لم يكن هناك تغيير إيجابي. سأسألك سؤالاً، وعليك أن ترد بصراحة: بعد الذي قلته بلسانك أنت، وأنت تروي وتقول نفس الكلام، هل هناك ندم أنكم فشلتم في تحقيق التغيير الإيجابي الذي كنتم تطمحون له؟
المساوى: أعود وأرد لك نفس الإجابة، نحن ممارساتنا كانت ممارسات وطنية، ولا نتحمل المسؤولية وحدنا.
رحمة: أنا لم أقل إنه ليس وطنياً، أنا قلت: ندم، أن أحلامكم انزلقت في اتجاه آخر. هل هذا يعني أنك سعيد وأنت ترى اليمن وما تمر به؟
المساوى: أنت الآن تذكرينني بكل الذين يعلقون فشلهم على الثورة والشباب، ونسوا أنهم كانوا أصحاب القرار، وهم أصحاب الاختيار، وأقصد هنا الأحزاب السياسية والمكونات.
رحمة: ليس الشباب، ومستحيل أن نحملكم، ولكن سوء إدارة الساحة هو الذي ساهم في وجود المبادرة الخليجية والتدخل الإقليمي والدولي أكثر، وهذا ما رويته أنت، وبالتالي وصلنا إلى ما وصلنا إليه.
المساوى: من كان يملك القرار في الساحات هو من قام بذلك.
رحمة: أنا لا أحملك، والجمهور ليسوا أغبياء، أنا أساعدك في طرح وجهة نظر واضحة. ليس أنت وحدك من قام بذلك، ولا الأحزاب وحدها، ولكن الجميع شارك: النخب، والأحزاب، والتنظيمات السياسية. ولكن السؤال الذي لم تستطع فهمه: أنتم، هل حققتم الأحلام الجميلة التي كنتم تسعون لها الآن بعد 13 عاماً؟
المساوى: 13 عاماً، لم نحقق كل الأحلام التي كنا نريدها، ولكن أُجهضت أحلامنا من الوسط، كنا نسير في مشاريع طموحة.
رحمة: يا أستاذ، أنت تعتقد أنني أهاجمك والشباب المستقلين، ولكن أنتم خرجتم بطموح وأحلام جميلة، وفي الأخير رأيت ما الذي حدث، وما الذي تغير، وكيف تحولت ظروف الناس والمناطقية. فهل أنتم سعداء بذلك؟ وهل تشعرون بالأسف؟
المساوى: نشعر بالأسف، ومؤلم ما مر به البلد، نشعر بالأسف مما حدث والنتائج، ولكن مع هذا الشعور لدينا إحساس بالمسؤولية، أننا لازم أن نواصل ونغير بقدر الإمكان.
رحمة: هذا يعني أنك مصرّ على التغيير ولم تفقد الأمل.
المساوى: لم نفقد الأمل بالتغيير، والتغيير هو صيرورة دائمة، وهي سنة الحياة. ما يحدث الآن مؤسف للجميع، ولكن ليس بأيدينا الأدوات.
رحمة: لقد تعقدت وكبرت، ولكن التقييم يساعدنا في أن نغير، صح؟ إذن دعنا نعرف ما هي اللحظة التي تمنيتم فيها أن تتدخلوا لإيقاف انزلاق أهدافكم إلى منحى آخر؟ هناك لحظة كان يجب أن يكون لكم فيها موقف كشباب في الساحات أو شباب مبادرين للاحتجاج ضد الرئيس صالح؟
المساوى: أعتقد أن النقطة التي كان يفترض أن نتدخل فيها بشكل قوي جداً كانت مخرجات الحوار الوطني وحكاية الأقاليم. طبعاً نحن حاولنا، ولكن كانت هناك أجندة مفروضة، وكل الأطراف السياسية كانت مرتاحة.

رحمة (مقاطعة): مرتاحة أم مفروض عليها؟
المساوى: لا أعلم، انتقلت إلى لجنة الثمانية، ثم خرجت بهذه المخرجات.
