صنعاء 19C امطار خفيفة

مرحلة تاريخية حافلة بالأحداث والتطورات في المنطقة إبان قرنين من الزمن

مر الوطن العربي في أسوأ مرحلة تاريخية بدأت منذ القرن التاسع عشر باستعمار بريطاني وفرنسي لدول عربية وإفريقية، وقد اقتصر الاستعمار الإيطالي على احتلال ليبيا، وإريتريا، وجمهورية الصومال التي عرفت باسم "الصومال الإيطالي"، وعاصمتها مقديشو، وتقع على الساحل الغربي للمحيط الهندي، للتفريق بينها وبين جمهورية "أرض الصومال"، التي عرفت باسم "الصومال البريطاني" وعاصمتها هرجيسا، وتقع قبالة خليج عدن.

وللمعلومية، إن إيطاليا كانت متضامنة مع ألمانيا، والإمبرطورية النمساوية المجرية، أثناء الحرب العالمية الأولى (سبتمبر 1914م-11 نوفمبر 1918م)، لكنها أعلنت عن بقائها على الحياد.
وبعد الحرب العالمية الأولى، تم تقاسم الاستعمار البريطاني والاستعمار الفرنسي تركة الدولة العثمانية بعد انسحابها من الدول العربية عام 1918م، ووضعها تحت الانتداب، بموجب اتفاقية سايكس بيكو، وكانت فلسطين من نصيب بريطانيا تنفيذًا لوعد آرثر جيمس بلفور، وزير خارجية بريطانيا (1917م)، من لا يستحق ولا يملك لمن لا يستحق ولا يملك، وذلك بإنشاء دولة يهودية على التراب الفلسطيني، في حين كانت لبنان وسوريا من نصيب الانتداب الفرنسي... الخ.
وتمر الأيام مثقلة على الدول العربية التي رزحت تحت وطأة الانتداب البريطاني والفرنسي حتى هزيمة دول المحور (ألمانيا، إيطاليا، اليابان) من قبل الدول المتحالفة في الحرب العالمية الثانية (1939-1945م ): الاتحاد السوفييتي، واالولايات المتحدة الأميركية، والدول الغربية عمومًا.
وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين برقم 181 وتاريخ 29 نوفمبر 1947م، بعد التصويت عليه بالأغلبية: 33 مع القرار، و13 ضد القرار، و10 ممتنعين.. وتبنى القرار خطة تقسيم فلسطين الرامي إلى إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين،وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة، على النحو الآتي:
أولًا: دولة عربية 42.3%.
ثانيًا: دولة يهودية 57.7%.
ثالثًا: القدس، وبيت لحم، والأراضي المجاورة تحت وصاية دولية.
وبعد الحرب العالمية الثانية، هبت رياح التحرر من ربقة الاستعمار البريطاني والفرنسي، لكنه أبقى على علاقات مع تلك الدول بعد استقلالها، بعامل اللغة والثقافة والمصالح.
ومن الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة الأميركية ورثت بريطانيا وفرنسا، وكرست تواجدها لحماية مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة، ناهيك عن التنافس مع الاتحاد السوفييتي على مناطق نفوذ في العالم، وبخاصة في دول المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، ومن البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الهندي. وكان جل هم الولايات المتحدة الأميركية الاستئثار على موارد المنطقة العربية الغنية باحتياطات النفط والغاز والمعادن الثمينة. والأهم من ذلك الموقع الاستراتيجي الوسيط في العالم، والذي تمخر عبابه ناقلات النفط والغاز العملاقة، والبوارج والأساطيل، فضلًا عن تقليص المسافة، وتخفيض التكلفة التجارية والاقتصادية.
وبناء عليه، أحرزت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها قصب السبق الاقتصادي العالمي، مما أدى إلى انهيار النظام الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفييتي السابق وحلفائه، عام 1991م.
وبالتالي، تربعت الولايات المتحدة الأميركية على عرش النظام العالمي الجديد بصفة أحادية.
ومن هذا المنطلق، خلا لها الجو، بأن تمد نفوذها التجاري والاقتصادي على مدار البوصلة، وتقحم نفسها في الشؤون الداخلية لدول العالم، آمرة وناهية.
