صنعاء 19C امطار خفيفة

معلمات المدارس الخاصة في الحديدة: رواتب هزيلة وضغوط معيشية خانقة

معلمات المدارس الخاصة في الحديدة: رواتب هزيلة وضغوط معيشية خانقة

بينما يواجه معلمو المدارس الحكومية في الحديدة أوضاعًا اقتصادية قاسية جراء انقطاع الرواتب منذ بداية الحرب، لا يبدو حال معلمات المدارس الخاصة أفضل، بل إن واقعهن يكشف عن طبقة جديدة من المعاناة تتقاطع فيها الأجور المتدنية مع المهام المرهقة وارتفاع تكاليف المعيشة.

فعلى الرغم من الدور الكبير الذي تقوم به المعلمات في العملية التعليمية، إلا أن كثيرات منهن يعملن برواتب لا تواكب موجة الغلاء، ويُطالبن بمهام تفوق طاقاتهن، الأمر الذي يرهقهن نفسيًا وجسديًا ويؤثر على جودة التعليم داخل الفصول.
هنادي علي (اسم مستعار)، إحدى معلمات المدارس الخاصة في الحديدة، تقول إنها قبلت براتب زهيد فقط لأنها تحب التعليم وترغب في البقاء في هذا المجال، لكنها واجهت بيئة عمل لا توفر الحد الأدنى من التشجيع على الاستمرار.
وتروي لـ”النداء”: “كنت أدرّس مادة الرياضة لجميع الفصول. رغم أن الراتب بالكاد يغطي مواصلات وأكل بسيط، إلا أني كنت أتحمل لأن أسرتي كانت تساعدني قليلًا”.
وتضيف: “حين مرضت فجأة وغبت أسبوعًا، تم خصم جزء من راتبي لدرجة أني لم أستطع تغطية مصروف الباص والبوفيه. شعرت أن الاستمرار أصبح يكلّفني أكثر مما يمنحني، فتركت العمل”.

ناهد: الراتب 18 ألف ريال

قصة ناهد محمد (اسم مستعار) لا تختلف كثيرًا، لكنها اضطرت للعمل بسبب الظروف المعيشية القاسية. وتقول: “بعد التخرج لم أجد عملًا في تخصصي، فعملت معلمة في مدرسة خاصة. تفاجأت بأن راتبي 18 ألف ريال مقابل 18 حصة أسبوعيًا، لكنني وافقت بسبب حاجتي للراتب مهما كان بسيطًا”.
وبعد عامين، تعرضت ناهد لحادث أقعدها عن العمل مؤقتًا. وعندما استعادت عافيتها وحاولت العودة، وجدت نفسها مجددًا أمام عرض لا يزيد عن 20 ألف ريال مقابل 13 حصة أسبوعيًا.
وتعلّق: “نحن كخريجات لم نتجه للعمل في المدارس الخاصة برغبة كاملة، بل بسبب غياب أي فرص حقيقية. لا توجد خيارات، فقبلنا بالأجر الزهيد على أمل أن يتحسن الوضع”.
وبحسب تقرير للبنك الدولي صدر العام الماضي، فإن معدل البطالة في اليمن بلغ 17%، فيما تجاوزت بطالة الشباب حاجز 32%، ما يعكس ضيق سوق العمل وطوابير الباحثين عن فرص.

مدارس برسوم منخفضة

مديرة إحدى المدارس الخاصة في الحديدة - فضّلت عدم ذكر اسمها - تؤكد أن أعلى راتب تتقاضاه المعلمة لا يتجاوز 35 ألف ريال، مرجعة ذلك إلى انخفاض الرسوم الدراسية مقارنة بمدن أخرى.
وتقول لـ"النداء" : “الغالبية العظمى من الطلاب ينتمون لأسر متوسطة وفقيرة، وهذا يجعل المدارس تعمل بموارد محدودة جدًا. لذلك يصعب رفع الرواتب أو تغطية النفقات”.
وتوضح الخبيرة الاقتصادية زهور السعيدي أن تدني أجور المعلمات في الحديدة جزء من أزمة اقتصادية أعم تعيشها البلاد.
وتقول لـ"النداء" : “المدارس الخاصة تعتمد على رسوم دراسية محدودة، لأن أغلب الأسر بالكاد تستطيع دفعها. هذا يدفع ملاك المدارس إلى تقليص النفقات، وتكون رواتب المعلمات أول ضحايا هذا العجز المالي”.
وتضيف:
“هناك فائض كبير من الخريجات الباحثات عن عمل، ما يدفع الكثيرات للقبول برواتب متدنية خوفًا من البطالة. وهكذا تتحول مهنة التعليم إلى مصدر دخل هامشي لا يضمن الحد الأدنى من العيش الكريم”.
وتشير السعيدي إلى أن آثار هذا الوضع تتجاوز الجانب الاقتصادي لتنعكس مباشرة على جودة التعليم: “المعلمة التي تتقاضى 35 ألف ريال شهريًا لا يمكنها تغطية تكاليف المعيشة الأساسية، وهذا يخلق إرهاقًا نفسيًا واجتماعيًا ينعكس على أدائها داخل الصف، فيضعف التحصيل الدراسي للطلاب”.
وترى السعيدي أن أزمة أجور المعلمات ليست مجرد مشكلة اجتماعية، بل مؤشر اقتصادي على اختلال سوق العمل النسوي وغياب العدالة في توزيع الدخل، مؤكدة أن إصلاح قطاع التعليم الخاص ضرورة اقتصادية قبل أن يكون مطلبًا حقوقيًا.

الكلمات الدلالية