رحمة: وقبلها، هل كانت الأمور وردية؟
المساوى: الوقت كان ضيقاً، ولم يسعفنا أن نشكّل الرافعة لمنظمات المجتمع المدني الحقيقية حتى نستطيع التأثير. نحن كنا مستجدين، وكما يقولون "زنجبيل بغباره"، ومنظمات المجتمع المدني التي كانت موجودة كانت منظمات "مُصَدّية"، تعمل على مشاريع التمويل، ولم تكن هناك تنمية أو تخطيط قطاعي أو أي شيء من ذلك. مثلاً، أنت تتحدث عن تهريب الأطفال ومقرّك في صنعاء، والتهريب يتم عبر الحدود. لم تكن هناك تنمية حقيقية، ولم تشكل منظمات المجتمع المدني رافعة حقيقية. نحن فرضنا أنفسنا، وانتقلنا من العمل الشعبوي إلى العمل النخبوي، وبدأنا نفكر، رغم الموانع من الجيل الأكبر الذي لم يكن مؤمناً بقدراتنا. ولكننا بعد ذلك، في الحوار الوطني، كنا قد وصلنا إلى مرحلة النضج، وبدأنا نفكر...
رحمة (مقاطعة): هل يعني ذلك أن الحوار الوطني خدمكم؟
المساوى: خدمتنا الممارسة الديمقراطية والسياسية، لأننا دخلنا بداية الثورة ولم تكن لدينا أي أهداف سياسية، ولكن بالانخراط والإصرار والتعوّد والانخراط في العمل الديمقراطي، ارتفع الصوت، وبدأ النضوج، أصبح لدينا جيلان: جيل الشباب والجيل السابق، وبدأنا نربط بين الاثنين كمنظمات مجتمع مدني عندما تحولنا إلى مؤسسة، كوننا كشباب لدينا الطاقة والطموح، وهم لديهم الخبرة والذاكرة المؤسسية والتجربة العميقة، وكانوا محيدين خارج الحوار الوطني. بدأنا نحن كشباب عبر منظمة "بداية" نعمل تحالفاً واسعاً مع كل الأطياف والفعاليات، وبدأنا نشكل تحالفاً كبيراً اسمه "تمدن"، وهو عبارة عن تجمع للمنظمات المدنية، وفرضنا أنفسنا.
رحمة: وأنا أريد وجهة نظركم كناضجين، كيف رأيتم الأحداث التي مرت بها اليمن في 2014؟ وأرجو أن تمر عليها سريعاً. وعندما تقول رأيك، أريد أن يكون رأي الشباب المستقلين. اتفاقية السلم والشراكة بين الحوثيين وبن عمر جعلت الحوثيين في كفة وجميع الأطراف السياسية في كفة أخرى، كيف رأيت ذلك؟
المساوى: سأعود لك من البداية. البلاد انزلقت من بعد المبادرة الخليجية، وكانت تسير بالتوافق، ولم يكن لديك إلا خياران: إما أن تعود إلى البيت وتندب وتضم نفسك إلى أريكة الفئة الصامتة التي ألومها كثيراً لأنها لم تشارك معنا وجلست في المنطقة الرمادية.
رحمة: نجاها الله، على الأقل لم تكن طرفاً في تدمير البلاد. ولكن كيف نظرت إلى اتفاقية السلم والشراكة؟ هل كان الأمر عادياً أم من غيظكم من حزب الإصلاح قلتم إنها جيدة وهذا توازن؟
المساوى: لا نريد أن نحمل الإصلاح، لا نتحامل على حزب.
رحمة: أنت لم ترد الآن، كيف رأيت اتفاق السلم والشراكة؟ هل كان طبيعياً ضمن التوافق؟
المساوى: البلاد مضت بالتوافق، ولكن اتفاقية السلم والشراكة كانت على قاعدة أن البلاد ستنجر إلى المنزلق، ومضوا فيها من أجل ضمان عدم الانزلاق.

