صنعاء 19C امطار خفيفة

الانتهازية السياسية وإفلاس النخب في المشهد اليمني

في كل مرحلة من مراحل التحول اليمني، تظهر على السطح أصوات تتحدث بلغة الخارج أكثر مما تنطق بوجع الداخل، أصوات تحترف تبرير الفشل وتوزيع الاتهامات، بينما تتنصل من مسؤوليتها التاريخية عن إنتاج الأزمات ذاتها. تلك هي مشكلة النخب اليمنية التي لم تستطع حتى اليوم أن تقدم قراءة وطنية صادقة لما جرى، بل ظلت تراهن على التموضع وتبديل الولاءات كلما تغيرت موازين القوى.

لقد تحولت السياسة في اليمن إلى ساحة للمكاسب الشخصية، لا لمشروع وطني جامع، إذ تتعامل بعض النخب مع الحرب والسلام كفرص للمساومة والظهور، لا كقضايا تتصل بمصير وطن وشعب. ومن المؤسف أن الخطاب العام أصبح أسير تبريرات جاهزة تُلقي باللائمة على الخارج، وتُغفل جذور الأزمة في الداخل من فساد وضعف مؤسسات وتآكل الثقة بين المكونات الوطنية.
ولا يمكن إنكار أن التدخلات الخارجية أسهمت في تعقيد المشهد، وأن تعدد المصالح الإقليمية والدولية جعل من اليمن ساحة تجاذب. ومع ذلك، فإن المسؤولية الأولى تبقى يمنية، لأن من سمح بتدويل الأزمة هم أولئك الذين فشلوا في إدارة التباينات بالحوار، وفضّلوا الارتهان للتحالفات العابرة بدل بناء توافق وطني مستقر.
لقد كان دعم الأشقاء في التحالف العربي تعبيراً عن موقف مسؤول تجاه أمن المنطقة واستقرارها، غير أن غياب الرؤية اليمنية الموحدة جعل ذلك الدعم يتوزع بين أطراف متنازعة فاقدة للبوصلة الوطنية. ومع مرور الوقت، أصبح القرار السياسي في حاجة إلى استعادة توازنه عبر رؤية يمنية جديدة تعيد الاعتبار للدولة، وتغلق الباب أمام الاستثمار السياسي في الفوضى.
اليمن اليوم يقف على مفترق طرق، بين مشروع وطني ينهض على الشراكة والمواطنة، وبين استمرار عبث النخب التي تقتات من الأزمات. الحل يبدأ من الداخل، من مراجعة جذرية لثقافة الانتهازية، واستعادة الوعي بأن الوطن لا يُدار بالبيانات ولا بالولاءات الخارجية، بل بالإرادة الوطنية، وبالثقة التي تعيد للدولة هيبتها ولمواطنيها الأمل.

الكلمات الدلالية