المايسترو محمد القحوم لـ«النداء»: السيمفونيات التراثية جسر اليمن إلى الموسيقى العالمية
محمد القحوم
في الحادي عشر من ديسمبر الجاري، أدرجت منظمة اليونسكو «الدان الحضرمي» ضمن قائمتها للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، في اعتراف دولي جديد بثراء حضرموت بوصفها إحدى أهم روافد الفن الأصيل في اليمن والعالم العربي. ولم يأتِ هذا القرار من فراغ؛ فهذه الأرض عُرفت عبر تاريخها الطويل بأنها مهدٌ للشعر والموسيقى، ومنبعٌ لأصواتٍ وألحانٍ تجاوز صداها الحدود ليصل إلى أصقاع المعمورة.
وفي هذا السياق الثقافي المتجدد، يبرز اسم المايسترو اليمني محمد القحوم بوصفه امتدادًا معاصرًا لذلك الإرث الحضرمي العريق. فقد لفت الأنظار، قبل أسابيع قليلة، خلال حفل افتتاح بطولة كأس العرب 2025 في قطر، حين قاد الأوركسترا اليمنية في عرض موسيقي استثنائي، قدّم فيه مقطوعات من تأليفه صُممت خصيصًا لتمزج الموروث الثقافي والفني للدول العربية في لوحة موسيقية واحدة.
ولم يكن هذا الحضور اللافت وليد الصدفة، بل ثمرة مسار فني طويل بدأه القحوم من مسقط رأسه في مدينة تريم، وتدرّج خلال سنوات دراسته في جامعة حضرموت، قبل أن يتبلور أكاديميًا ومهنيًا عبر معاهد ومؤسسات موسيقية عربية ودولية، وصولًا إلى تأسيسه مؤسسته الفنية «صدى الإبداع»، التي انطلقت من دبي نحو فضاءات عالمية أوسع.
ومنذ العام 2019، رسّخ القحوم حضوره عبر مشروعه الأبرز «السيمفونيات التراثية»، الذي أعاد تقديم الفنون اليمنية، والحضرمية على وجه الخصوص، في قالب أوركسترالي عالمي، جال به عددًا من بلدان العالم، بمشاركة موسيقيين من ثقافات وجنسيات مختلفة.
في هذا الحوار، يتحدث المايسترو محمد القحوم لـ"النداء" عن تجربته، ومشاريعه الراهنة، ورؤيته لما يطمح إلى تحقيقه مستقبلًا.

بدايةً، ما الهدف من إطلاق مشروع «السيمفونيات التراثية»؟
مشروع السيمفونيات التراثية هو مشروع يهدف إلى إعادة إبداع الفنون الموسيقية والتراثية، وتقديمها في قالب موسيقي عالمي بأسلوب أوركسترالي. المشروع ليس فرقة موسيقية؛ لأننا – عادةً – نجمع موسيقيين مختلفين في كل مرة، ونشارك مع أوركسترا مختلفة، وذلك وفقًا لما تتطلبه المقطوعات ذاتها، والتي تختلف بحسب اللون الذي يتم تأديته.
يقدم المشروع حفلات متنوعة، وكل حفلة تحمل اسمها الخاص؛ لذلك كان معنا مثلًا حفلة الموسيقى الحضرمية في الكويت، وحفلة الأوركسترا اليمنية في السعودية، و«نغم» في دبي بالإمارات، وغيرها.
هل يمكن اعتبار ما يقدمه محمد القحوم خطوة تأسيسية لوجود أوركسترا يمنية؟ وكيف تقيّم هذا الطرح؟
ما نقوم به في الواقع هو إعادة إبداع الأعمال التراثية في موسيقى عالمية من خلال الأوركسترا، إضافةً إلى تأليف وتوزيع وأداء أعمال أخرى جديدة كليًا بنفس الأسلوب. وبالتالي، عمليًا، نحن لم نقم حتى الآن بإنشاء مجموعة أوركسترالية يمنية ككيان مستقل.
