صنعاء 19C امطار خفيفة

مشهد استثنائي.. لا يليق بغير أرض وشعب مصر!..

"اذهبوا بعون الله، فازرعوا الأرض، وكلوا من خيراتها ولبنها، وقطعاتها، وصيدها.. وأطعموا جيادكم، وحافظوا عليها، فهي عدتكم ضد العدو، وبها تنتصرون وتغنمون واحفظوا عليها عهد جيرانكم الأقباط! إن أمير المؤمنين عُمر، قال لي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله سيفتح عليكم مِصر بعدي، فاحفظوا عهد أقباطها، فهم أهلكم ، وهم في حمايتكم)" من خطاب عمرو ابن العاص بعد فتحه لمصر عام 644م نقلاً بالنص من كتاب: (خريف الغضب) لمحمد حسنين هيكل – رحمه الله – صـ264.

دخول عمر ابن العاص مصر ـــ صورة تعبيرية

ومن يومها حتى اليوم والمجتمع المصري.. يعيش في توافق وسلم اِجتماعي بين مختلف مكونات المجتمع المصري الإسلامي والمسيحي بالذات.. واعتبار مصر هي القاسم المشترك بين الجميع.. فلا سلالة ولا سيادة ولا تميز ولا اصطفاء.
وتجلَّى سمو ودهاء وبُعد نظر عمرو ابن العاص.. في إبقاء بعض حضارة ومناظر وهياكل مصر بمكانها.. بل والحفاظ عليها! إذ قد شاهد حتما الأهرام و.. أبو الهول وغيرهما! مما كان مُشَاهد يومها ولا يزال، وقبل أن تكتشف مقابر (وادي الملوك) وغيرها!!..
لم يقل ابن العاص أنها مجرد تماثيل وثنية لا بُد من إن ازالتها! كما عمل غيره ممن جاؤوا بعده بقرون وبعدة دول!!. بل ظلت آثار مصر الفرعونية محفوظة ومصانة وكانت بعضًا من أهم أسباب ودوافع قيام بعض علماء التاريخ والآثار من غير مكان من دول العالم للذهاب إلى مصر والقيام بالبحث عن المزيد من آثار وحضارة مصر.. وليكتشفوا بين آن وآخر مالا عين رأت ولا أُذُنٌ سمعت ولا خطر على قلب مصري فضلاً عما عداه!! حيث وجدوا ذهباً خالصاً.. ووجوهاً لملوك وهياكل ومعابد وَغرائب مُدهِشَة حِساً ومعنى!