ويستحضرني في هذا الصدد بعض أبيات من الشعر لطرفة بن العبد، أحد شعراء المعلقات السبع، قائلًا:
 يا لك من قنبرة بمعمرِ
 خلا لك الجو فبيضي وأصفري
قد رفع الفخ فماذا تحذري
ونقري ما شئت أن تنقري
قد ذهب الصياد عنك فابشري
لا بد يومًا أن تصادي فاصبري
حقيقة الأمر، أن الولايات المتحدة الأميركية، أصبحت تفرض سطوتها على منطقة الشرق الأوسط، وتكبلها بقواعد عسكرية، وأساطيل وبوارج جيئة وذهابًا في المنطقة لحماية مصالحها الاقتصادية والتجارية، وبخاصة بعد بروز جمهورية الصين الشعبية كقوة اقتصادية كبرى منذ العقد الأول من القرن الجاري الـ21، ولجت حلبة المنافسة العالمية، مع الولايات المتحدة الأميركية، والدول الغربية، واليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا... الخ.
قمين بالذكر، "تم تأسيس (منظمة شنغهاي للتعاون- SCO) في 15 يونيو 2001م، من ست دول آسيوية: الصين، وروسيا، وكازاخستان، وأوزبكستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان. وتضم حتى هذا العام 2025م، بالإضافة إلى الدول المذكورة: الهند، وباكستان، وإيران،وبيلاروسيا.
كما تضم دولتين بصفة مراقب هما أفغانستان ومنغوليا، إلى جانب 14دولة بصفة(شريك حوار) منها 5 دول عربية: مصر، والإمارات، والكويت، والبحرين، وقطر".
"وتهدف المنظمة إلى تعزيز التعاون الأمني، والسياسي، والاقتصادي، والثقافي بين الدول الأعضاء، ومواجهة التهديدات المشتركة مثل الإرهاب والتطرف، بالإضافة إلى العمل من أجل الاستقرار الإقليمي والتنمية المستدامة".
وعلى صعيد آخر، "تأسست (مجموعة البريكس) عام 2006م، من خمس دول: الصين، وروسيا، والبرازيل، وجنوب إفريقيا، والهند. وتهدف المجموعة إلى تعزيز التعاون والتنمية المستدامة بين دولها الأعضاء. وقد تحولت منذ تأسيسها إلى قوة اقتصادية وسياسية".
واعتبرت الولايات المتحدة الأميركية أن "منظمة شنغهاي للتعاون" و"مجموعة البريكس" تحديًا لها.. ولجأت إلى أسلوب جديد بصياغة الخرائط لمواجهة التحدي بالتحدي، في مقدمتها خارطة الشرق الأوسط الجديد، وصفقة القرن المتضمنة تطبيع العلاقات الإسرائيلية -العربية، والتواجد العسكري في المنطقة، وإقامة قواعد عسكرية بهدف الحد من النفوذ الصيني ومحور معاهدة شنغهاي، ومجموعة البريكس للتعاون.
في واقع الأمر، إن الوطن العربي بإمكاناته ومقدراته الضخمة بقي أسير الصراعات الداخلية على السلطة والثروة، واستشراء الفساد من قبل الأنظمة منذ الثمانينيات من القرن الماضي (العشرين)، وأصبح معظم دول المنطقة رهنًا للتدخلات الإقليمية والدولية، مما جعلها فريسة، ورهنًا للمليشيات، وأدى ذلك إلى سوء الأحوال التنموية، والمعيشية، والأمنية، ولجوء أهلها زرافات مشردة إلى سائر أنحاء المعمورة، طالبين النجاة ورغيف الخبز، بعد انقطاع رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين وأجور العمال، في سابقة لا مثيل لها في التاريخ العربي.
وفي الختام، أود أن أقدم قراءة حول الأوضاع المتردية التي وصل إليها الوطن العربي من حروب، وفتن وفساد، وجهل، وفقر، ومرض، وقتل، وتشريد، على سبيل المثال لا الحصر:
- الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، بذريعة تصفية حركة حماس، وكذا الاعتداءات المستمرة للمستوطنين على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية الغربية والقدس الشرقية، بمساندة الجيش الإسرائيلي، بغية ضمها إلى مستوطناتهم بالقوة الغاشمة، يعتبر اعتداء سافرٕا ومخالفًا للقانون الدولي والقرارات الدولية.
- الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية بذريعة أن "حزب الله" لم يسلم سلاحه للحكومة، وأنه يحشد من جديد لمواجهة إسرائيل، ويشكل تهديدًا لوجودها.
- الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، ومحاولة احتلال مناطق حدودية، وضم بعض المناطق السورية مثل هضبة الجولان، وجبل الشيخ، بما فيه القنيطرة التي لا تبعد عن العاصمة دمشق أكثر من 30 كيلومترًا، أصبحت في طائلة الاعتداءات، ناهيك عن تمرد شيخ الموحدين (لهجري) في درعا، وتدخل إسرائيلي لحماية الدروز، إلى جانب تمرد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" شمالي شرق سوريا..
