صنعاء 19C امطار خفيفة

السودان.. وما أدراك ما السودان

في كل مرة، وأمام ما نقرأ ونشاهد من الدماء وبشاعة الجرائم المتبادلة في بعض الأقطار العربية، أجد نفسي مأخوذًا ومستعيدًا ما قاله مدرس اللغة الروسية في الكلية التحضيرية بموسكو، حين قال له أحد الطلبة اليمنيين: كل شيء يسير في بلدكم بالمسطرة والقلم، ما باقي إلا تسلموا.

رد عليه المدرس بالقول: نحن هكذا أفضل، لو أسلمنا بنصير مثلكم، مردفًا: وأنت ماذا تفعل هنا غير البحث عن تأهيلكم علميًا، والعودة بشهاداتكم التي نمنحكم إياها؟
هذا الحديث دار بينهما العام 83، مع أن الأوضاع العامة في الدول العربية كانت مستقرة إلى حد ما. ترى لو أن هذا المدرس مازال على قيد الحياة، وفي ظل هذه الأوضاع المزرية والمخيفة في كثير من الأقطار العربية، ترى بماذا كان سيرد؟ وبأية لغة تحقير وتذمر سيعبر عن الفارق بيننا؟
نعم، استعدت هذا الحوار وأنا أشاهد عمليات القتل الجماعية، وبتلك الطرق البشعة التي لم تستثنِ حتى الأطفال والنساء، ناهيكم عن عمليات الاغتصاب التي تعرضت لها نساء وفتيات المنطقة دون رحمة أو شعور بوخز الضمير وحصانة الجانب الأخلاقي.
يحدث هذا في السودان، البلد الذي عرف بطيبة أهله، وعدم اتسامهم بصفات العنف وإسالة الدماء وارتكاب ما يسيء لهم من الجرائم، أسوة بكثير من البلاد العربية التي تبدو لكأنها تتبارى في من يحصل على المرتبة الأولى في العداوات والحروب، وما يترتب عليها من أساليب العنف والقتل والتشريد، نماذج العراق وسوريا وليبيا ويمن الإيمان والحكمة وأصل العرب!
كم نقف مشدهين أمام ما يحصل في البلدان التي رأى الطالب اليمني الالتحاق بدينها، لتكتمل عظمتهم وسيرهم بالمسطرة والقلم التي أشار لها!
كم يعتصرنا الألم وصعوبة استيعاب مدى الاستعداد الذي يبديه الإنسان العربي في إراقة دماء أبناء وطنه، حتى وإن تباينوا في المواقف السياسية والانتماء المذهبي والعرقي والقبلي، هذه الأعراض المرضية المزمنة في واقعنا العربي، الذي يدعي الانتماء الإسلامي، وبما يفاخر به على هذا الصعيد، الذي دفع بالمدرس الروسي للتفاخر بحاله العلمي والإنساني والأخلاقي، بعيدًا عما ندعي من القيم الإسلامية وتعاليم ديننا الحنيف.

الكلمات الدلالية