أهرامات الجيزة وأبو الهول

وهو ما يؤكد أن تاريخ مِصر.. ليس مجرد سِجل لنشاط أبنائها القُدامى و تجاربهم ومحاسنهم، فقط، وإنما أيضاً يُعد مدرسة تعلم شعب مصر خاصةً، وشعوب العالم عامة.. مدى عظمة ونباهة المصريين القُدَماء وَمَن بَعدهم، وكيف استطاعوا صناعة مجدهم التليد دون اكتشافات وتخصصات ونظريات يومها!! إضافة إلى ضبطهم كمؤرخين أيضا.. ما بات بين أيدينا اليوم، دون أقلام يومها تكتب.. ولا قرطاسيات تُسجل! وهو ما ينطبق بهذا الجانب على التاريخ بوجهٍ عام في كل زمان ومكان! ولنعرف من خلال ذلك أحوال (الفراعنة) والحضارة المصرية القديمة.. بقدر ما نعرف مختلف الحضارات والأمم السالفة!! في مختلف الدول والشعوب.
اعمدة حجرية منقوش عليها كتابة هيروغليفية
فالإنسان أي إنسان.. هو ما بناه وتركه بالأمس! ثم يذهب بلحمه ودمه لكنه يبقى بمعناه الذي نراه ونقرأه ونسمع عنه اليوم!
فها نحن نشاهد على أرض مصر العزيزة لمحات من حضارة سادت ومن جلال ووقار ومهام مصريي - الأمس – ونعود عبر المُشَاهد إلى عصر (فراعنة مصر) حيث نرى ملوكاً تترجل، ووجوها تتمثل، وَقِطَعا تراثية تكاد تنطق!!
والفضل الله ثم لمن فتحوا مصر ولمعظم من حَكَمُوها.. ممن حافظوا على تاريخها وحضارتها.. وكنوزها.. واكتشفوا المزيد منها!!
ولا غرابة بذلك.. فمن رمال مصر، ظهر بعض الأنبياء حيث موسى الكليم، ويوسف الصديق.. مروراً بعمرو ابن العاص الفاتح لمصر والعاشق لها.. وصلاح الدين الأيُوبي، مطهر قاهرة (المعز) من بعض ما علق بها من خرافات وأباطيل بسبب التشيع بها.. ثم.. لينطلق من مصر ذاتها لتحرير (القدس)! وصولاً إلى (نابليون) الذي بسبب جيشه المغرور وطيشه المعهود، ليخرج من مصر مذموماً مدحوراً!!
وليأتي في العصر الحديث محمد علي باشا البادئ بيناء نهضة مصر الحديثة. وخلال كل الفترات.. ظهر العديد من عباقرة مصر بمختلف المجالات السياسية والاقتصادية والفكرية والأدبية والفنية، كما ظهر بعصرنا الحديث خيرة الرجال ديناً وأخلاقاً وخُلقاً.
وجاء الزعيم جمال عبدالناصر.. الحافظ لاستقلال مصر ولكبريائها.. وأنور السادات، المُحرر ما ظل محتلاً إسرائيلياً منها.. وإعادة فتح (قناتها!).. حتى وصول.. عبد الفتاح السيسي.. الحريص على مكان ومكانة مصر.. وعلى أمنها واستقرارها..
المتحف المصري الكبير
ثم.. ها هو السيسي نفسه.. يفتح متحفاً يليق بتاريخ وعظمة وحضارة ومكان وَمكانة مصر وبمساعدة عَرَب وعجم! ليكون مستودعاً كبيراً لحفظ آثار وكنوز مصر.. ثم ليُفتح للجمهور من مصر ومن خارجها، ممن يأتون إلى مصر بالملايين سنوياً وعلى مدار العام.. ليشاهدوا عظمة مصر والمصريين.. من خلال مشاهدة ملوك ومعابد وهياكل وقطع أثرية نادرة لا تقل عن مائة الف قطعة! وغير ذلك من بدائع وغرائب الفراعنة وَمَن جاء بعدهم! ولتظل هذه الآثار بمختلف مسمیاتھا.. محفوظة بهذا المتحف الجديد.. ومصونة وبشكلها بالأمس! ولتمثل بمجملها.. لسان ناطق باسم حضارة مصر العزيزة ولِكُنه مكانها ومكانتها الخالدة..
قناع توت عنخ آمون
متذكراً هنا قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي يخاطب بها (أبو الهول) .. ثم . قصيدة أخرى يصف بها مقبرة: (توت عنخ آمون).. اقتبس منها الستة الأبيات التالية.. تذكرة وعِبرة.. إذ يقول:
((قفي يا أُخت يُوشع خبرينا
                 أحادیث القرون العابرينا
ملوك الدهر بالوادي أقاموا
               على وادي الملوك محببينا
وآثار الرجال إذا تَنَاهت
               إلى التاريخ خيرُ الحاكِمِينا
وأخذك من فمِ الدنيا ثناءً
               وتركك في مَسَامِعها طنِينا
جلال المُلك أيامٌ وتمضي
           ولا يمضي جَلالُ الخالِدِينا
سلامٌ يوم وارتكَ المنايا
          بواديها ويوم ظَهَرتَ فينا!!))
لیت شعري.. ماذا كان سيقول "شوقي" اليوم، وهو يُشَاهِد أكبر وأعظم متحف مصري في الدنيا!؟ و.. يا ترى ماذا لو ابتليت مصر (لا سمح الله) أكرر.. (لا سمح الله ولا قدَّر!!) .. بما ابتليت به بعض الدول والشعوب اليوم، خاصة ممن لها تاريخ وحضارة هي الأُخرى؟!! كحال (إيران) التي حباها الله بحضارة وثروات.. لكنها منذ قيام (ثويرتها) قبل أكثر من أربعين عاماً.. ظلت ولا تزال تبدد ثروات شعبها بالتدخل بشؤون بعض الدول والشعوب لهدف فرض (مذهبها) خاصة ببعض دول المنطقة.. وتحديدا.. بلبنان وسوريا والعراق واليمن.. حيث ظلت ولا تزال تنشر بها الخراب والدمار.. ومن خلال بعض من يعتنقون مذهبها! لتصرف المليارات التي ذهبت (هباءً منثورا) خاصة بسوريا!! وهو ما سيتكرر حتما بلبنان والعراق واليمن.. مع أن شعبها كان هو الأولى بتلك المليارات والاهتمامات.. بجانب الحفاظ على تراثها وحضارتها وجمع وحفظ ما سُرق واندثر من تماثيل وقطع!!
وكحال.. وطن كاتب هذه الأحرف، وبسبب إيران ذاتها! حيث المُبتلى كأي يمني آخر بمليشيات حوثية (فارسية).. وبسبب عَبَثَها وخرابها وطمعها.. صعب الحفاظ على بعض آثار وقطع تراثية وتاريخية ثمينة والبعض الآخر منها باتت تباع اليوم ببعض أسواق ومعارض العَرَب والعجم! فوا.. للقهر والغبن والألم ؟!.. وكما حدث لبعض تراث وآثار إيران واليمن.. حدث أيضاً لبعض آثار وتراث العراق وسوريا ولبنان وبسبب النظام الإيراني القائم اليوم ذاته.. فيا للعجب!!
فالحمدلله الذي عافى (مصر) مما اُبتليت به بعض الدول والشعوب.. خاصة تلك المُبتلى بالنظام الإيراني العَفِن!..
نهر النيل والاهرمات ـــ الإرشيف
فـ.. سلامٌ عليكِ.. أُم الدنيا وَمُبتدأها أُم العِز والمجد والإباء.. المعشوقة دوماً.. لبرها وبحرها.. لشجرها وحجرها ... لإنسانها بكل ما يُمثل من قيم وأخلاق.. مصر.. ربة (النيل) و (أبا الهول) و (وادي الملوك).. أرض الخير والعطاء المُلهَمَة لكل من أقام على أرضِك.. وكل من أكل (فولِك) وشرب من (نيلك) ودرس بأروقة (أزهرِك) وبمدرجات معاهِدك وجامِعَاتِك.. وتتلمذ على بعض أبنائك.. داخل مصر وخارجها.. وتعلم أبجديات (الفن) والتمثيل من بعض رِجالك وَمَعَاهِدك و (مَسَارِحك).. حيث فتحتِ أرضِك وسمائك وبحارك لاستقبال كل من ينشد علماً ويتطلع لحرفة..
سلام عَليكِ مِصر العزيزة.. موطن كل من لا وطن له أو شُرد من وطنه.. خاصة خلال السنوات القليلة الماضية، حيث فتح شعبك قيادة وحكومة وشعباً.. أرضهم وقلوبهم وذراعيهم لإغاثة الملهوفين.. الشاردين من أوطانهم.. بسبب بعض علل ومحن بعض ابناء جنسيتهم ممن نفذوا توجيهات (النظام الإيراني) خاصة بعض المنتمين له ديناً ومذهباً.. ليفارقوا أوطانهم (مؤقتاً)! وليجدوا على أرض مصر.. وبين أشقائهم المصريين.. المعروفون بإسعاد غيرهم.. الأمن بعد الخوف، والغِنى بعد الفقر والرخاء بعد الشدة.. وكل ذلك دون مَنٍّ ولا أذى، بل ولم يجدوا فوارق تذكر بين أوطانهم وبين أرض مصر!!.. وهو ما أتعايش معه عند تواجدي بمصر وما يتعايش معه الملايين ممن كان لغلمان (النظام الإيراني) دورٌ في تشريدهم.. إضافة إلى مَن يفضلون البقاء بمصر أو زيارتها.. أو قضاء ما تبقى من أعمارهم على أرض مصر.. وهم كثر.. ومن غير مكان من دول وشعوب العالم!