رحمة: في مارس 2015 تم قصف اليمن، كيف تلقيت هذا الخبر وأنت في مرحلة النضوج؟
المساوى: بلدك تُقصف وبنيتك التحتية تُدمر، كان شيئاً مؤسفاً جداً، انزلقت البلد رغم أن القوى السياسية كانت تستطيع تجنيبها كل هذه الأحداث، لكن بعد البحث والتوافقات وغيرها تم تدمير اليمن.
رحمة: عندما قُتل علي عبدالله صالح، كيف تلقيت خبر مقتله؟ وبصراحة؟
المساوى: مقتل علي عبدالله صالح خبر مزلزل، في الأول والأخير هو رجل ظلمه الماضي وأنصفه الحاضر.
رحمة: كيف ظلمه الماضي؟
المساوى: تذكّري، كنا نتحدث في الحوار الوطني أن هذا الرجل خرج من السلطة، وأنتم لم تتعاملوا معه كرئيس سابق، كان في الحوار الوطني يفترض أن يكون في الصف الأول كرئيس سابق، وكان يفترض أن يكونوا في الصف الأول جميع الرؤساء السابقين إذا كنتم تريدون البلاد أن تخرج بتوافقات. شيطنة الآخر لم تكن صحيحة.
رحمة: ولكن كيف نلوم قيادة مؤتمر الحوار الوطني، وكان هناك ناس يتظاهرون ويرددون شعار "وقّع ولا ما وقع أبو الوجه المرقّع"، هل هذه كانت أخلاق ثورة؟
المساوى: الثورة قيم وأخلاق، والممارسات الفردية لا تُحسب على الثورة، ولا تُحسب على أخلاقيات المجتمع بشكل عام، هذه ممارسات وسلوكيات فردية لا تُسقط على المجتمع، ولابد من الطرف الآخر عدم التركيز عليها.
رحمة: بعد أن جاء رئيسان، الرئيس عبدربه منصور هادي، والرئيس رشاد العليمي، هل اتضحت لكم الصورة بأن المشكلة في اليمن مشكلة نخبة وأحزاب وثقافة مجتمع، وليست مشكلة فرد؟
المساوى: هي مشكلة مركبة، وكما تعلمين، اليمن بلد تتقاطع فيه مصالح كبرى في العالم، وتدخلات في الشؤون اليمنية. نحن في حالة صدام، ونتمنى من الرئيس رشاد العليمي أن يتدارك الإهمال الحاصل تجاه الشباب ومكوناتهم ومنظمات المجتمع المدني، وأن يتم إشراكهم في العملية السلمية. نحن الآن نتحدث عن عملية سلم، نرى فيها خطوات متقدمة، من مواجهات عسكرية إلى انفراجات في عمليات الأسرى وفتح الطرقات.
رحمة: هذا يعني أن هناك مشروع سلام قادم؟
المساوى: إن شاء الله، نأمل ذلك.
رحمة: كشباب، هل ترى أنت وأصدقاؤك وزملاؤك أنه من الممكن أن نبدأ مرحلة سلام مع جميع الأطراف السياسية، بما فيهم الحوثيون؟
المساوى: دعينا نتحدث بشكل منطقي وواقعي، التاريخ وكل تجارب العالم تتحدث أنه بعد كل صراع، الناس تجنح إلى السلم، ومن يريد أن يتقدم إلى السلم هو قرار شجاع وليس جباناً، والمغفرة من شيم الأقوياء.
رحمة: هذا يعني الآن أنكم تريدون السلام، وتعبتم من التغيير السلبي أو فشل التغيير.
المساوى: أنتِ تحدثتِ في السابق عن الأرقام، وتحدثنا عن الضحايا الموجودين...
رحمة (مقاطعة): أنت ترى أن هذه الأرقام حقيقية؟ نعاني منها أم لا؟ أسعار الخبز مثلاً؟
المساوى: سأضرب لك مثلاً: في الماضي كانوا يقولون تفتح الروتي وتضع فيه بيضة، الآن تفتح البيضة وتضع فيها روتي.
