صنعاء 19C امطار خفيفة

على أهبة الاستعباد

إذا أردت رسم صورة مجسمة ومقربة ثلاثية الأبعاد وبانورامية المنظر، لمعظم عرب اليوم، ستجد أن هذه العبارة، التي صدرنا بها كعنوان لهذا الموضوع، تنطبق تمام الانطباق على حالهم، ووضعهم المعيش.

لكأن عبارة "على أهبة الاستعباد" تمثل لسان حالهم، بما هم يعيشون أسوأ فترة في حياتهم، وفي حلكة ظلام دامس، لم يحالفهم الحظ ببصيص نور يسطع من هنا أو هناك.
فوضع العرب "العاربة"، منذ ما بعد استقلال الدولة القطرية، خلافًا على الآخرين، الذين تحررت بلدانهم في فترة متقاربة، وهم يقضون حياتهم على رصيف الانتظار في انتظار "جودو" الذي لم يأتِ. واقفين على قدمين وساق.. عارضين خدماتهم، وملوحين بالشارات، ورافعين الراية البيضاء، لعلّ مارًا أو قادمًا سيأتي ليحملهم وينقلهم ولو كعفش زائد.
ضاقت بهم الأوطان، بعد أن فشلوا في استئناف الحياة الكريمة، الحياة الهانئة المستقرة، بعد رحيل آخر جنود الاستعمار عن بلدانهم البكر.
حاولوا وبذلوا، لا! هم لم يحاولوا، تمنوا فقط، وفي مخيلتهم نشدوا استدعاء عوامل التقدم، وسبل النجاة، لكنهم لم يخطوا خطوة واحدة باتجاه المستقبل المنشود، قعدوا يتمنون، ويحلمون، ويؤمّلون، قعدوا يتخيلون نعيمًا وغضارة ورفاهية قادمة، واستسلموا لطول الأمل، فحسب.
ففشلوا، وارتكست حياتهم، وعادوا أسوأ بكثير من أيام مستعمريهم.
طالت بهم حالة النوستالجيا، وطال بهم الحنين للماضي التليد، على إثر ذلك الركون، وتلك الارتكاسة، فانتصبت قاماتهم وقوفًا على الرصيف، علّ منقذًا سيأتي، ولو من أعالي البحار، لينجدهم، وليدفع عنهم الكرب والسخط والهموم، وينشّ عنهم الغموم.
وعلى هذا الحال باقون يعرضون خدماتهم ليمسحوا الجوخ لمن سينقذ، ولمن سيدفع أكثر، سواء أكان غربيًا أو كان شرقيًا، ولسان حالهم:
نحن هنا، وعلى أهبة الاستعباد.

الكلمات الدلالية