الحق أقول لكم
يحدث في عدن ما لا يحدث...
يحدث أني نسيت في عدن ماذا تعني مفردة العاصمة
وعبثًا أفتش عن سند أو دليل، في كل أضابير الوجع المنثورة فيها نثرًا، والنازفة عند كل ناصية وزقاق. كلها فاقعة الأنين عن انهيار سمي خطأً بعاصمة أو خطأ من عاصمة.
على أن بعض العزاء قد تجده عدن، في رفض العالم المتمدن لهذه التهمة عليها، في وقت لا ينفك فيه أدعياء حكمها من كيلها عليها آناء الليل وأطراف النهار. والمضحك المبكي، أن جميع أولئك الأدعياء المفخخين يرفضون ما لبسهم حقًا من تهم الرئيس المؤقت أو النائب المؤقت أو الوزير المؤقت أو المحافظ المؤقت.
أي دمعة حزن لا لا يا عدن.
ومن ناحية أخرى..
فلولا حزن البحر وتنهدات أمواجه التي تدمي القلب أسى وحسرة، لنسيت كيف يكون الميناء الذي احتفظت به عدن عشرات القرون، فإذا به يتلاشى في بضع سنين. كأن تلك القرون الطوال لم تكن شيئًا مذكورًا على جغرافية البحر المهشمة هي الأخرى..
أما البحر... هذا الغامض الكحلي، فكأنه ما خلق إلا لكظم الغيظ، لا يتقن حرفة الصدى وترجيعاته، وليس من طبيعته أن يبوح بسر من أسراره إلا لمن يستبطنه في تأمل ما بعد العميق، إلا لفئة من الشعراء الذين حازوا مرتبة النبوة.
ولا يعرف كيف فقد حتى حقه في التساؤل: كيف اختفت فجأة تلك الجوار المنشآت في البحر كالأعلام، والتي كانت تلوذ بأمانه العدني صبح مساء؟!
على أن الأنكى من هذا وذاك، أن عدن تكاد تنسى معنى المدنية التي طالما علمتها للناس أجيالًا دخلوا في مدنيتها أفواجًا، نسيتها حتى قبل أن ينسى الناس ذلك، أو أنها غدت تزاحمهم على "النسيان المدني" هذا.
لذا لا تسألوها أرجوكم
لا تسألوا عدن كيف نسيت؟
أخشى عليكم غائلة النسيان المدني!