رحمة: ولكنكم في بداية الثورة ضحكتم علينا، وخرجتم بروتي كبير وقلتم: "ارحل من أجل الروتي، من أجل المغتربين"، الآن حتى القيادة السياسية كلها مغتربة! احيان تشعر أننا ننصف الناس لأننا نحب الناس أن ينصفونا وعلي عبدالله صالح، كان لديه أخطاء كبيرة، وأنا كنت من الذين ينتقدونه، ولكن انت رأيت التدهور السريع والكبير الذي حدث بعد رحيله، وكنتم تضحكون علينا بعبارتكم أنه بعد رحيله ستكون الأمور أفضل، والمغتربون سيعودون.
المساوى: لا تحمّلينا فوق طاقتنا، لم تكن عباراتنا، كانت هناك نداءات أخرى، وهي تتبع الأحزاب السياسية وليس المستقلين. أنا أوجزت لك الموضوع، هو رجل ظلمه الماضي وأنصفه الحاضر.

رحمة: هل هذا يعني أنك من ضمن الناس الذين ينصفونه في الوقت الحاضر؟
المساوى: الواقع الذي كان موجودًا ربما كان يشكل توازنًا، وكان له رؤية في الاصطدام الذي سيحدث إذا فقد اليمن هذا التوازن ما بين الأطراف السياسية، الذي هو انزلاق اليمن إلى الصوملة وغيرها. وفي الواقع، الجميع يتحمّل، ولا نبرّئ أحدًا، الجميع يتحمّل بقدر ما كان يملكه من قدرة وأدوات لوقف النزيف والصراع. وفيما يخص موضوع السلام نتحدث فيه أنا وأنتِ، هناك من أسرتي شهداء، وربما هناك من أسرتكِ.
رحمة: شهداء أين؟
المساوى: شهداء بغض النظر.
رحمة: صحيح، مهما كان انتماؤه ولأي طرف، وهذه نقطة أساسية نبني عليها السلام.
المساوى: وبالتالي إذا تحدث أحدهم عن السلام وقال: أنا محتقن، وهذا طرف قَتل منا، وذاك الطرف أيضًا يتحدث عن نفس الموضوع، هنا لابد من دراسة عدالة انتقالية حقيقية ترتقي بقيمة السلام وحقن الدماء والمصالحة الوطنية.
رحمة: برأيك، هل نستطيع القيام بمصالحة وطنية دون تدخل دولي وإقليمي؟ أم سنحتاج إلى مبادرة جديدة؟
المساوى: من لا يتعلم بدروس التاريخ لا يفهم. عندما جاءت حرب الملكيين والجمهوريين كانت هناك لجان وتدخلات، ولكن في الأول والأخير القرار كان قرارًا يمنيًا بامتياز.
رحمة: أي قرار تقصد؟
المساوى: قرار السلام.
رحمة: هل تقصد الآن؟ في الماضي كانت السعودية ومصر ومؤتمر الخرطوم هم الذين حسموا المسألة، وكذلك القبائل كان لهم دور في فرض المصالحة الوطنية.
المساوى: بكل تأكيد، كان للقبائل دور مهم جدًا، واليمن قائم على أعراف، وعندما سقطت الدولة حقيقةً الذي أنقذ البلاد وانتشلها هي الأعراف، سهّلت فتح الطرقات وتبادل الأسرى، غير ذلك أن اليمن كان منقسمًا بشكل كبير داخل الأسرة الواحدة، هذا ضابط في الفرقة وذاك ضابط في الحرس الجمهوري، وبسبب العرف شكّل ذلك حزام أمان يمنع حدوث صدام بين الأطراف. اما الأحزاب السياسية تستورد قوالب لا تنطبق على مجتمعنا، بينما لدينا من القيم والأعراف والعادات والتقاليد ما يخدم، وهو أقوى من الدستور. مثلًا، تقول هذه المنطقة "هِجرة"، هذا يعني أنك لا تحمل سلاحًا، ومن المعيب حمله، أو عندما تقول إن هذه المنطقة "مسبلة" لا تستطيع أن تقطع فيها الطريق. كيف كانت هذه القيم والأعراف والعادات والتقاليد هي التي...
