شتاء الحديدة.. فصل يجمع الأهل وينعش المدينة
الحديدة
مع حلول فصل الشتاء من كل عام، تستعد أم مجاهد (67 عامًا) القادمة من ريف محافظة تعز لزيارة زوجها وأبنائها المقيمين في مديرية الحالي وسط مدينة الحديدة.
تشكل هذه الفترة من السنة، بطقسها المعتدل، فرصة ثمينة للقاء العائلي الذي تشتاق إليه، بعد أشهر من الغياب تفرضها حرارة الصيف الشديدة التي تمنعها من السفر أو تحمل أجواء المدينة الحارة.
تقول أم مجاهد لـ "النداء" :"مع بداية فصل الصيف، اضطر إلى مغادرة منزلي وأفراد أسرتي في الحديدة، هربًا من حرارة الجو المرتفعة التي تفاقم حالتي الصحية ويتسبب لي بالتهابات جلدية مؤلمة نتيجة وزني الزائد".
رغم تعلقها بأسرتها، تجد ام مجاهد نفسها مجبرة على الانتقال إلى منزلها في ريف مديرية الصلو بمحافظة تعز، حيث الأجواء أقل قسوة، لتقضي شهور الصيف بعيدًا عن زوجها وأبنائها حفاظًا على صحتها.
تضيف أم مجاهد: "بعد عام 2018 حاولت التأقلم مع حرارة الجو في الحديدة، لكني لم أستطع، وتدهورت صحتي بشكل أكبر ومنذ ذلك العام، أصبحت أغادر المدينة في الصيف وأعود فقط في الشتاء،الشتاء أصبح فصلي المفضل، الفصل الذي أعيش فيه أيامًا جميلة مع أفراد أسرتي، خاصة وأن الطقس في الحديدة يكون لطيفًا ومناسبًا خلال هذه الفترة من السنة."
مع انكسار حرارة الصيف اللاهبة، تبدأ مدينة الحديدة في استعادة ملامحها الاجتماعية المعتادة، حيث تعود العشرات من الأسر التي اضطرت لمغادرتها خلال فصل الصيف بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع الكهرباء، إلى منازلها وأحيائها الدافئة بحثًا عن الاستقرار مجددًا.
هذا النمط من "النزوح الموسمي" بات شائعًا في الحديدة، خاصة في أوساط العائلات التي لديها أطفال أو مرضى لا يتحملون الحر الشديد، وتفتقر للقدرة على توفير بدائل كالتكييف أو المولدات الكهربائية، ومع بداية الشتاء، تعود تلك العائلات للاستقرار المؤقت في منازلها التي هجرتها مؤقتًا بفعل قسوة المناخ
فصل يجمع الأحبة
ابراهيم يحيي وهو أحد سكان مدينة الحديدة ينتظر الشتاء بفارغ الصبر حتى تعود أسرته الذي تضطر للنزوح بسبب الحر ويستقر برفقتهم مؤقتا في الشتاء.
يقول لـ"النداء" :" الحر لا يطاق في الصيف خاصة على كبار السن والأطفال لذا أجبر على مفارقة اطفالي الذين يعانون من تسلخات وتقيحات في أجسادهم ، لا يعودون الا في فصل الشتاء حيث يكون الجو معتدلا ومناسب للعيش.
ويضيف:" تنقل أسرتي بين الشتاء و الصيف بشكل عبئا ماديا ونفسيا إلا أنه يرى أن عودتهم في الشتاء تعيد لهم البهجة والاستقرار وان كان مؤقتا
مع بداية فصل الشتاء، تعود أم سامي الى الحديدة بعد أن تقضي أشهر الصيف في أحد منازل أقاربها بصنعاء هربًا من الحر الشديد، ومع اعتدال الجو، تجد في الحديدة الدفء الذي تفتقده، وتغتنم هذه الفرصة للقاء بناتها اللاتي يعشن في مديريات متفرقة من المحافظة.
