صنعاء 19C امطار خفيفة

مجلس بلا دولة ودولة بلا قيادة

وصل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن إلى درجة غير مسبوقة من العجز، بحيث لم يعد قادرًا حتى على القيام بأدنى متطلبات إدارة الدولة، فلا تعيينات ولا قرارات ولا رؤية ولا حضور، وهذه الحالة لم تعد مجرد تراخٍ أو سوء إدارة، بل تحولت إلى شلل كامل يكشف أن المجلس مفكك من الداخل، وفاقد أية قدرة على العمل، كأنه كيان صوري وضع ليبدو مجلسًا، لكنه في الحقيقة أداة معطلة لا تقدم شيئًا ولا تحسم شيئًا.

وازداد الوضع خطورة مع تحول مناطق الشرعية نفسها إلى جزر حكم منفصلة، إذ بات كل طرف يعمل داخل مساحته الجغرافية كسلطة مستقلة بقراره وإدارته وأجهزته، دون أي اعتبار لوجود مجلس واحد يقود الدولة، وصار المشهد أشبه بسلطات متفرقة لكل منها مؤسساتها وولاءاتها وقراراتها، وهذا يعكس انهيارًا كاملًا في مفهوم القيادة الموحدة، ويكشف أن المجلس فقد السيطرة على بنية الحكم التي يفترض أنه يديرها.
وهنا يصبح السؤال حتميًا: هل استمرار المجلس بهذه الصورة يخدم اليمن، أم أن هندسته صممت عمدًا لتبقيه هشًا وعاجزًا حتى تستمر البلاد في حالة فراغ سياسي وتفكك اجتماعي وانقسام جغرافي، فمن غير المنطقي أن يبقى مجلس رئاسي بهذا الشكل ما لم تكن الفكرة أصلًا أن يبقى ضعيفًا، أو أن يبقى الجميع رهائن لخلافات داخلية تجعل المجلس مجرد غطاء لاستمرار العبث.
وفي ظل هذا الانهيار تمددت فئة من المنافقين والتافهين والمطبلين الذين تحولوا إلى واجهة سياسية وإعلامية يقدمون خطابًا زائفًا عن الوطنية، بينما يمارسون الكذب والنفاق والدس والحسد والشتم، ويغلفون كل ذلك بشعارات فارغة لا علاقة لها بالوطن ولا بالدين، وقد لاحظت خلال زيارتي الأخيرة لمصر، ومع متابعتي اليومية لما يجري في بلادنا، أن المجتمع اليمني يعيش حالة غريبة من الفوضى الأخلاقية والاجتماعية، فيها تتزايد العنصرية والكراهية والتشفي بين الناس في صورة مؤلمة ومخزية.
لهذا فإن بقاء مجلس القيادة الرئاسي بهذه الهيئة المتهالكة لن ينتج إلا مزيدًا من الفوضى والضياع، فاليمن يحتاج إلى قيادة تمتلك قرارًا وإرادة، لا مجلس عاجز لا يستطيع توحيد أعضائه، فضلًا عن توحيد الدولة. وإذا لم يحدث تغيير جذري يعيد صياغة السلطة التنفيذية على أسس وطنية، فلن يخرج اليمن من أزمته، وسيستمر الانهيار، فيما يقف المجلس متفرجًا لا يملك القدرة على الحركة، ولا الرغبة في التغيير.

الكلمات الدلالية