رحمة (مقاطعة): لكنكم خرجتم إلى الساحة لا تريدون قبيلة، وقلتم إن علي عبدالله صالح دعم القبائل ومكّنها، والآن تريدون قبيلة! وخرجتم ضد الجيش، والآن تريدون جيشًا؟
المساوى: أنتِ لابد أن تفصلي بيننا وبين الأحزاب، نحن لم نصل إلى هذا النضوج، ولم نبدأ ندرك ونستفهم هذه الأشياء إلا بالملاحظة والممارسة.

رحمة: هذا يعني أنكم تعلمتم وفهمتم. الآن إذا فُرض عليك الخروج ضد العليمي، بماذا تنصح الشباب فعلَه؟ وكيف ممكن تخرجوا؟ لكن أرجوك لا نريد ثورة تدمر البلاد أكثر مما هي عليه. هل هناك أمل في التغيير؟ هل هناك أمل في أن تخرجوا من جديد وتُحدثوا تغييرًا حقيقيًا؟
المساوى (ضاحكًا ومتسائلاً): ثورة ضد العليمي؟
رحمة (مقاطعة): أم أنكم قنعتم؟ أريد أن أعرف، هل هناك أمل في الخروج بثورة واحتجاجات أخرى أم لا؟
المساوى: أنا لا أعرف.
رحمة: لابد أن تتحدث، أنت قلت سنستمر في التغيير، لابد أن ترد الآن. هل ممكن أم وصلت إلى مرحلة لم تعد تريد التغيير؟
المساوى: أنتِ تريدين شخصنتها.
رحمة: ليست شخصنة، ولكنك قلت إن التغيير مستمر.
المساوى: أنتِ وضعتِ سؤالًا ملغومًا، التغيير مستمر، والثورة مستمرة، وطالما هناك فساد فالثورة قائمة، وطالما هناك اختلالات فالثورة قائمة، وطالما هناك ظلم فالثورة قائمة في جميع الأطراف، ويجب ألا نُشخّصنها في شخص واحد.
رحمة: إذًا نقول نظام العليمي، ولا نقول العليمي بشخصه. أنا أريد نقاطًا، أريدك أن تُعلّم الجيل الجديد كيف يحتج بعد دروسكم حتى لا يُكرّروا أخطاءكم. الآن هناك فساد واستبداد على الضفة الأخرى أقبح وأسوأ، الآن من حقنا أن نثور. كان من حقكم، وأنت تمتلك شركة وظروفك أفضل، كيف الآن ونحن مشرّدون ووضعنا أسوأ؟ ما هي نصيحتك إذا أردنا عمل مسيرات؟ من ماذا يجب أن ننتبه؟ هذا كل ما أريده.
المساوى: أولًا، اخرج ولديك مشروع وقيادة وهدف حقيقي، وبعدها فكّر ما الذي يجب أن تعمل.
رحمة: أن تكون سلميًّا وغير مسلح.
المساوى: بكل تأكيد، سِلمي.
رحمة: كيف نعمل قيادة؟ هل تقصد أن نأتي بقيادة مستقلة؟
المساوى: لابد أن تلتف حول القيادة، لا توجد ثورات تخرج بدون قائد، وإذا كان القائد ليس فردًا فلابد أن يكون القائد هو مشروع. نحن بلدنا حتى الآن دولة مخطوفة من كل الأطراف، وجميع الأطراف تسعى إلى استعادة الدولة بشكلٍ ما.
رحمة: استعادة الدولة ممن؟
المساوى: الدولة مخطوفة.