رمسيس الثاني داخل المتحف المصري الكبير

ولو كنتُ أنا اليمني الناجي من بطش غلمان الفُرس والمتواجد بمسقط رأسي.. الناجي هو الآخر من احتلالهم (المؤقت) لغيره.. أقول.. لو كنتُ ارغب بوطن غير (اليمن) لَمَا رغبتُ بغير مصر! فسلام عليك مصر العزيزة.. أرضاً.. وسماء.. سهلاً وجبلاً، براً، وبحراً، حاضرة وبادية!!..
ثم.. أما بعد
لقد ظللتُ مساء السبت الأول من نوفمبر الماضي.. أشاهد حفل افتتاح المتحف المصري الجديد بحضور رئيس مصر.. ومعه ضيوفه الذين قارب عددهم الثمانون.. ملوكاً ورؤساءَ.. وأُمراء وحكاماً.. ووزراء.. جاؤوا من كل بقاع الدنيا ليشهدوا اِفتتاح أعظم وأكبر متاحف الدنيا! ويشاهدوا بعضاً مما جسدته بعض الفرق الفنية من حضارة وكنوز وتاريخ مصر.. ومن ذلك.. لوحة فنية ظهرت عبر الأضواء بموسيقى رائعة عن السلم الاجتماعي بين مختلف مكونات المجتمع المصري..
إفتتاح المتحف المصري الكبير بحضور الرؤساء والملوك
وكانت من أهم أسباب ذكري لخطاب عمرو ابن العاص والمُتصدر لهذه "الدردشة" التي حاولت منذ مشاهدتي لذلك الحفل الاستثنائي الذي لا يليق بغير أرض وشعب مصر.. استخدام أجمل المفردات.. والمحاولة لتحسين الكلام وتزيينه.. لكنني ظللت ابحث عن تلك الكلمات والجمل التي تعبر عن ذلك الحفل والمشهد وبما يليق به.. وما يعنيه عرضاً وجوهراً.. دون جدوى.. ومع اعترافي بعجزي.. اكتفي بهذه (الكلمات) التي اعتبرها جُهد المُقِل.. مع أني اجتهدت وأحسب أن لكل مجتهدٍ نصيب ولو كان بمثل هكذا كلمات؟!!

الكلمات الدلالية