الجرائم السيبرانية في اليمن.. تصاعد مقلق وحاجة ملحة لتشريع قانوني
شهد العام 2025 حراكًا لافتًا في ملف الأمن السيبراني في اليمن، تزامن مع تصاعد ملحوظ في وتيرة الجرائم الإلكترونية، ومحاولات الاختراق، وجهود الضبط والمكافحة في عدد من المحافظات.
وفي المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، سُجِّلت 134 جريمة إلكترونية من إجمالي 170 جريمة منذ مطلع العام وحتى نهاية أكتوبر الماضي، بحسب شكاوى مواطنين وجهات رسمية قُدّمت إلى وزارة الداخلية في عدن.
وفي 26 يوليو، تعرضت وزارات ومؤسسات تابعة لحكومة صنعاء لهجوم سيبراني من جهات مجهولة، أدى إلى انقطاع خدمة الإنترنت عن مناطق عدة في البلاد.
ومع اتساع نطاق هذه الجرائم، تزايد اهتمام السلطات والمنظمات والأفراد بضرورة الإحاطة بمختلف الجوانب المرتبطة بهذا النمط المستجد من الانتهاكات، التي لا تقل خطورة عن الجرائم التقليدية التي تُرتكب وجهًا لوجه.
خط الدفاع الأول
في حديثه لـ«النداء»، يؤكد الباحث في الأمن السيبراني محمد عباس أن مفتاح مكافحة الجرائم السيبرانية في اليمن يكمن في المعرفة، مشيرًا إلى افتتاح العديد من الجامعات وكليات علوم الحاسوب أقسامًا متخصصة في الأمن السيبراني، إلى جانب عمل الأجهزة الأمنية على تدريب عدد من منتسبيها في مجال مكافحة الجرائم الإلكترونية.
وكانت الأمم المتحدة قد خصصت الرابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول يومًا عالميًا لمكافحة الجريمة السيبرانية. وتُعرَّف الجريمة السيبرانية أو الإلكترونية بأنها أي نشاط إجرامي يستخدم الحواسيب أو الشبكات الرقمية للاعتداء على الأفراد أو الشركات أو الحكومات، بغرض تحقيق مكاسب مالية أو لأهداف أخرى كالتخريب أو الإضرار بالسمعة. وتشمل هذه الجرائم الاحتيال، وسرقة البيانات، والتجسس، والابتزاز، وإنتاج وتداول مواد غير قانونية، ما يستدعي تشريعات وقوانين دولية ووطنية فاعلة لمواجهتها.
وتُنفَّذ هذه الجرائم عبر وسائل الاتصال الحديثة مثل الإنترنت والبريد الإلكتروني وغرف الدردشة، وتشمل سرقة الهويات الرقمية، واختراق البيانات والأنظمة، والابتزاز الإلكتروني، وانتهاك حقوق النشر، والتجارة غير المشروعة عبر الشبكة.
ضبط الجرائم
في عدن، أفادت الإدارة العامة للبحث الجنائي بأن الأجهزة الأمنية والشرطية في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية ضبطت 144 متهمًا بجرائم الأمن السيبراني من أصل 196 متهمًا، بنسبة ضبط بلغت 73%.
وبلغ عدد الضحايا 139 شخصًا، منهم 94 ذكورًا و44 إناثًا، إضافة إلى جريمة واحدة استهدفت مؤسسة عامة.
وأوضحت الإحصائية أن 115 جريمة أُحيلت إلى النيابات، فيما انتهت 7 جرائم بالصلح والتنازل، و16 جريمة ما تزال قيد الإجراءات، و21 جريمة قيد التحري والمتابعة، بينما قُيِّدت 11 جريمة ضد مجهول ورُحّلت للعام التالي.
وبحسب التصنيف الجنائي لقانون الجرائم والعقوبات، توزعت الجرائم الإلكترونية المسجلة بين: 31 جريمة قذف وسب، و23 جريمة ابتزاز، و22 جريمة انتحال وظائف وشخصيات، و15 جريمة احتيال ونصب، و13 جريمة مخلة بالآداب العامة وأفعال فاضحة، و11 جريمة نشر محتوى مخل وهابط، و10 جرائم تهديد، جريمتي سرقة بالإكراه، جريمة واحدة إيذاء عمدي.
لفت الانتباه إلى التوعية
وفي إطار التوعية بأهمية الأمن السيبراني، أقيمت في صنعاء أواخر يوليو ورشة عمل حول المخاطر السيبرانية وطرق الحماية من الهجمات الإلكترونية والجرائم المالية، نظمتها جمعية البنوك اليمنية، بمشاركة 40 ممثلًا عن البنوك والمحافظ الإلكترونية وشركات التأمين.
كما أُقيمت دورة تدريبية حول دور القضاء في مواجهة الجرائم الإلكترونية وفضّ المنازعات المصرفية، شارك فيها 70 مشاركًا من القضاة والعاملين في القطاع المصرفي، وناقشت أوراق عمل تناولت الأمن السيبراني واستراتيجيات الوقاية، والتهديدات الفنية التي تواجه القطاع المصرفي، ودور أنظمة الذكاء الاصطناعي في تعزيز أدلة الإثبات.
وتطرقت الأوراق أيضًا إلى إجراءات الاستدلال والتحقيق في الجرائم الإلكترونية، وأثرها في سلامة الدليل الإلكتروني وحجيته في الإثبات، والتكييف القانوني للجرائم السيبرانية.
وأكدت توصيات الورشة ضرورة الإسراع في استكمال إجراءات إصدار قانون خاص بجرائم تقنية المعلومات والأمن السيبراني، والتنسيق مع قيادات السلطة القضائية لعقد ورش تدريبية متخصصة لأعضاء النيابة والقضاة، لتعميق الفهم القانوني لهذا النوع من الجرائم، وآليات التحقيق والمحاكمة، والعقوبات الممكنة إلى حين صدور التشريع الخاص.
أهمية وجود قانون
من جانبه، يشير خبير الأمن السيبراني طارق العبسي إلى تزايد الحاجة الملحة في اليمن لوجود قانون خاص بالجرائم الإلكترونية، يحدد الأفعال المجرّمة والعقوبات الرادعة، بما يسهم في حماية الأمن المعلوماتي وصون خصوصية المواطنين.
ويرى العبسي أن سنّ مثل هذا القانون من شأنه تعزيز الثقة باستخدام التكنولوجيا، والحد من انتشار الجرائم الرقمية كالاختراق والابتزاز والتزوير الإلكتروني، بما يفضي إلى بيئة إلكترونية أكثر أمانًا واستقرارًا تخدم مسار التنمية الوطنية.