صنعاء 19C امطار خفيفة

وصية الجاوي... عمر

عمر الجاوي

ثلاثة عقود مرت على رحيل الرمز الوطني الكبير عمر عبدالله الجاوي... إليه، لروحه، نهدي هذه الكلمات.

كفى شتاتاً

الكل في بلادنا يضرب أخماساً في أسداس، ولو كان الأمر هيناً عليهم لضربوا الودع أيضاً، وفلقوا الحجر ليستطلعوا من الأولى ما عساه يقول علم التنجيم، بعد أن عجز علم السياسة ونظرية التفكيك عن إدراك كوامن وغموض ما يكتنف حالة الارتباك التي تشل حالة البلد، وحالة المجلس الرئاسي المرتبك الغائب عن البلاد.
وإن لم تنفع تلك الوسيلة قد نلجأ مجبرين لفلق حواجز الحجر والقلاع العالية المتمترسين خلفها، فلا هم تحركوا ولا حرّكوا الحجر، دليل وجود حركة توحي باستمرار الحياة، ونحن نخشى تدحرج الحجر ليقع بثقله على أمهات رؤوسنا جميعاً بعد أن أكل الدهر منها وشرب.
وهيهات نسكت، يا زمن، على ما نراه بأمّ العين من أشياء تستفز طاقة البشر. فلا حلم تحقق، ولا حكم استقر، ولا مطر نزل.
بل منغصات شتى تطال جسدنا، جسد وطن يتمزق، ينتحر، ينتحب.
فبالله قولي يا زمن، قولاً صحيحاً لا يُمالي أحداً من الحكام في أرض الوطن. أهي حكومات تتفنن في عذابات البشر، أم أنها معلقة بين فاقد الرجاء وبين قليل العطاء، بزمن لم يعد به أحد يهب دونما ثمن؟
فالماء إن جاء، أقفل راجعاً راكباً خُفّي حنين، لا يترك أثراً، ونور الكهرباء إن هلّ أو ليلاً أطلّ، سريعاً سريعاً يتوارى، مثل لصٍّ يسرق المقل، ربما خوفاً من عتاب كهل أو تعنيف عاقلة أقعدها الدهر، أو من مريض طال به عذاب المرض والسهر.
دعني أصارحك القول يا زمن، كيف لوطن أن ينام هادئاً، ينام وقادته بكل حدب هائمون خارج الوطن، ليس ليوم، ولا لشهر، بل لأشهر وعدة من أيام أُخر.
وإن تحاكيت عن الأمن، قل ما تشاء، قل احكِ عن أمنٍ منعدم، عن من يفرض الجبايات عنوة، وغيره ليس أقل شراً وشرر.
ذاك يقتل، ينهب، عابراً يسلب روحه، أطفاله، وسيارته التي ولّت هاربة مع الفجر بالأمس... بالأمس القريب.
رئيس حكومتنا القاطن أعلى الجبل، أو أينما سكن، مجرد أن يحرك ساقيه يحرك رتلاً من سياراته باحثاً عن موطئ قدمٍ لكتزٍ يغطي مما بداخله رواتب بشرٍ ينتظرون، وقد طال بها الانتظار وبلغت الروح الحلقوم.
فهل من حل؟ نرجو ذلك كامل الرجاء أن تتحرك أخشاء المعاشيق بحضن الجبل دون أن يشهر الأشاوس سلاحهم، يقررون ذبح ما تبقى من أملٍ يتلاشى مع ظلام دامس، مع ليلٍ باهتٍ طال، ونهارٍ غاب واحتجب.
نأمل، هكذا أوصى بوصيته أبو أزال... عمر، ما زال بيننا نجماً ثاقباً يحرس الجبل.
إذن، بربك يا زمن، نسألك: ما العمل؟
العليمي، مع حفظ المقامات، خارج الوطن.
الزبيدي، مع حفظ المقامات أيضاً، طار سريعاً إلى موسكو، وأسرع عاد بخفيّ حنين.
وكن بغير ذلك لنا أمل وغيرة بمأرب، وصاخب صعدة له رواية أخرى خارج سياقات الوطن.
وغيره خارج الوطن، وثاني اثنين إذ هما في الغار، عفواً، إذ هما بسكة السفر، تقاسما التذاكر، ما تبقى من حصة المواطن والوطن.
أغداً ألقاك يا وطن؟ فبماذا يتساءل أبو أزال... الجاوي عمر؟
بزفة العيدروس؟
بزيارة الهاشمي؟
بدعاء ابن علوان؟
وترانيم ما خلف الباهوت؟
أم تراها بإعادة قراءة الثامن عشر من برومير بين صنعاء وعدن؟
قال لي الجاوي عمر:
اقرؤوا آية الرحمن، أرضٌ طيبة، وربٌّ غفور،
والشعب له الخيار، يختار ما يرى،
إن شاء عاقب، وإن شاء غفر.
تلك وصية الجاوي عمر، ونحن على موعد مع الزمن.
الأبيض أبيض، والأسود عليه يا عمر... عليه لعنة الزمن، عليه لعنة الزمن،
من خالف مصلحة الوطن، مصلحة شعب يبحث عن مستقر تحت الشمس، يبحث عن خيمة تقيه التشرد، حرارة شمس، بكاء طفل بحضن أمه، باحثاً عن رشفة، عن رضعة.
فيا حسرة الزمن، يا حسرة الوطن، قد جف الضرع، والناس بين الموت والرجاء بطلوع الروح تسأل:
متى، متى ينزل المطر؟
متى يهطل المطر؟

الكلمات الدلالية