صنعاء 19C امطار خفيفة

شبوة: إعدام خارج القانون يشعل الغضب ويكشف فراغ الدولة

شبوة: إعدام خارج القانون يشعل الغضب ويكشف فراغ الدولة

هزّت جريمة الإعدام القبلي التي راح ضحيتها الشاب أمين ناصر الضيني باحاج في محافظة شبوة، جنوب شرق اليمن، الرأي العام اليمني، وأثارت موجة غضب واسعة، لا سيما بعد توثيق الواقعة بالفيديو وتداولها على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي. واعتبر يمنيون وناشطون أن تصوير الإعدام ونشره يمثل جريمة إضافية، تضاف إلى تنفيذ القتل خارج إطار القضاء والقانون، وبما لا يمتّ للأعراف القبلية اليمنية بصلة.

ومع تحوّل القضية إلى شأن عام، اندلعت اشتباكات مسلحة بين أفراد من قبيلة آل باحاج التي ينتمي إليها الضحية، وقبيلة آل لسود التي أظهر الفيديو تورّط مسلحين منها في تنفيذ الإعدام، ما فتح باب التساؤلات حول ملابسات الجريمة وخلفياتها، وما سبقها من أحداث.


غضب مجتمعي

تعود تفاصيل الحادثة إلى صباح الأربعاء الماضي، حين أقدم الشاب أمين باحاج على إطلاق النار وقتل الشاب باسل المرواح البابكري، المنتمي إلى قبيلة آل لسود. وقد تضاربت الروايات حول دوافع الجريمة؛ إذ تحدثت بعض المصادر عن خلاف على قطعة أرض، فيما أشارت روايات أخرى إلى مشاجرة أعقبت حادث تصادم بين سيارتي الشابين.

في المقابل، أكد مصدر قبلي من مديرية حبان بمحافظة شبوة لـ«النداء» أن الجريمة وقعت دون أي خلاف سابق أو معرفة مسبقة بين الطرفين، مرجّحاً أن الدوافع الحقيقية ما تزال غامضة حتى الآن.

وعقب الحادثة بساعات، ووعياً من قبيلة آل باحاج بخطورة ما جرى، قامت باحتجاز ابنها وتسليمه إلى قبيلة آل لسود، تفادياً لتداعيات الثأر، وعلى أساس أن يُسلّم لاحقاً للجهات القضائية المختصة للنظر في قضيته وفق القانون، في خطوة هدفت إلى وأد الفتنة وحقن الدماء.

اثناء  تسليم الشاب

غير أن الفيديو المتداول أظهر أقارب الشاب أمين وهم يسلمونه لأسرة القتيل، قائلين: «هذا ابنكم، وهذا ابننا… اعدموه أو اسجنوه كما شئتم». وبعد مغادرتهم المكان، أقدم مسلحون قبليون على تكبيل الشاب وإطلاق النار عليه من أسلحة رشاشة، بينما كان يصرخ: «أنا مظلوم».

وسرعان ما انتشر المقطع المصوّر على نطاق واسع، مثيراً استنكاراً شديداً في الأوساط الحقوقية والمجتمعية، التي وصفت الواقعة بأنها جريمة مكتملة الأركان، مدانة شرعاً وقانوناً، ومرفوضة حتى وفق الأعراف القبلية اليمنية.

عجز حكومي

في أعقاب انتشار الفيديو وتصاعد موجة الغضب، قال محافظ شبوة عوض محمد بن الوزير العولقي بأن السلطات المحلية لن تتهاون مع أي ممارسات تمسّ الأمن العام أو تنتهك النظام والقانون، مؤكداً ضرورة ضبط المتورطين وإحالتهم للتحقيق وفق الإجراءات القانونية.

بدورها، أصدرت شرطة شبوة بياناً أوضحت فيه أنها باشرت مهامها فور تلقي البلاغ، وتحركت إلى موقع الجريمة، وتمكنت من الوصول إلى المنطقة ومحاصرة المكان الذي تواجد فيه الجناة، إلا أن تلك الجهود - بحسب البيان - لم تُقابل بالتعاون المطلوب أو الانصياع لأحكام النظام والقانون.

وأكدت الشرطة أن الجهات المختصة ستجري تحقيقاً شاملاً في جميع ملابسات الواقعة وما تم تداوله إعلامياً، وأن الإجراءات القانونية ستُتخذ دون تهاون، انتصاراً لسيادة القانون، وحماية للحق العام، وترسيخاً لهيبة الدولة.


تصفية حسابات؟

في خضم الجدل، ذهب ناشطون إلى ترجيح وجود دوافع سياسية خلف الجريمة، مشيرين إلى معلومات تفيد بأن القتيل باسل المرواح البابكري كان قد احتُجز سابقاً في سجون تابعة لتشكيلات موالية للإمارات في شبوة، على خلفية اتهامات بالانتماء لتنظيم القاعدة. غير أن ناشطين آخرين استبعدوا هذه الفرضية، معتبرينها غير قائمة على معطيات مؤكدة.

ويرى الناشط حسين اليافعي أن تنفيذ القصاص ميدانياً بات ظاهرة متكررة في المناطق التي يغيب عنها دور الدولة وتخضع لسيطرة تشكيلات مسلحة، كما حدث في محافظات أخرى، مشيراً إلى أن أخطر ما في الحادثة ليس القتل فحسب، بل تصوير الإعدام وتوثيقه ونشره، في انتهاك صارخ لكرامة الإنسان ولمشاعر أسرة وقبيلة الضحية.

من جانبه، اعتبر الصحفي والناشط الحقوقي توفيق الشنواح أن ثورة 14 أكتوبر قامت أساساً لإزالة مثل هذه الممارسات وإقامة دولة القانون والعدل والمساواة، وصون الحقوق والكرامة الإنسانية، بما في ذلك حق المتهم في محاكمة عادلة، محذّراً من عودة ممارسات ما قبل الاستقلال تحت مسميات جديدة.

وفي السياق ذاته، استنكر مشايخ قبليون ما جرى، واعتبروه «عيباً أسود» يسيء إلى القبيلة والعرف، واستهتاراً صريحاً بالدولة والقانون.

ودعت مؤسسات حقوقية، من بينها المركز الأمريكي للعدالة، النيابة العامة إلى التحقيق في جريمتي القتل: الأولى المتمثلة في جريمة القتل الأصلية، والثانية في جريمة الإعدام الميداني، ومحاسبة جميع المتورطين. كما حذّر ناشطون من أن تنفيذ العقوبات بوسائل قبلية يشكل انتهاكاً خطيراً لمبدأ سيادة القانون واحتكار الدولة لسلطة العقاب، مؤكدين أن هذا المسار لا يحقق العدالة ولا يردع الجريمة، بل يفتح دوامة لا تنتهي من العنف، ويحوّل المجتمع إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات.

الكلمات الدلالية