رحمة: إذا كانت السيادة مباحة، فاستعادة السيادة والدولة هنا أولى بالتغيير، أم لا؟ ولكن دعنا نذهب إلى المستقبل. أنت الآن تتهرّب، والجمهور يتابعك، وتقول إنك خرجت بأهداف، والجمهور يراك بوضع أسوأ، وتقول لهم لا تخرجوا، ولكن لا توجد مشكلة، وهنا لابد أن تكون الصورة واضحة. إذا أرادوا الخروج، ما هي التوصيات غير القيادة والالتفاف حولها وأن يكونوا سلميين؟ ما الذي يجب أن يعملوه؟ كيف يرتبوا مطالبهم؟ من ماذا يحذرون؟ هل يحذرون الأحزاب؟ لابد أن نكون واضحين.

المساوى: الثورة تخرج بشكل عفوي، أما ما تتكلمين عنه فهو أجندة جاهزة، وهو موت وانقلاب. الثورة تخرج نتيجة لاحتقانات وما إلى ذلك. النصيحة هنا لا يجب أن نقدمها للشباب، ولكن للقوى السياسية: حاولوا أن تُنقذوا اليمن قبل أن تنزلق إلى ثورة هدامة أكثر من التي كانت من قبل، ثورة جياع حقيقية. أنتِ عندما تتحدثين بهذا الكلام، فكأننا نضع مشروع انقلاب، الرسالة موجهة أكثر للقوى السياسية الموجودة في جميع الأطراف.
رحمة: ولكن هناك رئاسة جمهورية ورئاسة حكومة، وهناك قيادة، وهي ليست حكومة ائتلاف حتى يكون الأطراف فيها.
المساوى: وأنا هنا أتحدث عن جميع الأطراف، كل من كان في محل مسؤولية لابد أن يتدارك ذلك. الأرقام التي تحدثتِ عنها، والمعاناة الموجودة، وفرصة السلام الموجودة الآن، والمراحل المتقدمة التي وصلنا لها، لابد أن نراعيها ونجنب اليمن شيئًا لن نستطيع لملمته.
رحمة: إذا طلب ولدك الخروج إلى ساحة التغيير، هل ستسمح له بذلك؟ أم ستقول له إنك اكتفيت من الدروس السابقة؟
المساوى: إذا هو مؤمن بهدفه، فهو سيكون على مسيرة أبيه.
رحمة: لو عاد الزمان إلى الوراء وبصراحة، وبعد كل الذي رويته، هل ستكرر خروجك إلى الساحات من جديد؟
المساوى: نعم، سأخرج من جديد.
رحمة (ممازحة): هل ستفعل كل هذا الدمار من جديد؟
المساوى: نحن لا نتحمّل المسؤولية.
رحمة: لا يوجد دمار؟ هل ثورتك حققت أهدافها؟
المساوى: أنا ضميري مرتاح أنني استطعت، ومن خلال هذه الثورة، أن أعمل عملًا توعويًا تنمويًا.
رحمة: ووصلنا الى "الروتي داخل البيضة" بدلا من العكس بسبب انك تعلم توعية .
المساوى: سلمونا الرئاسة وبعدها حاسبونا.
رحمة: دعنا نرى جانبًا إيجابيًا، لأننا تعبنا من الجانب السلبي. نحلم باليمن بعد خمس سنوات، كيف تحلم أن تكون اليمن بعد خمس سنوات؟
المساوى: نحن يفترض أن نتجاوز مرحلة الأفكار الرومانسية ونكون أكثر واقعية.
رحمة: صحيح، كيف تتوقع أن تكون اليمن بعد خمس سنوات؟
المساوى: اليمن إذا لم يكن لديها مشروع إنقاذ يبدأ التحرك الآن، بعد خمس سنوات سيكون الوضع أسوأ.
رحمة: وسيخرج الجياع في ثورة.
المساوى: بكل تأكيد، وهذا الشيء الطبيعي، ونعود إلى علوم الاجتماع ونرجع للتاريخ وتجارب العالم الثاني. أنت تحاول تكابر وتضغط على الناس، ولكن هذا الضغط سيتحوّل إلى انفجار كبير وانتكاسة لا يمكن السيطرة عليها، ولابد أن نكون أكثر واقعية وشجاعة ونتخذ قرارًا شجاعًا ونتقدم خطوة.
