صنعاء 19C امطار خفيفة

فؤاد عبدالقادر.. الصحفي الذي نساه الجميع

فؤاد عبدالقادر.. الصحفي الذي نساه الجميع

في زاوية صغيرة من شقته المتواضعة بصنعاء، يرقد فؤاد عبدالقادر البراق، جسد أنهكه المرض وذاكرة مثقلة بثلاثة عقود من العمل الصحفي، قضاها في بلاط "مؤسسة الثورة للصحافة والنشر" - المؤسسة الأعرق والأكبر في اليمن. أكثر من خمسة وثلاثين عاماً ظل فؤاد يكتب ويحرر ويشرف على صفحاتٍ كانت تصنع الوعي العام وتضيء عقول القرّاء، قبل أن يخفت ضوءه هو، تاركاً وراءه سيرةً تختصر حال الصحفي اليمني حين يمرض أو يُقصى.

من غرفة الأخبار إلى سرير المرض

عمل فؤاد في معظم أقسام المؤسسة، متنقلاً بين الصحف والمجلات التابعة لها، حتى استقر مديرًا لإدارة التحرير الثقافي. كان من أولئك الذين عاشوا الصحافة كرسالة. لم يغادر مكتبه إلا حين أُنهك جسده بعد سنواتٍ من العطاء، لتهاجمه الجلطات الدماغية المتتالية، وتتركه طريح الفراش منذ أكثر من شهرين.
اليوم، لا يملك فؤاد ثمن وصفة طبية تخفف آلامه، فيما تعيش أسرته صراعاً مزدوجاً بين الجوع والخذلان. المؤسسة التي خدمها نصف عمره تنكرت له، ولم تبادر حتى بتكاليف العلاج أو مستلزمات الرعاية. أما زملاؤه ورفاق دربه، فقد غاب أكثرهم عن المشهد، منشغلين بصراعاتهم الصغيرة أو بمواقعهم الجديدة في سلطة لا تذكر روّادها إلا حين يرحلون.

عمرٌ من العطاء بلا مقابل

لم يحصد فؤاد عبدالقادر من سنوات العمل الطويلة بيتا يسكنه أو سيارة تقله أو رصيداً يقيه العوز. كل ما امتلكه هو سمعته الطيبة ومحبة من عرفوه عن قرب. اليوم، يسكن شقة صغيرة لم تتمكن أسرته منذ ثلاثة أشهر من دفع إيجارها بسبب انقطاع المرتبات وتوقف مصادر الدخل. ما يصلهم من مساعدات متفرقة لا يكفي حتى لتغطية ثمن الدواء.
قبل ثلاثة أشهر، سقط فؤاد في الشارع بينما كان يبحث عن لقمة تسد رمق أسرته. أُسعف إلى المستشفى، وأظهرت الفحوص إصابته بجلطتين دماغيتين. أوصى الأطباء بإدخاله العناية المركزة، لكن أسرته لم تستطع تدبير المبلغ المطلوب، فاضطرت لإعادته إلى البيت، حيث لا يزال حتى اليوم عاجزاً عن الحركة.

نداء بلا صدى

مناشدات كثيرة تم توجيهها إلى وزارتي الإعلام في صنعاء وعدن، وإلى إدارة مؤسسة الثورة نفسها، لإنقاذ حياة هذا الصحفي الذي أفنى عمره في خدمة المهنة والوطن. يحتاج فؤاد منحة علاج عاجلة أو نقلٌ للعلاج في الخارج، لكن النداءات ضاعت في دهاليز التجاهل البيروقراطي، ولم يلتفت أحد إلى صرخته الخافتة.
بين أوراقه القديمة وصور زملائه، يرقد فؤاد متأملاً سنوات مضت دون مقابل، كأنه يختصر مأساة المهنة في هذا البلد: أن تكتب للناس الحقيقة، ثم تموت بصمتٍ حين تحتاج من يكتب عنك.

الكلمات الدلالية