صنعاء 19C امطار خفيفة

المتحف البحري بالمكلا.. مرسى الذاكرة اليمنية على شاطئ التاريخ

المتحف البحري بالمكلا.. مرسى الذاكرة اليمنية على شاطئ التاريخ
المتحف البحري بالمكلا

بعد أكثر من ثلاثة عقود على تأسيسه وتعثر افتتاحه مراتٍ عدة، استعاد متحف التراث البحري والشعبي بمدينة المكلا أنفاسه أخيراً، ليُفتتح رسمياً في الخامس من نوفمبر الجاري كأول متحفٍ بحري في اليمن يوثق الذاكرة البحرية والثقافية لمختلف المناطق الساحلية.

يضم المتحف بين جدرانه وثائق نادرة، وصوراً ومخطوطات، ومجسماتٍ ومقتنياتٍ أثرية تروي سيرة البحر والإنسان في اليمن، وقد شُيّد على مساحة تبلغ 4500 متر مربع في منطقة الحامي بمديرية الشحر، على مقربة من البحر العربي، بتصميمٍ دائري تتوسطه سفينة شراعية قديمة ترمز لمجد الملاحة الحضرمية.
احدى الوثائق الموجودة في المتحف
تقول عبير الحضرمي، مديرة مكتب الثقافة بمحافظة حضرموت، في حديثها لـ«النداء»، إن المتحف يمثل «ذاكرة حضرموت البحرية والثقافية، والجسر الذي يربط الأجيال بتراثهم العريق ويُعيد للبحر مكانته في الوعي الجمعي لأبناء المنطقة».

من فكرة محلية إلى صرح وطني

تعود فكرة إنشاء المتحف إلى عددٍ من وجهاء وأهالي الحامي، معظمهم من العاملين في الملاحة البحرية والمغتربين في الخارج، ممن رأوا ضرورة جمع المقتنيات الأثرية المنتشرة في منازلهم ضمن إطارٍ مؤسسي يحفظها للأجيال القادمة.
تبلورت المبادرة على يد أحمد باطايع، أحد أبناء الحامي، الذي تولّى لاحقاً رئاسة الهيئة العامة للمتاحف في اليمن، ولا يزال يشغل المنصب حتى اليوم.
من مكونات المتحف
وفي 7 يونيو 1992، باشرت لجنة إحياء التراث البحري والشعبي بالحامي - المكونة من شخصيات اجتماعية ووجهاء محليين - تنفيذ اللبنات الأولى للمشروع. وأُعلن عن تأسيس المتحف رسمياً على لسان علي عبدالقوي، مدير عام المتاحف في الهيئة العامة للآثار آنذاك، بينما تم وضع حجر الأساس في عهد محافظ حضرموت صالح عباد الخولاني.
اكتملت المرحلة الأولى من البناء عام 1994، ليتحول بعد عقود من الجمود إلى مزارٍ ثقافي وسياحي بارز لطلاب المدارس والباحثين والمهتمين بالتراث البحري.

مقتنيات تحكي تاريخ البحر

يقول محمد باهارون، مدير عام المتحف، إن بعض مقتنياته تعود إلى أكثر من 250 عاماً، مشيراً إلى أن المتحف يتكوّن من ثلاث صالاتٍ رئيسية ومساحاتٍ مفتوحةٍ للعرض.
وتشمل المقتنيات خرائط ملاحية وسجلات ربابنة ودفاتر توثّق الرحلات البحرية القديمة، إضافةً إلى خرائطٍ بحريةٍ تعود للقرن التاسع عشر، ومخطوطاتٍ وكتبٍ ترصد مسارات التجارة البحرية التي كانت تربط حضرموت وعدن بموانئ آسيا وإفريقيا.
مقتنيات البحر
كما يضم المتحف نماذج لقوارب وسفنٍ خشبية تقليدية، وأدوات الصيد القديمة، وأجهزة ملاحةٍ كالبوصلات وأدوات قياس الشمس، وأحواضاً مائيةً ومحاكياتٍ تعليمية.
وتعرض إحدى القاعات مقتنياتٍ نادرة من جمعية النقل العدنية ومجسماتٍ شراعية تعكس مهارة الحرفيين اليمنيين في صناعة السفن الخشبية.

عودة إلى الحياة

يصف الصحفي والباحث في التراث عبيد واكد المتحف بأنه "صرح نوعي وفريد"، كونه أول متحفٍ متخصصٍ في التراث البحري على مستوى اليمن. ويضيف لـ«النداء»: «ما يميّز هذا المتحف ليس فقط مقتنياته البحرية التي تُعرض لأول مرة، بل أيضاً موقعه في الحامي، المدينة التي شكّلت عبر قرونٍ مركزاً لصناعة السفن الخشبية والرحلات البحرية».
ويرى واكد أن المتحف رغم أهميته ما زال بحاجةٍ إلى توسعةٍ وصالاتٍ إضافيةٍ لعرض السفن الخشبية القديمة وتجهيزاتٍ فنيةٍ حديثة تواكب قيمته التاريخية، آملاً أن تتبنى السلطات والجهات الثقافية هذه المتطلبات قريباً.
جانب من المتحف
تؤكد عبير الحضرمي أن إعادة افتتاح المتحف تمّت بدعمٍ مباشر من السلطة المحلية بمحافظة حضرموت، التي موّلت عملية التأهيل والترميم وسرّعت إجراءات الافتتاح، مشيرةً إلى أن «هذا الصرح العريق عاد للحياة بعد توقفٍ دام أكثر من ثلاثة عقود».
بدوره، يعبّر محمد باهارون عن تطلعه إلى إنشاء قاعات جديدة للتراث السمكي والفنون البحرية، ومراكز تدريبٍ للبحارة والصيادين، داعياً إلى تعزيز الدعم المادي والإعلامي للمتحف، وتشجيع جمع المقتنيات البحرية من مختلف المحافظات اليمنية - عدن، أبين، شبوة، حجة، المهرة، سقطرى، الحديدة - ليصبح المتحف معلماً سياحياً وطنياً وذاكرةً حيةً للهوية البحرية اليمنية.

الكلمات الدلالية