- الاعتداء الإسرائيلي الصلف على دولة قطر التي تقوم بدور الوساطة مع مصر بين حماس وإسرائيل.
- ارتكاب مليشيات الدعم السريع المتمردة على جمهورية السودان، إبادة جماعية لسكان "الفاشر" عاصمة ولاية دارفور، ومناطق أخرى، وتتوجه المليشيات نحو ولاية كردفان، وغايتها الوصول إلى مدينة الأبيض الاستراتيجية شمال كردفان.
- مشكلة الصومال منذ سقوط حكم الرئيس الفريق سياد بري، في يناير 1991م، ولجوئه إلى كينيا، ثم الى نيجيريا، بعد "حرب الأوجادين" مع إثيوبيا، والمشاكل الداخلية... وقد اندلعت حرب أهلية بين الفصيل الداعم للرئيس المؤقت علي مهدي محمد، والفصيل الداعم للجنرال محمد فرح عيديد.. وأعلنت جمهورية "أرض الصومال" عن استقلالها في مايو 1991م، بعد عقدين من المقاومة ضد نظام سياد بري.. عمومًا دخل الصومال في أتون حروب أهلية بين مليشيات وفصائل وعصابات متناحرة، كما انتشرت القرصنة في المحيط الهندي وخليج عدن.
وما زاد الطين بلة، تأسست حركة الشباب الصومالية المؤدلجة في أوائل 2004م، وهي حركة إسلامية راديكالية تدعو للجهاد ضد الحكومة الصومالية، وتقوم بالتفخيخ والتفجيرات الانتحارية بين حين وآخر في العاصمة مقديشو، وعادة ما تنطلق من الأدغال في غرب الصومال، وتطالب كما تدعي بحرب إثيوبيا الصليبية.. ويعتقد أنها تتلقى معونات مالية وعتادًا عسكريًا من دول إقليمية ودولية، بهدف إثارة الفوضى في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا، الامتداد الطبيعي للشرق الأوسط.
- عدم الاستقرار في ليبيا بين جماعتي "بنغازي وطرابلس"، بدفع إقليمي ودولي، وبهدف تقسيمها ونهب ثرواتها.
- عدم الاستقرار في تونس بين النظام برئاسة د. قيس سعيد، وأحزاب معارضة في مقدمتها حركة النهضة التونسية، بزعامة أ. راشد الغنوشي، الحقوقي، والسياسي، والمفكر الإسلامي، كما يحوز على مكانة كبيرة في العالم الإسلامي، وكان يشغل رئيسًا للبرلمان التونسي في الفترة (نوفمبر 2019-2022م)، وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات لأنه يتقاضى أموالًا خاصة من الخارج.
- عدم استقرار اليمن، وتكثر فيه المليشيات، ناهيك عن تردي المعيشية وانتشار ظاهرة الفساد... الخ. وددت هنا، ألا أكرر مأساة الصومال مرة أخرى.
- قرار مجلس الأمن بالحكم الذاتي للصحرا الغربية، والاعتراف بالسيادة الاقتصادية للمملكة المغربية على الأقاليم الجنوبية، والتي كانت مثار نزاع بين المغرب، والجزائر، وموريتانيا، وجبهة البوليساريو التي تأسست عام 1973م كحركة تحرر صحراوية، بهدف إقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية. وفي هذا الصدد، دعا ملك المغرب محمد االسادس، الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، إلى حوار صادق، لتسوية الأمور التي كانت مثار نزاع في المنطقة، وإعادة العلاقات إلى مجاريها الطبيعية بين الأشقاء. واعتبر المغرب أن 31 أكتوبر 2025م يوم عيد وطني للمغرب.
- وبالنسبة لموريتانيا، نشب نزاع بين الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز (2009-2019م)، والرئيس الجديد محمد ولد الشيخ الغزواني، حول مسائل تتعلق بفساد النظام السابق، وأمور داخلية أخرى، أدى إلى إصدار حكم على الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز بالسجن لمدة 15 سنة.
جوهر القول، إن ما سبق ذكره من أحداث وتطورات، يعتبر غيضًا من فيض عن الأوضاع الداخلية المتردية في بلدان المنطقة، بفعل أصحاب المشاريع وأطماع الطامعين إقليميًا ودوليًا، والضحية هي الشعوب العربية المغلوبة على أمرها.
والله المستعان وعليه التكلان.

الكلمات الدلالية