المفهوم الأساسي للأوركسترا هو ببساطة أنها مجموعة كبيرة من العازفين على الآلات الموسيقية، وتضم عادةً الآلات الوترية والنفخية والإيقاعية. المشروع – على الأقل حتى الآن – لم يقم بإنشاء هذه المجموعة، وإنما يقوم بالتعاون معها، وهم من مختلف الجنسيات.
ما أبرز الأعمال الموسيقية التي أنجزتها لتترات المسلسلات الدرامية اليمنية؟
هناك العديد من الأعمال الموسيقية المؤلفة خصيصًا كهويات صوتية لعدد من المسلسلات اليمنية، من ذلك على سبيل المثال: مسلسل ماء الذهب، ممر آمن، سد الغريب، والعالية.
كيف تنظر إلى تجربة توزيع وإعادة توزيع الأغنيات التراثية؟ وما أبرز الأعمال التي شكّلت محطات فارقة في مسيرتك؟
خلال الحفلات الماضية، قمت بتأليف وتوزيع وإعادة توزيع أكثر من 60 عملًا. إن تقييم ما هو أبرز الأعمال بالضبط مسألة معيارية في الواقع؛ فالأشخاص المختلفون لديهم معايير مختلفة. فقد تكون المعايير مستوى التعقيد الموسيقي، أو مستوى الشعبية التي حظي بها العمل، أو تفاعل الجمهور في المسرح، أو الأداء على وسائل التواصل الاجتماعي.

المؤلف الموسيقي قد تكون لديه معايير أخرى تمامًا، مثل ارتباطه عاطفيًا بعمل معين، والنقاد الموسيقيون قد تكون لديهم نظرة مختلفة أيضًا. لذلك يصعب تحديد عمل معين بوصفه الأبرز. ومع ذلك، يمكن تسليط الضوء على أعمال تجمع بين عدة معايير، مثل: «ألا يا طير»، و«صبوحة»، و«ماء الذهب»، و«بحر الغريب»، و«يا وليد يا نينو»، و«صنعاء اليمن»، و«مزمار الهبيش»، و«متيم».
بعد سنوات من العمل الموسيقي، كيف تقيّم العائد المعنوي والمهني لتجربتك الفنية؟
الفن اليمني، والفنون التراثية بشكل عام، هي كنوز الشعوب ومصدر فخرها وثرائها. وعندما نقوم بإعادة إبداعها ومزجها بفنون أخرى، فإنها تؤدي إلى ربط الشعوب ببعضها، وتحفيز التبادل الثقافي، وتعزيز وحدتنا الإنسانية بغض النظر عن اختلافاتنا.
وشخصيًا، أعتبر أن أكبر مكسب يمكن تحقيقه هو التأكيد على هذه الرابطة الإنسانية والثقافية التي تجمعنا، وإعادة تعريف التراث، وتحقيق الاعتراف به على المستوى الإقليمي، وأطمح إلى مواصلة هذه المكاسب على المستوى العالمي بشكل أكبر.
إلى أي مدى يمكن إدماج التواشيح والأناشيد التراثية اليمنية ضمن المشروع السيمفوني؟
التواشيح والأناشيد التراثية اليمنية هي بالفعل ضمن الأعمال التي نقدمها. وعلى سبيل المثال، مقطوعة «رب بالسبع المثاني»، وهي موضع اهتمام، وتشكل جزءًا كبيرًا جدًا من الهوية والثقافة اليمنية؛ وبالتالي سيكون لها حضور ملحوظ.
ما أبرز ملامح مشاريعك الفنية القادمة؟
حاليًا لدينا عدد من العروض لحفلات موسيقية ومشاريع موسيقية في عدة دول، وسوف نعلن عنها في الوقت المناسب.
أخيرًا، ما الحلم الذي ما يزال محمد القحوم يسعى إلى تحقيقه؟
لدينا مشروع كبير، ورؤية واضحة لنشر وإعادة إبداع الفنون التراثية، وتحقيق أكبر تواصل ممكن بين الحضارات والثقافات من خلال الموسيقى. أهدافنا تتغير بمرور الوقت، وتكبر بطبيعة الحال، حتى تتكيف بشكل مستدام. الطموح دائمًا لا حدود له، وكلما وصل الإنسان إلى مرحلة تجده يتطلع إلى المرحلة التالية.