الكفاح في سبيل الأوطان عزة وإباء
إن النضال في سبيل الأوطان واجب مقدس، فالأوطان لا تُباع ولا تُشترى، كما إن الأيديولوجيات والتبعية، ومحاولة فرضها بقوة السلاح على الشعوب، تُعد نوعاً من الفاشية، والإرهاب الفكري، ودمار الأوطان.
إن الوطن هو الأم الرؤوم، ودونه الموت الزؤام، والتضحية في سبيله لازمة، لمواجهة الاستعمار والأنظمة الفاسدة، انطلاقاً من مفهوم راسخ أن حب الأوطان من الإيمان:
وللأوطان في دم كل حرٍّ
يدٌ سلفت ودَينٌ مستحق.
للأسف الشديد، إن الاستئثار على مقدرات وإمكانات البلدان من عدو خارجي أو نظام فاسد، يجب مقاومته بشتى الوسائل الممكنة:
فما ضاع حقٌّ لم ينم عنه أهله
ولناله في العالمين مقصر.
حقيقة الأمر، إنها مأساة الشعوب عندما تنقلب أحزاب أو مليشيات على أوطانها، وتجعل منها صيداً سهلاً للأعداء، ومجالاً لتنافس أطماع الطامعين.
إن ما نشهده اليوم من مآسٍ في بلدان عربية هو خلاصة تراكم خمسة عقود من الفتن، والفساد، والحروب، أدت إلى غياب الأمن والأمان والاستقرار، وكانت نتيجتها قاسية، أوصلت الشعوب العربية إلى ما نحن عليه اليوم من تيهٍ، وإملاقٍ، وسقمٍ.
في واقع الأمر، كان عزاؤنا الوحيد في اليمن أن الشباب اليمني ارتقى إلى مستوى المسؤولية الوطنية بالإسهام الفاعل في مؤتمر الحوار الوطني (2012م – 2014م)، الذي أفضى إلى "مخرجات وطنية" لبناء يمن جديد، ينعم بمواطنة متساوية، وعدالة اجتماعية، وانتقال سلمي للسلطة، واعتُبر الأنموذج الوطني الأمثل لليمن للخروج من النفق المظلم.
ولكن هيهات، هيهات، إذ أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، وإذا باليمن تدخل في خضم حربٍ ضروس، داخلية وخارجية، أسفرت عن دمار وخراب هائل في البُنى الأساسية، راح ضحيتها مئات الآلاف من الشهداء والجرحى.
وما أود توضيحه، أن اليمن أصبح على حافة الهاوية، بل على كفّ عفريت؛ فإما أن يراجع اليمنيون أنفسهم ويعودوا إلى طاولة المفاوضات، ويقفوا سوياً لإنقاذ اليمن واستعادة ما أُخذ عنوة من أراضٍ يمنية، وإما الانصياع لرغبات المعتدين، وتثبيت السيطرة على سيادة البلاد، وتفتيتها، ونهب تراثها وثرواتها، والاستيلاء على موانئها وجزرها، إما بيعاً أو إيجاراً، بهدف تغيير ديموغرافيتها واحتلالها، وإما فرض وصاية دائمة عليها بذريعة محاربة الإرهاب والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
تعددت الأسباب والموت واحد.
في واقع الأمر، آن لنا عودة إلى التاريخ، فإنه رغم الكوارث والمحن، عوّدنا الشعب اليمني أن يسترجع كامل ترابه الوطني، وما أشبه اليوم بالبارحة.
ولا مراء، فإن اليمن ستنهض كالعنقاء من رماد جسدها لتسترد سيادتها على كامل ترابها الوطني بكل عزةٍ وإباء.
جوهر القول: إن التضحيات في سبيل الأوطان، سواء من عدو خارجي أو من نظام فاسد، هي من يجب أن تُرصع ذكراها بأحرفٍ من نور على صفحات التاريخ المجيد.
وإن المضحين هم المناضلون في سبيل حرية وكرامة أوطانهم، وأيقوناتها في كل الأزمان، وهم من يجب أن تُقام على ذكراهم الصلوات، ويُرفع لهم الدعاء عند كل صلاة، وهم أيضاً من تُقرع لهم الأجراس، وتُعزف لهم أناشيد البطولات باختلاف أديانهم، ومللهم، ومعتقداتهم، في سائر الأوطان.