رحمة: ماذا تقصد بالقرار الشجاع؟
المساوى: أقصد قرار السلام، والآن قد يسمعني البعض ويقول: والدماء التي سُفكت؟ وطرف ثانٍ سيقول نفس الكلام، وأيضًا طرف ثالث، فهل نحن محتاجون لمزيد من الدماء؟ هل نحن محتاجون لوصول سعر دبة البترول إلى 90.000 ريال؟ أنا الأرقام التي أسمعها، التي تأتي من عدن، والأسعار الموجودة، شيء مؤسف.
رحمة: وما كنت تسمع أن اليمنيين انتحروا وعدن بلا كهرباء.
المساوى: ومكان آخر حينما تقول: أنا جائع يرد عليك بأن الجوع خيانة. وحينما تقول انا مريض يقول انت خائن.
رحمة: المساوى، أين سيكون بعد خمس سنوات؟
المساوى: إن شاء الله في مكان أستطيع المساهمة فيه بشكل إيجابي.
رحمة (ممازحة): أهم شيء لا يكون خروج إلى الساحة.
المساوى: أعدك إن شاء الله أن أخرج. أما بعد خمس سنوات أين سأكون، أنا لا أقرأ المستقبل.
رحمة: أقصد ما هو طموحك للسنوات القادمة؟
المساوى: قبل 13 سنة كنت أسأل نفسي: ماذا ستكون بعد سنة سنتين؟ لا أعرف.
رحمة: أصبح المستقبل غامضًا.
المساوى: المستقبل ليس غامضًا. نحن عندما ناقشنا في الحلقة الماضية ما هي طموحاتك في المستقبل، تقريبًا أنا وُلدت وأنا لدي شعور أن أكون شخصًا مؤثرًا في المجتمع، وهذا الشعور والهاجس يراودني في كل لحظة وكل يوم، وأعتقد أنه لن ينتهي حتى آخر يوم في حياتي، وأنا أركز في هذا الموضوع. أما ماذا سأكون بعد خمس سنوات، فهذا شيء يعلمه الله، وأعتقد أني لن أحيد عن أهدافي وقيمي والمشروع الذي أؤمن به.
رحمة: ما هي أبرز خمس قضايا تنصح اليمنيين أن يلتفوا حولها؟
المساوى: مشروع السِلم، التنمية الحقيقية، العدالة الانتقالية، إعادة هندسة العملية السياسية، ومشروع بناء شراكة حقيقية مع الإقليم والمجتمع الدولي حتى نبني دولة، وبدلًا من أن تدخلوا لنا كغزاة، ادخلوا كشركاء. دولة ذات سيادة وقانون واستقرار سياسي. ونحن كنا قد قدمنا استراتيجية اسمها استراتيجيات الخطوات الثلاث، وأول شيء: ابني دولة الأمان. لأن اليمني لا يريد أن يرى برج خليفة أو ناطحة سحاب، هو محتاج للأمن، والأمن دولة عدالة وقضاء. مستعد أن يحرم نفسه من الأكل والقوت، لكن يكون هناك إنفاذ لسلطة القانون ودولة عدل وقضاء. فأنت الآن أغدق الأموال حتى تعمل دولة فيها عدل وقضاء وفق القانون.
رحمة: أو اعدنا على الأقل على ما كنا عليه قبل 2011 أليس كذلك؟
المساوى: هذا في الحد الأدنى .الخطوة الثانية: اعرف أن رأس المال جبان، لا يوجد أي شخص يمكن أن يستثمر في بلدك ما لم تحقق الخطوة الأولى، وهي بناء دولة الأمان والعدل ومحاربة الفساد، وإعادة هيكلة العملية السياسية. لأن المستثمر لن يقوم بأي مشروع في بلدك إلا إذا ضَمِن أن هناك استقرارًا سياسيًا يعمر بعمر المشروع. أنت بلد خارج من حرب، ولا تحلم بخطة مارشال ولا وعود، وغيره. أنت تمتلك من المقومات والثروات الكثير، وأنا اشتغلت في مجال الثروات المعدنية وأملك خبرة 15 عامًا، وزرت اليمن كلها وأعلم ما بها من موارد. ونحن نملك الموارد غير أننا موجودون على الأرض، ما يُغنينا ويحقق تنمية تنسينا كل ذلك، ولكن نحتاج بناء دولة الأمان.
