صنعاء 19C امطار خفيفة

الشاعر باجعالة رحل ورحلت معه الكلمة الشجاعة

من شعر تسعينيات القرن الماضي، تحديدًا بعد نكبة حرب عام 94م المشؤومة.

ففي ذلك التاريخ تفاعل كثير من الشعراء المحليين، سواء بالسلب أو الإيجاب، مع هذه الحرب ومع المنتصر والمهزوم، أي بعبارة أخرى البعض منهم اتخذ من شعره طريقًا لكشف أفعال المنهزم في تلك الحرب، وإظهار عيوبه للناس طوال حكمه وحتى ساعة رحيله.
حتى إنه ظهرت حالة من الفرح لدى هؤلاء الشعراء برحيل ذلك النظام وأهله.
وعلى الجانب الآخر ظهر بعض الشعراء المناصرين للمهزوم، ليس حبًا له بهذه المناصرة، بل هي غريزة الانتماء للأرض، تلك الأرض التي ينتمون إليها جميعًا.
والشعراء كما هو معروف أنهم لسان حال الناس بشعرهم الذي يعبر عما يجيش في صدور الناس من الأفراح والأتراح.
وحتى لا نطيل عليكم، ندخل في صميم ما نعنيه من قول:
فر يا نوب علي عسى لا
طاب مراعك ولا ضم جبحك عسل
ريت لك لا تحصل جنى
لا في علوبك ولا رؤوس النخيل
هذه الكلمات هي للشاعر الراحل سعيد سالم باجعالة.
باجعالة الذي عرف بصراحته المعهودة في أغلب أشعاره، وعدم مهادنته وخوفه من أحد، فهو يقولها على بلاطة كما يقولون، وأوضح بكل صدق ما بداخل نفوس الناس من ذلك النظام الفاشل الذي تخلصوا منه.
فمن أول كلمة إلى آخر كلمة من قصيدته هذه، والتي كما نرى أنها تنم عن الفرح الكبير الذي عاشه الناس بعد رحيل ذلك النظام، فكلمة (فر) تعني في لهجتنا المحلية الدعوة عليك بالرحيل، أي التخلص منك بهذا الفرار لأية جهة، المهم فرارك وإبعادك.
ولم يكتفِ الشاعر بدعوته إلى الرحيل، بل يلحقها بتلك الكلمات التي لا تقل كرهًا عن سابقتها، بعدم حصول ذلك الراحل على المشرب والمأكل، بقوله:
ريتك لك لا تحصل جنى
لا في علوبك ولا رؤوس النخيل
ولهذا الشاعر الشجاع كثير من الأشعار في هذا الجانب الحساس، لم تصلنا كاملة، بل سمعنا مقتطفات منها.
أما شاعرنا الكبير سالم بن عمرو الغرابي العكر، فهو أبى إلا أن يكون له حضور مثله مثل غيره من الشعراء، مع أن الشاعر العكر سلك نفس مسلك باجعالة في مضمون قوله، إذ يقول:
والعود بين الجماعة شتق
والمحايين جابت صميم الحجر
وثرت في الخشب
لان القسي وانعطف والحديد المسقي من اللاهبة ذاب
ويكفينا بداية وآخر هذه القصيدة لمعرفة ما يعني العكر بهذا القول: العود بين (الجماعة) شتق
والأخير: لان (القسي) وانعطف والحديد المسقي من اللاهبة ذاب
فالجماعة المذكورون معروفون حق المعرفة لدينا، وأما القسي العنيد فهو لم يقاوم وانتهى عناده سريعًا أمام لهيب النار، بل إنه ذوبته هذه اللاهبة المشتعلة.
كذلك الشاعر سعيد سالم بلكديش أدلى بدلوه وشارك إخوانه الشعراء، بقوله:
شق قوك ع الطول ياحمر من نوعه
وردوا لك مناشير ع كل عينه
بعدما تعبت أهل المناجر
جابوا بالصبر والكيف والبار
وهذه القصيدة تعتبر واضحة، ولا تستدعي الدخول في ثنايا تفاصيلها، فمن يقصده الشاعر بقوله شق قوك ع الطول وتفننوا في شقه هو معروف ونفس من كان يقصده الشاعر العكر في قصيدته السابقة.
وبالتأكيد أن ثمة قصائد مضادة ومتعارضة مع هذه القصائد، لكن لم نحصل حتى على الشيء البسيط منها لإظهارها وإظهار أصحابها، واكتفينا بما هو أمامكم من قصائد، وهي لشعراء كبار صقلتهم تجارب سنوات عطائهم وميادين الشعر التي خاضوها.
بقى أن نقول: رحم الله الشاعر سعيد سالم باجعالة، رحمة واسعة، هذا الشاعر الذي برحيله ترك فراغًا كبيرًا لا يمكن تعويضه بسهولة، كيف لا يكون رحيله ترك هذا الفراغ الكبير، وهو من كان الصداح والمجاهر بما لم يقدر على قوله كثير من الشعراء.

الكلمات الدلالية