صنعاء 19C امطار خفيفة

زهران ممداني.. فاتح أمريكا الذي ينتظره العرب!

زهران ممداني.. فاتح أمريكا الذي ينتظره العرب!
زهران ممداني ــBloomberg

مقدمة: الفرح المؤجّل والوعي المقلوب

فرح العرب والمسلمون بفوز زهران ممداني في الانتخابات الأمريكية، وكأن الرجل على وشك أن يفتح واشنطن للعرب، ويمنحهم مفاتيح الجنة الديمقراطية الموعودة.
فرحوا به كما لو أنه صلاح الدين الجديد، لكن هذه المرة لا يحمل سيفًا، بل بطاقة انتخابية أمريكية!
المنصات امتلأت بالتهاني، والتكبيرات الرقمية تصاعدت، والوجوه المرهقة بالخذلان ابتسمت قليلاً... فها هو “واحد منّا” يصل إلى السلطة في بلاد “هم”.
ولكن، مهلاً… من نحن ومن هم؟

نحن وهم: ازدواجية الهوية والخطاب

نحن الذين نُفرح لفوز زهران في أمريكا، ونحاكم “زهراننا” في أوطاننا بتهمة “قلة الولاء” أو “قلة الأدب السياسي”.
نحن الذين نحلم بالديمقراطية في الغرب، ونراها “بدعة غربية” في الشرق.
نحن الذين نحتفل بحرية الآخرين، ونقمع حرياتنا باسم “الثوابت” و”الخصوصية الثقافية” و”الظروف الأمنية”.
الطريف أن من يرفع صور زهران اليوم على صفحات التواصل، هو نفسه الذي سيمنع ابن جاره غدًا من الترشح لمجلس بلدي بحجة “مش وقته”، أو “البلد مش ناقصة تجارب”.

الانتصار بالوكالة

العرب والمسلمون لم يفرحوا بزهران لأنه فاز، بل لأنهم يريدون من ينتصر بالنيابة عنهم.
يريدون من يثبت للعالم أن المسلم يمكن أن يكون ناجحًا… ولكن بشرط أن ينجح في أمريكا، لا في القاهرة أو الرياض أو صنعاء أو الجزائر.
هم يظنون – بصدق naïve – أن فوز زهران ممداني سيفتح أبواب أمريكا للعرب والمسلمين ليصدّروا إليها “تجاربهم” في إدارة الدول.
أي تجارب؟ تجارب الفقر، والفساد، والقمع، والاتهامات الجاهزة باسم الدين؟
ذاك الدين الذي رسم ملامحه “أصحاب القاووق” وأمراء المنابر، وحوّلوه من رحمة للعالمين إلى ترخيصٍ للقمع باسم الله!

النظام الذي لا يخاف من المواطن

زهران لم يفتح أمريكا، أمريكا فُتحت له لأنها مجتمع يؤمن بالإنسان، لا بالنسب ولا بالواسطة ولا بالقبيلة ولا بالحزب.
بينما نحن ما زلنا نحاسب أبناءنا على أسمائهم، ونشك في نواياهم، ونعتبر التفكير الحر مؤامرة مدفوعة الثمن.

باختصار:

زهران ممداني فاز هناك لأن النظام عادل، ولو ترشح هنا لكان في السجن أو في المقبرة أو في المنفى.

خاتمة: زهران الداخل... وزهران الخارج

في داخل كل عربي، هناك زهران صغير يولد كل يوم — يحلم، يفكر، يحاول أن يقول "لا" في وجه العبث، ثم يُسحق قبل أن ينطق.
زهران الداخل يُمنع من الكلام لأن صوته "يهدد الأمن العام"، ويُمنع من التفكير لأن فكره "يشكك في الثوابت"، ويُمنع من النجاح لأن النجاح في أوطاننا يُعتبر جريمة في حق الفاشلين الكبار.
أما زهران الخارج، فهو نفس الحلم حين يهرب من القمع إلى الأمل، من الجغرافيا إلى الفكرة.
هناك يُصفَّق له لأنه إنسان، لا لأنه ابن فلان أو مولى السلطان.
هناك لا يسأله أحد: من قبيلتك؟ من حزبك؟ من طائفتك؟ بل فقط: ماذا تستطيع أن تفعل؟

وهنا تكمن المأساة الكبرى:

نحن لا نحتاج إلى زهران ممداني واحد يفوز في أمريكا، بل إلى مليون زهران يولدون هنا، في شوارعنا ومدارسنا ومؤسساتنا، دون أن يُكفَّنوا بالشعارات ولا يُدفنوا بالأوامر.
لكننا — ويا للمفارقة — لا نزال نربي أبناءنا على الصمت، ثم نحتفل حين يتكلم ابن غيرنا في بلاد غيرنا!
نحن نقتل زهران الداخل كل يوم... ثم نصفّق لزهران الخارج كل أربع سنوات.

الكلمات الدلالية