براغماتية متأخرة..
الزيارات المكوكية، والتصرفات البروتوكولية وحدها لا تكفي، وإن لبس أحدهم ربطة العنق، وقصر الشعر، وبدا أكثر مرونة بتوزيع الابتسامات، وحرارة المصافحات، وانفرجت الأسارير ببسط التفاؤل على الأرائك، وسكبت عبارات المجاملات السياسية.
كل هذا لن يعطي إشارات مفهومة، واضحة وحصيفة، في ظل ليبرالية متأصلة ترتكز على الشفافية الكاملة، وتعتمد على الحقائق الكاشفة، والتعاملات الحياتية، وتتعاطى مع السلوكيات المنبثقة عن مدى الالتزام بالمبادئ الإنسانية، وما يتفرع عنها من نهج ديمقراطي حقيقي، وتداول سلمي للسلطة على مستوى الأحزاب، نفسها، وعلى مستوى الدولة، وما إلى ذلك من حرية وعدالة ومساواة، واعتراف بحق الآخر في القول والتعبير والعيش المشترك، وجماع ذلك بتطبيقه كله على أرض الواقع المعيش.
فلا يتوقع أحدنا أن مجرد زيارة له إلى لندن، ومقابلة هذا المسؤول أو ذاك، ستذيب على إثرها الجليد، وستحدث تحولًا تاريخيًا في العلاقة بين الطرفين، وأن تطبيعًا تامًا للعلاقة ستحدثه هذه الزيارة، وعلى يد هذا الزائر، أكان شخصًا أم وفدًا يمثل هذا الحزب أو ذاك.
لا بد، قبل ذلك وبعده، من معرفة طبائع وتصرفات وسلوكيات الدول، وبخاصة تلك التي لا تخضع للعواطف، وإنما لتعاملات المبادئ الاإنسانية، ولقوانين العقل والمنطق.
لأجل ذلك، فلا تتوقع أن زيارتك لأية عاصمة غربية، ستفتح بها ومن خلالها ثغرة أو ممرًا سالكًا ومعبّدًا، مهما بذلت كثيرًا من الطيبة، أو أغرقت بالعاطفة الفياضة.
فالسلوك العاطفي قد ينفعك كثيرًا، ولكن في بلاد العرب أوطاني..