شتاء الحديدة.. موسم الدفء والسياحة الداخلية في اليمن
مع حلول فصل الشتاء، تتحول محافظة الحديدة إلى وجهة مفضلة لآلاف العائلات اليمنية الهاربة من برد الجبال، حيث يجد الزوار في المدينة الساحلية دفء المناخ وسكينة البحر وكرم أهلها.
تقول أم هانئ (44 عامًا)، القادمة من محافظة إب، إنها لا تفوّت قضاء الشتاء كل عام في الحديدة، بالتزامن مع عودة ابنها من السعودية لقضاء إجازته. وتضيف في حديثها لـ"النداء": "منذ أكثر من أربع سنوات نحرص على الحديدة شتاءً، نزور الحدائق ونستمتع بأمواج البحر صباحًا ومساءً، وننطلق بسيارتنا في جولات على المناطق الأثرية داخل المدينة وخارجها، حيث يجتمع الصفاء والمتعة."
وتؤكد أن ما يجعلها تعود كل عام هو الطقس المعتدل والمأكولات البحرية الطازجة التي تتنافس المطاعم في تقديمها بأشهى النكهات، إلى جانب الأكلات الشعبية التي تشتهر بها المحافظة الساحلية.
الحديدة.. ملاذ الهاربين من البرد
تستعد الحديدة خلال هذه الأسابيع لاستقبال أعداد متزايدة من الزائرين القادمين من محافظات ريمة، والمحويت، وذمار، وصنعاء، وحجة، وإب وغيرها، حيث يُفضّلها الكثيرون بفضل طقسها اللطيف خلال الشتاء.
ويقول وهيب عبده، أحد الزوار الدائمين من محافظة ذمار: "نغادر مع بداية البرد القارس إلى الحديدة كل عام، فهنا ننجو من قسوة الشتاء التي تُرهق أطفالنا في المرتفعات. الجو دافئ والأسعار مناسبة، ونقيم لدى أقاربنا حتى يعود الاعتدال إلى الطقس في منطقتنا."

أما أم مهند من صنعاء، فقد جعلت من الحديدة مقرًا شتويًا دائمًا لأسرتها، حفاظًا على صحة زوجها المصاب بجلطة دماغية. تقول: "ننتقل كل عام إلى الحديدة لأن الجو هنا معتدل. زوجي يتحسن وأطفالي يستمتعون بالهواء الدافئ، بعكس صنعاء حيث يمرضون ويقل نشاطهم بسبب البرد."
وتستأجر الأسرة شقة مفروشة قرب الساحل طوال فترة الشتاء للاستجمام ومتابعة العلاج وسط أجواء البحر المريحة.
وجهة سياحية بامتياز
لا يقتصر سحر الحديدة على مناخها فحسب، بل تمتاز بتنوع طبيعي وثقافي فريد، من مدنها التاريخية مثل زبيد وبيت الفقيه والسخنة والضحي، إلى معالمها الأثرية داخل المدينة مثل حارة السور، وباب مشرف، وقلعة الكورنيش، فضلًا عن الجزر الخلابة كمران، وحنيش، وزقر التي تزين سواحلها الغربية.

كما تحتضن المحافظة وديانًا غنّاء مثل وادي زبيد، ووادي سردود، ووادي مور، ووادي سهام، إلى جانب محمية برع ومديرية المراوعة ذات المناظر الخضراء، فضلًا عن الحمامات العلاجية في منطقة السخنة.
ويقول علي مغربي الأهدل، نائب مدير الهيئة العامة للآثار والمتاحف بالحديدة، إن المدينة “تجمع بين الجبال والسهول والسواحل والجزر والمياه الكبريتية، ما يجعلها مؤهلة لتكون مركزًا سياحيًا متكاملًا.”
ويضيف لـ"النداء": "الحديدة أصبحت ملاذًا لأبناء المحافظات الجبلية في الشتاء، بفضل طقسها الدافئ وإطلالتها البحرية الفريدة."
إقبال متزايد في الأعياد والمواسم
تشهد الحديدة ذروة الإقبال خلال الأعياد والعطل، إذ تشير تقارير رسمية إلى أن أكثر من 300 ألف زائر توافدوا إليها خلال عيد الفطر 2023، فيما بلغت نسبة إشغال الفنادق 100%.
وفي عيد الأضحى من العام نفسه، بلغ عدد الزوار نحو 120 ألفًا من مختلف المحافظات، رغم ارتفاع درجات الحرارة، لتظل الحديدة الوجهة الأولى للسياحة الداخلية في اليمن.
وذكرت تقارير لاحقة أن العطلة المدرسية النصفية لعام 2023 شهدت زيارة أكثر من 40 ألف أسرة، ما أنعش الأسواق والخدمات داخل المحافظة.
دعوات لتحسين الخدمات وتنظيم السياحة
تقول ناشطة من الحديدة - فضّلت عدم ذكر اسمها - إن تزايد الإقبال على المدينة ساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، إلا أنه تسبب أيضًا في ازدحام وضغط على الخدمات الأساسية.
وتضيف لـ"النداء" : "الحديدة أصبحت وجهة محببة للجميع، لكننا بحاجة إلى تنظيم حركة السير، وضبط المخالفات، والتوسع في إنشاء المنتزهات والحدائق لاستيعاب الأعداد المتزايدة."
وترى أن تعزيز البنية السياحية وتوفير بيئة آمنة ومريحة للزوار سيسهم في ترسيخ مكانة الحديدة كعاصمة للسياحة الشتوية في اليمن.