اليمنيون كأقليات في وطنهم
تمثل الأزمة اليمنية الحالية امتدادًا لأزمة أعمق تم افتعالها خلال فترة الحرب والهدنة، وهي أزمة تتعلق بالهوية الوطنية ذاتها. فالانقسامات على مستوى السلطة امتدت إلى المجتمع، وأنتجت حالة من التشرذم في الانتماء والولاء، وانعكس ذلك على ضعف قبول الآخر وتعدد الهويات داخل البلاد.
إن مسألة الشراكة والتنوع لم تعد قضية سياسية تخص السلطة وحدها، بل أصبحت قضية اجتماعية تمس جوهر النسيج الوطني، ما أثّر بشكل مباشر على قدرة اليمن على مواجهة التحديات والبقاء موحدًا.
 أحد أبرز مظاهر هذه الأزمة هو محاولات سلطات الأمر الواقع خلق هويات بديلة خالصة الولاء لإقطاعياتها، مع سعي واضح لتصفية الآخر المختلف في تلك المناطق. هذه الممارسات لا تهدد الهوية الوطنية الجامعة فحسب، بل تُعزّز الانقسامات الاجتماعية وتُكرّس الصراعات وتمنحها طابعًا أيديولوجيًا وعنصريًا واضحًا.
 في هذا السياق، يلعب الجنوبيون المرتبطون بصنعاء، حتى كأقلية محدودة العدد في المهجر، دورًا مهمًا في الحفاظ على التوازن الوطني. فتمسّك هذه الأقلية بالوصل مع سلطة صنعاء لا يُعبّر عن تأييد مطلق، بل عن حرص على صون الهوية الوطنية الجامعة بعد أن جرى تفتيتها إلى هويات فرعية وعنصرية في مناطق سلطات الأمر الواقع. ولولا هذا الدور، لانطبق على الجنوبيين المقيمين في صنعاء وصف “المرتزقة” أو “اللاجئين”، وهو ما ينسحب أيضًا على من أصبحوا أقليات في مناطق أخرى خاضعة لسلطات مختلفة. تمثل هذه الأقلية بذلك صمّام أمان للهوية الوطنية، وهي بمثابة القابض على جمر الوحدة في ظل التحديات المتنامية.
 توضح هذه المعطيات أن أي حل مستدام للأزمة اليمنية لا يمكن أن يقوم إلا على شراكة حقيقية تبدأ من صنعاء، باعتبارها العاصمة والمدينة الأكثر تنوعًا اجتماعيًا وسياسيًا، حيث تتلاقى فيها الأفكار والتوجهات وأبناء المناطق كافة. إن بناء هذه الشراكة يُعدّ شرطًا أساسيًا للحفاظ على الدولة الموحدة، وتفادي انزلاق اليمن نحو كيانات متصارعة، يسعى كلٌّ منها إلى فرض هويته على الآخر في جغرافيات ممزقة.
 في الختام، تُظهر التجربة الراهنة أن اليمن يقف اليوم أمام مفترق طرق: فإما أن تتحقق شراكة وطنية حقيقية تبدأ من قلب التنوع في صنعاء وتؤسس لمرحلة جديدة من قبول الآخر، أو أن تفقد البلاد فرصتها الأخيرة في الوحدة، وتستمر الانقسامات على أسس أيديولوجية وعنصرية، مع ما يحمله ذلك من تفكك اجتماعي وسياسي طويل الأمد.
     
                 
                                                                                 
                         
                        