رحمة: لكن قبل هذا، لابد أن نمتلك القرار. ولا تظل تابع للمجتمع الدولي والإقليمي كما ذكرت، وأنت لا زلت تحلم.
المساوى: أنا لا أحلم، وأحدثك عن كلام واقعي. بناء دولة الأمان عمل مشروع عظيم، تمتلك الأرض، وحتى تسلم من القرار الإقليمي والتصادمات، أدخل الجميع في المصلحة على قاعدة الشراكة وسيادة البلد، واعمل كما عملت ماليزيا والدول الأخرى( (B.O.T: Build, Operate, Transfer) - ابنِ وشغّل وحوّل. ونحن يجب أن نتفرغ للمرحلة الثانية، وهي بناء الجيل.
رحمة: ما هي نصيحتك للجيل كونك منذ البداية تعطي نصائح للقيادات؟
المساوى: نصيحتي للشباب أنه لابد من الرجوع للقيم الحقيقية والأساسية التي تربينا عليها.
رحمة: ما هي هذه القيم؟
المساوى: نحن جيل لم نعرف الموبايلات في بدايتنا، نحن جيل الحارة و...
رحمة (مقاطعة): لكنكم عرفتم الوجبات الغذائية وقت الدراسة، لكن هذا الجيل يموت جوعًا، ولا يجد ما يأكله بسبب التغيير الكبير الذي قمتم به.
المساوى: الجيل يموت جوعًا، وأمامه مغريات.
رحمة: ما هي رسالتك للشباب؟
المساوى: نصيحة لكل يمني: اتقِ الله في وطنك ونفسك، هذا أولًا. وثانيًا، لو أن كل واحد يركز ويقوم بعمل شيء مفيد على الأقل في 4 متر، نحن 555.000 كيلو متر مربع، لو قسّمناها على كل يمني، أربعة أمتار في أربعة أمتار، يعمل شيئًا مفيدًا، ويسلم الناس أذاه أننا كلنا سنعيش فيها بسلام.
رحمة: أقدم اعتذاري لك لأنني شددت عليك، ولكن أنت تتخيل وتسمع الناس في كل مكان ناقمين على الذين خرجوا في 2011، ونحن كنا نريد ما هو أفضل، ومن حقنا ذلك، فاعذرني.
المساوى: أستاذة رحمة، لا، أَعذُرك لأننا جلسنا وتناقشنا حول الموضوع كثيرًا، وأعتقد أنه كانت هناك فرصة أن يأتي أحد لغلق هذا الموضوع ولا يُحمَّل الشباب والثورة، وهو جزء من التاريخ. ولا يُحمَّلهم المسؤولية، من يتحمل المسؤولية؟ الجميع، كلٌّ بقدر نواياه وممارسته. وأنا أشكرك على إتاحة هذه الفرصة لمناقشة هذا الموضوع، ويكون إن شاء الله مفيدًا للناس.
رحمة: والناس يستفيدون من الأخطاء ولا يكرروها مستقبلاً.
المساوى، شكرًا جزيلًا لك.
مشاهدينا الكرام، سمعتم حكاية الساحات من البداية حتى النهاية، والأسباب التي خرجوا من أجلها، أما التفاصيل وبقية الحياة فأنتم الذين تعيشونها كل يوم، وأنتم الذين تعانون. نلقاكم الأسبوع القادم في حلقة جديدة وضيف جديد.
ينشر هذا الحوار بالتزامن مع بثه على قناة "حكايتي" على يوتيوب، إعداد وتقديم الإعلامية رحمة حجيرة. لمشاهدة الحلقة (اضغط هنا)