تقول أم سامي "أغادر منزلي وأفارق أولادي وبناتي في الصيف، لكن شتاء الحديدة يجمعنا، نلتقي كعائلة واحدة، نزور المنتزهات والحدائق، ونقابل أهلنا القادمين من محافظات مختلفة، يفرقنا الصيف بحرّه، لكن الشتاء يعيد شملنا ويغمرنا بالدفء والونس."
فصل المناسبات
مع بداية فصل الشتاء، تتحوّل مدينة الحديدة إلى وجهة موسمية للفرح، حيث تكثر المناسبات الاجتماعية، وعلى رأسها حفلات الأعراس ولمّ الشمل الأسري، الطقس المعتدل في هذه الفترة من العام يخفف من مشقة التجمعات، ويُشجع الكثير من الأسر، خاصة من نزحوا مؤقتًا خلال الصيف، على العودة للمشاركة في أفراح الأقارب أو إقامة مناسباتهم الخاصة في أجواء مريحة.
ولا يقتصر شتاء الحديدة على المناسبات الرسمية، بل يشهد كذلك نشاطًا اجتماعيًا واسعًا يتمثل في التجمعات العائلية في المنازل وعلى سواحل البحر، وفي المنتزهات والكافيهات والمطاعم، كما تجد النساء أماكن مخصصة للقاءاتهن في الهواء الطلق، بينما يجتمع الرجال في زوايا أخرى، في صورة تعكس تقاليد اجتماعية متوارثة وروحًا مجتمعية تنبض بالحياة في هذا الفصل تحديدًا.
فصل ينعش المدينة
ما إن تطأ قدمك محافظة الحديدة في فصل الشتاء، حتى تلمس حركة غير معهودة خلال أشهر الصيف. الشوارع تعج بالحياة، والأسواق تزداد ازدحامًا، والمرافق الخدمية والمنتزهات والمواقع السياحية تنبض بالزوار، في مشهد يكشف حجم الإقبال الكبير من اليمنيين الذين يقصدون المدينة إما بقصد السياحة والاستجمام، أو كعودة مؤقتة لأبنائها الذين هجروها هربًا من حر الصيف وعادوا للقاء أحبّتهم.
تزداد المطاعم اكتظاظًا مع اشتداد برودة الجو في المناطق الجبلية، ويصبح من الصعب العثور على منازل للإيجار، فيما تشهد الفنادق إقبالًا غير مسبوق. أما الشوارع، سواء الرئيسية أو الفرعية، فتكتظ بالمركبات المختلفة، وتغص الأرصفة والأحياء والأزقة بالمارة، في مشهد شتوي يضفي على الحديدة طابعًا استثنائيًا قلّما تشهده بقية فصول العام.
يقول الصحفي الاقتصادي وحيد الفودعي إن نزوح السكان من مدينة الحديدة خلال فصل الصيف يؤثر سلبًا على النشاط الاقتصادي المحلي، خصوصًا في قطاعات الخدمات والتجزئة والنقل والإسكان، نتيجة انخفاض الطلب والاستهلاك، مما يؤدي إلى ضعف السيولة النقدية في الأسواق.
ويضيف في حديثه لـ"النداء' أن المدينة تخسر خلال فترة النزوح المؤقت جزءًا من الإنتاجية العمالية والإيرادات التجارية، إضافة إلى تراجع أعمال المرافق العامة، في حين تتحمل الأسر تكاليف إضافية للنزوح المؤقت، ما ينعكس على قدرتها الشرائية بعد العودة.
وأكد الفودعي أن استقرار السكان في الحديدة طوال العام يعزز مناخ الاستثمار المحلي، ويشجع على استمرارية الأنشطة الاقتصادية الصغيرة، مشيرًا إلى أن تحسين خدمة الكهرباءيمكن أن يكون عاملًا حاسمًا في تقليل النزوح الموسمي، نظرًا لأن السبب الرئيسي وراءه هو ارتفاع درجات الحرارة والانقطاع المتكرر للكهرباء.
رغم التحديات الاقتصادية التي تواجهها كثير من الأسر في الحديدة ، يبقى فصل الشتاء في الحديدة فرصة للفرح والعودة واللقاء، وموسمًا يعيد التوازن العاطفي والروحي للكثير من الأسر التي طالما أرهقها صيف الغربة والحر.