الإعلام والهوية
يُعاود مصطلح الهوية الوطنية حضوره في وسائل الإعلام المختلفة بشكل لافت في الآونة الأخيرة، إثر التحولات والمتغيرات الجارية على مستويات عديدة، كان لا بد من التعامل مع ذلك الاهتزاز في مسألة شديدة الحساسية كالهوية والوطن والمستقبل والانتماء وغيرها، وإخضاعها للفحص المحلي، ومدي قابليتها للوقوق أمام الأزمات الراهنة، فاستدعاء المذهبية والطائفية وغيرهما من المفردات التي تظهر اليوم في الخطاب الإعلامي، ومحاولة تأجيجها في الوعي الجمعي، وإحياء مشاريع التفرقة والانقسام، يشكل خطورة بالغة، وينسف مبدأ التعايش، ويلغي أية شراكة قادمة، على اعتبار أن الوطن لا يمكن اختزاله في أي حزب أو جماعة أو فئة من الناس.
لقد بات الإعلام اليوم إحدى وسائل الهيمنة لفرض شروط وسياسات الدول الكبرى، على تلك المجتمعات التي تشهد اضطرابات أمنية، لكن في المقابل هناك من يرى أن الإعلام أيضًا يشكل حائط صد أمام تلك النزعة والهجمة التي تشنها تلك الوسائل، وإحباط مراميها من خلال تفنيد مزاعمها، طالما امتلك بنية قوية في خطابها المُضاد، خصوصًا وأن الإعلام الجديد المتمثل بالوسائل والوسائط الجديدة، لعبت دورًا في تغير الكثير من الأنماط السلوكية، تغيرت على إثره كيفية التعاطي مع الآخر، ناهيك عن الغزو الإعلامي بمفهومه السياسي الذي يؤطر الفكرة القائمة، بحيث تتماهى مع مشاريعه السياسية سواء محليًا أو في منطقتنا العربية، بحيث أصبحت مفاهيم الاستقلال والسيادة والهوية مسألة نقاش لا خطوطًا حمراء ومحرمات تقتضي عدم الخوض فيها لأنها ثابتة لا تتبدل.
أعتقد أننا سنشهد المزيد الإنجازات العلمية المتلاحقة، ولن يقف الإعلام الجديد عند هذا الحد، فسيكون هناك إدخالات جديدة متسارعة لتكنولوجيا جديدة ستغطي مجالات الحياة البشرية، بشكل أكبر مما هي عليه، وستصنع عالمًا مختلفًا متجاوزًا الحدود السيادية والرقابية بمنظومات اتصال متفوقة جدًا.